الحكومة تحصي الشعب
محمد بنعزيز
الخميس 02 أكتوبر 2014 - 22:53
للدخول السياسي والاجتماعي في المغرب طعم حسابي. فالحكومة تحصينا للمرة السادسة في تاريخ المغرب الحديث أي بعد الاستعمار. ويجري ذلك بوتيرة مرة كل عشر سنوات. كان الإحصاء الأول في 1960 وكشف أن عدد المغاربة هو أحد عشر مليون ونصف. الثاني كان في سنة 1971 وكشف أن المغاربة تزايدوا بنسبة 2.5% وصاروا خمسة عشر مليون و300 ألف. والثالث جرى في 1982 وكشف أن السكان تزايدوا بنسبة 2.7% وصاروا عشرين مليون ونصف. والرابع جرى في 1994 وكشف زيادة السكان بنسبة 2% وصاروا ستة وعشرين مليون نسمة. الإحصاء الخامس جرى في 2004 وكشف أن المغاربة زادوا فقــط بنسبة 1.4% وقد صاروا ثلاثين مليون تقريبا. والملاحظ هو تراجع نسبة زيادة السكان إلى النصف بين 1982 و2004. وهذا يعني أفواها أقل وكثافة ومشاكل أخف. وهذا من مزايا سياسة تحديد النسل التي طبقها الملك الحسن الثاني في الدولة وفي بيته. فقد خلف أميرين فقط. وهذا أمر يقلل النزاعات التي تجري بين ستين أمير في بلدان أخرى.
جرى الإحصاء من 01 إلى 20 شتنبر 2014 وهو مقسم إلى أربع مراحل :
إعداد جهاز الإحصاء، وتكوين المشاركين، وإنجاز الإحصاء، وفرز واستغلال المعطيات الإحصائية.
تم تسطير كلفة الإحصاء ضمن ميزانية الدولة 2014، وتم تجنيد أكثر من خمسة وسبعين ألف موظف جلهم من قطاع التعليم، وخاصة المعلمين. جرى مسح خرائطي للمغرب وتم تقسيمه – على الورق- إلى ثمانية وأربعين ألف منطقة. بعدها، وبدء من أبريل الماضي شُرع في تكوين المُكونين على مستوى الولايات (المحافظات) في 82 مركز. ثم قام هؤلاء بتكوين المُحصين من 15 غشت إلى 26 منه.
في المرحلة الثالثة خرج حوالي ثمانية وأربعين ألف محصي ولمدة عشرين يوما للميدان، كل محصي يمرّ بكل المنازل مسكونة وفارغة، يصفها ويحصي سكانها. يقوم الباحث الإحصائي بمسك معطيات ديموغرافية وسسيو اقتصادية عن الأفراد المقيمين في البيت وعن علاقات القرابة... يسأل عن الإعاقات الجسدية والذهنية المشاكل الصحية الدائمة مثل البصر والسمع والمشي والتذكر والتركيز. يسأل عن ظروف السكن ومرافقه... في العمارة شقق مغلقة في ملكية مهاجرين في أوروبا. يسأل عن لغة التواصل، عن المستوى الدراسي والتكوين المهني. عن اللغات التي تتقنها مرتبة حسب درجة الاتقان. العمل، أو البطالة وسبب عدم البحث عن شغل... وسيلة النقل، خاصة أم عمومية والسؤال الغريب: هل زوجتك تقيم معك؟ وأين كنت تسكن في 2011؟ (عام انطلاق الربيع العربي الأمازيغي).
كان المحصي يسألني وكنت أسأله بدوري لتحرير هذا المقال. لربح الوقت لا يطرح كل الأسئلة التي لديه في الاستمارة، يخمن أجوبتها من أسئلة سابقة. لا يسأل عن المرحاض حين يصعد في عمارة من الإسمنت المسلح. وقد عرفت لاحقا أن هناك أسئلة خاصة بمدن الصفيح، وأضاف الساخرون في المقهى أسئلة التي لم تطرح على المغاربة في الإحصاء ومنها:
ما هو المبلغ الإجمالي لقروضك الاستهلاكية؟
هل ترضيك الخدمات الاستشفائية؟
هل تلبي المدرسة العمومية حاجيات أبناءك المعرفية؟
كم مرة دفعت الرشوة للحصول على حقك؟
من جهتها طرحت جماعة "العدل والإحسان" المحظورة سؤالا جديا حول "استغلال المعطيات الإحصائية"، وقد أكدت المندوبية السامية للتخطيط – وهي الجهة المنظمة للإحصاء - أن المعلومات ستستخدم لغايات علمية وأن عملية الإحصاء عملية تقنية محضة لا دخل للاعتبارات السياسية فيها. لكن واقعة فتحت آفاق أخرى للحدث: أوردت الصحف اتهام جماعة العدل والإحسان السلطات بإقصاء عدد من أعضائها من المشاركة في تنظيم الإحصاء السكاني. وقد استنكرت الجماعة هذا الاقصاء. فاندلع جدل حول تسييس الإحصاء. من يُخصِي؟ ومن يحصَى؟
بالنسبة للسلطة فالجماعة غير العنيفة تقاطع كل شيء بما فيها الانتخابات. ومنطق السلطة هو أن على الجماعة إما أن تشارك أو تقاطع. المشاركة الانتقائية غير مسموح بها. لقد صارت خيارات الإسلاميين صعبة، عليهم إما المشاركة أو المقاطعة أو الهجرة في سبيل مستقبل ما.
