كم نبذر من الحياة كل يوم
إبراهيم المصري
(مصر)
ليهدأ ازدحامُ صوتينا
فلا نبدد الجموحَ إلى مطر
يضربُ الزجاج
ونحن ساهران
نرمق فرسا أخضر
يشق بروحهِ العتمة
هكذا .. .. ..
تعرت السماء
وامتد من عينينا
لون ناحلٌ للرحيق .. تهمسين وأهمسُ أن الحياة مبالاة غامرة
أو لا مبالاة ..
أن شتاءً غير هذا الشتاء
سيكون حُلوا
ودافئا
إن تلاقت أصابعنا في الضغينة
إن بكينا بنهدين
يقسمان الصدر إلى غيمةٍ
وشفةٍ تستقبلها وسوف نبكي .. .. ..
مطمئنين إلى رائحة الحناء
تحت الوسائد
وإلى رقصةٍ
لا تفتن الأصدقاء
فهم يعرفون محابرَ أقسى للزرقة
ونعرف نحن .. .. ..
أن الحياة ذاهبة فينا
إلى قضاء الحاجة ولا يُتم عصفورٌ موته على الزجاج الذي تشظى
آخذا من وجهينا
شكله وخطاياه
وعلى الأرض مرايا
تسيلُ دون حزن أكثر
ودون عنادٍ تنفثه البراكين
فلكلٍّ محنتهُ التي
توزع الخبز على رصيفٍ
لا يعبأ به البشر
إذ أخذوا حاجتهم منه
ومن الغيب
ومن الشجر الفضي تحت قمر
يرفعُ أسراره اللاهبة ..وحين ظننا الطرائدَ مأسورةً
بكينا معا ..
وأحببنا الأعداء والأصدقاء
وقلنا ..
لينفع الله بالمحنة كل ليل
أحصى القتلى على عتباته
فكانوا بشرا
وأشجارا وحيوانات
وكانوا مُدنا
لأبوابها نحيبٌ تسكنه الملائكة
وإذا الليلُ قرينُ حاجتها إلى الكآبة
فتحت بابا
واستمعت إلى الأباريق
تنسلُّ بأعناق غَمُضَ الخمر عليها
وغَمُضَ الماء
وغَمُضَ أيُ شرابٍ يهذب الظمأ
وأنتِ دائما .. .. ..
تنظفين قميصي من الغبار
وأنا دائما .. .. ..
أمسحُ عن شعرك الطويل
حرائقه المديدة .. فهل تحبين الكلام عن الحب
وهل تحبين أن نذهب
حَدَّ رقةٍ تكذبُ .. والعذوبة
طفلنا الذي لا ينام
وهل تحبين هذه الحياة
إن سكناها قاربا
تملي عليه الريح أمنياته
ويملي عليه البللور
ضوءا مهربا من الزمن
وإذ عيناكِ ظامئتان
تسهبين حريرا
فيستريح حنانك في ظله
هاتفا
باختمار الشجن
.. أيتها الأغنية
خلف سكون قارص
وخلف نوافذ تنضح في وحدتها ..سوف لا نرتمي
سوف لن نغني هذه الأناشيد
.. خجلٌ أم صلاة ؟
دمعة الحائط المقابل للصمت
ونحن في الجمود
أم نحن في السيولة ؟
.. الأمُ في اعتلال صحتها
وهذا الحنان
يخطئُ الفؤادَ دائما
أو دائما لا يخطئُ الفؤاد ؟
.. أحبكِ وأحبُّ الليل
وسواءٌ مطرٌ على الزجاج
أم حليبٌ لا يكترث
بسهو نهديكِ في الأماسي ..كنت ظامئا
وكان الكلامُ انكفاءَ جسدي
لن أدخل بعد الليل بيتا
ولا أعرف إن كان صمتكِ اشتهاءً
أم نسيانا يقشر الوتر
ويُتلف الموسيقى بذهابِ أختي إلى النوم
لم تكن أختي
ولا زوجتي
ولا صديقة ليل
جف من حنينهِ إلى أمرأةٍ
تسامرهُ
وإلى دقتين على الباب
إحداهما قمرٌ
والأخرى خطأ في الكلام الذي
يأسرُ الأشقياء وهكذا .. .. ..
سحبت خلفي أشباحا
يبكرون معي إلى الأسى
وإذا نمت
تسللت كهوفٌ ومغارات
وهاجت منارات فوق كفن
مهمل دون صاحبهِ الذي ..
