«الدخول في الشبوقات» المعطي قبال -
mkabbal@gmail.com في الثالث عشر من هذا الشهر، يصادق
نواب البرلمان الفرنسي على مشروع قانون يحظر على النساء ارتداء النقاب أو
البرقع في الأماكن العمومية. وينص القانون على أن تتقدم النساء في هذه
الأماكن (أبناك، مستشفيات، وسائل نقل، مدارس،..) سافرات الوجه، وإلا فرضت
عليهن غرامة مالية قدرها 150 أوروها مع دورة تدريبية في سلوك المواطنة
وقيمها ودلالاتها وأهدافها. وستدخل العقوبات حيز التنفيذ في ربيع 2011. كما
أدخل القانون جنحة جديدة تفرض بموجبها عقوبة حبسية نافذة مدتها سنة مع فرض
غرامة مالية قدرها 30.000 ألف أورو على كل شخص يجبر امرأة على ارتداء
النقاب. وباقتراح من الحزب الاشتراكي، أضيف تعديل على إحدى الفقرات يطالب
بمضاعفة هذه العقوبات في حالة ما إذا فرض البرقع على الفتيات القاصرات.
حصل، ولأول مرة، ما يشبه الإجماع بين معظم القوى السياسية الفرنسية على
ضرورة حظر البرقع، بما فيها الحزب الاشتراكي الذي لم يرغب في ترك ساركوزي
يجني غلال نتائج الحظر واستغلالها سياسيا في أفق الاستحقاقات القادمة،
وبخاصة رئاسية 2012. وعليه، باع روحه للشيطان ليشرع، مثل البهلوان، في
الخطو على خيط رفيع! ويمكن القول، من دون مبالغة ومن دون أدنى مواربة، إنه
«قلب الفيستة» بالخف في الموضوع. في البداية، كانت مواقفه مناهضة لفرض
قوانين قسرية في حق حالات ثانوية لا تتجاوز 2000 امرأة، قبل أن يدعو إلى
حظر ارتدائه في الأماكن العمومية وفي المحلات التجارية. أما الحزب الشيوعي
وحزب الخضر فلم يغيرا موقفهما في الموضوع، إذ ظلا يعتبران القانون «تمييزا»
في حق المسلمين. المدهش في الأمر أن الحزب الاشتراكي وافق على القانون
ورفض في الوقت نفسه التصويت عليه، الشيء الذي قد يتسبب في خلق البلبلة في
أذهان المسلمين الذين يتابعون في صمت هذا الملف الساخن، معولين على السلطة
المضادة للحزب الاشتراكي في رفع الشبهات التي تلف صورتهم. إن الجالية
المسلمة في فرنسا ضحية لهوس التأخر الذي يعيشه النظام الساركوزي منذ عام،
والذي يرى أنه بالمقارنة مع بلدان أوربية، مثل بلجيكا وهولندا اللتين منعتا
البرقع، فإن فرنسا لا زالت تجر الخطى. هذا ما يفسر الإثارة والغليان
والسباق ضد الساعة كي تحظره بدورها. يعرف المسلمون أنهم لا يزنون «أوقية»
في ميزان القرار السياسي الفرنسي. وما «الالتفاتات» التي يقوم بها بعض
المسؤولين الكبار، مثل تقاسم التمر والحريرة أو الشربة خلال شهر رمضان
وتناول «قضيبات» رفقة عميد مسجد باريس يوم عيد الأضحى.. إلخ، سوى مجرد
مساحيق غايتها الاستهلاك الفلكلوري. والكيفية التي تصرف بها الوزير الأول
فرانسوا فيون يوم أقيم حفل افتتاح مسجد «الإحسان» بمدينة آرجونتاي، في
السادس والعشرين من يونيو، توفر البرهان على ذلك. بحضور 800 من المدعوين
والمسؤولين عن الجالية المسلمة في فرنسا، ألقى الوزير الأول خطابا قال فيه
ما معناه: «ساعدوني على إقناع الجالية المسلمة بضرورة نزع النقاب وسأتصدى
لكل مظاهر الإسلاموفوبيا المعادية للمسلمين!»، كيف ذلك والبصمة المشينة
التي تركها نيكولا ساركوزي على شباب الحي في إحدى زياراته حين اتهمهم
بـ«الأوباش» La racaille لا زالت إلى اليوم عالقة بالأذهان!
في الـ13 من يوليوز، يصادق النواب البرلمانيون، إذن، على قانون حظر ارتداء
البرقع. واختيار الرقم 13 -الذي يرمز، كما هو معروف، إلى الشؤم وسوء
الطالع- ليس باختيار بريء أو اعتباطي، إذ تبقى رغبة الحكومة هي «مسح شؤم
البرقع» بسرعة، قبل الانتقال في الغد إلى الاحتفال بالعيد الوطني، حيث
ستكون المستعمرات الإفريقية الـ14 السابقة ضيفة شرف على الاستعراض الرسمي
في جادة الشان إيليزيه، كما سيصدح في رحاب مجموع فرنسا النشيد الوطني،
(لامارسييز)، يرافقه في الأزقة «رابوز» الأكورديون وهو يئن تحت فرقعات
الألعاب النيرانية، بأهازيج الفالس. وبذلك تطبق فرنسا، على طريقتها الخاصة،
المثل المغربي القائل: «اللي منا يجي منا، اللي منهم يجي منهم، سيدي
العربي يطيرهم»! لكن بعد انتهاء «الفيجطة»، قد تستيقظ فرنسا على أنغام
أخرى، إذ المعروف أن القوانين غالبا ما توضع لكي لا تحترم. وعليه، سنسمع
لاحقا عن دعاوى رفعتها منقبات أمام المجلس الأوربي لحقوق الإنسان أو عن
مبرقعات فضلن دفع غرامة 150 أوروها، بدل نزع النقاب. وبذلك، تكون فرنسا
«دخلات راسها» في «شبوقات» من نوع آخر!