[rtl]تطرق العديد من علماء النفس في نظرياتهم التي تبنوها إلى جوانب النمو العقلي عند الطفل مهم سبيرمان وجيلفورد، وأكثرهم شهرتا في ذلك العالم السويسري جان بياجيه، وهو عالم بيولوجيا في الأصل، اختبر جل الفرضيات والتجارب التي أجراها لدعم نظريته على طفلتيه، إذ انه كان يراقب سلوكهما ويسألهم ويحاورهما لمعرفة كيف ينمو ويتطور العقل لدى الأطفال. ومن خلال الكم الكبير من التجارب والبحوث التي أجراها هو وزملائه المؤيدين لنظريته ومن بعده تلامذته، يرى بياجيه إن النمو العقلي عند الطفل يمر بأربع مراحل هي:[/rtl]
[rtl]ا- المرحلة الحسية الحركية:[/rtl]
[rtl] وهي المرحلة التي يستخدم فيه الطفل الأشياء المحسوسة التي يتلقاها من العلم الخارجي ويتعامل معها حركيا عن طريق يديه وعضلاته، فمثلا عندما يرى الطفل لعبة ما يقوم بإمساكها بيديه ويحاول معرفة مكوناتها وأجزائها عن طريق محاولات تفكيكها أو تركيبها، وهذا كثيرا ما يراه الآباء ويعانون منه، سيما إذا كانت اللعبة أو الحاجة التي تصل إليها يدي الطفل غالية أو ثمينة أو عزيزة إذ معظم الأحيان نتيجة للعبث ومحاولة التعرف يودي إلى كسرها أو خرابها. يقسم بياجيه هذه المرحلة إلى عدة جوانب تتضمن:[/rtl]
[rtl]ا- جانب المرونة العضوية:[/rtl]
[rtl] يتمثل هذه الجانب قيام الطفل بحركات عشوائية في البداية ثم تميل هذه الحركات الى الاستقرار هدفها الإتقان والدقة في أداء العمل، تشمل الأجزاء التي تقوم بهذه الحركات العشوائية الرأس والعينين واليدين والقدمين، فمثلا إمساك الطفل في البداية بالرضاعة يكون عن طريق الحركات العشوائية وغير المنظمة،ثم بعد ذلك تستقر عملية الإمساك بها بشكل منظم ومتقن كلما تقدم الطفل بالعمر. هذه المرونة العضوية ترتبط بعلاقات ايجابية مع الجهاز العصبي من خلال تطور عمل هذا الجهاز مع نمو الطفل بشكل مستمر.[/rtl]
[rtl]ب- جانب التكيف الداخلي:[/rtl]
[rtl] يتضمن هذا الجانب قيام الطفل بتكييف أعضاءه الجسمية لتستجيب للمنبهات الخارجية التي يتعامل في بداية عمره معها عن طريق الفم، فمثلا تحريك الشفتين وعضلات الفم التي يمكن ملاحظتها على الطفل بشكل واضح متوافقة مع إفرازات الغدد اللعابية هي مؤشرات لتكيف أعضاء الجسم التي تتعامل مع الطعام الذي يقدم للطفل، وهذه العلاقة بين المنبه الخارجي والأعضاء التي تتعامل معه أيضا ترتبط بنمو وتطور الجهاز العصبي عند الطفل.[/rtl]
[rtl]ج- جانب الموائمة:[/rtl]
[rtl] يتضمن ها الجانب موائمة الطفل بين الحركات العشوائية التي يقوم بها والمؤثرات البيئية التي يواجهها، ينتج عن هذه الموائمة إدخال أنماط جديدة من التفكير تجعل من الطفل أكثر استقرارا مع البيئة المحيطة.[/rtl]
[rtl]د- جانب الترابط بين الحس والحركة:[/rtl]
[rtl] يتضمن التوافق بين حركات الطفل مع إحساساته بحيث يتمكن من الحصول على الأشياء من البيئة التي تتلاءم مع إحساساته الداخلية، فمثلا رفض الطفل الأطعمة المرة أو المالحة واتجاهه لتناول الأطعمة الحلوة هو دليل على ترابط ما بين حركاته وحاسة الذوق عنده.[/rtl]
