ماذا عن اليوم التالي لسقوط الأسد؟!
ذريعة روسية، راقت "لتل أبيب" قبل واشنطن يومها، غير أنها فتحت أبواب جهنم، التي إن بقيت على حالها. لن تلتهم الشرق الأوسط وحده. بل ستطال نيرانها أبواب الكرملين، وحدائقه الخلفية، في الجمهوريات الإسلامية. بصورة، يبدو معها ما حدث بفرنسا. أو طال بريطانيا "بسوسة" تونس. مجرد حوادث إرهابية، مُرجحة للضرب داخل ولايات "أوباما" الاتحادية نفسها.
أعتقدت موسكو آنذاك، أن سؤالها "التعجيزي"، كفيل بتأمين الوقت، الذي يحتاجه بشار الأسد، ومن خلفه طهران للقضاء على الثورة. فيما كان المفترض أن تدعم بجدية حلاً سياسياً، يشبه جنيف1، أو تتفهم المبادرة العربية على غرار "الحل" اليمني. لكنها لم تفعل، إما نكاية بالغرب، وبعض العرب. الذين ساهموا بإسقاط القذافي، من خلال مجلس الأمن. أو تحسباً "استراتيجياً" لأنابيب غاز رخيصة الثمن، تمتد من الخليج العربي، عبر العراق وسوريا، إلى أوربا. لتقذف بالغاز الروسي "مرتفع التكلفة"، خارج الأسواق الأوربية. عدا تأمين أخر قواعدها البحرية العسكرية "الرمزية"، في المنطقة "بطرطوس".

لم يكن وارداً بحسابات موسكو، أن يفشل "الأسد"، ومن خلفه طهران وميليشياتها المذهبية، بوأد الثورة، رغم الدعم بالسلاح والسياسة. كما لم تتوقع "غالباً"، أن الحفاظ على ذريعتها بشأن" اليوم التالي"، يتطلب من حلفائها إطلاق "داعش" من قمقمه، وتسويقه، وأشباهه كبدائل وحيدة عن بشار الأسد.

استخدام "الأسد" للكيماوي بغوطة دمشق، ثم تسليمه السلاح. مهد الطريق أمام اتفاق "النووي مقابل مد النفوذ الإيراني" بالمنطقة. لذا، لا غرابة بأن يستعير الثنائي "أوباما – كيري" من "بوتين – لافروف"، السؤال إياه عن "البديل". لكن بصيغة آخرى تتحدث عن أولوية مواجهة "داعش"، و فضفاضة عابرة للحدود، تُحيد الحديث عن مصير بشار، تمهيداً لإعادة "دمجه" في "التحالف" ضد الإرهاب، مثلما ترغب إيران. التي لم يعد سراً أنها تحولت مع أدواتها المذهبية العسكرية، إلى الوكيل الحصري المُعتمد أمريكياً، لتولي مهمة مُكافحة "إرهاب" هم صناعه، في العراق وسوريا. وإلا ما معنى أن تصمت إدارة أوباما، عن الاجتماع الأمني التنسيقي "لمواجهة" داعش، بين "فصيل الأسد - حكومة العبادي – إيران" ببغداد.
لم يكن، اسقاط الحدود بين سوريا والعراق، بعيداً عن أصابع إيران "الرقة – الموصل"، ثم "تدمر – الرمادي ". وإسقاط الأخيرة، كان له هدفاً إضافياً. يتمثل بزيادة الضغط الأمني على السعودية، والأردن. إثر انطلاق "عاصفة الحزم"، بالتالي وضعهما أمام خيارين أحلاهما مر، داعش، يخلفه الحشد الشعبي إيراني الولاء، بطل "التحرير" المُرتقب لحاضرة الأنبار.

هذه الاستراتيجية الإيرانية، يُمكن مواجهتها باستراتيجية عربية مُضادة. ذلك أن هزيمة داعش، مستحيلة مع بقاء "بشار" بدمشق، بل في سوريا كلها.
اللافت، أن واشنطن تُدرك ذلك جيداً، لكنها تُكابر حتى التوقيع النهائي على "النووي". تماماً، مثلما تعرف موسكو أن رجلها، أصبح من الماضي، بيد أنها تطلب "تعويضاً ما" لمصالحها. وعن بديل، يحفظ "مصداقية" عدم تمسكها بشخص "الأسد". ويحفظ وحدة سوريا ومؤسساتها بحسب "ادعاءاتها".

