"حزب الله" والـ"سين سين"! بداية، وقبل ان يبادر مزوّرو الوقائع المعروفون في البلد
الى تقديم قراءة للجملة المفتاح في البيان الذي صدر عقب القمة الثلاثية
التي عقدت أمس في بعبدا، بين العاهل السعودي والرئيسين السوري واللبناني،
والتي جاء فيها: "الالتزام بعدم اللجوء إلى العنف وتغليب مصلحة لبنان
العليا على أيّ مصلحة فئويّة". لا بد من تفسير واضح لا يحمل التباسات،
بمعنى ان البعض قد يذهب الى القول "الالتزام بعدم اللجوء الى العنف" معناه
موقف عربي مانع لـ7 ايار جديد، يقابله "تغليب مصلحة لبنان العليا على اي
مصلحة فئوية" على انه تنازل في موضوع المحكمة المعتبرة بحسب بعض الادبيات
قضية فئوية ولا بد لانقاذ لبنان من الفتنة من "تغليب المصلحة العليا"!
والتفسير
الصحيح بحسب مصادر مطلعة على تفاصيل القمة والتحضيرات لها، هو ان القسم
الاول من الجملة واضح اي انه ممنوع العنف في لبنان، اما القسم الثاني منها
فيتعلق بكل الاطراف وليس بالمحكمة التي لا تخص فريقا واحدا ولا شخصاً، وهي
جريمة تخص الامن والسلام في المنطقة، وقد وضع مجلس الامن يده عليها وجرى
تشكيل محكمة دولية خاصة لمحاكمة القتلة.
والحال ان خيارات "حزب الله"
وعلى رغم رفع الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الصوت عاليا باتهام
المحكمة بأنها "اسرائيلية" محدودة للغاية. فاللجوء الى العنف لحمل
اللبنانيين على رفض التعامل مع المحكمة ونبذها حتى قبل صدور القرار الظني
لا افق له، فلا الحزب قادر على الانقلاب على الواقع السياسي الذي بات يحظى
بغطاء عربي كبير جرى تظهيره في الزيارة المشتركة لكل من الملك السعودي
والرئيس السوري، ولا هو قادر على وقف تعطيل القرار الظني او المحكمة بأخذه
اللبنانيين رهائن بسلاحه.
ان المحكمة ليست لبنانية، ولا هي عربية، وقد
جرى اطلاق التحقيق الدولي ومن بعده انشاء المحكمة بإرادة دولية تجلت عبر
سلسلة قرارات في مجلس الامن انطلقت كلها من تصنيف جريمة اغتيال الرئيس رفيق
الحريري وبقية الجرائم المتصلة بها (قادة ثورة الارز) على انها ارهابية، و
بالتالي تم إدراجها في اطار محاربة الارهاب على نطاق دولي لا يقف عند
لبنان وحده. من هنا فإن اي ابتزاز محلي في لبنان لا يمكن ان يوقف مسارا او
يسقط محكمة دولية جاءت كتعبير عن ارادة مجلس الامن. وبالتأكيد فإن "حزب
الله" حتى لو احرق لبنان لن ينتزع تنازلا من المجتمع الدولي، والاخير لا
يمكن ان يقبل بالخضوع لابتزاز منظمة كـ"حزب الله" تفرض اجندتها، وتضرب هيبة
مجلس الامن وتكسر الحرب على الارهاب في لبنان.
ان التعامل مع المجتمع
الدولي وقراراته لا يكون بالطريقة نفسها التي يتم التعامل فيها مع القضاء
اللبناني او مؤسساته بالشتائم والابتزاز والتهديد بمعاودة الاعتداء على
المواطنين. ولذلك ما من مؤشر يدل على قدرة "حزب الله" على تقويض المحكمة او
ضرب الادعاء العام ومنعه من مواصلة مهمته، حتى لو نفذ الحزب تهديده بحرق
البلد متحديا الموقف العربي المعبر عنه في القمة الثلاثية في بعبدا.
ان
الحل الوحيد المنطقي امام "حزب الله" يكون بالتهدئة، وبانتظار صدور القرار
الظني ليبنى على الشيء مقتضاه، وبالتوازي فتح قنوات الحوار الداخلي على
مصاريعها للتعامل مع مضمون القرار، وخصوصا اذا ما اتهم مسؤولين في الحزب
بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
بالامس طرح مسؤول في "حزب
الله" سؤالا عما اذا كان المدعي العام الدولي والقضاة في المحكمة ملائكة،
ونفى ذلك. واليوم نطرح على المسؤولين في الحزب الذين يقولون انهم لا يُمسون
ومن خلال تاريخهم الحافل بـ"المآثر": هل انتم حقا ملائكة؟