[rtl] إن جميع هذه الجوانب تعمل على تكوين الجانب الحسي الحركي، والذي يعده بياجيه مظهرا من مظاهر النمو العقلي عند الطفل.[/rtl]
[rtl]2- مرحلة ما قبل العمليات:[/rtl]
[rtl] وفيها لا يستجيب الطفل للمعلومات البيئية المختلفة بطريقة حسية حركية مباشرة، بل يعمل على ترميزها وتشفيرها ومن ثم توظيفها بوصفها خبرات سابقة يستفيد منها في التعامل مع المعلومات المستقبلية التي يواجهها، فمثلا عندما يتمكن الطفل من نسج قصة من خياله أو يتمكن الطفل من معرفة إن الطيور تشترك فيما بينها بخاصية الطيران ويعمم هذه الحقيقة يكون قد دخل في هذه المرحلة، والتي عادة ما تظهر عند الطفل بعمر من 2-7 سنوات.[/rtl]
[rtl]3- المرحلة المادية: [/rtl]
[rtl] وفيها يتمكن الطفل من تطبيق الأشياء المحسوسة ومقارنتها، فمثلا يستطيع أن يربط ما بين العناصر المتشابهة في مجموعتين مستقلتين من حيث الشكل واللون. تظهر هذه المرحلة عند الطفل من عمر 7-12 سنة.[/rtl]
[rtl]4- المرحلة المجردة:[/rtl]
[rtl] وفيها يتمكن الطفل من إدراك المفاهيم المجردة، فمثلا عندما يتمكن الطفل من معرفة مفهوم العدالة والصدق والأمانة، ويربط هذه المفاهيم بمواقف محسوسة يكون قد دخل في هذه المرحلة، والتي عادة ما تظهر من عمر 12 سنة فما فوق.[/rtl]
[rtl] إن تلك المراحل التي تطرق لها بياجيه في نظريته ومن خلال التجارب والدراسات التي أجراها هو وتلامذته كان يستهدف من وراءها استخدام أفضل الوسائل التربوية التي يمكن التعامل بها مع الأطفال، وتمثل ذلك عن طريق فهم المرحلة العمرية التي يكون الطفل فيها والمعلومات التربوية التي تناسبها، فمثلا لا يمكن لنا أن نعلم الأطفال في عمر من 3-10 سنوات المفاهيم المجردة مثل الصدق أو الأمانة أو الحرية وغيرها من المفاهيم المجردة إلا من خلال استخدام أساليب تربوية تتضمن فيها هذه المفاهيم وتحاكي عمر الطفل مثل استخدام القصص أو الحكايات المصورة أو التوجيهات التربوية المباشرة لأمثلة محسوسة في حياة الطفل، وبالتالي فان الأمر يتطلب من التربويين والقائمين على العملية التربوية فيما إذا أرادوا النجاح في تحقيق الأهداف التربوية المبتغاة بتطبيق مبادئ هذه النظرية، أن يولوا أمرين جل اهتمامهم هما: عمر الطفل وطبيعة المادة التربوية التي يريدون نقلها له، فإذا كان هناك تناسب طردي بينهما يكون الهدف التربوي واضحا وقابلا للتطبيق، بما يعطي نتيجة تربوية ملموسة، وهو بالتأكيد يصب في خدمة الهدف العام من العملية التربوية التي يسعى جميع التربويون ويحرصون اشد الحرص على نقلها بأساليب علمية حديثة ومناسبة للأجيال اللاحقة، مواكبة لطبيعة العصر والمرحلة الحضارية والعلمية التي تتقدم بشكل متواصل ومطرد في عالم دائم التغيير والتجديد، هذا التوافق التربوي هو أنبل غاية للتربويين على مدى العصور. [/rtl]
