متوكل " ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عدد الرسائل : 425
الموقع : صراع من اجل الاشتراكية تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | أميركـا و إسـرائيل | |
كان وزير الخارجية الاميركي مارشال معارضا" لرئيسه هاري ترومان لجهة قراره الاعتراف باسرائيل. ففي حينه كانت نصيحة مارشال لترومان هي عدم التورط في صراع مرشح للاستمرار لعقود قادمة. وفي النهاية اعترف ترومان باسرائيل. ويذهب بعضهم أن ذلك حصل بضغط اللوبي لبيهودي الأميركي. بل أن هنالك روايات عن تلقي ترومان لمبالغ نقدية من اليهود دعما" لحملته الانتخابية. لكن تاثير اللوبي اليهودي الاميركي بقي محدودا لغاية فترة ايزنهاور الذي طالب اسرائيل ومعها فرنسا وبريطاني بوقف العدوان الثلاثي على مصر العام 1956. وكان النفوذ اليهودي في اميركا قد بدأ بالتصاعد بعد هجرة اليهود الأوروبيين اليها خلال الحرب العالمية الثانية. وهو تعاظم مع مساهمتهم في انتاج القنبلة الذرية التي حسمت مصير تلك الحرب. لكنه لم يبلغ ذروته الا مع بداية السبعينيات مع استقرار السيطرة المالية اليهودية في أميركا.
موت العم الأميركي
من الغفلة بمكان أن يظن البعض بإمكانية سماح الولايات المتحدة لإسرائيل بتأمين استقلاليتها الاقتصادية. وبالتالي خروجها من دائرة التبعية الأميركية. ومن التغفيل الظن أن إسرائيل مستعدة لاستفزاز الأميركيين لهذه الطريقة المعلنة للعقوق. إذ إن الثمن المباشر لهذا العقوق سيكون إنهاء الدور الوظيفي لإسرائيل بإيجاد بديل لها. وبالتالي الانسحاب الأميركي من تأمين حمايتها واستمراريتها.
بعضهم يقصر المعونات الأميركية لإسرائيل على الدعم المباشر المقدر بأربعة مليارات دولار سنوياً. وفي هذا القصر اختزال تبسيطي يلامس الجهل ويتخطى الغفلة. إذ تعتمد الولايات المتحدة مبدأ دعم الأصدقاء عبر ما تسميه ب "الدولة الأولى بالرعاية" (هذه الرعاية التي شكلت ولا تزال عنصر الجذب في التقارب الصيني الأميركي منذ أيام نيكسون ولغاية اليوم). وما من شك أن إسرائيل هي أولى أوائل الدول المشمولة بالرعاية الأميركية. حتى أن واحداً من أهم الاستراتيجيين والساسة الإسرائيليين، هو يوسي بيلين، يخصص كتابه "موت العم الأميركي" (1998) لطرح سؤال: ماذا يحدث لإسرائيل لو تخلى عنها العم الأميركي (يهود أميركا)؟ ويجيب بيلين: إذا استمرت الحال على ما هي عليه فإن موت العم يعادل نهاية إسرائيل. وهو ينطلق من هذا التحدير كمدخل لإقناع الجمهور باقتراحاته التجديدية. خصوصاً لجهة تعريف اليهودي وفق مبادئ علمانية بدلاً من المنطلقات الحاخامية السائدة الآن.
