قمرنا الواعد

يبدو الآن بما لا يدع مجالاً للشك, أن علم الفلك التقليدي, الذي يقوم على رصد السماء من الأرض قد شارفت نهايته, فالأضواء المنبعثة من ملايين المدن الحديثة, والأمواج الكهرومغناطيسية والراديوية المنبعثة من الأجهزة الكهربائية, المنزلية والصناعية, أصبحت مصادر تشويش للرصد الفلكي الدقيق, كذلك فإن الغلاف الجوي يحجب ويشوه كثيراً من المشاهدات الكونية, فطبقة الأوزون المتوضعة على ارتفاعات كبيرة, وكذلك الأوكسجين يحتجزان جزءاً من الأشعة فوق البنفسجية و السينية اللتين يقرأ منهما العلماء الكثير من أسرار النجوم, كما أن الفروقات الحرارية بين طبقات الغلاف الجوي تؤدي إلى انكسار الضوء وتشويه الصور الملتقطة للسماء.
إن مثل من يرصد السماء من الأرض كمثل سمكة تسبح قريباً من سطح الماء فتشاهد القمر و النجوم عندما تكون السماء خالية من الغيوم, لكنها ترى القمر يتراقص ويغير أبعاده تبعاً لتموج سطح المياه, كما ترى النجوم في غير مواقعها بسبب انكسار الضوء عند انتشاره خلال الماء.

صورة الأرض من مدار أبولو 11 قبل أن تحط على سطحه

عندما تسكن الريح, وتخف اضطرابات الغلاف الجوي, يتحسن الرصد الفلكي. إلا أن هذا الرصد يستدعي أحياناً تسليط (التلسكوب) على جرم سماوي معين, وتثبيت الصورة الملتقطة على لوحة فوتوغرافية. تستمر هذه العملية فترة طويلة لزيادة وضوح الصورة, وذلك بتحريك التلسكوب آلياً لمتابعة الهدف بينما يكون التصوير مستمراً, لكن لسوء الحظ يتعذر أن يبقى الجو ساكناً طيلة فترة التصوير.
لقد بنيت تلسكوبات عملاقة لرصد السماء من سطح الأرض لعل أهمها تلسكوب (بالمار) في الولايات المتحدة, الذي يبلغ قطر مرآته خمسة أمتار, لكن أداءها جميعاً لا يقارن بأداء تلسكوب (هابل) الذي صنعته إدارة الطيران والبحوث الأميركية (ناسا – NASA) بمساعدة وكالة الفضاء الأوروبية, إذ قام مكوك الفضاء(ديسكافري – Discovery) بحمل التلسكوب العملاق إلى مدار يبعد (600) كيلومتر عن سطح الأرض, وهو الارتفاع الأعلى الذي بلغه هذا المكوك في تحليقه, ومن هذا الموقع البعيد استطاع هذا التلسكوب التمتع بمفاتن الكون دون حجاب.
يقول (ريكاردو جياكوني) مدير معهد التلسكوب الفضائي:
" أعتقد أن الأثر الاجتماعي للمعارف الجديدة التي تم الحصول عليها بمساعدة – هابل- لن يكون أقل أهمية من نتائج الثورة التي بدأها كوبرنيكوس وغاليله وكيبلر ونيوتن" 1

يجري التحكم بعمل التلسكوبات الفضائية بطريقة آلية عن بعد (Remote control)
ولهذه الطريقة, بالرغم من جميع مزاياها سلبيات أخرى, فالصور الملتقطة تحتاج إلى الدراسة و التدقيق لانتقاء التفاصيل المفيدة منها و التي يضيع معظمها حالياً من خلال البث اللاسلكي إلى الأرض. يمكن بوجود العنصر الإنساني مع التلسكوب في الفضاء إصلاح الأعطال الطارئة, وإعادة تصوير اللقطات السيئة, والقيام بكثير من الأعمال التي لا تسمح بها طريقة التحكم عن بعد. أما أهم مساوئ الرصد من مدارات حول الأرض فهي كما يلي:
1- تغطي كرة الأرض مساحة واسعة من قبة السماء وهي تعكس ضوء الشمس فتشوش الصور الملتقطة.
2- تتداخل الإشارات الالكترومغناطيسية والراديوية التي تلتقطها التلسكوبات الفضائية مع الإشارات التي تبثها المحطات الأرضية.
3- يُحبذ أن تعمل هذه التلسكوبات تحت الإشراف الإنساني المباشر, وليس بطريقة التحكم عن بعد للأسباب التي بيناها آنفاً. إلا أن حركة الملاحين على ظهر السفينة, مهما كانت خفيفة, تؤدي إلى اهتزاز المركبة, مما يفسد الصور الملتقطة ويستدعي إعادة التصوير.
4- تؤدي أحزمة (فان ألن – VAN ALLEN BELLTS)* المحيطة بالأرض, إلى إفساد كثير من فعاليات الرصد.

المراجع:

1 - التلسكوب الفضائي (هابل), ونظرة إلى بداية الكون. ترجمة نزار درواشة عن زادوبيجوم. الصفحة السادسة – عدد 14/1/1991 – جريدة تشرين السورية.

* أحزمة فان ألن: أحزمة الكترونية تلف الأرض على ارتفاعات أكبر من 150كيلومتراً, ناتتجة عن الحقل المغناطيسي للأرض. أول من اكتشفها الدكتور (جيمس قان ألن) من جامعة (أيوا) في الولايات المتحدة, فسميت باسمه.

قمرنا الواعد

قمرنا الواعد :: تعاليق

قمرنا الواعد