[rtl]ونقصد بالتطور الذهني مجموع المراحل المختلفة (مراحل النمو) التي ينتقل فيها تفكير الطفل من حالة الغموض و البدائية إلى حالة المنطق والوضوح في المفاهيم و الإدراكات. فالطفل في الأشهر الأولى من حياته يلعب بأصابع قدميه وكأنه يلعب بشيء خارج عنه لا يخصه. و يبقى الطفل حتى حدود الثامنة يعتقد أن القمر يرافقه أو يمشي معه وأن القمر له أقدام يمشي عليها وأن الدمية تشعر و تحس، لذا نرى الطفل يعانق الدمية حتى تنام. كل هذا يدل على أن تفكير الطفل يختلف تماما عن تفكير الراشد. وقد أظهر علماء النفس الفروق القائمة من هذه الناحية بين الطفل و الراشد. فالطفل لا يمكن اعتباره رجلا صغيرا كما كان يعتقد الناس قديما.. إن للطفل عالمه الخاص و مفاهيمه الخاصة وهو لا يدرك الأشياء كما ندركها نحن الكبار. و هذا يعني أن تفكير الطفل يمر بمراحل متعددة ومتدرجة حتى يصل فيها إلى مستوى الوضوح و المنطق والموضوعية... وسنحاول أن نلقي الأضواء على عقلية الطفل حسب نظرية "بياجيه" عالم الطفولة الشهير، ونتكلم عن مراحل تطور الذكاء، واختبارات بياجيه التي استخدمها لدراسة تفكير الطفل.[/rtl]
[rtl]أ- مفهوم الأنوية (Egocentrisme)[/rtl]
[rtl]ماذا نقصد بالأنوية و كيف تظهر في فعاليات الطفل و عملياته الذهنية؟[/rtl]
[rtl]إن الأنوية هي حالة ذهنية تمتاز بعدم القدرة على التمييز أو التفريق بين الواقع والخيال، بين الذات و الموضوع، بين الأنا والآخر أو بين الأنا والأشياء القائمة في العالم الخارجي... فالطفل يجهل نفسه و جسمه و لا يعرف الزمان و المكان والسببية القائمة بين الأشياء أو الظاهرات الأخرى. فهو يعبث مثلا بأصابع قدميه و كأنه يلعب بشيء خارجي منفصل عنه. انه يميل إلى الدمجية أي انه يدمج نفسه مع الآخرين و الأشياء وهو لا يميز مثلا صوته عند البكاء و صوت طفل آخر...[/rtl]
[rtl]فقد يتوقف عن الحركة إذا سمع صوتا أو بكاء ثم يبدأ هو بالبكاء و لا يعرف إذا كان هذا الصوت هو صوته أم صوت غيره...[/rtl]
[rtl]إن الأنوية تظهر في مختلف فعاليات الطفل و تصرفاته : في كلامه، في تفكيره، في إدراكه لنفسه والعالم الخارجي... و هذه الأنوية يعتبرها بياجيه ظاهرة ابيستيمولوجية، أي حالة ذهنية ناجمة عن تقصير الطفل في مداركه العامة... وهنا يمكن التحدث عن الأنوية الفكرية التي تعتبر الأساس في الاستقطابات الذاتية المختلفة. ولكي نأخذ فكرة واضحة عن الأنوية، نتصور رجلا يعيش منذ ولادته في منطقة جبلية (قرية) لم يذهب يوما خارج حدودها. من ناحية المعرفة الفيزيائية، هذا الرجل عرضة لكثير من الأوهام و التفكير الخاطئ. فهو يعتقد بأن قمة الجبل القريب منه هي أكثر ارتفاعا من قمم الجبال الأخرى البعيدة عنه، وهو يعتقد أن العالم أو الكون صورة مصغرة عن هذه البيئة التي يعيش فيها، وهو أكثر من ذلك يعمم أفكاره ومداركه بالنسبة لبقية الأشياء انطلاقا من هذه البيئة الضيقة... فهو محور هذه المنطقة، وهذه المنطقة هي محور تصوراته ومداركه... ومن ناحية مداركه الاجتماعية، يعتقد أن الرجل أو المسافر القادم من مدينة مجاورة هو بمثابة غريب أو أجنبي. والأديب أو المفكر القادم من المدينة إلى هذه المنطقة للراحة أو الاستجمام ينظر إليه و كأنه إنسان كسول... فأحكامه على الآخرين وتقديره لهم مرتبط بفعالياته الشخصية.[/rtl]