صحيح أن إسرائيل قد حققت قفزات اقتصادية هامة مكنتها من استبدال الحاجة للدعم المباشر بالدعم غير المباشر، وذلك بتشجيع ومباركة أميركيين. لأن الدعم غير المباشر أقل استفزازاً لدافع الضرائب الأميركي وإحراجاً للحكومة. كما إنه يخفف الأعباء على الخزينة الأميركية. ولكن هل يعني هذا إلغاء صفة المعونات عن الاقتصاد الإسرائيلي؟
لقد حاول بنيامين نتنياهو تحدي هذه المعادلة بإلغاء هذه الصفة، فلجأ إلى تجاوز الحدود المرسومة أميركياً للتورط الإسرائيلي في العمليات السوداء. وكان من الطبيعي أن تقطع عليه الطريق بالمجيء بباراك الأقل حماسة للاستغناء عن الدعم الأميركي. فإذا ما اتفقنا على إجادة الولايات المتحدة حماية مصالحها أدركنا أنها لا تجد أي مبرر لاستمرارية إسرائيل من دون دورها الوظيفي الحامي لهذه المصالح. من هنا لا بد من الاستنتاج بوجود رعاية-رقابة أميركية على الاقتصاد الإسرائيلي. ولعله من الصعوبة بمكان تقديم رؤية متكاملة عن اقتصاد يلامس المائة مليار دولار في مقالة كهذه. عداك عن كون المداخيل غير المنظورة هي عصب هذا الاقتصاد. وقبل إعطاء أية فكرة عن هذه المداخيل لا بد من التذكير بمبدأ الكسب اليهودي القائل بتحصيل المكاسب باقتناص الفرصة المتاحة. ويكفينا في هذا المجال التذكير بأن دخل السياحة الإسرائيلية للعام 1999 قد بلغ 3.4 مليار دولار. أي حوالي نصف موازنة الدولة اللبنانية. في حين بقيت الولايات المتحدة تمنع رعاياها من زيارة لبنان لمدة سنوات. وهو منع لا يقضي فقط على السياحة بل هو يمنع الاستثمارات ويدفعها للهرب. وإذا كنا بدأنا المقارنة مع لبنان فنذكر أن واحداً من أهم الشروط الأميركية لإنهاء الصراع الأهلي اللبناني كان التعهد بالقضاء على تجارة وزراعة المخدرات في لبنان. في المقابل نجد ضابط الموساد غوردن توماس يعترف في كتابه "جواسيس جدعون" بتورط إسرائيل، على مستوى كبير، في تجارة المخدرات في المنطقة. كما نجد استجواباً مقدماً إلى الكنيست في آذار 2000 لتحقيق في تورط ضباط شرطة إسرائيليين كبار في زراعة المخدرات في الموشافات. وكذلك شراكتهم في زراعة المخدرات في الصحارى المصرية. ومن الصعوبة بمكان تحديد حجم هذه التجارة (يمكن تقديرها بالمعارنة مع الأرقام اللبنانية التي كانت تلامس الستة مليارات دولار سنوياً. والتي بقيت لسنوات بموافقة أميركا صمنية) لذا نكتفي بالإشارة إلى التغاضي الأميركي عن هذا النشاط الإسرائيلي. والذي نرجح كونه مقنناً بالاتفاق مع مكتب المخدرات الأميركي بحيث يغني الحكومة الأميركية عن تقديم مساعدات مباشرة لإسرائيل. وهي سابقة حاصلة في أكثر من بلد وأكثر من مناسبة. بل أن كتاب العمليات السوداء للمخابرات الأميركية يتكلم عن شراكة السي آي آي في تجارة المخدرات لتأمين مصروفات عملياتها غير المعلنة. وهذا ما حصل في حالة نورييغا مثلاً.
على أن الاستثناءات الأميركية لإسرائيل لا تجد لها مثيلاً في علاقة الولايات المتحدة بأية دولة أخرى. ومن أمثلة هذه الاستثناءات نذكر التالية (المعلنة لأن غير المعلنة أخطر كثيراً ولها تغطية التعاون الاستراتيجي). ونبدأ بـ :
1- الاستثناء من قانون تصدير الأسلحة (لا تشتري بالمعونات أسلحة أميركية وتستخدمها في بناء المستوطنات).
2- السماح لإسرائيل بالحصول على الأسرار والمعلومات الدقيقة بما فيها المتعلقة بالدول العربية (بعد تحالفها مع تركيا باتت تتبادل المعلومات).
3- السماح للصناعة العسكرية الإسرائيلية بمنافسة مثيلتها الأميركية. لجهة تحديث وتطوير وتصدير الأسلحة. سواء إلى دول حلف الناتو أو إلى دول العالم الثالث (تجني إسرائيل حالياً مرابح هامة من التزاماتها تطوير الأسلحة التركية. كما جنت مرابح غير محددة من مساعداتها التقنية العسكرية للصين).
4- التزام مصانع الأسلحة الأميركية بشراء ما نسبته الربع (25%) من مشتريات إسرائيل من هذه الشركات.
