فدوى فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1539
الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي تاريخ التسجيل : 07/12/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7
| | الكون في عُمْرِه الافتراضي الجديد | |
جاء في آخر خَبَر كوني (أُذيع قبل بضعة أيام) أنَّ الكون أكبر عُمْراً (ولو قليلاً) مِمَّا عرفنا، أو ظننا، من قَبْل؛ والسبب هو اكتشاف (أو رؤية) مجرَّة تَبْعُد عن أبْعَد مجرَّة اكتشفناها، أو رَاَيْناها، من قَبْل، بنحو 700 مليون سنة ضوئية؛ فالكون، من ثمَّ، عُمْره (الآن) 14.4 بليون سنة (والبليون 1000 مليون سنة) وليس 13.7 بليون سنة؛ وقد يَكْتَشِفون مستقبلاً مجرَّة أبعد! "عُمْر الكون" هو مصطلح جديد، أَدْخَلَتْه في أذهاننا وثقافتنا الكونية نظرية "الانفجار العظيم" Big Bang؛ فَقَبْلها ما كان لعالِمٍ من علماء الكون أنْ يتحدَّث عن عُمْر الكون؛ فإنَّ فكرة "أزلية الكون" كَمَنَت، على الدوام، في تصوُّراتهم الكوزمولوجية (الكونية) المختلفة. الكون وُلِدَ؛ وإنَّ لكَ الحق، من ثمَّ، في أنْ تسأل "متى وُلِدَ؟"؛ لكن ليس لكَ الحق في أنْ تسأل "أين وُلِدَ؟"؛ فالسؤال الأوَّل يَعْتدُّونه "فيزيائياً (عِلْمياً) صرفاً"؛ أمَّا السؤال الثاني فيَعْتَدُّونه مِنْ جِنْس الأسئلة التي لا تحظى بـ "الشَّرْعية العِلْمية" المستمَدَّة من نظرية "الانفجار العظيم"؛ وذريعتهم (النظرية) الكوزمولوجية هي أنَّ الكون وُلِدَ "مع" ولادة الزمان والمكان، ولم يُوْلَد "في" الزمان والمكان؛ فـ "عُمْر الكون" هو نفسه "عُمْر الزمان"، و"عُمْر المكان (والفضاء)". في الكون، ترى "الأقرب" إليكَ، كالقمر؛ والأبعد عنكَ، كالمجرة المُكْتَشَفَة قبل بضعة أيام؛ لكنَّكَ لن ترى أبداً "الكون كله (أيْ بكليِّته)"؛ لأنْ ليس في مقدورك أبداً أنْ تكون في "خارجه" حتى تراهُ من نقطة ما، بعيدة عنه؛ فإنَّ أحد المستحيلات في عِلْم الكون أنْ ترى "الكون (كل الكون)"؛ وهذا أَمْرٌ لا مجال لشرحه في هذه المقالة. لقد افترضوا أنَّ للكون عُمْراً، وأنَّ عُمْره 13.7 بليون سنة؛ ثمَّ اكتشفوا تلك المجرَّة الأبعد، فأضافوا 700 مليون سنة إلى عُمْره المُفْتَرَض مِنْ قَبْل. إذا كانت الشمس تَبْعُد عن الأرض نحو 8 دقائق ضوئية (أيْ نحو 150 مليون كيلومتر) فإنَّ المجرَّة المُكْتَشَفَة حديثاً تبْعُد عن كوكبنا نحو 14.4 بليون سنة ضوئية؛ و"الأبْعَد (أيْ الجسم الأبْعَد)" في الكون (عَنَّا) هو "الأقدم (وجوداً)"؛ وهو، في الوقت نفسه، "الأسرع في ابتعاده عنَّا". والآن، ما معنى أنْ نَكْتَشِف (نرى) مجرَّة تْبْعُد عن الأرض (أو عن المجموعة الشمسية، أو عن مجرَّتنا "درب التبَّانة") 14.4 بليون سنة ضوئية؟ معناه، الذي لا ريب فيه، هو أنَّ الضوء المُنْبَعِث من هذه المجرَّة، والذي وَصَل إلينا (أو تمكَّنا من رؤيته) قبل بضعة أيام، قد اسْتَغْرَقَت رحلته (الفضائية) 14.4 بليون سنة. تخيَّلوا أنَّ "مُصَوِّراً" من سكَّان تلك المجرَّة التقط لها صورةً قبل 14.4 بليون سنة، أيْ قَبْل نشوء كوكب الأرض بنحو 10 بلايين سنة؛ ثمَّ حَمَل "الصورة"، مسافِراً إلينا، أيْ في اتِّجاه كوكب الأرض، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ولقد وَصَل إلينا، قبل بضعة أيام، فَرَأَيْنا "الصورة" التي حَمَلَها إلينا. ما عَلِمْناه