«وقر المليار على وجه مولاه..» الـمهـدي الـكــرّاوي -
guerraoui@gmail.com «ليس هناك سوى المال لننسى حقا أننا أغنياء»، الكوميدي والمقدم التلفزيوني الفرنسي الشهير، فيليب بوفار.حكاية الوزير مزوار، الذي أضحكنا حقا فوزه بجائزة مجهولة توج بها كأحسن وزير مالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقترب كثيرا من قصة معبرة في أمثالنا الشعبية تقول: «العيب ماشي على من حرث في السطاح... العيب على من خمس ليه»،... والحقيقة أن لقب أحسن وزير مالية طبيعي أن يفوز به السيد مزوار، فقط لأنه أنقذ البنوك العالمية من الإفلاس وأدخل إلى أفرانها التي فقدت اللهب وامتلأت بالرماد نارا موقدة بعد أن اقترض جبلا من الأوراق النقدية تصل إلى مليار أورو.
والحق أن وزير مالية حكومة عباس الفاسي أدخل ليس السعادة والحبور على البنوك العالمية المتخصصة في إغراق الدول بالديون، بل أوجد لها دخلا سنويا سيسدد به المغاربة المليار أورو بغلاف مالي سنوي يصل إلى 50 مليار سنتيم لمدة 10 سنوات، وهي كلها أعمال تستحق أن تمنحه أحسن وزير مالية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط... لأنه لا أحد من وزراء مالية تلك الدول سيجرؤ على اقتراض مبلغ خيالي سيرهن شعبا وأجيالا بأكملها لتسديده بأزيد من 50 مليارا في السنة.
لعبة الاقتراض التي دخلناها على يد الوزير مزوار تعيد إلى الأذهان معاناة السلطان مولاي عبد العزيز مع الديون التي احترف اقتراضها من الدول الأجنبية ليسدد بها ديونا قديمة، حتى إنه اقترض في سنة 1900 الملايين ليسدد بها 30 مليون فرنك صرفها في 3 سنوات فقط وكان عمره آنذاك لم يتجاوز الـ20 سنة، وانتهى به المطاف معزولا بعد أن بايع أهلُ مراكش وفاس أخاه السلطان مولاي عبد الحفيظ في سنة 1907، لكن بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء لسنة 1906، سيصبح للأجانب الحق في الملكية العقارية في المغرب وسيؤسس بموجبه الفرنسيون البنك المخزني المغربي برأسمال أجنبي وستسيطر القوى الأجنبية على المداخل الجمركية للمملكة التي غرقت في الدين الخارجي.
المليار أورو الذي قفز مزوار من مقعده الوزاري ليقترضه من الخارج موجود في الداخل، والمليار الذي سنجبر نحن المغاربة على تسديده مع فوائده للعشر سنوات القادمة كان ممكنا الحصول عليه بلا فوائد وبلا حاجة إلى الاستدانة الخارجية،... فالمغرب يتوفر على مقالع رمال سرية تدر على أصحابها الملايير، وفي منطقتي الصويرة القديمة وكاب كونتان، شمال وجنوب آسفي مثلا، هناك مقالع رمال غير مرخص لها تدر على أصحابها أزيد من 80 مليون سنتيم في اليوم الواحد، ولدينا مجالس منتخبة بالآلاف ما بين جماعات قروية وحضرية ومجالس إقليمية وجهوية، كلها تتصرف في المال العام بمنطق: «دخلناهم يشربو الرايب قالو حقنا في الزرايب».
فجميع ميزانيات المال العام التي تحضـّرها تلك المجالس المنتخبة بها فصول مضحكة تتطاير منها، لو قمنا بجمعها، الملايير.. يجري هدرها في أشياء تافهة، فالمجلس الإقليمي لآسفي الذي يسيره حزب الاستقلال، مثلا، يخصص في ميزانيته ضمن خانة المصاريف 20 مليون سنتيم للاشتراك في الصحف ووكالات الأنباء؟ وأزيد من 100 مليون سنتيم كمصاريف لتنقلات الرئيس داخل وخارج المملكة مع 126 مليونا كمصاريف للوقود وتأمين السيارات، و40 مليونا لاستهلاك الهاتف، وقرابة 3 ملايير كرواتب لموظفين أشباح، مع فائض مالي سنوي يفوق 150 مليونا يجري توزيعه في سرية على مشاريع وهمية...افقط لتبرير الصرف.
حكومة عباس الفاسي، بمنطقها الخاص في صرف المال العام، تعطي اليوم الانطباع الملموس بأنها لا تحرث مع الوزير مزوار في أسطح المغاربة فقط،... بل «تتخمس» ليه.