ينسلُّ من الخريطةِ نحو حوافٍ
تناسبه
لم يلمسُ الماء
ولا كانت مناديلُ حنطتهِ
مشبعة بالغرائز
ولا كان جسدا
كي يشبه الرمل
ولا كان يفهمُ شيئا
حين قلنا له
أيها الرجل .. .. ..
هل توقظ من نعاسنا أرقا
يحتشدُ في المجيء إلى مهادنةِ الأرزاق
وهل تعرف النبع الذي
جفَّ بانتظارنا على الأرض
إننا هنا .. .. ..
معذبين بوطءِ الظلام ذرى أحلامنا
مهددين بالموت
وباخضرار أعناقنا في الكلام
تذهب الروح
حيث تمضي الأقدام إلى عصيان الراحة
وكلما هاجمنا الخوف
بانقضاضنا على الأسماء
تقفز الخليقة بالماعز من أفواهنا
وبالقوارض من راحةِ اليقين
كأننا .. .. ..
لم نملك من أعصابنا غير سوطٍ
يحصي علينا حجارة الريح
والأيام التي أتلفها البوح
والصداقات والأورام
والموت الذي يطعمنا برتقالا وأوسمة
ويسيل باحتقار الندم
وبالخشوع المشدودِ على أحصنةٍ
تركل بالصهيل أرواحنا
وتشربُ باصفرار القلب
يقين موتهِ
وتحاصر ساحة أننا هنا
في المشيئةِ والقدرة والأزمنة
وفي اختلاس الدم
شفرةً تلمعُ باقتدارها على الوداع
وباقتدار خبرة البكاء
على المحاباةِ من كل صديق
ينفخ رغوة عينيه ويصغي :
إنه الليل .. ..
الليلُ والنحيبُ يا صاحبي
الليلُ وانفجارُ أنثى
بوعي حانةٍ
نام سُكاراها على الزمن
واستراحوا
بموتٍ مؤقتٍ في الغياب
وفي النبيذ
يسرحُ بالقصائد والأغنام
ويرعى عيونا
جففتها اليرقات
وأعذارا مالت بالنواميس
إلى حيث النوم ثغاءُ الحالة
والحذاء
فطرة الذهاب إلى العافية
وإلى النزوح من أي كأس
يرمى على الليل حكاياته ويرمينا
جثثا
أنقصَ النبيذ وزنَ قيامتها
واستكانت بنومها
إلى ياقاتِ قمصاننا
تفتح باحتضارها صدفة الطنين
ولا تبالي
أن سجادة
تترامى زخارفها على الأرض
حيث الماء زجاج يحبس الأسماك
والغابات ألفة
تبادلها الوحوش طعنة بطعنة
وحيث الينابيعُ أشجارٌ
تنمو على الوسائد
وأنت نائمٌ
تحلمُ بالرقةِ والهواء
وتروي قصصا
يُلقي بها الأطفال تحت أسرتهم
سئموا حكاياك
يعرفون جيدا
كيف يبذرون الأبد
وكيف ينامون دون قططٍ
تحمي مصائرهم
كلما حلقت في الغبار
كي تغيب عن البال
وعين عيون الأمهات ..وهكذا .. .. ..
تواطأ الحنين
كي تضل غرفٌ كثيرة
والقيامة عشبة لامست صوتي
وهذا غزالٌ يخطرُ في الغرابة
دمهُ سليلُ نجمةٍ
تلوث البحر
وتسطع في التقاء شفرتين على إصبع
يحرسُ الأفلاكَ أنْ تضلها رأسي
ويشطبُ اللسان
حين يبادرُ بالصرخةِ .. يا إلهي
جثة تتدلى من ربطةِ العنق
هي قيد
والكلام قيد
وفرارُ الطائر من روحهِ
أنشوطة
علقت الطائرَ جرسا
وعذبته بالرنين كلما
يصيحُ طالبا الماءَ أو المغفرة
أو يشاطر القلب
نفث بخار يئزُّ صاعدا
حيث الأحلام تسكن المواساة
بريئة من الذنوب .. يا الله
مضى في رحلتهِ قطارٌ
لا يُتقن الأمومة
وخلف النعاس
ملاكٌ يشبهني ..وهكذا خرجنا .. .. ..
