مصر - أن تحرق بيتك لحل خلاف عائلي! صائب خليل مازالت أحداث مصر الساخنة تفور حبلى بالإحتمالات الخطيرة. ويواجه المواطن المصري والعربي عموماً بضرورة فهم ما يجري وتقييمه واتخاذ موقف منه، وليس ذلك بالأمر اليسير. فالعاطفة الشديدة التي ترافق الحدث تجعل من اتخاذ موقف عقلاني متحسب، أمراً يحتاج إلى الكثير من ضبط النفس.
http://www.akhbaar.org/home/assets/images/big/morsi_followers_03072013.jpgليس هناك ما يشير إلى أن الأمور تتجه نحو الحل. فقد قال أيمن علي مساعد للرئيس المصري محمد مرسي إن الرئيس يفضل أن يموت "كالأشجار واقفا" دفاعا عن الشرعية التي منحته منصبه عن أن يلومه التاريخ لأنه ضيع آمال المصريين في الديمقراطية. (1)
وقال المتحدث باسم إخوان مصر: لا تفاوض قبل عودة «الرئيس محمد مرسي إلى قصر الرئاسة»،و "من غير الممكن إقناع المصريين بالعودة إلى صناديق الاقتراع مجددا بعد الإطاحة بأول عملية ديمقراطية في البلاد"..و «لا نقبل بالاختفاء القسري للرئيس وعائلته وفريقه الرئاسي».(2)
وتداعت عن الحدث مواقف دولية مختلفة: (3) فنفى بيان للبيت الأبيض أن الولايات المتحدة تتدخل في شؤون مصر، وركز بيان للخارجية الأمريكية على أهمية «ديمقراطية تمثل الشعب» في مصر.
فلاديمير بوتين قال إن مصر تجازف بالانزلاق في حرب أهلية بعد عزل الجيش للرئيس محمد مرسي،
ودافع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عن قرار الجيش المصري بالتدخل، معتبرا أن البديل كان «الفوضى».، وقال : «إنني من مؤيدي الديمقراطية. لكن حكومة ديمقراطية لا تعني بالضرورة حكومة فعالة. اليوم الفعالية هي التحدي».
لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي قال بأن بلاده «لا تعتبر ديمقراطية الشارع ديمقراطية جيدة»،. واعتبر أن «تدخل العسكر في القضايا السياسية وقيام القوات العسكرية بتغيير الحكومات المنتخبة عمل مذموم»، وقال إنه «لا يليق للديمقراطية أن يتم فيها المبادرة إلى تغيير رؤساء الجمهوريات من خلال الشارع».. مشددا على ضرورة العمل على تحقيق مطالب وتطلعات الشعب المصري «من خلال القانون»، ومشيرا إلى أن «الحكومات يجب أن تصل إلى السلطة من خلال احترام إرادة الشعوب».
***
وانقسم المثقفون في مواقفهم بين "متفهم" اتخذ جانباً تحليلياً بدون موقف محدد، أو وربما كان سعيداً بتردد، وآخر مؤيد متحمس للإنقلاب، وثالث يركز على فداحة الثمن ولا يتفاءل بالمستقبل، وسننظر فيما يلي إلى أهم ما قرأت من ما كتب كل فصيل من هؤلاء، لتكوين رؤية شاملة حول الموضوع. ولعل قراءة آراء مختارة لبعض المعلقين على ملف "المثقف" الخاص بهذا الموضوع،(4) تعطي فكرة عن أفكار الفصائل الثلاثة بشكل مختصر. (ما بين قوسين يعبر عن فهمي لمقولة المعلق، وليس نصه، إلا ما وضع بين "علامات اقتباس" ضمنه)
موسى فرج: الحكم في العصر الحديث يعني إدارة شؤون الناس وليس إدارة العقائد ... ومشكلة الأحزاب الدينية أنها فاشلة في إدارة الشؤون وغاشمة في إدارة العقائد.