[rtl]ومن ناحية معرفته لنفسه، انه يجهل ذاته دون علم منه لافتقار تجاربه ومداركه الموضوعية... فهو يعتقد بنفسه بأنه أكثر شأنا ونشاطا من السائح والعالم والأديب.[/rtl]
[rtl]يلاحظ من هذا المثال أن الرجل المذكور يستقطب كل شيء إليه، ويحاول تقييم الأشياء والأشخاص بالنسبة لمفاهيمه الشخصية –– هذا النوع من التفكير يعرف بالاستقطاب الذاتي أو المحورية الذاتية. وهذا يظهر في تصورات الطفل للعالم الخارجي و علاقته مع الآخرين وتصوراته لنفسه وكذلك في اللغة والتفكير وفي المنطق والمحادثة والحكم الأخلاقي.[/rtl]
[rtl](1) الأنوية و تصور العالم الخارجي (الأنوية الفيزيائية)[/rtl]
[rtl]إن تصور الطفل للعلم الخارجي (الأشياء و الظاهرات الطبيعية) يبقى مغلفا بالغموض حتى حدود السابعة. فالسببية الفيزيائية تبقى بعيدة عن مداركه التي تقترب من المفاهيم البدائية والميتولوجية أو الخرافية... ولهذه الذهنية صفات متعددة نوجزها في ما يلي :[/rtl]
[rtl]أ-الإحيائية (Animisme): والإحيائية تعني أن الطفل يعطي الحياة والشعور للأشياء الجامدة والمتحركة... فالشيء الخارجي يبدو له وكأنه مزود بالحياة والشعور والقصدية. فالمطر كائن حي يسقط وهو يريد ذلك... والشمس تشرق علينا و هي تعرف ذلك و تريد أن تشرق... والقمر يلاحقنا وهو يعرف ذلك... وقد سألت طفلا في السادسة والنصف من عمره عن المطر وكيف يتكون فقال : من الغيوم. من قال لك ذلك ؟ أختي. وأنت ماذا تقول؟ أنا كنت أعتقد أن الله يفتح من فوق السماء الحنفيات، و هكذا يسقط المطر على الأرض... وقال عن الشمس بأنها تمشي على أقدامها ولكنه لم ير تلك الأقدام لأنه لا يستطيع أن يحدق بها... وقال عن الشمس في طقس غائم : إنها بردانة وهي تريد أن تنام...[/rtl]
[rtl]وقد توصل بياجيه من خلال ملاحظاته و أسئلته مع الأطفال إلى تحديد أربع مراحل للإحيائية تتطور خلالها مدارك الأطفال عن مفاهيم الشعور والحياة المرتبطة بالأشياء . ومن الأسئلة التي طرحها بياجيه في هذا المجال : إذا وخزتك بدبوس، هل تشعر بشيء ما ؟ و إذا أجاب الطفل نعم أو لا، يجب أن نقول له : لماذا نعم أو لماذا كلا؟ ... الخ... وهذا السؤال يمكن تطبيقه على أشياء أخرى مماثلة...[/rtl]
[rtl]في المرحلة الأولى التي تمتد حتى السادسة أو السابعة، يمنح الطفل الشعور لجميع الأشياء التي تترافق بنشاط ما وحتى الأشياء الجامدة ( الحجر الذي يتدحرج مثلا) فالحجر يتمتع إذن بالحياة والشعور في حال تحركه.. وهو عدا ذلك لا يشعر بشيء... فالحجر الذي نضربه على الأرض بقوة يشعر بالألم حسب اعتقاد الطفل وعندما تنتهي حركاته لا يشعر بشيء. فهذا طفل في السابعة والنصف من عمره يجيب : إذا وقعت حصاة على الأرض، هل تشعر بشيء؟[/rtl]
[rtl]نعم لأنها تنكسر. والطاولة هل تشعر بشيء؟ كلا. وإذا انكسرت. نعم ... فالطفل يمنح الشعور لكل شيء و خاصة إذا كان هذا الشيء في حالة نشاط أو مقاومة... وهذا يعني أن الشعور مرتبط بحركة الشيء ومقاومته حتى ولو كان أصلا جامدا...[/rtl]
