هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | مــــأزق البطالــــــة | |
مــــأزق البطالــــــة تعتبر مشكلة البطالة من بين أخطر المشكلات التي تواجه بلادنا حاليا. وتبرز خطورة هذه المشكلة في أن تزايد عدد العاطلين عن العمل يشكل اهدارا لعنصر العمل البشري مع ما ينجم عن ذلك من آثار اقتصادية وخيمة. اضافة الى ان تفاقم حالة البطالة، بين الشباب على الخصوص، يؤدي الى نتائج اجتماعية خطيرة ، حيث أصبحت البطالة تشكل بيئة خصبة لنمو الجريمة والتطرف وأعمال العنف. كما أن البطالة تشكل سببا رئيسيا في انخفاظ مستوى معيشة الغالبية العضمى من المواطنين وسببا في تزايد أعداد من يقعون تحت خط الفقر المطلق. ان الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخطيرة للبطالة غنية عن التعريف بحيث لا يمكن التهوين من شأنها والقول بأنها نتيجة مؤقتة لسياسات تدبير الأزمة المعتمدة في المغرب منذ بداية عقد الثمانينات كما تحاول ان تقنعنا بذلك المؤسسات المالية الدولية، أو على اعتبار أن العالم كله يعاني من مشكلة البطالة، وأننا لا نمثل استثناء في هذا الخصوص. فرغم توفر جدور عميقة لأسباب البطالة في الاقتصاد المغربي، الا أن هناك عوامل جديدة ساهمت في تفاقم البطالة في بلادنا خلال السنوات الأخيرة، وأهم هذه العوامل هناك ما يلي: تفاقم المديونية الداخلية والخارجية، وعجز الموارد المتاحة عن الوفاء بهذه الالتزامات. ومعني ذلك عدم قدرة الدولة في ظل هذا الوضع على القيام بدور تنموي ديناميكي من شأنه ضمان استخدام كامل و أمثل للموارد. أما السبب الثاني فيتمثل في الطبيعة الانكماشية لبرنامج التثبيت والتقويم الهيكلي التي التزم بها المغرب في اطار تدبير الأزمة اتجاه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومن ورائهما جموع الدائنين ابتداء من سنة 1983. وقد كان من بين النتائج المباشرة لهذه الطبيعة تراجع حاد في مستوى التشغيل سواء في القطاع العمومي أو الخاص. ولا وجه للشبه بين البطالة المتفاحشة في بلادنا والبطالة السائدة في البلاد الرأسمالية الصناعية نظرا لكون البطالة في هذه الدول الأخيرة تعتبر من النوع الدوري المرتبط بالتغير الدوري في النشاط الاقتصادي والذي يترتب عنه انتقال اليد العاملة من عمل الى آخر. كما أن نظم اعانات البطالة والخدمات الاجتماعية التي تقدمها هذه الدولة تخفف من وطأة أزمة البطالة، أما البطالة في بلادنا فتتسم بطبيعة هيكلية مزمنة قاسية نظرا لغياب نظم اعانات البطالة وتواضع حجم الخدمات والضمانات الاجتماعية التي تقدمها الدولة. ان اغلبية الشعب المغربي التي منحت ثقتها لأحزاب الكثلة الديموقراطية سنة 1997 تأمل في تنتهج حكومة التناوب المنصبة استراتيجية انمائية ، تضع قضية التشغيل ضمن أولوياتها ، باعتبارها قضية اقتصادية واجتماعية وأمنية. وحتى نقف على حجم مشكلة البطالة في المغرب وأسباب تفاقمها وعلى دور سياسات تدبير الأزمة المتبعة في المغرب منذ بداية عقد الثمانينات في تكريس الأزمة نقترح تقسيم هذا الفصل الى محورين اثنين، يتعلق الأول بحجم المشكلة وأسباب تفاقمها والثاني بدور استراتيجية تدبير الازمة في تكريس ظاهرة البطالة. أولا: حجم المشكلة وأسباب تفاقمها: نتناول في اطار هذا المحور نقطتين اثنتين، تتعلق الأولى بحجم مشكلة البطالة في المغرب والثانية في أسباب تفاقم هذه الظاهرة في بلادنا. 