عباس سامي: لا أرى ان سبب الفشل هو ربط الدين بالسياسة .تجربة الأحزاب التي تعتمد على الفكر القومي فشلت والأحزاب الشيوعية فشلت سابقا في الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية والديمقراطية الغربية يوما بعد يوم تثبت فشلها في عدة دول غربية تتعرض لهزات اقتصادية.
الدكتور علي العلوي: إن الانقلاب العسكري على الشرعية السياسية لرئيس منتخب من قبل الشعب المصري إنما هو نكوص سياسي وارتداد إلى الوراء؛ أي عودة إلى النظام الديكتاتوري
إن ما أعلنه وزير الدفاع السيسي في الحكومة المصرية في بيانه الانقلابي إنما هو خيانة لرئيسه المنتخب، ومصادرة لإرادة الشعب في اختيار الحاكم بحرية تامة، ثم إنه ما كان ينبغي للمعارضة أن تستقوي بالجيش
حمودي مصطفى جمال الدين: أخيرا عادت الشرعية إلى الشعب المصري بعد إن استحوذت عليها قوى الظلام وتجار الدين وخالقي الانقسامات والفتن بفعل العزيمة والإصرار وفرض الوجود من خلال الحشود المليونية التي ضاقت بهم ميادين مصر وشوارعها ولليوم الثاني على التوالي بحراك جماهيري سلمي بهر العالم واثار إعجاب شعوبه ودوله.
د. علي السعدي: الاسلام كان سياسياً منذ البداية، وبالتالي فهذه الحركات ليست طارئة بذاتها ولا بظروف عملها وسعيها نحو السلطة ،لذا فالسؤال عن مقدار تلاؤم الديمقراطية مع المجتمعات الإسلامية ، وبالتالي قدرة الحركات الإسلامية على إدارتها ، ينبغي أن يكون سؤالاً معرفياً لا إستفهامياً ،كي يستنبط من ثم إجابات معرفية.
الحركات الاسلامية حينما تصبح حاكمة ، فإنها لاتستطيع بناء دولة بالشعارات وحدها. (و) عند أصحاب الآيديولوجيات عموماً ، تغيب الرؤيا وتحضر الشعارات الكبرى ، التي غالباً ما تحجب حقيقة مايتحرك في المجتمع خالقاً وقائعة الخاصة.
(ويبين السعدي أن الإسلاميين يفترضون (واهمين) أنهم يمثلون كل المجتمع " طالما هم يعملون ضمن بيئة تعتبر شعاراتهم في صلب موروثها")
وقد أثار الباحث صالح الطائي بفتحه هذا الملف مقالات عديدة، نبدأ بمقالته(5) التي جاء فيها: أن الديمقراطية كمفهوم وكممارسة غير قابلة للتصدير العشوائي لأنها بمضمونها لا تصلح للتطبيق إلا بعد بناء أسسها ابتداء بالثقافة المجتمعية والفردية مرورا بآليات التطبيق التي يجب أن تتواءم مع واقع حال الشعوب ووضعها الاجتماعي والاقتصادي والديني، مع وجود رغبة بتقبل هذا التغيير،
وكتب سلام كاظم فرج (6): حالما يحصل الخروج عن الثوابت التي انطلق منها للضرورات التي تبيح (بعض المحظورات) احيانا .. يسقط الاسلامي السياسي من عين مريديه . ويقفز الى صفوفه الانتهازيون والمخترقون .. اما عندما يتمسك بثوابته التي انطلق منها .. نجده ابعد مايكون عن الواقعية السياسية
عبد الرحمن الكواكبي سطر في كتابيه ام القرى وطبائع الاستبداد نظرية فكرية .. اكثر تقدمية من اطروحات المستعمرين ..(و) الشيخ النائيني وضع اسس مجتمعات مدنية راقية تؤمن بالحرية وتسعى لازدهار المسلمين ووحدتهم .. (و) جمال الدين الافغاني ومحمد عبدة . كذلك ..