[rtl]في المرحلة الثانية ينتقل الشعور إلى الأشياء المتحركة فقط . وهذا يعني أن الأشياء الجامدة لا تدلّ على الحياة بالنسبة للطفل . وتمتدّ هذه المرحلة من السابعة حتى التاسعة تقريبا . فالشمس والدراجة أشياء تتمتع بالشعور والحياة بينما الحصاة و الطاولة تفتقر إلى الشعور والحياة ... وهذا يعني أن الشعور قد أصبح الآن مرتبطا بالأشياء المزودة بحركة دائمة وليست مؤقتة ... فالغيوم والنجوم والأنهار والنار والدراجة والسيارة كلها أشياء تحمل معها الحياة والشعور لأنها متحركة بطبيعتها ... والشمس تعرف أنها تضيء وتعطينا الحرارة وتعرف ساعة تشرق وتغيب ... والهواء يعرف أنه ينفخ وهو يريد ذلك . ويمكننا القول بأن الشعور في هذه المرحلة مرتبط بالأشياء المتحركة أي بالفعل أو الحركة المقصودة .. فالشمس تعرف أنها تشرق علينا وهي تريد ذلك.[/rtl]
[rtl]في المرحلة الثالثة، يستمر مفهوم الشعور و الحياة بالنسبة للأشياء المتحركة ولكنها الأشياء المتحركة بذاتها وليست المتحركة من الخارج كالدراجة مثلا . إن مياه النهر أو الساقية تتحرك بذاتها ... وكذلك النيران والمطر والشمس . والطفل في هذه المرحلة ينفي قضية الشعور والحياة بالنسبة للأشياء الجامدة والتي تتحرك في بعض الحالات ( بفعل القوى الخارجية) مثل الحجر الذي يتدحرج ثم يتوقف...[/rtl]
[rtl]في المرحلة الرابعة والأخيرة التي تمتد من العاشرة حتى الثانية عشرة يحدث تطور هام. فالشعور والحياة مرتبطان الآن بالكائنات والمخلوقات الحية أي الإنسان والحيوان ... والطفل يرفض إعطاء الحياة والشعور للقمر والشمس والهواء ... لأنها ليست كائنات حية . وهذا يدل على أن تفكير الطفل يمر بمراحل متعددة ومتدرجة حتى يصل إلى مستوى الوضوح والمنطق ... ففي البداية هناك الغموض أو الاستقطاب الذاتي الذي يسيطر على تفكير الطفل .[/rtl]
[rtl]ينتج مما تقدم أن تصور الطفل للعالم وخاصة للظاهرات الطبيعية يرتبط في البداية بالقانون أو السببية الأخلاقية أو الإرادية ... فالشمس تشرق لأنها تعرف وتريد ذلك وتحب أن تمنحنا الدفء والحرارة، والقمر يريد أن يرافقنا ... وهذه الحتمية الأخلاقية المرتبطة بإرادة الأشياء تتلاشى تدريجيا بعد العاشرة لتحل محلها السببية الفيزيائية أو السببية شبه العلمية أو الموضوعية.[/rtl]
[rtl]ب-الاصطناعية : ((Artificialisme: إلى جانب الإحيائية، هناك الاصطناعية، أي أن كل شيء مصنوع من كذا أو بواسطة كذا . ويعتقد الطفل بأن الأشياء قد صنعها الله أو إنسان كبير جبار أو أن الأشياء قد صنعت نفسها بنفسها كما سنرى ذلك في أحاديث الأطفال . فالجبال مثلا صنعها الله أو إنسان جبار أو أنها تكوّنت من تراكم الحجارة والأتربة ... وإذا سألنا الطفل عن أصل الليل فقد يجيب بأنه عبارة عن هواء أسود ينتشر و يتبخر . فالغيوم من الهواء وكذلك القمر والنجوم ... والماء من الغيوم ... والمطر ثلج يذوب ... والثلج كتلة من الغيوم ... والنار من الشمس والشمس من السماء ...[/rtl]