1 – حجم البطالة في المغرب: للوقوف على حجم مشكلة البطالة وأبعادها ينبغي أن تكون هناك قاعدة معلومات تفصيلية ودقيقة عن المتعطلين، من حيث أعدادهم وأماكن اقامتهم والمهن التي يزاولونها وأعمارهم وتعليمهم وجنسهم وسبب تعطلهم، ومدة بطالتهم .. الى آخره. وهي المهمة التي من المفروض أن يكون المجلس الأعلى للشباب والمستقبل قد دأب عليها منذ انشائه. فتوافر هذه البيانات ودقتها وحداثتها هي من الأهمية بمكان، لأنه على ضوئها يحسب معدل البطالة على مستوى الاقتصاد الوطني، وهو أحد المؤشرات الاقتصادية الكلية ذات الدلالة البالغة في رسم السياسات الاقتصادية وتقييم فعاليتها. كما لا يخفى أنه لا يمكن علاج مشكلة البطالة ما لم يكن هناك تصور حقيقي عنها. ان التضارب في تقدير حجم أو معدل البطالة يشكل أحد الجوانب الهامة لهذه المشكلة. إذ لا يمكن التعامل مع هذه المشكلة، ومواجهتها، ووضع السياسات المناسبة لها، الا إذا كانت هناك صورة حقيقية وكاملة عنها. بالرجوع الى الاحصاءات العامة الثلاثة للسكان التي اشرفت عليها مديرية الاحصاء، فسنجد أن معدل البطالة بلغ في احصاء سنة 1971 نسبة 8.8 % من اجمالي القوى العاملة، وبلغ في احصاء سنة 1982 نسبة 10.7 %، ثم انتقل هذا المعدل في احصاء سنة 1994 الى نسبة 16 %. أنظر الجدول رقم (1). جدول رقم 1-6 تطور معدل البطالة بالمغرب حسب الجنس والمنطقة | | 1971 | 1982 | 1994 | | المجموع | 8,8 | 10,7 | 16 | المجموع | في المناطق الحضرية | 15 | 12,3 | 20,3 | | في المناطق القروية | 5,2 | 9,5 | 10,8 | الذكــــــــور | المجموع | 8,2 | 10,7 | 14,1 | | في المناطق الحضرية | 14,4 | 11,7 | 17,1 | | في المناطق القروية | 5,2 | 10 | 10,9 | الانــــــــاث | المجموع | 12,1 | 10,7 | 23,1 | | في المناطق الحضرية | 19,1 | 14,2 | 29,8 | | في المناطق القروية | 5,3 | 6,5 | 10,5 | المصدر: مديرية الاحصاء، المعطيات الاحصائيات الوطنية | وتفيد آخر الاحصائيات المتوفرة بأن عدد العاطلين في المدن بلغ 845.000 نسمة سنة 1997. الا أنه يمكن التكهن برقم أكبر بكثير من هذا الرقم وذلك في ضوء ضعف معدل النمو الاقتصادي المتواضع في المغرب خلال السنوات الاخيرة وما نجم عنه من ضعف في معدل استيعاب اليد العاملة، اضافة الى التسريحات الناجمة عن تزايد حالات الكساد والإفلاس في عدد من مقاولات القطاع الخاص. ولا شك أن هذه الأرقام تشمل فقط البطالة المزمنة بينما لا تشمل البطالة الموسمية، أي حالة تعطل الاشخاص الذين يعملون فقط خلال مواسم معينة. كما لا تشمل اليد العاملة المهمشة، وهم الأشخاص الذين يتقاضون أجور تافهة لقاء مهن هامشية لا استقرار فيها كماسحي الاحدية والخادمات بالمنازل.... (أنظر الاشكال رقم 1-6 و2-6 و3-6). ويمكن من خلال الاشكال والارقام المشار اليها ابداء الملاحظات التالية: 1 –يشكل الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة القسم الاكبر من بطالة اليد العاملة المغربية. 2 – أهمية حجم البطالة بين حملة الشهادات العليا والمتوسطة . (أنظر الشكل رقم (1). 3 – ارتفاع نسبة البطالة بين النساء (أنظر الشكل رقم (2 و3). 4 – اهمية معدل البطالة في البادية. 