5- التعاقد مع إسرائيل للقيام بأبحاث حول حرب النجوم (الجدار الصاروخي تتمتها) بتمويل أميركي صرف.
6- تمتع إسرائيل بوضعية الحليف الرئيسي لحلف الناتو بما تحمله هذه العنصرية من أفضليات ومكاسب تدعمت بعد تعديلات الناتو الاستراتيجية العام 1999.
7- شراء الولايات المتحدة لنسبة من الأسلحة الإسرائيلية وإدخالها للخدمة في الجيش الأميركي. وخاصة الطائرة الإسرائيلية من دون طيار والإلكترونيات ذات الاستخدام العسكري.
8- تشجيع تصدير الأسلحة الإسرائيلية للدول التي تتلقى معونات أميركية. بالسماح لها بالإتفاق على هذا الاستيراد. وبالسماح لإسرائيل بتصدير أسلحة تحتوي على قطع أميركية.
9- تقديم معونات مالية لإسرائيل لتمويل مشاريع بحث مشتركة بين علمائها وعلماء العالم الثالث. وتجدر الإشارة هنا إلى الشكوك المبررة لاعتماد إسرائيل مؤسسات تمويل (ترتبط بها سراً) لتمويل بحوث عربية. تتمحور غالبيتها في التجسس الاجتماعي الهادف إلى تحديد نقاط التفجير الأكثر حساسية داخل هذه المجتمعات. ولسنا بحاجة للأمثلة (راجع كتاب سناء المصري علماء لكن جواسيس).
10- الدعم الدبلوماسي الأميركي(عبر السفارة الأميركي) لتسهيل التغلغل الاقتصادي الإسرائيلي في الدول المعنية (الأفريقية خصوصاً).
11- الدعم المالي الأميركي لموجات الهجرة اليهودية الجديدة إلى إسرائيل (على سبيل المثال صفقة الفالاشا من خلال السودان بضغط أميركي).
12- قيام بنك التصدير والاستيراد الأميركي بتقديم القروض لإسرائيل.
13- الاستثمار المالي في الاقتصاد الإسرائيلي على الصعيد الحكومي وعلى صعيد الشركات (بلغ هذا الاستثمار حدوداً غير متخيلة بالنسبة لدولة بحجم إسرائيل).
14- تسهيل حصول إسرائيل على قروض من المصارف الأميركية بضمانة حكومية غير مباشرة.
15- مميزات اتفاقية التجارة الحرة بين البندين الموقعة عام 1985. ويليها التحضير لاتفاقية التعاون الاستراتيجي.
بعد كل هذه المساعدات المباشرة وغير المباشرة كان من الطبيعي أن يتمكن الاقتصاد الإسرائيلي من تحقيق قفزات هائلة جعلت حجمه للعام 2000 يلامس المائة مليار دولار.
وتبرز عبر هذا النمو صناعتان إسرائيليتان منافستان عالمياً هما الصناعة العسكرية والتكنولوجيا الحديثة. ولم تكن هاتان الصناعتان لتبرزا لولا وجود خزان عقول يهودي في العالم قابل للاستيراد وإن بشروط ومع ذلك فإن اقتصاد إسرائيل يبقى اقتصاد معونات!. وهي نقطة مثيرة للجدل. الذي يمكن حسمه بالمقارنة بين المعونات الأميركية المشار إليها أعلاه وبين قوانين العقوبات الأميركية المطبقة على دول أخرى. فهل تستطيع إسرائيل الاستمرار في غياب هذه المعونات؟. وما بالك لو طبقت عليها واحداً من أنواع العقوبات؟!