جدل آخر يخص فيلات الأغنياء في الدار البيضاء الذين رفضوا أن تُعدّ وتحصى النعم التي يرفلون فيها. وهذا ما يطرح علاقة المغاربة بالسؤال؟ علاقة سيئة. يكرهون الاسئلة. من علامات ذلك أن تسأل المغربي فيرد على السؤال بسؤال. ويعتبر السائل فضوليا... في حالة الاغنياء فهم يتعاملون بوقاحة مع الدولة التي وفرت لهم بيئة ليزيد الشحم في كروشهم... ومع ذلك ينظرون باحتقار للوطن الذي يجمعهم بالآخرين أي نحن. في حالت تمرد بالدار البيضاء استنجد المحصي بالقائدة فطلبت من مساعدها ان يجلب سجلا من مكتبها، جاء به وأملت على المُحصي معلومات شاملة عن الأسرة المتمردة. كل شيء مسجل. ومع ذلك تمنيت أن يتم قطع التيار الكهربائي لمدة شهر عن كل فيلا أهانت الموظف المُحصي.
لمواجهة هذه العقبات حرصت الجهة المنظمة للإحصاء على إصدار بلاغات للرد على الإشاعات مع التذكير بدعم الملك للإحصاء فر رسالة وجهها لرئيس الوزراء.
عدا عراقيل صغيرة فقد جرى الإحصاء وفق ما رتب له لأن سيطرة الدولة على مجالها شامل. لا وجود لفلتان أو لفرصة أن يفعل كل فرد أو عشيرة أو قبيلة ما تريد. الجديد هو أن الأسئلة المطروحة – وهي معيارية معتمدة دوليا وتتجاوز الإحصاء النسمي إلى السوسيو اقتصادي وفق المعيار المتعارف عليه -تبدو للناس أبسط مما يجب. وأبسط من صورة وزارة الداخلية في مخيال المغاربة. فمازالت مترسخة في نفوسهم صورة الإحصاء في عهد سنوات القمع. مشاعر الناس مازالت في تلك المرحلة، مرحلة أكد فيها الآباء للأبناء بأن "للجدران آذان". والحل هو الصمت. حينها كنتُ أقطن مع جدتي في البادية، وكان الفلاحون – وما زالوا - يعتبرون الإحصاء حيلة لتسجيل ممتلكاتهم بغرض فرض الضرائب عليهم، لذلك يجعلون المشهد يبدو أسوء مما هو عليه. وهذا ما يطرح سؤال تطابق الأجوبة مع واقع الحال. . في أول إحصاء كنتُ طفلا في البادية كان السؤال: بم تضيئون؟ أجابت جدتي: الشمع.
ولم يكن ذلك صحيحا. كانت لدينا قنينة غاز تضيء وتدفئ الغرفة جيدا وكان ثمن مصباح القنينة يزيد عن ثلاثين دولارا يومها. أتذكر ذلك كأنه حدث البارحة لأنه المرة الوحيدة التي ضبطت فيها جدتي تكذب.
صدقا أم لا، يسجل المحصون الأجوبة التي يحصلون عليها، ويتوقع أن تعلن نتائج الإحصاء في دجنبر القادم. وهذا يطرح سؤال استخدام هذه النتائج في الانتخابات الجماعية التي ستجرى في يونيو 2015. ففي آخر انتخابات كان الوضع الديموغرافي للمغرب هكذا: فالشعب هو 33 مليون نسمة فيه 25 مليون شخص فوق 18 سنة. لكن ربعهم فقط كانوا مسجلين ككتلة ناخبة. فمن الرابح من عدم تطابق الجسم الديموغرافي مع الجسم السياسي؟