2 - أسباب تفاقم ظاهرة البطالة في المغرب: من الصعب حصر كافة أسباب تفاقم ظاهرة البطالة في بلادنا خلال السنوات الأخيرة نظرا لتداخل هذه الاسباب والابعاد ذات الحساسية الكبيرة التي تكتسيها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لذا سنحاول استعراض بعض أهم الاسباب المباشرة لتفاقم هذه الظاهرة والمتمثلة في تحول دور الدولة في مجال التشغيل وتراجع الطاقة الاستثمارية للبلاد وأخيرا الطبيعة الهجينة لأسواق الشغل ببلادنا. أ – تحول الدور النسبي للدولة في مجال التشغيل: شكلت الأجهزة السيادية للدولة المتمثلة في الادارة العمومية وباقي مكونات القطاع العام المغربي الشكل الانتاجي الذي سيطر خلال عقدي الستينات والسبعينات والى حد ما خلال عقد الثمانينات على باقي التشكيلات الاجتماعية الاخرى للانتاج. وتقوم هذه السيطرة على احتكار الدولة للادوات المالية والاقتصادية والقانونية كسياسات الاسعار والدعم والضرائب وتشريعات الاجور وتحديد عوائد الملكية.. الى آخره. كما كانت الاستثمارات العمومية هي الرائدة في استيعاب اليد العاملة الجديدة خلال تلك الفترة. الا أنه في اطار سياسات تدبير الازمة عبر ما يسمى بالاصلاح الاقتصادي المعتمد في بلادنا منذ بداية عقد الثمانينات، بدأت حركة تحول جدري في طبيعة الشكل الانتاجي المسيطر الذي تقوده الدولة. وقد تمثل هذا التحول في انقلاب الوزن النسبي للادارة العمومية والقطاع العام، لصالح القطاع الخاص الوطني والاجنبي المستند على قواعد الربح وآليات السوق، والذي بدأت سيطرته تتوسع الى سائر التشكيلات الاجتماعية الأخرى للانتاج والتشغيل. وقد كان من نتيجة تراجع دور الدولة في التنمية والضعف الذي دب تدريجيا في أوصال القطاع العمومي وما نجم عن ذلك من تراجع في مستوى الاستثمار العمومي، باستثناء مشاريع البنية التحتية، أن تراجع مستوى التشغيل في قطاع الوظيفة العمومية وباقي مكونات القطاع العام والذي لم يعد هو المجال الرئيسي للتشغيل واستيعاب اليد العاملة الجديدة بالمغرب، رغم أن هذا التراجع لم يواكبه الى حد الآن نمو مقابل في مقدرة القطاع الخاص للحلول مكان الدور القيادي الذي كانت تلعبه الدولة. فقد انطلق تحول الدور النسبي للدولة في مجال التشغيل مع بداية عقد الثمانينات، حيث كانت هناك عدة عوامل تضغط على الانفاق العمومي وتحد من قدرته على استيعاب اعداد متزايدة من الايدي العاملة وكان في مقدمة هذه العوامل ضرورات الحفاظ على وحدة المغرب الترابية اضافة الى انعكاسات تدهور الاوضاع الاقتصادية على المستويين الداخلي و الخارجي. وقد بدأت مشكلة البطالة تتفاقم في المغرب بدءا من سنة 1982 ، إذ ظل معدل البطالة يرتفع باستمرار. وخلال هذه الفترة بدأت سياسات تدبير الأزمة عبر مبادئ سياسة التقويم الهيكلي تدخل بحدة حيز التطبيق. وهي السياسات التي تقوم على تراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتحللها تدريجيا من الالتزامات الاجتماعية التي سارت عليها السلطات العمومية منذ بداية الاستقلال: الاستخدام الكامل والدعم السلعي والتخفيف عن كاهل الفقراء والمحرومين والضمانات الاجتماعية، والتوسع في الخدمات العامة كالصحة والتعليم والاسكان الشعبي، وتراجع دور التخطيط الاقتصادي والقطاع العام والاعتماد علىآليات السوق، واعطاء القطاع الخاص الفرصة للحلول مكان القطاع العام، والترحيب بالاستثمار الاجنبي في ضوء ما تقرر له من مزايا وضمانات وحوافز. وتجدر الاشارة الى أنه منذ تلك