لقد بلغت معاناة الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة حدود الجوع وسوء التغذية. ليبرز موقف أميركي واضح وحيد هو الإعلان عن الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل. وبالتالي باقتصادها. ومع ذلك فإن متابعة بسيطة لليوميات الإسرائيلية (غلونر ويديعوت أحرونوت تحديداً) تبين بالأرقام هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي. إذ تراجع مدخول السياحة من 3.4 مليار دولار إلى 1.2 مليار. وتراجع النمو المفترض من 4% إلى 2% ومن ثم إلى 1% وفي مقابلات أجرتها هاتين اليوميتين نجد أن شيمي بيريز (ابن وزير الخارجية) يصرح أن شركته العاملة في التكنولوجيا الحديثة قد منيت بخسائر غير متوقعة وتمنى لو تمكن من الحفاظ على رأسماله الأساسي في هذه الأزمة. أما العاملون في مجال البناء الفخم فهم يصرخون لعدم وجود مشترين لأبنيتهم بما من شأنه إيصالهم إلى الإفلاس. وفي قطاع السياحة أغلقت عشرة فنادق أبوابها وقد عدد العاطلين عن العمل في ميدان السياحة لوحده بسبعين ألف عاطل عن العمل عداك عن الهروب اليهودي من إسرائيل إلى بلدان المنشأ000الخ من الآثار الاقتصادية للانتفاضة. فهل تدل هذه العينة من الأرقام على اقتصاد متماسك واستقلالي؟
المسألة ببساطة هي أن الصناعة العسكرية الأميركية قد خصت إسرائيل بافتتاح فرع فيها. على غرار ما تفعله شركة جنراك موتورز بافتتاحها مصانع تابعة لها خارج الولايات المتحدة. أما الصناعة الإلكترونية فهي بدوية الطابع. إذ إن مصنعها هو العقل الفردي الذي يحمل حاسوبه النقال لينتقل إلى البلد الأكثر تقديراً لمعلوماته. وهذا الإصرار على وصف الاقتصاد الإسرائيلي بالتابع وبالاعتماد على المعونات لا يعني البتة التنكر لمهارة اليهود في اقتناص فرص الربح. وأولى علائمها الرخاء المادي للمواطن الإسرائيلي. الذي يجذب فقراء اليهود من أنحاء العالم، في حيث يفضل أغنياؤهم البقاء حيث هم. فإصرارنا يعني معاودتنا طرح أسئلة من نوع: كم يبقى من اليهود في أرش ميعادهم لو انخفض دخل الفرد فيها؟ وماذا بعد موت العم الأميركي؟ وماذا لو تراجعت الولايات المتحدة عن سياسة استعدائها للعرب؟ بل ماذا لو لم يعد بإمكانها التفرد في فرض العقوبات عليهم؟ وهذا السؤال الأخير يستوجب عرض أساليب الحصار الأميركية المعتمدة في ظل الآحادية القطبية. التي تسمح للولايات المتحدة بممارستها حتى على الأصدقاء.
إن الحصار هو كلمة مخففة للحرب الاقتصادية التي باتت الولايات المتحدة تشنها في شتى الاتجاهات دون تحرج، وتتضمن هذه الحروب الاقتصادية تقنيات مختلفة تستخدم منها أميركا ما يلي (نعتذر لإيراد أمثلة محدودة لمجرد الدلالة) :
1- الإنذار (الإنذارات الأميركية المتكررة بخفض سعر برميل النفط إلى 5 دولارات).
2- الحواجز الجمركية (الهادفة إلى إبقاء النفط سلعة الاعتماد الاقتصادي العربي).
3- العقوبات الاقتصادية (تمارس على الدول المارقة، وغالبية العرب من المارقين).
4- المقاطعة الاقتصادية (فرض عقوبات أميركية على المتعاملين مع العراق وإيران..الخ).
5- القرصنة البحرية (مصادر النفط المهرب مثالاً).
6- الاندماجات (الهادفة لابتلاع الشركات الصغيرة ومحاولات النهوض).
7- التجسس الاقتصادي.
8- الاحتكار.
9- حرب البورصات (أزمة النمور الآسيوية وانهيارها بمشيئة أميركية)ز
10- حروب النفط والماس واليورانيوم.
11- حروب المخدرات.
12- تزوير العملات وغسيل الأموال.
13- سياسة الإغراق (بيع 30 مليون برميل نفط أميركي لمنع ارتفاع السعر فوق العبة المقررة أميركياً).