لو راجعنا تلك الافكار التي كتبها ومارسها اولئك التنويريون من المفكرين المسلمين لوجدناها تصلح لتأسيس مجتمعات ديمقراطية راقية .. وبسبب تلك الروح المخلصة دخل المسيحيون العرب في تلك المواجهة للمستعمرين جنبا الى جنب مع اخوتهم المسلمين ..
وقد تعجل الرئيس محمد مرسي في أخونة المؤسسات المصرية.. فخسر نصف الشعب المصري .. مما سهل الاطاحة به في حركة مدروسة رصينة.
من الخير للإسلاميين (السياسيين) ان يكونوا نوابا في البرلمان ولا يكونوا حكاما .. ان يكونوا رقباء. لاشركاء .. يؤشرون الخلل . ولايؤشر عليهم ..
وكتب ا. د. حسين حامد(7) :..ومشكلة الشارع العربي، تكمن في خياله العنيف، عندما تتعرض مصالحه للخطر ...الربيع العربي قد برهن من خلال نتائجه، أن الشعوب وفي جميع الاقطار العربية تتطلع وبقوة لنيل حرياتها، وأن الديمقراطية والحرية ليست قيما مقتصرة على الغرب وحده.
الولايات المتحدة .. تدرك ان حركة الاخوان المسلمين فى مصر هي نظام مؤهل لتنفيذ بعضا من اهدافها ... اشعال الفتنة الطائفية في المنطقة العربية بين السنة والشيعة وتقسيم الشعوب العربية الى دويلات، أو اجراء بعضا من الترتيبات الجديدة في سيناء على حساب الشعب المصري.
وكتب د. مراد الصوادقي (8) :يبدو أن العرب غير مؤهلين للحياة الديمقراطية، لكنهم ربما تورطوا فيها!
ومن موقع الحزب الشيوعي العراقي ننقل المقالات التالية التي تبين، وخاصة إفتتاحية طريق الشعب، أن الحزب ومثقفيه يتخذون موقفاً مؤيداً بشكل قوي للأحداث الجارية في مصر، وأنهم متفائلون بنتائجها الحافلة بـ "الوعد"، وبدون إشارة تذكر إلى مخاطرها.
كتبت طريق الشعب(9): صوت الملايين في الشارع كان هو التصويت الحقيقي على مسار حكم محمد مرسي في سنته الاولى، والحكم على عجزه عن ملاقاة احتياجات الناس والتصدي للمشاكل والازمات التي اخذت تضيق الخناق على رقاب الجماهير المسحوقة اصلا، جماهير فقراء مصر وكادحيها .
لقد دللت تجربة مصر هي الاخرى على ان الديمقراطية ليست مجرد الانتخابات . فالانتخابات وسيلة وآلية، ولا تقدم تفويضا ابديا لاحد. وكم من الدكتاتوريين وصلوا الى دست الحكم عبر هذه الآلية الصحيحة، ولكنهم انحرفوا واذاقوا شعوبهم سوء العذاب وبؤس الحال!
تحية الاعجاب والتقدير لقوى الشعب المصري واحزابه الوطنية والديمقراطية، الليبرالية واليسارية، والاسلامية المعتدلة والمتنورة، ومنظمات شبيبته وحركاتهم، على وقفتها الشجاعة، ووحدتها، ودفاعها عن حق الشعب في الاختيار، وفي حياة افضل، ومستقبل حافل بالوعد.
وكتب شاكر فريد حسن(10):وأخيراً انتصر الشعب المصري ونجح في اسقاط حكم الاخوان بارادته الفولاذية الحرة (؟)، وبفضل الطوفان البشري والحشود المليونية الأوسع والأكبر والأكثر عدداً في تاريخ مصر وتاريخ الثورات العربية ،التي خرجت ونزلت الى الشوارع والميادين والساحات العامة ، وذلك بعد أعلن قائد القوات المسلحة المصرية الفريق الأول عبد الفتاح السيسي عن عزل محمد مرسي
وكتب باقر الفضلي(11): العزل الشعبي للسيد محمد مرسي ...والذي إستجابت له قيادة القوات المسلحة .... إنما يمثل في الحقيقة، قمة النضوج في وعي وإدراك الشعب المصري، لعمق الأزمة وخطورتها المدمرة على مصير الوطن والشعب. كما ومن جانب آخر؛ فإن إجراء عزل السيد محمد مرسي من منصب رئاسة الجمهورية إنما يعني تعبير او تطبيق عملي للحكم الشرعي القائل : (درء الضرر الأشد بالضرر الأقل)، وهو ما إستند اليه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ (الأزهر الشريف)، في مساندته لإجراء العزل، في وقت بات فيه التمسك بالسلطة من خلال المنصب (!!)، هدف بذاته، في مواجهة رفض ومعارضة شعبية عميقة وواسعة لم تشهد لها مصر من قبل مثيلا.