الفترة أصبح الاقتصاد المغربي يتسم بتفاقم اختلال التوازنات الخارجية من خلال عجز ميزان المدفوعات، واختلال التوازنات الداخلية من خلال عجز الميزانية العامة للدولة. وقد تسبب ذلك في ضغوط خارجية تمثلت في زيادة أعباء الديون، وضغوط داخلية شديدة تتمثلت في ارتفاع معدل التضخم. وقد أدى كل ذلك بالسلطات العمومية الى التوقيع على أوفاق برامج التثبيت والتقويم الهيكلي مع كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير. والخضوع منذ ذلك الحين لشروط قاسية أدت الى تفاقم البطالة تفاقما شديدا (أنظر الشكل رقم 4-6) في ظل هذه الوضعية بدأت عدة عوامل تساهم في تفاقم مشكلة البطالة ببلادنا يمكن الاشارة الى بعضها فيما يلي: 1 – تراجع الادارة العمومية عن سياسة تشغيل الخرجين الجدد في اطار الخدمة المدنية، ووقف التوظيف المباشر في القطاع العمومي منذ بداية عقد الثمانينات. 2 – انكماش قدرة القطاع الهامشي على استيعاب المزيد من اليد العاملة الجديدة، بسبب النمو المفرط الذي حدث في هذا القطاع من ناحية، وبسبب انخفاظ الطلب على الخدمات التي يؤديها نتيجة لتدهور مستويات الدخول ومستوى المعيشة ، من ناحية أخرى. 3 – ضعف معدل النمو في القطاع الزراعي، بسبب الجفاف المزمن، مما ترتب عليه خلق فائض سكان نسبي بالبادية، راح يتدفق نحو المدن بحثا عن عمل دون جدوى. 4 – استخدام وسائل تكنولوجية لا تسمح باستيعاب أعداد كبيرة من العمال وهي تكنولوجيا مكثفة لرأس المال، سواء عبر نشاط الاستثمار العام أو الاستثمار الخاص. 5 – ضعف معدل الاستثمار المحلي، نتيجة لانخفاض معدل الادخار الوطني، بعد أن زادت قوى الاستهلاك، وضعفت امكانات الاقتراض الخارجي وضآلة ما تدفق على المغرب من استثمارات اجنبية مباشرة. وكل ذلك ترتب عليه ضآلة فرص التوظف في القطاعات الانتاجية. ب - عدم كفاية الاستثمار الوطني لاستيعاب اليد العاملة الجديدة: لو اردنا تخمين عدد الاشخاص الذين يدخلون سوق العمل سنويا، بالنظر الى كافة المعطيات الملازمة، سنلاحظ أن عدد هؤلاء يتراوح فيما بين 300 ألف و 350 ألف نسمة تقريبا. ولا يمكن اسيعاب هذا العدد الكبير من اليد العاملة الجديدة الا إذا كان هناك استثمار منتج يصاحبه، والا سيشكل التشغيل الجديد اضافة جديدة الى رصيد البطالة المقنعة المتمثلة في تقديم أجور دون أن يقابل ذلك انتاج يساوي قيمة هذه الأجور. ان كلفة خلق مناصب شغل جديدة منتجة تتفاوت من قطاع الى آخر ومن نشاط الى آخر. لكننا إذا أخدنا –كمتوسط عام- أقل التقديرات في هذا الخصوص، وهي أن كلفة منصب شغل واحد تتطلب استثمارا سنويا في حدود 72 ألف درهم فمعنى ذلك أن حجم الاستثمار السنوي اللازم لمقابلة استيعاب العمالة الجديدة يجب أن لا يقل عن (25.2 مليار درهم مغربي) . أما اذا شئنا أن نقضي تماما على الرصيد القائم للبطالة، والذي يقدر حسب الارقام الرسمية في حوالي 900.000 متعطل، فإن ذلك يتطلب استثمارا قدره (64.8 مليار درهم) علما بأن حجم الدخل الوطني الاجمالي المتاح بلغ سنة 1996 270 مليار درهم بمعنى ان حجم الاستثمار المطلوب يصل الى حوالي 24 % من الدخل الوطني الاجمالي. الخلاصة هي أنه من بين أسباب تفاقم البطالة في بلادنا هناك عدم كفاية الاستثمار اللازم لاستيعاب اليد العاملة المتعطلة في ظل تراجع دور الدولة في عملية التنمية. وتأتي العوامل التالية في مقدمة الاسباب التي اضعفت الطاقة الاستثمارية للدولة: 1 – تراجع أسعار الصادرات المغربية، وفي مقدمتها أسعار الفوسفاط. 