[rtl]ويحدد بياجيه ثلاث مراحل في تطور مفهوم الطفل عن الاصطناعية. في المرحلة الأولى يربط الطفل مصدر الأشياء بقوة بشرية أو إلهية ... والله عنده بمثابة إنسان جبار قادر و قوي ... ويسأل بياجيه طفلا في التاسعة والشهر الرابع عن مصدر الشمس . " كيف تكوّنت الشمس؟ من النار! وأين كانت النار في السماء . كيف بدأت النار ؟ انه الله الذي أشعلها في الحطب والفحم . ومن أين جاء بالحطب والفحم؟ هو نفسه صنع ذلك . وكيف كونت النار الشمس" . وهناك أطفال يربطون مصدر الشمس بقوى بشرية ... أي أن هناك إنسانا قد صنع الشمس وأشعل النار.[/rtl]
[rtl]في المرحلة الثانية، وتمتد من السابعة حتى التاسعة، يتطور مفهوم الاصطناعية عند الطفل الذي يربط مصدر الأشياء بأسباب طبيعية . فالنار تولدت من البراكين والجبال من تراكم الحجارة والأتربة . ونسوق هنا هذا المثل من كاتب بياجيه تصور العالم عند الطفل : كيف تكون القمر؟ –– الشمس صنعته –– كيف؟ –– بنارها –– من أين جاء القمر؟ –– من وراء الجبل –– ماذا كان يوجد هناك ؟ –– الشمس –– من أين جاءت الشمس؟ –– من الجبل –– كيف بدأت؟ –– بالنار . –– والنار كيف بدأت؟ –– بعود الثقاب –– والجبل؟ –– من التراب والرجال صنعوه ... وبالنسبة للغيوم يعتقد الطفل بأنها تولدت من مخان المنازل والأفران .[/rtl]
[rtl]من الملاحظ أن الطفل في هذه المرحلة يربط مصدر الأشياء بأسباب طبيعية ... أي هناك أشياء تولدت من أشياء أخرى ... وليس بقوى إلهية أو بشرية كما كانت هي الحال في المرحلة الأولى .[/rtl]
[rtl]في المرحلة الثالثة، والتي تمتد من العاشرة حتى الثانية عشرة، يربط الطفل مفهوم الاصطناعية بأسباب طبيعية أيضا ولكن مع وضوح أكثر في المفهوم والتفسير . والطفل يعتقد أن الشمس أصلها هواء ملتهب ... وأن القمر مصدره الهواء وأن الغيوم من الهواء أيضا ... فالطفل في هذه المرحلة يربط مصدر الأشياء بأسباب طبيعية بحتة ... فالغيوم ليس مصدرها دخان المنازل والمعامل والأفران (بشرية) بل الهواء (سبب طبيعي) ولكن تفسيره للأسباب الطبيعية يبقى بعيدا عن السببية العلمية ...[/rtl]
[rtl]هذه المراحل التي ينتقل خلالها الطفل من الغموض إلى الوضوح والمنطق تنطبق أيضا على تفسيرات الطفل للظاهرات الطبيعية الأخرى مثل الليل والمطر والغيوم والجبال ...[/rtl]
[rtl]في البداية، يعتقد الطفل بأن الليل من صنع الله وأن الليل موجود لكي ننام، وفي المرحلة الثانية يربط الطفل مصدر الليل بأسباب طبيعية غامضة ... فالليل هو غيوم سوداء أو هواء أسود ينتشر و يتبخر، وفي المرحلة الأخيرة يربط الطفل الليل بأسباب طبيعية معقولة كاختفاء الشمس ... وبالنسبة للغيوم، يعتقد الطفل أيضا بأنها عبارة عن مواد صلبة صنعها الله أو الإنسان (حتى السادسة)، وفي المرحلة الثانية (7-9) الغيوم مصدرها دخان المنازل والمصانع، وفي المرحلة الأخيرة تنجم الغيوم عن الهواء والرطوبة والبخار والحرارة ... وبالنسبة للمطر، يعتقد الطفل في المرحلة الأولى بأن المطر هو ماء يسقط من السماء، من عند الله ( حنفيات)، وفي المرحلة الثانية يربط الطفل المطر بالغيوم المتصاعدة من المنازل والتي تذوب في الجو تحت تأثير الحرارة، وفي المرحلة الأخيرة يربط الطفل المطر بالغيوم