لا أحد في موسكو، أو واشنطن. يرى "بالمُعارضات" السورية، بديلاً مُناسباً عن بشار الأسد. تشاركهما بالرأي الغالبية الساحقة، من السوريين "ثائرين وموالين". الذين يراقبوا، توزيع تلك "المُعارضات"، لولاءاتها بين عدة دول داخل الأقليم وخارجه. الأمر، الذي يُغذي الصراع على سوريا لسنوات طويلة، مع تضارب حسابات جميع المُشتبكين على الأرض مُباشرة، أو بالوكالة.

عملياً، "المسألة السورية"، تجاوزت حلول من عيار جنيف1، أو مبادرة على الطريقة اليمنية. خصوصاً مع تمسك طهران بأوهام استعادة الامبرطورية الفارسية، بعمامة شيعية. ونأي رجالات الدولة الوطنية السورية، من مختلف الطوائف والمذاهب والأعراق بأنفسهم، بعيداً عن المشهد السياسي الحالي غير الأخلاقي.
أعتقد، أن هؤلاء، وغيرهم من "تكنوقراط" مُتخصصين، داخل البلاد وخارجها. لن يترددوا بالعمل المُبدع، لإنقاذ سوريا، في إطار حكومة. يقودها العاهل الأردني عبد الله الثاني، لمرحلة انتقالية مُحددة المدة. تنتهي بوضع دستور لدولة ديمقراطية. يضمن التداول السلمي للسلطة. ولابأس إن كانت فيدرالية مُحترمة على الطريقة "الألمانية أوالسويسرية مثلاً"، لا على الطريقة العراقية، التي تمُهد للانفصال، وعودة انفجار السلم الأهلي بكل لحظة. و كذلك، بعيداً عن فكرة "مُحاصصة" شبيهة "بالترويكا" اللبنانية.

لكن، لماذا ملك الأردن تحديداً؟.
ببساطة، لأن الجغرافيا السياسية تحكم. ولأن الأردن، بات بحكم البوابة الشمالية للعرب. ولأنه البلد الوحيد المُتماسك، في محيط ينهار متسارعاً. ولأنه لا يملك رفاهية التفرج على فوضى، تتمدد لابتلاعه. ولأنه يُعاني من ضغط اللاجئين، وتوقف النشاط الاقتصادي مع سوريا والعراق تقريباً.
تخلى الأردن عن نواياه التوسعية منذ زمن طويل، بدليل فك الملك الراحل حسين، للارتباط مع الضفة الغربية 1988. وهو توجه عززه الملك عبد الله الثاني، حين رفع شعار "الأردن أولاً" آواخر 2002، وترجمه خارجياً بالتخلي عن أدواره الاقليمية، بما فيها إدارة الأماكن المقدسة. حين استبدلها، بالتوقيع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على اتفاقية للدفاع المشترك، عن القدس 2013.
كذلك، يتمتع الأردن، بعلاقات جيدة، مع كافة اللاعبين الإقليميين والدوليين تقريباً. باستثناء ما فرضه اندلاع الثورة السورية، من عدائية الثنائي "الأسد – طهران"، اللذين اعتمدا قاعدة "إما معنا أو علينا"، دون شفاعة لمبدأ تأييد عمان "للحل السلمي"، المُستبعد أصلاً من أجندة خامنئي – بشار.

لا أحد، يستطيع في واشنطن أو موسكو. التشكيك بجدية الأردن في مواجهة "التطرف"، باعتباره خطراً ماثلاً يُهدده وجودياً. إضافة لكونه يتمتع بقدر كبير من استقلالية القرار، التي طالما مارسها خلافاً لمصالح وإرادة واشنطن، أودول الخليج. بدءاً من غزو صدام للكويت، وصولاً إلى تجنبه ممارسة ضغوط فعلية، تُسرع بإزالة الأسد عسكرياً. مما يُخفف إلى حد كبير، مخاوف "المُتصارعين" على سوريا، من احتمال تغليب الملك عبد الله الثاني، لمصالح طرف على آخر، أثناء إدارته لمرحلة انتقالية "مُفترضة".