2 – زيادة أعباء الديون الخارجية، حيث أصبحت مبالغ خدمة الديون (الفوائد+الأقساط) تلتهم ما لا يقل عن 60 % من اجمالي حصيلة صادرات المغرب. 3 – أدى ارتفاع معدل خدمة الديون الخارجية الى اضعاف قدرة المغرب على الاستيراد، وهو الأمر الذي يهدد انتظام تدفق الواردات الضرورية الوسيطة والاستثمارية مما يحدث آثارا سلبية واضحة على الانتاج والاستثمار والتشغيل. 4 – تراجع قدرة المغرب في الحصول على القروض الخارجية، بسبب السياسة الانكماشية التي انتهجتها مصادر الاقراض الخاصة والعامة بعد اندلاع أزمة الديون الخارجية لدول أمريكا اللاتينية في خريف عام 1982. ج – الطبيعة الهجينة لأسواق الشغل بالمغرب: تساهم الطبيعة الهجينة لاسواق الشغل بالمغرب في تفاقم حدة البطالة. ويمكن ارجاع هذه الطبيعة الهجينة الى تعدد الأشكال الاجتماعية للتشغيل والانتاج ، وتباين القواعد والآليات التي تحكم سعر الأجر ودخل العمل فيها. وتفاوتها من حيث درجة تطورها الاقتصادي والاجتماعي والتقني، وفي مدى مساهمتها في توليد الناتج الداخلي الاجمالي وفي توزيع الفائض الاقتصادي فيما بين الاستهلاك والادخار بسبب تفاوت قدرتها على التراكم والنمو ، كما تتسم بتفاوت قدرتها على استيعاب اليد العاملة المتزايدة. ومن اهم الأشكال الاجتماعية للانتاج السائدة في بلادنا حاليا هناك: 1 – قطاع الوظيفة العمومية (الموظفون واعوان الدولة والمستخدمون المتعاقدون ). 2 – قطاع المؤسسات العمومية (المقاولات الادارية أو الانتاجية المملوكة للدولة). 3 – القطاع الخاص الذي يعمل في الميادين الزراعية والصناعية وقطاع الخدمات. 4 – القطاع المختلط الذي يضم رأس المال المحلي والاجنبي. 5 – قطاع رأس المال الأجنبي. 6 – القطاع التعاوني. ثانيا: دور استراتيجية تدبير الأزمة في تفاقم ظاهرة البطالة: أن اعتماد بلادنا على استراتيجية تدبير الأزمة عبر التطبيق الصارم للسياسات المنبثقة عن برامج التثبيت والتقويم الهيكلي المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1983، قد أدى الى وضع كوابح شديدة أمام امكانات حل مشكلة البطالة، اضافة الى زيادة أعداد المتعطلين. فجل هذه السياسات تعتبر ذات طبيعة انكماشية، لأنها تستهدف القضاء على فائض الطلب المحلي، على النحو الذي يؤدي الى خفض العجز بميزان المدفوعات وحصره في حدود مناسبة يمكن تمويلها بتدفقات طوعية لرأس المال الأجنبي، وبما يتوافق مع قدرة البلاد على خدمة ديونها والتزاماتها الخارجية مستقبلا. اضافة الى ما تشكله خوصصة القطاع العمومي من تسريح للعمال. وعليه سنحاول فيما يلي استعراض مظاهر مساهمة سياسات تدبير الازمة في تفاقم البطالة خلال العقدين الماضيين في المغرب: 1 ) سياسات الخفض من عجز بالميزانية العامة للدولة: ففيما يتعلق بالسياسات المعتمدة من طرف السلطات العمومية للعمل على خفض العجز بالميزانية العامة للدولة، والتي كان لها تأثير مباشر في خفض الطلب على اليد العاملة نشير الى ما يلي: أ – تخلي الدولة نهائيا (تقريبا) عن الالتزام بتعيين الخريجين حاملي الشهادات وتجميد التوظيف العمومي، حتى يمكن التحكم في نمو بند الأجور والمرتبات بالميزانية العامة. (تداولت سنة 1995 بعض الافكار في شأن التخلص من