بدأ الاهتمام بسيكولوجية البورصة عقب الكارثة التي تعرضت لها بورصة وول ستريت يوم الاثنين في 19 تشرين الاول العام 1987. وكانت هذه الكارثة كبيرة بحيث سمي ذلك اليوم"
بالاثنين الاسود". فقد بلغت الخسائر في ذلك اليوم 500 مليار دولار. زهي خسائر يمكنها انتؤدي لانهيار وول ستريت ومعها الاقتصاد الاميركي لو انها استمرت على ذات الوتيرة لغاية اليوم الثاني. مهما يكن فقد كان ذلك اليوم مناسبة لانطلاقة الدراسات النفسية حول البورصة. وتحديدا حول سلوك المضاربين فيها والعوامل النفسية المؤثرة في هذا السلوك.وذلك وفق الطريقة الاميركية التي تحاول الانتفاع من كل ما هو متوافر لها.
من اهم هذه الدراسات واحدة قام بها روبرت شيلر، من جامعة يال، قام فيها باجراء استفتاء لالفين من المستثمرين.يستمزجهم فيه الرأي حول اسباب حدوث الاثنين الاسود.محددا لهم الاسباب التالية:1- رفع مصرف كيميكال بنك لسعر فائدته و2- اعلان ارقام العجز في الميزانية الاميركية و3- الهجوم الاميركي على محطة نفط ايرانية و4- عوامل داخل السوق نفسها.
اجاب على الاستفتاء 1000 مستثمر ومالت غالبيتهم الى التاكيد بان السبب يعود الى عوامل داخل السوق نفسها. حيث ذكر المستفتون ببوادر هذه العوامل في 12/10/87 (اي قبل بضعة ايام من الاثنين الاسود) يوم ظهرت تقلبات حادة في السوق. كانت مقدمة للاثنين الاسود. وتستوقفنا في المجال دراسة اخرى اجراها الباحث السيكولوجي ستانلي شاكتو من جامعة كولومبيا. وفيها تناول العلاقة بين القيمة الفعلية الموضوعية للسهم وبين سعره المتداول. فوجد ان سعر السهم يحدد بناء على الآراء التي تسود السوق حوله وليس بناء على قيمته الفعلية. وحلص شاكتو للتأكيد بان سعر السهم يحدد بناء على الشائعات والدعاية وصورته في السوق وغيرها من العوامل النفسية التي يمكنها استغلال العديد من المعطيات الاجتماعية والمعلومات والتوقعات اتوظفها في هذا الاتجاه او ذاك. وهذه نتيجة خطيرة (لانها تجعل من البورصة مكانا آمنا لممارسة النصب) لكنها حقيقية.
اما الباحث فيرتون سميث (جامعة اريزونا) فقد انتقل من صعيد المراقبة الى صعيد التجريب. فاراد تحديد العوامل التي من شانها اثارة طمع و خوف المستثمرين. فقام بجمع عدد من طلابه وجعلهم يضاربون في بورصة مفترضة. فوجد انهم كانوا يطرحون الاسهم باسعار اكبر كثيرا من قيمتها الفعلية مما يؤدي لازدهار السوق.الا ان الاسهم لاتلبث وان تعود لقيمتها الفعلية وتنهار. وبذلك تحدث دورات ازدهار وهمية تسمى ب:"
فقاعات السوق". وظن سميث ان هذه الفقاعات ناتجة عن جهل الطلاب بطبيعة مسار البورصة. لذلك اعاد التجربة على مستثمرين حقيقيين ففوجيء بانهم ولدوا فقاعات اكبر من تلك التي ولدها طلابه. وكان لهذه الدراسة نتيجة تحولت الى نصيحة ذهبية للمسؤولين عن الاقتصاد. وهذه النصيحة هي:"
لايمكننا الاعتماد على حكمة المستثمرين والمضاربين ولا على خبرتهم." وهي قاعدة لايزال معمولا بها حتى اليوم.