مدججين بالموانئ والزكام
إلى صحراءٍ
تهيئُ الأشواقَ على رقصةِ ذئبٍ
يعرفُ كيف يكون حرا
هادئا
في انقضاضهِ على النجوم
وعلى الينابيع
تلمعُ في عيون فرائسهِ
وفي كأس تناثرت شظاياها
وإذ كنتُ واعيا
لنشيدٍ يمجدُّ المحنة
مالَ ظلٌ حسبتهُ أنتِ
ولم يكن غير سماءٍ أخرى
تغطي الحكايات
وهل يكون قبرا
دمٌ يحتضن الليل
وينامُ مُتكئا على غرائزه
وهل يكون السؤالُ غسقا
يذهبُ بالعينين بعيدا
وهل يكون الورد شائعا
حتى خلود النفس إلى الكآبة
ذئبةً..
تلتهم كل صباح
زادنا ونوايانا
وغمغماتٍ
أسفت أن تكون كلاما
ودما يتدلى بساقيه من رأسي
وأعوامَ رقةٍ يضاعفها الحزن
وبلادا
تحدق مثل الليل في الحرائق
وتُنزل الغريزة قبل الوعي
في حيرة الشفاه
يومَ أن كنا فاشلين
ومرضى حدائق
يفتتها الضوء
وعلى ممراتها حصى دامعٌ
يضاهي فوانيس مصقولة بالأسى
إذ تتسربل الثمارُ بالثلج
ولا يكون البللور غير ندم
يتغذى عليه الذباب ..نعرف أننا لا نملكُ شيئا
وأننا طرائدُ أحلام ومسافات
وأننا صابرون على غرائزنا
حتى يهذبها الزهد
فتكون قناديلَ ممهورة بالغياب
وحيدة تنوسُ تحت مطر يجابهنا ..وهكذا .. .. ..
ذهب الأصدقاءُ إلى مواقيت برق
توعدتهم
ذهبوا إلى دم دافئ من الغضب
ذهبوا
أو تناهوا إلى محضهم
ذهبوا كي يناموا
قلت ما انحل برق يرافقهم
ولا الشبابيك كانت نساءً
يخترن أشباههن
ولا كان المساءُ فاكهة
بلون صبايا قُتِلن
ولم يعرفن الأنوثة .. بابا
تمر منه قامات وسحب
ولا الأجساد حينها
كانت سُعارَ فساتين
تمدد شهوتها على حارق الرمل
إنما فتنة والرياح
تُجلُ أيَ طائر ينساها
قد لمسنا أحاسيسنا
والفساتين ناهدة إلى الرمز
ولمسنا من الغيبِ هيبته
فاستكان
كي تصبح الأبدية
فرسا خشبيا
يغطي سماءً واعدتنا
وانتحينا بها
تسِرُّ مراثيها
وتبقي كلاما كثيرا
تتقافز أسماكهُ في فم يحترق ..وهكذا .. .. ..
أعد الليلُ قهوته واستوى
على عرشه الأعمى
كانت إبلٌ
وكانت تخومٌ وزبد
والبكاءُ نحيلُ القامة
إذ أخلينا الحنين
من أثاثٍ وصور
ومن أسلافِ جذوتنا
ومن أنسام ترفه عن حرقة الكلام
ومن أعصاب مموهةٍ بشقائق النعمان
تلسعُ أوتارها وقتا
يُنغمُ الفتورَ قطرة .. فقطرة
وتُبقي حفرة
تأسرُ الزمن
تجرفُ أشرعة إلى الرحيل
والماءُ تحتها نسيجٌ
يتماوجُ بالخفةِ والطعنات
ويفتتها النحيب
إذ تنأى الموانئ والبلاد قربيني من الأسى
ومن أرقي
ومن نقائص أحلامي .. .. .. .. .. .. .. ..
.. .. .. .. .. .. .. ..( يَمينكِ بدرٌ يا حبيبتي وشِمالكِ شمسٌ ، وأنتِ عافية الأرض والسماء ، وبعينيكِ أرى الغيبَ جناحا ، وتحت إبطيكِ طيوبٌ تمجدُّ القراصنة الذين أبدعوا محنة خيلائهم ، وهم يدفعون أشرعة تلفحها الأساطير ، وأنتِ ميقاتُ من أسهروا الليلَ وأظمأوا النهارَ إلى سُمِّ أحلامهم ، ثم لا يحتمي الرأسُ بالفراغ وأنتِ تطلقين طيورا مهذبة لا يسعُ القلبُ غير تحريمها ) .. .. .. .. .. .. .. فلتهنأي أيتها المجازفة
أيتها الأبد .. مُرُّ المذاق
***