اليد العاملة الزائدة في الادارة العمومية، الا أن التخوف من عواقب هذا الاجراء الاجتماعية والسياسية لهذا لا زالت تمنع من تنفيذ مثل هذه الافكار). ب – أدت الزيادة في الضرائب غير المباشرة، والغاء الدعم وزيادة أسعار منتجات القطاع العمومي والرسوم على الخدمات العامة وترك الأسعار لتتحدد في ضوء آليات العرض والطلب، الى احداث خفض ملموس في حجم الدخل العائلي المتاح للانفاق، مما أثر على حجم الطلب المحلي، وأدى بالتالي الى حدوث كساد واضح بالاسواق وتراكم غير مرغوب في المخزون السلعي لدى المنتجين. مما نجم عنه خسائر وافلاسات كثيرة، ترتب عنها تسريح أعداد لا بأس بها من الشغيلة. ج – أدى ارتفاع أسعار الطاقة والنقل والتشغيل والمستلزمات السلعية، المحلية والمستوردة (بعد خفض القيمة الخارجية للدرهم في النصف الأول من عقد الثمانينات) الى زيادة تكاليف الانتاج المحلية في مختلف القطاعات الانتاجية، في وقت لا تستطيع فيه هذه القطاعات أن ترفع من مستوى الانتاجية لمواجهة أعباء هذه الزيادة وكانت نتيجة ذلك حدوث خفض ملموس في الفائض الاقتصادي المتحقق في هذه القطاعات، ومن ثم تدهور في قدرتها الذاتية على التراكم والحد من التوسع في خطط الانتاج. وقد أثر ذلك سلبا في الطلب على اليد العاملة. د – أدى خفض معدل نمو الانفاق العام الموجه للخدمات الاجتماعية الضرورية، كالتعليم والصحة والاسكان الشعبي. الى خفض مواز في طلب الادارة العمومية على اليد العاملة المشتغلة بهذه الخدمات ونشير في هذا الصدد الى ظهور ظاهرة بطالة الاطباء. ه – كذلك أدى تقليص دور الدولة والقطاع العام في النشاط الاقتصادي الى تراخي الاستثمار العمومي في خلق طاقات انتاجية جديدة تستوعب الأيدي العاملة العاطلة باستثناء الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية، وهي مشاريع تعتمد على تكنولوجيا مكثفة لعنصر رأس المال وعلى أيدي عاملة مؤقتة، بمعنى أنها تسرح عقب الانتهاء من انجاز المشروع. 2 ) تخفيض العجز بميزان المدفوعات: فيما يتعلق باجراءات خفض العجز بميزان المدفوعات، وهي الاجراءات التي صيغت في اطار ما يسمى بتحرير التجارة الخارجية، فإن تأثيرها على مشكلة البطالة قد تجلى في الأمور الآتية: أ – أدى الغاء اتفاقيات التجارة الثنائية طيلة عقد الثمانينات الى خسارة بلادنا للاسواق التقليدية التي توجه اليها صادراتها والتي كانت تضمن هامشا معقولا لتخطيط الانتاج للفترات القادمة، ومن ثم ضمان خلق مناصب الشغل خلال تلك الفترات. ب – أدى خفض القيمة الخارجية للدرهم المغربي بعد تعويم سعر الصرف، الى ارتفاع كلفة المواد الوسيطة المستوردة في كافة قطاعات الاقتصاد الوطني التي تعتمد في انتاجها على هذه المواد، ومن ثم الى زيادة الاسعار النهائية لمنتجات هذه القطاعات. وفي ضوء تردي مستوى الدخول الحقيقية للسكان –بسبب الغلاء والبطالة وعدم نمو الأجور والمرتبات بمعدل مساو لمعدل التضخم- فقد عمق ذلك من حالة الكساد الاقتصادي للسوق المحلي من ناحية، والى اضعاف القدرة التنافسية للصادرات المغربية التي تعتمد في انتاجها على واردات وسيطة من الخارج من ناحية أخرى. وكل ذلك كان ذا صلة وثيقة بخفض الطلب على اليد العاملة. ج –أدى تحرير تجارة الاستيراد الى تعريض الصناعات المحلية الى منافسة غير متكافئة لن تستطيع الصمود فيها أمام طوفان المنتجات المستوردة وقد نجم عن هذا مزيد من الخسائر والافلاسات والغلق لبعض المقاولات، مما كان له تأثير واضح في تفاقم مشكلة البطالة. 