إن العلاقة الأميركية-الإسرائيلية لم تستوجب بعد تخطي حدود التعامل مع ولاية تابعة (الولاية الـ 51 الأميركية). ولهذا السبب وحده يبقى الاقتصاد الإسرائيلي قوياً وتابعاً، وهو اقتصاد معونات تأكيداً وعوداً على تأكيد. | |
نوع خاص من جنون الشرق الأوسط السكوت عن التسلح النووي الاسرائيلي
هناك مشكلة واحدة من بين جميع المشكلات الخارجية والداخلية يأبى السياسيون التحدث عنها علناً. والرؤساء الأميركيون يكتفون بالتفكير فيها وقراءة التقارير السرية عنها. وبالرغم من أن أعضاء الكونجرس من شيوخ ونواب على علم بها، فإن الكونجرس آخر مؤسسة يمكن أن تتصدى لها. وقام رئيس أميركي بعد آخر من سلسلة من الرؤساء بترك المشكلة لخلفه.
فإدارة أيزنهاور كشفت عن غير قصد عن بعض النواحي الفنية التي زادت المشكلة تعقيداً. وفيما كان كندي يتأهب لتسلم الرئاسة حذره مستشاروه منها. ولم تسنح الفرصة له بالتصدي لها فحذر رئيس وزراء البلاد التي سببت المشكلة بأنها قد تعرض علاقتها مع الولايات المتحدة للخطر. واستخدم جونسون سلطته كلها لوقف التحقيق في المشكلة، وأبلغ مدير المخابرات المركزية (السي آي إي) بأنه لا يريد ان يرى أن تقرير عن الموضوع. ووقف الرئيسان نيكسون وفورد موقف المراقب وهما يشاهدان عناصر من وزارة الدفاع وأجهزة الأمن الأميركية ينتهكون المعاهدة الأميركية بشكل فاضح ويزيدون بذلك من حدة المشكلة. وبدءاً بالرئيس كارتر كان كل رئيس أميركي يدرك أن بعض النواحي المتعلقة بهذا الموضوع تشكل خرقاً لا نزاع فيه للقانون الفدرالي.
هذه المشكلة التي أتحدث عنها معروفة إلى حد أن أي قارئ يتتبع الأحداث اليومية بدقة يستطيع أن يعرفها : إنها لأسلحة الذرية في الترسانة الإسرائيلية.
ربما كان الرئيس جونسون يستحق أن نذكره بشكل خاص في هذه القصة المحزنة لأنه كان أول رئيس أميركي يسهم إسهاماً كبيراً مباشراً في برنامج إسرائيل لصنع الأسلحة النووية. ففي أكتوبر عام 1968 سمح ببيع القاذفات المقاتلة فانتوم ف – 4 ي لإسرائيل، وبذلك أمدها بالنظام المعتمد عليه لضرب القنبلة.
على أن ما يميز عهد جونسون في الحقيقة هو أنه عندما ترك سدة الرئاسة استطاع أن يكتب في مذكراته أن معاهدة انتشار الأسلحة النووية هي أهم إنجازات إدارته وأهم اتفاقية توصل إليها مع الاتحاد السوفييتي.
لكن عند التأمل في الأمر نجد أنه ليس من الإنصاف التركيز على جونسون وحده. فالرئيس كارتر هو الذي عمل على إقرار قانون مساعدة الأمن الدولي لعام 1977 الذي اشتمل على إدخال "تعديلات سيمغتون" على قانون المساعدات الخارجية لعام 1961. وقد نصت هذه التعديلات بوضوح على قطع المساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية والهبات والتدريب والتعليم العسكري عن أي بلاد تصنع أن تنقل أو تتلقى أو تفجر "قنبلة نووية". وفي أواخر عام 1979 شكل كارتر ومستشارو البيت الأبيض للأمن ندوة للنظر في التفجير النووي في جنوب الأطلنطي الذي وصف بأنه حلقة في سلسلة تفجيرات إسرائيلية وجنوب أفريقية مشتركة. وخلال المداولات حصل البيت الأبيض على معلومات التقطتها الأجهزة الإلكترونية الأميركية من الاتصالات الإسرائيلية العسكرية وتشكل دليلاً قاطعاً على أن التفجير الإسرائيلي حدث فعلاً. لكن البيت الأبيض نفى في الندوة حصوله على تلك المعلومات.