الآن عِلْم اليقين هو أنَّ تلك المجرَّة كانت قبل 14.4 بليون سنة في الهيئة التي هي عليها في "الصورة"، وأنَّ هذا "المسافر (مع "الصورة")" قد قطَعَ فِعْلاً مسافة 14.4 بليون سنة ضوئية. هذا "المسافِر (الأسرع في الكون)" لم يَقْطَع مسافة "ثابتة"؛ فالفضاء بين مجرَّته ومجرَّتنا (درب التبَّانة) كان يتمدَّد في استمرار، وكان يتسارَع في تمدُّده؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ المسافة بين مجرَّته ومجرَّتنا كانت، عند بدئه الرحلة، تَقِلُّ كثيراً عن 14.4 بليون سنة ضوئية. وبما يُوافِق نظرية (أو فرضية) تمدُّد الفضاء (بين مجرَّته ومجرَّتنا) أقول إنَّ هذا "المسافِر" ما أنْ بدأ رحلته حتى رأى مجرَّته (أو بَدَت له) ترتدُّ إلى الوراء بعيداً عنه (بسبب تمدُّد الفضاء نفسه). وفي أثناء رحلته الطويلة، كان يرى أنَّ المسافة بينه وبين مجرَّتنا تَتَّسِع وتزداد طولاً، في استمرار؛ فهو لا يَقْطَع مسافة "ثابتة"، وإنَّما مسافة "متغيِّرة"، زيادةً، لا نقصاناً؛ لكنَّه وَصَل أخيراً (فهو الأسرع في الكون). "الصورة"، التي أًرَانا إيَّاها "المسافِر"، أَخْبَرَتْنا أَمْرَيْن فحسب، هما: الهيئة التي كانت عليها تلك المجرَّة قبل 14.4 بليون سنة، والمسافة التي قَطَعَهَا "المسافِر" فعلاً (وقَدْرها 14.4 بليون سنة ضوئية). وثمة سؤلان لا يمكننا الإجابة عنهما، هما: "هل هذه المجرَّة موجودة الآن؟"، و"أين تَقَع الآن (أو كم تبعد عنَّا الآن) إذا ما كانت موجودة؟". إذا ما كانت موجودة، فهي تَبْعُد عنَّا "الآن" مسافة تزيد كثيراً عن 14.4 بليون سنة ضوئية؛ وإذا ما أَرَدْنا معرفة الهيئة التي هي عليها "الآن"، فإنَّ علينا انتظار وصول "الصورة الجديدة" إلينا، والتي لن تَصِل إلاَّ بعد ما يزيد كثيراً عن 14.4 بليون سنة؛ فهذه المجرَّة تَبْعُد عنَّا "الآن" أكثر من 14.4 بليون سنة ضوئية؛ كما أنَّ هذه المسافة الهائلة بيننا وبينها ما زالت تتمدَّد، وتتسارع في تمدُّدها. إنَّ "الكون ـ الطفل"، أيْ "الكون في طفولته"، هو معظم الكون الذي نراه الآن؛ فهل لنا أنْ نتغلَّب على هذا "الحاجز المعرفي الجبَّار"، والذي يَحُول بيننا وبين رؤية "الأبعد (في كوننا)" وهو في "حاضره"؟ كلاَّ، لا يُمكننا أبداً التغلُّب على هذا الحاجز؛ وكيف لنا أنْ نتغلَّب عليه إذا ما عَجِزَت "المعلومة" التي تسير بسرعة الضوء (والتي هي السرعة القصوى في الكون) عن ذلك؟! حَلُّ واحد لا غير لهذه المشكلة هو الممكن نظرياً الآن؛ أمَّا عملياً فما زال بعيد المنال؛ وهذا الحل هو الذي جاءتنا به نظرية "النسبية العامة" لآينشتاين، والذي يقوم على مبدأ "تباطؤ (أو تمدُّد) الزمن"؛ فلو سافر إنسان إلى تلك المجرَّة الأبعد (حتى الآن) بسرعة قاربت (إذْ تزايدت في استمرار) سرعة الضوء، فإنَّه يستطيع الوصول إلى تلك المجرَّة، والعودة منها إلى مجرَّتنا، في دقيقة واحدة (مثلاً) بحسب ساعته هو؛ ومع أنَّ عُمْره لم يَزِدْ إلاَّ دقيقة واحدة، في رحلته، ذهاباً وإياباً، فإنَّه لن يعود إلى كوكب الأرض؛ وإنَّما إلى حيث كان كوكب الأرض. إنَّ أحد سكَّان كوكب ما في مجرَّتنا قد يُخْبِره أنَّ رحلته، ذهاباً وإياباً، قد استغرقت 80 بليون سنة أرضية، مثلاً، وأنَّ كوكب الأرض قد زال من الوجود قبل 75 بليون سنة أرضية، مثلاً؛ فهل لرحلته من جدوى، من ثمَّ؟! | |
|