3 ) السياسات النقدية الرامية للحد من نمو عرض النقود: فيما يتعلق بتأثير السياسة النقدية الجديدة على زيادة البطالة، نشيمكن الاشارة الى أن الزيادة الهائلة التي حدثت في أسعار الفائدة خلال عقد الثمانينات، بعد تعويم هذا السعر، وهي الزيادة التي تحققت تحت تأثير طرح أذونات الخزينة لكي تتمكن السلطات العمومية من الاقتراض من السوق النقدي المحلي. قد أدت الى زيادة كلفة رأس المال الجاري والثابت، ومن ثم الى احجام المستثمرين وأصحاب المدخرات عن استثمار أموالهم في مشروعات استثمارية جديدة، وفضلوا شراء هذه الأذون باعتبارها أفضل استثمار مربح ومضمون ومعفى عائده من الضرائب. فقد كان من نتيجة هذه السياسة تسييل المدخرات. فبدلا من أن تتحول المدخرات الى استثمارات جديدة تخلق طاقات انتاجية اضافية وطلب اضافي على اليد العاملة، تحولت تلك المدخرات لتمويل الاستهلاك العمومي الجاري. كما أن السقوف الائتمانية التي فرضت على النظام المصرفي، بهدف الحد من الائتمان، والتي اعتمدت على الخصوص خلال عقد الثمانينات، قد أدت الى خفض واضح في حجم الائتمان الممنوح للقطاعات الاقتصادية المختلفة. وبما أن الكثير من هذه القطاعات يعتمد في تمويل رأسماله الجاري على الائتمان. فقد أدت هذه السياسة الى زيادة حجم الطاقات الانتاجية العاطلة والى خفض مستوى الانتاج المحلي في كثير من المشروعات، ومن ثم الى التأثير سلبا على الطلب على اليد العاملة المحلية. 4) خوصصة القطاع العمومي: يؤدي تفويت ملكية القطاع العمومي الى القطاع الخاص المحلي والاجنبي الى تسريح أعداد ضخمة من اليد العاملة المغربية المشتغلة في مشروعات القطاع العمومي، عندما تتحول الى ملكية خاصة (محلية أو أجنبية) ويديرها أصحابها في ضوء سعيهم لتحقيق أقصى ربح ممكن. فالسلطات العمومية تعلن بصراحة للمشترين الجدد لهذه المؤسسات بأنها ستمنحهم كافة الحريات التي تمنح لشركات القطاع الخاص، بما فيها حريتهم في تحديد الحجم الأمثل لليد العاملة. كما تروج لحملة اعلامية واسعة للتخلص من اليد العاملة الزائدة في بعض مؤسسات القطاع العمومي مثل ما يجري في المكتب الوطني للاستثمارات والمساهمات النفطية منذ بداية عقد التسعينات، حيث يتم حث العمال على ترك العمل اختياريا من خلال تشجيع التقاعد المبكر والتلويح بدفع تعويضات مالية لكل من يقرر ترك الخدمة باختياره،. وسيزداد الطين بلة، إذا عمد الملاك الأجانب الجدد لتحويل فائض أرباحهم للخارج، بدلا من استثماره محليا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي الى زيادة العجز بميزان المدفوعات مستقبلا وزيادة الحاجة للاستدانة من الخارج، والى حرمان البلاد من جزء هام من فائضه الاقتصادي الذي كان من الممكن أن يزيد من قدرته الذاتية على التراكم والنمو وخلق فرص للتشغيل. يظهر من خلال ما سبق أن المؤسسات المالية الدولية التي تقود استراتيجية تدبير أزمة الرأسمالية العالمية، لا يعنيها مسألة مكافحة البطالة ولا زيادة معدلات النمو ورفع مستوى المعيشة، ولا تقليل الاعتماد على العالم الخارجي، أو صيانة الاستقلال السياسي والاقتصادي للبلاد المدينة. فكل ما يعنيها هو حماية حقوق ال | |
|
الخميس نوفمبر 04, 2010 10:46 am من طرف الكرخ