لاشك، أن ثمة خلافات بين عمان والدوحة، حيال سوريا، وغيرها. لكنها من النوع القابل لتفاهمات سريعة، مع عودة التواصل الدافئ على خط الرياض – الدوحة. عدا أن القاهرة، لن تُعرقل بالنهاية دوراً أردنياً. إذ تُدرك تماماً أن عمان تميل عموماً لمحور "القاهرة – الرياض". فيما ستجد بغداد المُحتلة إيرانياً نفسها، مُضطرة للترحيب المُتحفظ بالخيار العربي، نظراً للعلاقات التاريخية مع الأردن، ولأنه يصب بالمحصلة في مواجهة الإرهاب، الذي يضرب العراق
داخلياً، يُشكل توجه كهذا، ضماناً لمختلف الأقليات، للمسيحيين بطبيعة الحال، وللدروز بالجنوب، إلى العلويين بالشمال، بالتنسيق مع تركيا، التي ستكون مرتاحة لضمان وحدة سوريا جغرافيا وشعباً. مروراً بالأكراد أنفسهم، إذ يرتبط الأردن بعلاقات جيدة مع اقليم كردستان العراق، ويتقاسم مع السعودية نفوذاً واسعاً بين العشائر العربية الفاعلة. بما يضمن منع صدامات دموية خطيرة بين الطرفين. ويُرمم قدر الإمكان ما أحدثته، وتُحدثه ميليشيا صالح مسلم ، من أعمال قتل، حرق، نهب، وتهجير، بحق السكان العرب والتركمان.

إدارياً، تراكمت لدى الأردن خبرات فريدة بالتعامل مع مجتمع مُزدوج الهوية "أردنية – فلسطينية". كما استوعب في مؤسساته الرسمية، قيادات رفيعة المستوى، من أصول سورية، وشركسية.

المؤكد، أن إيران، لن تهضم حلاً طارئاً، لم يخطر ببالها. وستبذل ما بوسعها لمواجهته وإجهاضه. غير أن قدرتها على شطبه تبقى محدودة. إذا ما اعُتمد عربياً وإقليمياً. لاسيما أنه يسد "الذرائع" الروسية. ويُحقق التوازن بين الأولوية الأمريكية لمواجهة الإرهاب، وأولوية دول المنطقة، بردع تهديدات الهلال الفارسي لحدودها وكياناتها. ولعله يستكمل ما حققته أنقرة أمس من اختراق. يتمثل بفتح قاعدة "انجرليك" العسكرية، وتزويد طائرتين بدون طيار بالأسلحة. مقابل تعهد واشنطن باستخدامهما، لمكافحة إرهاب الأسد وداعش معاَ.

طبيعي، أن مخرجاً لمعضلة، تبدو مُستعصية على الحلول. يستلزم دعماً مالياً و سياسياً بمستوى عالٍ، لكن أكثر ما يتطلبه، هو اسناد عسكري بجيش، ليس من الصعب تشكيله، من بقايا "قوات الأسد"، بعد "غربلتها" من قيادات الصف الأول، والثاني المتورطة بالدماء. إضافة إلى الثوار المقاتلين السوريين، من المؤمنين بسوريا فوق الجميع، بينهم المُدربين في الأردن وتركيا. مدعومين بقوات "ردع" عربية، وأوربية من الدول الراغبة، في حال الضرورة.

الأهم، أن يعي العرب نصيحة أوباما "بقلع أشواكهم بأيديهم". هذا "الأوباما المنكفئ " سيء النوايا، ورط نفسه أكثر مما يلزم، باجترار تصريحاته حول أولوية "داعش ثم داعش ثم داعش". لذا لن يجرؤ، أقله لأسباب أمريكية داخلية، على رفع الفيتو بوجه "حل عربي"، يُجرده من أكاذيبه دفعة واحدة.