كما وجد سميث ان الخبراء بين مضاربيه كانوا يدركون حقيقة الفقاعة. الا انهم كانوا يدخلون في المضاربة طمعا في الربح. لكن 15% فقط من بين هؤلاء الخبراء كان يحسن الانسحاب في اللحظة المناسبة. اي قبل هبوط الاسعار وبالتالي الخسارة. اما الباحت ديفيد دريمن فقد اعتمد الاسلوب الاستقرائي في كتابه المعنون (( الاستراتيجية الاستثمارية المعاكسة )). وفيه يرى ان الانهيارات المالية تحدث وفق ذات الوتيرة منذ قرون. اذ يبدأ الامر بشائعة عن اشخاص حققوا مكاسب خيالية في مجال استثماري معين فيحصل الازدهار الذي يستمر لغاية ظهور شائعة مضادة فتنهار الاسهم. وبمعنى آخر فان دريمن لايحصر الامر بالسيكولوجيا عامة بل هو يخصصه بفرع منها هو سيكولوجيا الشائعات. الآن والاقتصاد الاميركي يعاني من ازمة حقيقية، يعترف بها المسؤولون ويضخمها بعض المعلقين، فلنحاول تطبيق مباديء الاستقراء على هذه الازمة علنا نتمكن من استشفاف مستقبلها. فبالعودة الى يوم الجمعة في 14/4/2000 نجد ان بورصة التكنولوجيا (ناسداك) قد تعرضت لهزة قوية. ونجد ان بورصة الاسهم التقليدية(وول ستريت) قد تاثرت بهذه الهزة. الامر الذي يجعلنا لا نفصل بين البورصتين.كما نلاحظ الشبه بين التغيرات الحادة في ذلك اليوم وبين تغيرات 12/10/87 التي سبقت الاثنين الاسود. ايضا نلاحظ ان السلطات الاميركية اعتمدت كل الآليات الموضوعة للحماية بناء على دراسات الاثنين الاسود. وهذا قد يفسر لنا اسباب تاخر ظهور الهزة التالية لغاية الآن. الا ان مراقبة المؤشرات الاقتصادية الاميركية تشير الى تراجع فعلي خلال الفصلين الاخيرين من العام 2000 اي الى بداية حزيران (يونيو). حتى وصل الامر الى شكوى تجار التجزئة من الانخفاض الحاد في مبيعاتهم. الامر الذي يعكس بداية خوف الاميركي العادي من الازمة. ومعه الرغبة في الحد من انفاقه والمحافظة على مدخراته. وهذا بحد ذاته يشكل تحديا لبوش و للثلاثي غرينسبان- ليندسي- اونيل. وهو تحدي مقبول من الفريق. حيث انتقل من التوقع الى الفعل. فكانت خطوات غرينسبان بخفض الفائدة بمقدار نصف نقطة لمرتين متتاليتين خلال اقل من شهر(كما اشرنا). اما بوش فقد باشر بطرح المرحلة الاولى من مشروعه لخفض الضرائب. وهي تتعلق بخفض يصل الى1,3 مليار دولار سنويا. وبمعنى آخر فقد بدأ الفريق يضع المال في جيوب الاميركيين لتحصينهم من الصدمات القادمة ولاستيعاب خوفهم من المستقبل. في المقابل نلاحظ صعود اليورو –يتوقع ان مساواته للدولار نهاية آذار(مارس) المقبل. ومع هذا الصعود تحسن كبير في توقعات الاسواق الاوروبية ومستقبل اليورو وجذب الاستثمارات باتجاه اوروبا. فهل تتحمل السوق الاميركية هذا الازدهار الاوروبي؟. الجواب هو نعم كبيرة لثقة الاميركيين بقدرتهم على التحكم بالاقتصاد الاوروبي. حيث النفط هو اداة التحكم الرئيسية. وبامكان الاميركيين لجم السوق عن طريق الزيادات المدروسة في اسعار النفط. ان هذا التحليل يعني اللقاء بين المصالح الاميركية والعربية. كما يعني استعدادا اميركيا للشراكة مع العرب. ومع ذلك فان على العرب البقاء خارج اللعبة. فمن غير المسموح لهم تحديد اسعار نفطهم وفق الحسابات العادلة لمستويات التضخم العالمية. ولا هم في وضع المطالبة بادراج النفط ضمن سلع منظمة التجارة العالمية. فهذا الادراج يجعل اسعار النفط خاضعة للعبة السوق وخارجة عن السيطرة الاميركية. ومع ذلك فان مراجعة سياسة بوش الاقتصادية قد تبرر طرح السؤال عما اذا كانت هذه المنظمة قابلة للاستمرار وهي تبدو متعارضة مع الخطط و المصالح الاميركية؟.
الأحد ديسمبر 12, 2010 4:46 am من طرف سبينوزا