***
نعود أخيراً إلى الموقف الرافض للإنقلاب ولعل أوضح من كتب عنه هما الدكتور ادريس جنداري، ومحمد ضياء عيسى ونقتطع أجزاء مطولة من مقالتيهما للأهمية في شرح إشكالات الموقف الحالي.
كتب د. جنداري(12)عن "التحالف العسكرتاري – العلماونوي" كما يصفه، قائلاً:
“لقد عاش العالم العربي على وقع هذا الزواج الكاثوليكي، لعقود، وهذا ما أدى إلى كوارث سياسية فادحة، حيث تراجعت الطموحات الديمقراطية، وتم فسح المجال أمام الأنظمة الشمولية.”
“الربيع العربي، عند انطلاقه، كان يستهدف ..إرجاع العسكر إلى ثكناتهم للقيام بوظيفتهم العسكرية، ..حيث لا يسمح للجيش بالتدخل في الشؤون السياسية، (و) ..ربط الشرعية السياسية بالامتداد الشعبي. ”
“كان الرهان واضحا، على إفشال التجربة الديمقراطية الوليدة عبر وضع الحواجز، سياسيا واقتصاديا، أمام الفاعل السياسي الجديد لمنعه من التحرك بحرية، وذلك بهدف إفقاده الشرعية الشعبية، من خلال عرقلة العملية التنموية، التي تعتبر السند الأساسي لنجاح التجربة الديمقراطية.”
“رغم اختلافنا مع التوجه الإيديولوجي الإخواني، فإن هذا لا يمكنه أن يقف حاجزا بيننا وبين ما نعتبره واقعا موضوعيا، يتطلب من الباحث جرأة علمية وشجاعة أدبية قصوى للاعتراف بحقيقة ما يجري على أرض الواقع.”
“حزب الحرية والعدالة فصيل سياسي شرعي، قدم مرشحه الذي هو (محمد مرسي) إلى الانتخابات، وهذه العملية الانتخابية اعترف بشفافيتها كل الفاعلين السياسيين، بمختلف أطيافهم الإيديولوجية، وقد تم الإعلان، بشكل دستوري، عن اسم الفائز بالانتخابات، وتم تحديد فترته الانتخابية وتحديد صلاحياته الرئاسية بمنطق الدستور. لذلك، وجب فسح المجال أمام الرئيس المنتخب لتطبيق برنامجه الانتخابي خلال الفترة التي يحددها الدستور، وبعد ذلك يجب محاسبته، عبر الآليات الديمقراطية الانتخابية، وكذلك عبر الآليات القانونية القضائية.”
“التفكير في التحالف مع العسكر لإسقاط (حكم الإخوان) ظل حاضرا، منذ البداية، ولا تهم الضرائب التي يمكن أن يدفعها الشعب المصري، ومن خلاله التجربة الديمقراطية في العالم العربي.”
“الفاعل العلمانوي في تحالفه مع العسكر، بهدف تعويض الشرعية الشعبية التي يفتقدها... يفضل أقرب الطرق وأسهلها، من خلال تحالف الإيديولوجيا مع البندقية.”
“التحالف العسكرتاري-العلمانوي، ... خطر ماحق يهدد القيم الديمقراطية الوليدة في الثقافة العربية، ويفتح المجال واسعا أما قيم الفكر المتطرف والمنغلق، الذي يشكك في المبادئ السياسية الحديثة، ويعتبرها آلية للسيطرة على الشعب من طرف فئات لا تمثله.”
