[size=32] أية علاقة بين الدّين والقانون؟
(أو نقد القانون الجنائي بالمغرب)[/size]
عبد الرحمان النوضة
((الجزء الأول))
فهرس المقال: 1) بأيّة فلسفة جنائية نكتب القانون الجنائي؟ ............... 6 2) بأي منهج نُقيّم مشروع القانون الجنائي؟........... 8 3) أَلاَ تتعارض عقوبة الإعدام مع حقوق الانسان؟ .............. 9 4) هل يجوز للقانون الجنائي أن يفرض تديّنًا معيّنا ؟ .......... 11 5) هل يُعقل تجريم «الإساءة إلى الله أو الأنبياء»؟ .............. 18 6) هل يُعقل تجريم «زعزعة عقيدة مسلم»؟................ 25 7) هل يجوز تجريم العلاقات الجنسية المُتراضية؟......... 28 8) هل يجوز تجريم شرب الخمر؟ ............. 36 9) هل ينصف القانون الجنائي حقوق المرأة؟............. 37 10) هل يجوز تجريم الرغبة في تغيير النظام السياسي؟............ 40 11) هل خطورة الجيش تبيح الغلوّ في تجريم كل من يتكلّم عنه؟... 45 12) لماذا الغلوّ في المنع المؤقّت أو النهائي للنّشاط المهني؟......... 47 13) هل القانون الجنائي محايد أم متحيّز ؟.................. 49 14) هل يجوز نقد أداء القُضاة؟.................... 50 15) ملاحظات جزئية أو معزولة..................... 58 16) خــلاصـات جـزئـيـة ............... 61 |
في بداية شهر أبريل 2015، نشرت وزارة العدل بالمغرب ''مسودّة مشروع القانون الجنائي''، على موقعها الألكتروني. وتتكوّن هذه ''المسودة'' من قرابة 600 مادّة، مكتوبة على 288 صفحة من الحجم الكبير. وطلبت الوزارة من الفاعلين المهتمين أن يبلّغوها ملاحظاتهم أو اقتراحاتهم. وهذه الدعوة لتفاعل تشاركي هي مبادرة إيجابية، وتستحقّ التشجيع والتـقدير والتنويه.
وقبل الدخول في صلب الموضوع، يلزم التذكير ببعض المعطيات التي تساعد على فهم الطريقة التي تفاعل بها المجتمع مع ''مسودة مشروع القانون الجنائي''.
ويكتسي مشروع القانون الجنائي أهمية سياسية كبيرة. وبعد إقرار هذا القانون الجنائي، ستعمل به المحاكم خلال عدّة عقود متوالية. ولا تمكن إعادة مناقشته أو مراجعته بسهولة بعد بضعة سنوات وجيزة. (فالقانون الجنائي القديم يعود إلى سنة 1962). وهذا القانون الجنائي الجديد (بالإضافة إلى المسطرة الجنائية) هو الذي سيحدّد القواعد والآليات التي سيُعاقب بها، ليس فقط المجرمون العاديون، بل أيضا المناضلون، والمعارضون السياسيون، والنقابيون، والمحتجّون، والمتظاهرون، والمفكّرون، والكتّاب، والنقّاد، والفنّانون، والصحافيون، والناشرون على مواقع الأنترنيت، والمتجوّلون عبر شبكة الأنترنيت الذين يعلّقون على ما يقرأون، والعاملون في الاقتصاد، والمسئولون في أجهزة الدولة، إلى آخره.
وخلال شهري أبريل وماي 2015، نظّمت جمعيات وهيئات من ”المجتمع المدني“ أكثر من عشرة ندوات للتشاور حول مشروع القانون الجنائي. لكن الأحزاب التـقدمية، بما فيها أحزاب اليسار ومناضليها، لم يشاركوا في هذه الندوات بالقدر المطلوب أو الممكن. وغياب أحزاب اليمين من هذه الندوات يؤكّد أنها لا تهتم سوى بما يعود عليها بنفع مادي مباشر وسريع. بينما غياب أحزاب اليسار يذكّر بالأزمة المركّبة التي تعيش فيها هذه الأحزاب. والتفاعل السّريع لبعض الجمعيات مع مشروع القانون الجنائي يُؤكّد ظاهرة سياسية جديدة، وهي أن الجمعيات غدت أكثر حيوية، وفعالية، من الأحزاب التقليدية.
ونظّمت وزارة العدل ندوة كبيرة حول هذا المشروع، بمدينة الرباط([1])، بهدف الاستماع لملاحظات القضاة، والمحامين، وغيرهم. وحضر هذه الندوة ما يتراوح بين 300 و 400 شخص (معظمهم من المحترفين في مجال القانون). وخلال هذه الندوة، فرضت وزارة العدل بأن تفتتح هذه الندوة بتلاوة آيات من القرآن، دون أن