وعليه فمن الواضح أن كل ذرة من المساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل وكل زيارة قام بها ضابط إسرائيلي للتدريب في هذه البلاد منذ عام 1977 غير قانونية. ثم إن المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إي) ووكالة للمخابرات بوزارة الدفاع، ومختبر الأبحاث وحتى مجلس الأمن القومي ذاته أعدوا تقارير سرية عن طبيعة أسلحة إسرائيل الذرية وحجمها والاختبارات التي أجريت عليها.
لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي قد يجعل جورج بوش أول رئيس أميركي يتصدى لهذه المشكلة. فقنبلة إسرائيل أصبحت عاملاً خطراً يزعزع المعادلة العسكرية في الشرق الأوسط. فالرد المباشر لدول المواجهة العربية على قدرات إسرائيل الذرية يتمثل في سعيها إلى الحصول على أسلحة التسراتيجية فتاكة تشمل الصواريخ الموجهة بعيدة المدى ورؤوس حربية كيماوية بيولوجية ومشعة. لا يشك أي معنيّ بدراسة الوضع في أن لدى العرب من الحوافز والمال والقدرات التقنية ما يمكنهم من الحصول على الأسلحة الذرية واستخدامها.
وما المؤتمر الذي عقد بباريس حول حظر الأسلحة الكيماوية سوى البداية. قم إن المجتمع الدولي لن يسمح للرؤساء الأميركيين بدءاً بجورج بوش أن يلقوا المواعظ عن انتشار الأسلحة الاستراتيجية بينما يقومون سراً بدعم احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وكذلك فإن إدراك الجميع لتفاصيل النفاق الأميركي حول هذا الموضوع سوف يشل قدرة الولايات المتحدة على القيام بدور فعال في مفاوضات السلام في المنطقة.
هناك من الناحية الأساسية خياران أمام الولايات المتحدة : الأول أن تفرض على إسرائيل التخلص من سلاحها النووي، والثاني أن تشهد الخطوات القليلة الباقية لإنشاء نظام جنوبي من التدمير الأكيد المتبادل في أكثر مناطق العالم تفجيراً.
لقد حان الوقت لأن يكف كل رئيس أميركي عن ترك المشكلة لخلفه. فلا بد لأحد خلفاه من أن يتصدى لها. |
ألغاز كيماوية السكوت عن النووي وملاحقة اسلحة الفقراء
(نشرت في 23 أكتوبر 1989)
كانت إدارة بوش أحياناً تجد متعة كبيرة في وصف ميخائيل غورباتشوف بأنه يستخدم الحركات لإحداث التأثير المطلوب، وأنه يحتال لكسب الجمهور. لكن عندما ألقى بوش خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأسلحة الكيماوية بدا وكأنه يخلط الجد بالهزل.
قال بوش وسط هتاف المستمعين : "ينبغي علينا خدمة للبشرية أن نقضي على هذا الخطر". وأثار الإعجاب عندما اقترح تخفيض حجم المخزون منها على ثلاث مراحل يتم في نهايتها التخلص منه نهائياً. فقال إن الولايات المتحدة على استعداد في المرحلة الأولى أن تخفض مخزونها بمقدار 80 % إذا فعل الاتحاد السوفييتي الشيء ذاته، وأنها في المرحلة الثانية ستخفض ما تبقى لديها منه بمقدار 98 % إذا وافقت الأمم الأخرى الأربعون التي وقعت على مؤتمر جنيف لنَزع السلاح على إبرام معاهدة جديدة تحظر الأسلحة الكيماوية. وأضاف أنها – أي الولايات المتحدة – في المرحلة الثالثة ستدمر كل ما تبقى منه إذا حذت الأمم الأخرى حذوها.
وعندما ألقى وزير خارجية الاتحاد السوفييتي خطابه في اليوم التالي واقترح أن تقوم الدولتان العظميان بالتخلص من تلك الأسلحة بسرعة أكبر، كان التفاؤل الذي أشاعه ما يبرره. إذ بدا أنه سيتم إحراز تقدم تاريخي في مجال لم يشهد شيئاً يذكر منه منذ 1925، وهو مجال الحد من الأسلحة.