“الفاعل الإسلامي الحركي هو، أولا وأخيرا، ابن البيئة الثقافية والسياسية العربية، ولذلك فمن حقه أن يمارس اختلافه شريطة التزامه بمبادئ الديمقراطية.”
“الديمقراطية كل لا يتجزأ فقد كان من الواجب ان نفسح المجال أمام المشروع الإسلامي ليكشف عن أوراقه و يطرح خياراته، ثم تتم مواجهته انتخابيا عبر إقناع الشعب بفشله و تهافت أطروحاته . أما أن يتحالف دعاة الليبرالية و اليسار والقومية مع العسكر فهذا ما لا يجب على شرفاء الفكر و الثقافة أن يقبلوا به لأنها بداية الخراب الذي سيأتي على الأخضر و اليابس.” - (نهاية الإقتباس من الجنداري)
وكتب محمد ضياء عيسى العقابي (كاتب ماركسي) (13):
“إذا لم تسقط الديمقراطية في مصر ولأمد غير منظور، ..فهي...قد تأخذ وقتاً طويلاً لتبصر النور ثانية. وهذا أمر يجب أن يسبب غاية الحزن والأسى في نفوسنا لأنه ليس هناك من أمل في مستقبل كريم مزدهر دون ديمقراطية علماً أن لمصر دوراً قيادياً محورياً في المنطقة العربية التي تمر باسوإ حال إذ تتكالب عليها المشاريع المدمرة.”
(عندما ستستطيع) “الديمقراطية المصرية أن تخطو الخطوة الأولى كما خطت عند إنتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية قبل عام في إنتخابات حرة ديمقراطية لم يطعن بها أي من المتنافسين، سيعود تصرف الجهات الخاسرة إلى نفس التصرف الذي مارسته قوى المعارضة الآن حيال حكومة الرئيس محمد مرسي وجعلت منه سابقة خطيرة.”
“الحكومات الجديدة، حتى في الدول الديمقراطية المستقرة الآمنة والغنية، تتطلب وقتاً غير قليل لترتيب أوضاعها قبل الإقدام على إجراءات سياسية أمنية خطيرة من هذا القبيل أو إنجازات إقتصادية بهذا الوزن ناهيك عن أن تكون الحكومة المعنية هي حكومة مصر وهي بلاد محدودة الموارد وبحاجة لمساعدات أجنبية ما يجعلها عرضة للضغوط السياسية الخارجية. فكيف تطالب الحكم الجديد وفي فترة قصيرة تحقيق أمرين متضادين: طلب المعونة الخارجية للنهوض الإقتصادي وبنفس الوقت إلغاء إتفاقات كامب ديفيد؟ ..”.
“من هو الذي طالب الجيش بإستلام السلطة وإنقاذ البلاد؟ ومن الذي بارك للعسكر إصدارهم بيان 1/7/2013 الإنقلابي؟ الجواب: إنها المعارضة "الديمقراطية" التي يدعمها الفلول والقوات المسلحة على ما تكشف خلال الأيام الأخيرة.”
“كانت الإنتخابات في مصر، كما هو الحال في كل بلدان العالم، هي الحد الفاصل الذي أنهى "الشرعية الثورية" ولم يعد يحق لأحد أن يتذرع بها بعد الإنتخابات إلا في حالة إقتراف رئيس الجمهورية جريمة "الخيانة العظمى" وتواطأ معه الجهازان التشريعي والقضائي . وهذا لم يحصل في الحالة المصرية.”
“ أما المؤيدون للديمقراطية في مصر والعراق فمعظمهم لا يؤمن بالشعب. ... فما أن تباشر حكومة الأحزاب الإسلامية، المنتخبة ديمقراطياً على أسس مدنية، أعمالَها حتى يواجهوها بعرقلة مسيرتها وممارسة التخريب والإرباك أملاً في تسقيطها ومن ثم إسقاطها. ”
“ في مصر إحتج الأديب علاء الأسواني على منح حق التصويت المتساوي لأستاذ الجامعة والفلاح الأمي. لقد تراجع الرجل بعد النقد الذي وُجِّه إليه. وفي العراق كتب المستثقف المتحذلق الدكتور خالد القشطيني عن ديمقراطية الأميين (وأسماها "الأميوقراطية") التي يقيمها "الغوغاء والرعاع" على حد قوله.”
