استراتيجية الصراع تأليف: توماس شيلينج
|
| |
تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يعالج مواضيع متشعبة في النزاعات الدولية، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، والاستراتيجية الدولية. فهو كتاب خاص في علمي المساومة والتصرف الاستراتيجي، وواحداً من الكتب المائة الأكثر تأثيراً في الغرب منذ العام 1945، أي منذ أكثر من عشرين سنة، إلا أن المبادئ والأفكار الواردة فيه ما زالت تنطبق على النزاعات القائمة في وقتنا الحاضر. وبما أن فض النزاعات الدولية هي من أولويات المؤسسات الدولية، كان لا بد من إيجاد آليات وأفكار أصيلة، تقنع أطراف النزاع دون شعورها بالغبن الفاحش، الذي قد يصيب طرفاً ما من أطراف النزاع وهنا تظهر أهمية الأفكار والآليات التي ابتدعها المؤلف في كتابه هذا. وقد سُميت بأسماء مختلفة منها: "نظرية اللعب" Theory Game أو النظرية الاستراتيجية. وقد استعان المؤلف في شرح نظريته وأفكاره بالمعادلات الرياضية التي قد تساعد القارئ المتمرس بالعلوم الرياضية على فهم أفكاره ومقاصده بسهولة. ولقد وضع المؤلف هذا الكتاب عندما كان النزاع في أوجه بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وبالرغم من ادعائه الحياد، إلا أنه كان يميل إلى ترجيح الكفة الأميركية. تتسم محتويات هذا الكتاب بالغزارة والأصالة، فقد كانت عوناً كبيراً لأصحاب القرار وواضعي استراتيجية فض النزاعات بين الدول في طريقهم للوصول إلى غاياتهم. فكان توماس شيلينج من أوائل من نادى بالحوار مع الاتحاد السوفياتي بخصوص نزع السلاح من منطق القوة، وضرورة أن يتسلح المحاور الأميركي بترسانة أميركية تفوق ما لدى السوفيات في مختلف أنواع السلاح. وهنا ظهرت فكرة الصواريخ المضادة للصواريخ البالسيتية التي ادعى صانعو السلاح الأميركي، بأنها جعلت أميركا في منأى عن طائلة الصواريخ البالستية السوفياتية، مما جعل السوفيات يعيدون النظر في تسلحهم ويتبعون استراتيجية جديدة مع الأميركيين، وكانت أولى خطوات هذه الاستراتيجية لقاء بين الرئيسين الأميركي رونالد ريغن والسوفياتي ميخائيل غورباتشوف في آيسلندا، حيث تم فتح صفحة جديدة في التعامل بين البلدين. يضم هذا الكتاب بين دفتيه أربعة أجزاء تتضمن العناوين التالية: الجزء الأول يأتي بعنوان: عناصر نظرية الاستراتيجية. وهنا يقول المؤلف: "فإن الاستراتيجية – بالمعنى الذي استخدمه هنا – ليست معنية "بالتطبيق الكفء" للقوة وإنما "باستغلال القوة المحتملة". وهي ليست معنية بالأعداء الذين يكره بعضهم بعضاً وحسب، وإنما بالشركاء الذين لا يثق بعضهم ببعض، أو لا يتوافق بعضهم مع بعض أيضاً...". ويتابع: "وإذا استخدمنا مصطلحات نظرية اللعب Theory Game فإن أكثر النزاعات الدولية إثارة للاهتمام ليست هي "الألعاب ذات الأرباح الثابتة" وإنما "الألعاب المتغيرة النتيجة...". أما الجزء الثاني فجاء بعنوان: إعادة توجيه نظرية اللعب وفيها يقول: "سنحاول توسيع مجال نظرية اللعب آخذين لعبة المحصلة الصفرية على أنها حالة حدية وليس نقطة انطلاق، وهذا التوسع.. سيكون في اتجاهين، أولهما تحديد العنصر الحسي والإيمائي في تكوين التوقعات المتبادلة المتناغمة والآخر يحدد بعض "التحركات" الأساسية التي يمكن أن تحدث في ألعاب الاستراتيجية الفعلية...". ويأتي الجزء الثالث بعنوان: الاستراتيجية ذات المكون العشوائي: ويعني بالاستراتيجية العشوائية هنا "أن تمنع خصمك من توقع كيفية اتخاذك القرار وتحمي نفسك من دلالات السلوك المعتاد التي يمكن للخصم التعرف عليها، أو من تحيز غير مقصود في خياراتك يمكن للخصم أن يتوقعه". أما الجزء الرابع والأخير فيبحث في الهجوم المفاجئ: دراسة في الارتياب المتبادل ويركز على الخوف من الطرف الآخر والدفاع عن النفس "هذه هي مشكلة الهجوم المفاجئ. فإذا كان في عنصر المفاجأة ميزة، فمن الجدير أن يتم تجنبها بالهجوم أولاً...". ويختتم الباحث كتابه بثلاثة ملاحق تتضمن الموضوعات التالية: الملحق (أ): الأسلحة النووية والحرب المحدودة. الملحق (ب): التخلي عن التناظر في نظرية اللعب. الملحق (ج): إعادة تفسير مفهوم الحل للألعاب "غير القانونية". وخاتمة وملاحظات هامشية. يبقى أن نذكر بأن توماس شيلينج، من مواليد سنة 1921 في أوكلاند بكاليفورنيا، يحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة كاليفورنيا، ودكتوراه من جامعة هارفارد سنة 1948م. والتحق بمكتب موظفي البيت الأبيض وعمل مستشاراً للرئيس في شؤون السياسة الخارجية ثم التحق في أواخر عام 1953 بجامعة يال حيث بدأ بنشر ما عدته لجنة جائزة نوبل إسهاماً في "فهم التعاون والنزاع" وحصل على جائزة نوبل للاقتصاد في العام