على أن المتشككين أشاروا إلى أن الولايات المتحدة تستطيع أن تواصل صنع تلك الأسلحة، وأن المرحلة الأولى المقترحة للتخفيضات التي نالت موافقة الكونجرس لا تنطوي على أكثر من التخلص من مواد خطرة كبيرة الحجم تقادم عهدها ولم تعد ذات فائدة كبيرة للأغراض العسكرية في الوقت الحاضر. لكن المشكلة الحقيقية التي انطوى عليها اقتراح بوش – كما أشار شيفرنادزه في خطابه – هي أن أي خفض مهم لمستويات المخزون من تلك الأسلحة في الولايات المتحدة وروسيا مرتبط بأعمال الأمم الأخرى التي تمتلك مثل تلك الأسلحة. فعلى الدولتين العظميين – كما أضاف شيفرنادزه – أن تذهبا إلى أبعد من ذلك وتفرضا على نفسيهما التزامات ثابتة قبل عقد المؤتمر الذي تشارك فيه الأمم الأخرى.
وبعد أن ألقى بوش خطابه أشار فكتور كاربوف رئيس إدارة الإشراف على التسلح بوزارة الخارجية السوفييتية إلى الحاجة إلى تلك الالتزامات الأميركية السوفييتية الإضافية. وقال إن الخطأ في معالجة بوش للموضوع هو أنه إذا رفضت أمة واحدة توقيع المعاهدة فإنها قد تعطل أي تخفيض يذكر في مخزون السوفييت والأميركيين من الأسلحة. وأظهر المساعدون بالبيت الأبيض اهتماماً كبيراً بهذه النقطة وذكروا أسماء البلاد التي تقلقهم أسلحتها الكيماوية وهي ليبيا وسوريا والعراق.
والمشكلة هنا ليست مجرد تمرد بعض الحكومات التي تنتج الأسلحة السامة وإنما هي الحاجة إلى الربط في اقتراح بوش وبشكل ما بين الأسلحة الكيماوية والأسلحة الذرية. فسوريا التي دعمت إيران في حربها مع العراق تدرك جيداً أن العراق حقق خطوات مهمة في تطوير الأسلحة الذرية. وكذلك فإن باكستان التي يشتبه غي أنها تعمل على إنتاج أسلحة كيماوية وذرية تخاف من الهند التي سبق لها أن أجرت تجارب نووية، والتي يشتبه في أنها تقوم الآن بتطوير أسلحة كيماوية.
والأكثر أهمية من هذا أن لدى الدول الثلاث التي تقلق البيت الأبيض ببرامجها لصنع الأسلحة الكيماوية ما يبرر خولها من إسرائيل التي أنتجت وربما اختبرت الأسلحة النووية والتي تسعى الآن جاهدة إلى إنتاج أسلحة بيولوجية. وعليه فإن الدول العربية هي التي أصرت في المؤتمر الدولي حول السلام الذي عقد في يناير على ربط الأسلحة النووية بالكيماوية واستشهدوا بأسلحة إسرائيل الذرية.
ويضرب الآن المثل بسياسة الولايات المتحدة في تجاهل برنامج إسرائيل لإنتاج الأسلحة النووية. ثم إن الرؤساء الأميركيين يترددون في فضح باكستان وغيرها من الدول التي يربطنا بها علاقات أمنية.
ومما ندفعه ثمناً لهذه السياسة الازدواجية إزاء الأسلحة النووية هو حرمان الولايات المتحدة من المصداقية بالنسبة إلى انتشار الأسلحة الكيماوية. فالطلب من أقطار معينة أن توقع على معاهدة تحظر الأسلحة الكيماوية دون الذرية يعني أننا نريد منها أن تتخلى من طرف واحد عن سلاحها الذي تواجه به أعداءها.
ألم يكن من المفترض أن يرى ذلك الرئيس ومساعدوه قبل أن يشرع في إعداد "مبادرته الدرامية" في خطابه عن الأسلحة الكيماوية في الشهر الماضي؟ وما هو أسوأ أن يكون بوش ورجاله قد عرفوا هذا لكنهم تجاهلوه واعدوا الخطاب للتأثير في المستمعين؟ أليست الجمعية العامة للأمم المتحدة منبراً لخداع الجماهير ؟ | | Home | |
|