الاتفاق التاريخي بين إيران والغرب
رأي القدس
July 13, 2015
بأي مقياس، وسواء كنت صديقا ام عدوا لاطرافه، وكيفما نظرت اليه، انه اتفاق تاريخي بات في متناول اليد بين طهران والقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بعد ولادة متعثرة استغرقت 13 عاما.
اتفاق يغير الشرق الأوسط إلى الأبد، ويعيد صياغة تحالفات دولية وعداوات واولويات تقليدية، كما يغير صورة إيران امام العالم، ويعيد تحديد مكانتها في هذا الأقليم الحيوي المتفجر بالصراعات كدولة عظمى، وعضو في نادي الكبار بعد ان اكتسبت شرعية لبرنامجها النووي، وسط محيط متشظ على اسس عرقية وطائفية.
وليس غريبا ان يتحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف عن «انتصار كبير»، فيما تؤكد تقارير استعداد الإيرانيين لاحتفالات واسعة بمجرد الاعلان عن التوقيع. فقد نجح نظام طهران منذ البداية في ربط البرنامج النووي بالروح القومية، والتاريخ الامبراطوري، والكرامة الوطنية الإيرانية. ولا شك ان الاتفاق يعد كذلك انتصارا شخصيا لروحاني وتياره الاصلاحي، ولا يعني هذا بالطبع ان المحافظين لم يكونوا يريدون التوصل اليه.
وفي المحصلة فانه انتصار للدبلوماسية القادرة على تجنيب العالم ويلات الحروب، ان اعطيت الفرصة وصدقت النوايا.
ولعل الرفع المتدرج للعقوبات الاقتصادية، وما يعنيه من انتهاء تجميد الارصدة وضخها في اقتصاد طهران المنهك يعني دعما مهما للنظام داخليا واقليميا.
ومن حق إيران ان تحتفل بثمرة صبرها وصمودها لسنوات في مفاوضات صعبة، وهو ما يجب ان يكون درسا لآخرين سارعوا بتقديم التنازلات، وفقدوا اوراق قوتهم مبكرا، حتى ان الخصم اصبح لا يريد سوى المفاوضات من اجل المفاوضات.
وفيما حبس العالم انفاسه خلال الساعات الاخيرة ترقبا لصياغة نقاط خلافية، ثم مراجعتها من قبل الخبراء القانونيين، وترجمتها وأرسالها للعواصم المعنية لاقرارها من القيادات السياسية، لم يكن غريبا ان تتحدث الولايات المتحدة عن «خلافات مستمرة رغم تحقيق تقدم كبير»، إذ ان ادارة اوباما تستعد لمواجهة حرب ضروس بقيادة حكومة مجرم الحرب نتنياهو والكونغرس ذي الاغلبية الجمهورية، ولعلها أرادت ان تظهر انها لم تفرط، بل حرصت على اقتناص تنازلات إيرانية حتى اللحظة الاخيرة.
ولعل التباين الواضح بين موقفي واشنطن والعواصم الأوروبية المشاركة في المفاوضات، يعود إلى ان الاولى تحمل اجندة اسرائيلية خفية، ليست قلقة من قنبلة نووية لا تحتاجها طهران للحفاظ على قدرتها على الردع الاستراتيجي، بل ترفض وجود هكذا دولة قوية غير قابلة للتحييد أصلا، ترفض أي شرعية لوجودها ناهيك عن الاعتراف بها.
اما أقليميا فان الاتفاق يعني أبعد من البرنامج النووي، ورفع العقوبات، اذ انه بمثابة اعلان ضمني عن تعاون يلامس حدود الشراكة الاستراتيجية بين إيران والغرب في عدد من الملفات، لعل مكافحة الإرهاب واحدة منها. فبعد ان تحققت توقعاتها بفشل التحالف الدولي في محاربة تنظيم «الدولة»، تعتبر طهران نفسها مؤهلة لقيادة الجهد الدولي والاقليمي لمحاربة الإرهاب، ومنعه من اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط، في مقابل اطلاق يديها في اقليميا، وخاصة سوريا والعراق ولبنان.
اما النتيجة الحتمية للاتفاق فهي تقاطع مصالح اسرائيل مع بعض الدول العربية التي ستعتبر ان «إيران النووية» اصبحت تمثل الخطر الاكبر على نفوذها وربما وجودها نفسه، وبالتالي سيتشكل «تحالف الامر الواقع» بين الجانبين. وفيما ستركز دول عربية اخرى على محاربة التنظيمات الإرهابية التي اصبحت تهدد بانهيارها، كما قال الرئيس التونسي مؤخرا، لايجد المراقب مفرا من ان يتوقع مزيدا من التراجع للقضية الفلسطينية، فيما تخلي إيران مقعد العدو لـ«الجمهورية الإسلامية في إيران».
وربما تدخل المنطقة في سباق جديد للتسلح تستفيد منه ميزانيات الدول المصدرة للسلاح، وسيسمح لدول عربية ان تشتري مفاعلات نووية جاهزة لتوليد الطاقة حتى تصبح «نووية» ايضا، مع الفارق بالطبع، اذ ان واشنطن ومن ورائها اسرائيل لن تسمح بوجود إيران جديدة تمتلك المعرفة والقدرة على التخصيب.
وبينما تزداد الحلول العسكرية صعوبة ان لم يكن استحالة في ملفات مثل سوريا واليمن، وتتكرس التعقيدات في بلاد اخرى، يطرح السؤال نفسه: هل حان الوقت لبدء حوار استراتيجي عربي ـ إيراني، يقبل بحقائق القوة الجديدة في المنطقة بدلا من الاستمرار في هذا النفق المظلم.