“يتلخص السيناريو بتنظيم جبهتين شعبيتين متواجهتين (كما هو حاصل الآن في مصر) لا يمنع تصادمهما المسلح إلا العسكر الذي يستغل الموقف لتكون له اليد العليا ويبدأ بالسيطرة على كلا الجبهتين بتخويف إحداها بالأخرى.” - (نهاية إقتباس العقابي)
****
في تقديري، يمكننا أن نلاحظ بسهولة تامة، أن الداعمين للإنقلاب (وليس له إسم آخر) يجهدون في المراوغات اللفظية وتجاوز الحقائق الكبيرة من اجل تبرير دعمهم (غير المشروع في المفهوم الديمقراطي). ويمكننا استعارة التعبير الجميل لـ ا. د. حسين حامد، بأن "مشكلة الشارع العربي، تكمن في خياله العنيف، عندما تتعرض مصالحه للخطر"، لوصف "مشكلة المثقف العربي" بأنها تكمن في مسارعته لتبرير العنف، عندما تتعرض أحلامه للخطر، حتى إن كانت تلك الأحلام نبيلة.
إن التحدي الأساسي في الديمقراطية هو النجاح في منع الخلافات الشديدة بين أعضاء "البيت الواحد"، والذي يشتركون في مصلحة سلامته، من إثارة صراع عنيف يحطم ذلك البيت، وبالتالي مصالحهم، وذلك من خلال تقديمها لنظام مقبول من الجميع، يتيح فرصاً عادلة لجميع الأطراف للصراع بشكل سلمي غير قهري، لإدارة هذا البيت.
ما حدث في مصر هو انقلاب الخاسرين، على بنود ذلك الإتفاق الذي كانوا يتوقعون حصولهم من خلاله على الكسب، فقلبوا الطاولة على الجميع. إن التأييد "العلماني" للإنقلاب يذكر بالموقف اللامبدئي ايضاً في تاييد انقلاب السلطة الفلسطينية التي تحولت إلى فرقة إغتيالات إسرائيلية، على سلطة حماس المنتخبة.
الأخبار القادمة من مصر تشير أيضاً إلى حمام دم، قتل قناصة الجيش فيه 51 شخص وجرح ما يزيد عن 400 من أنصار مرسي، حسب نشرة اخبار "إن أو إس" الهولندية لأمس وهذا اليوم (14) ، فما هو موقف المؤيدين للإنقلاب من هذا؟ وأي "وعد" ينتظر مصر حسب تقديرهم؟
لقد فتح هؤلاء "أبواب جهنم" على بلادهم، لأن لهب "جهنم" – الذي طالما اشتكوا من لسعاته في الماضي - يناسب أجندتهم هذه المرة! والأدهى من كل ذلك أن الأغلبية الساحقة من المثقفين "الديمقراطيين" تحتفل اليوم بهذه "الثورة الشعبية"، بدون إدراك للشروخ في هذا المنطق وفي الثمن الذي يتوقع أن تدفعه البلاد ومستقبلها جراء ذلك. فالوطن الديمقراطي وحده هو "البيت"، والأخوان المسلمون يبقون أعضاء كاملي العضوية في هذا البيت، مهما كان رأينا بهم، ومهما اختلفنا معهم ومهما اعتبرنا تصرفاتهم غير محتملة أو قبيحة وخطرة أحياناً. لذا كان يجب منع "إحراق البيت" لأية حجة، أو على الأقل الإمتناع عن المشاركة في هذه الجريمة، والنظر بأسى وألم إلى منظره وهو يشتعل، وليس الرقص على انعكاسات اللهب الذي يلتهمه!