ولكنها ليست الغيوم الصاعدة من الأرض بل الناجمة عن أسباب طبيعية ... وبالنسبة لولادة الأطفال نلاحظ أن الطفل قد يطرح على أهله بعض الأسئلة المتعلقة بمصدر الأطفال و هناك مرحلتان . في المرحلة الأولى تتناول أسئلة الطفل المكان الذي كان فيه الطفل سابقا . وفي المرحلة الثانية تتناول الأسئلة كيفية نشوء الطفل .. وهذا يعني أن الطفل يبحث في البداية عن العلاقة القائمة بين الطفل وأهله وكيف حصلوا عليه وأين كان قبل ذلك، هل في الغابة أم عند الله؟ اذ يفترض الأطفال أن الطفل موجود مسبقا . وفي المرحلة التالية يبحث الطفل عن كيفية نشوء أو ولادة الأطفال وأن الأهل هم في صميم هذه العملية . زهنا نلفت نظر الأهل إلى أهمية هذا التطور في نشوء الأطفال، إذ يجدر بالأهل أن يتفهموا أن الطفل لا يطلب حتى السادسة التفسيرات العلمية أو التفاصيل حول ولادة الأطفال . فقد يكتفي بجواب بسيط لأن تفكيره لا يهضم القضايا المعقدة باعتبار أن الغموض يسيطر على تفكيره .[/rtl]
[rtl]ج- الواقعية عند الطفل (Réalisme)[/rtl]
[rtl]كيف يدرك الطفل الواقع وهل بإمكانه التمييز بين نفسه والواقع؟ ان ملاحظات بياجيه وأبحاثه تدل على أن الطفل يدرك الأشياء عن طريق تأثيرها الظاهر أو نتائجها المحسوسة ولا يربطها بأسبابها الحقيقية، فهو يكتفي بالفعل المحسوس كما هو و يتقبله عفويا دون تحليل أو تفسير معقول ذلك أن الأنوية تشكل الحجر الأساسي في تفكير الطفل ... ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك بالنسبة لتصورات الطفل حول فعل التفكير، والأسماء والأحلام و كيف يربطها بأسباب ظاهرية سطحية.[/rtl]
[rtl]فعل التفكير:[/rtl]
[rtl]نسوق هنا بعض الأمثلة التي سجلها بياجيه في دراساته عن الأطفال . (دراسة طفل في السابعة).[/rtl]
[rtl]–– هل تعرف ماذا تعني كلمة فكّر؟ نعم . هل تريد أن تفكر في بيتك؟ نعم . كيف تفكر؟ –– بالفم . –– هل تقدر أن تفكر والفم مغلق؟ كلا. –– أغلق فمك و فكر في بيتك . هل تفكر ؟ نعم. –– إذن كيف تفكر؟ –– بالفم ...[/rtl]
[rtl]نلاحظ من خلال هذا المثل أن الطفل يربط فعل التفكير بحركة الفم، فالتفكير يترافق بالصوت والكلام ... وهو يعتقد أن الإنسان لا يستطيع التفكير وفمه مغلق لأن ذلك لا يترافق بالكلام . هذه المرحلة تمتد حتى السابعة أو الثامنة حيث تبدأ المرحلة الثانية و خلالها يعتقد الطفل بأن فعل التفكير مرتبط بالرأس أو الدماغ ولبس بالفم ... وهذه المرحلة تمتد من الثامنة حتى العاشرة . فالتفكير صوت صادر من الدماغ أو الرأس أو الحنجرة . أما في المرحلة الثالثة التي تبدأ بعد العاشرة فإنها تدل على تطور هام، إذ أن الطفل يحرر فعل التفكير من الإطار المادي (الفم – الدماغ – الرأس – الأذنان ...) بحيث يصبح شيئا ذهنيا لا يمكن لمسه . وهنا نسوق حديثا مع طفل في الحادية عشرة من عمره :[/rtl]
[rtl]أين هو التفكير ؟ –– في الرأس –– إذا فتحنا الرأس، هل نرى التفكير؟ –– كلا –– هل نقدر أن نلمسه ؟ كلا –– هل نشعر به كالهواء ؟ –– كلا [/rtl]
الخميس فبراير 11, 2016 12:40 pm من طرف نابغة