0 طباعة تأثير تقلب أوباما على تموضع الأتراك تجاه طهران
عبد الله غل
يكثر التساؤل اليوم حول ما سيكون رد فعل حلفاء واشنطن الإقليميين على انفتاح الولايات المتحدة على إيران. وفي حين يجري التركيز على دول الخليج، ينبغي أيضا الانتباه إلى تركيا، خصوصا أنها على الحدود مع سوريا.
لا يختلف كثيرون حول أن الرئيس أوباما قد وضع الأتراك في موقف حرج. تكفي مراجعة سريعة لإلقاء الضوء على تأثير تقلب أوباما على تموضع الأتراك تجاه طهران.
عند أول مجيئه إلى البيت الأبيض، نظر أوباما إلى تركيا كوسيط أساسي في تطبيق سياسته الشرق أوسطية والتي كانت مبنية آنذاك على الانخراط الدبلوماسي مع إيران وسوريا. كما وتطلع الرئيس الأميركي إلى الوساطة التركية لإحقاق اتفاقية سلام بين إسرائيل ونظام الأسد. وتماشت هذه الرؤية الأميركية مع سياسة تركيا الداعية لتصفير المشكلات مع الجيران.
عند أول مجيئه إلى البيت الأبيض، نظر أوباما إلى تركيا كوسيط أساسي في تطبيق سياسته الشرق أوسطية والتي كانت مبنية آنذاك على الانخراط الدبلوماسي مع إيران وسوريا. كما تطلع الرئيس الأميركي إلى الوساطة التركية لإحقاق اتفاقية سلام بين إسرائيل ونظام الأسد.
لكن سرعان ما بدأ يتبخر تصور أوباما للدور التركي مع إيران. بدأ ذلك في العراق، إذ ازداد التوتر في علاقات أنقرة مع بغداد إثر عودة نوري المالكي، مدعوما من طهران، إلى رئاسة الحكومة، وتكثيف التقارب الاستراتيجي بين الأتراك ورئاسة إقليم كردستان العراق. ثم أتت الثورة السورية لتنهي بالكامل التموضع الوسطي التركي تجاه إيران، إذ رمى أردوغان دعمه خلف الثورة. كما في العراق، تبدل التموضع الاستراتيجي التركي ليصبح في المقلب المضاد للمحور الإيراني.
ولكن هذا التبدل الشديد الأهمية لم يثر اهتمام أوباما. فعوض أن يستثمره، فضل الرئيس الأميركي ألا يتبع سياسة كسر النفوذ الإيراني في سوريا. وهكذا وجد الأتراك أنفسهم مكشوفين دون غطاء أو التزام أميركي لإنهاء نظام الأسد، في حين استغل الإيرانيون والأسد الرغبة الأميركية في البقاء خارج الصراع للضغط على أنقرة. وعندما أسقط النظام طائرة استطلاع تركية العام الماضي، لم يدعم البيت الأبيض التلويح التركي بطلب تدخل حلف الأطلسي. أما في العراق، فقد تابع البيت الأبيض سياسته الداعمة لحكومة المالكي، ولم يشجع التقارب التركي – الكردي، أو فكرة شراكة في مجال الطاقة بين أنقرة وأربيل، مستقلة عن بغداد.
ومباشرة بعد تراجع أوباما عن تسديد ضربة عسكرية ردا على استخدام الأسد للسلاح الكيماوي، مما خيب الأتراك، راقبت أنقرة انفتاح أوباما على طهران، هذه المرة دون أي دور وبقلق حول ما سيفضي عن هذا الانفتاح في سوريا. إذن، لا بد أن الأتراك يشعرون بمرارة، وخصوصا أن أردوغان يتعرض لضغوط داخليا حول سياسة حكومته في سوريا. السؤال هو ما التوجه الذي ستتبعه تركيا الآن؟
علت أواخر الشهر الماضي بعض الأصوات في الصحافة التركية المساندة لحزب العدالة والتنمية ودعت لإحياء التفاهم مع بغداد وإيران حول سوريا. قد تعكس هذه الأصوات آراء الذين لم يرتاحوا أبدا لسياسة المواجهة مع إيران، إن في العراق أو في سوريا.
وقد يرى البعض في الزيارة المزمعة لوزير الخارجية العراقي ورسالة رئيس مجلس النواب العراقي حول رغبة بغداد في تطبيع العلاقات مع أنقرة فرصة لمسار مواز للانفتاح الأميركي على إيران. كما أن بعض تصريحات الرئيس عبد الله غل حول الدور الإيراني في سوريا أخيرا أثارت بعض الأسئلة حول ما إن كانت تعكس تحولا. ولكن حتى الآن لا تزال سياسة أردوغان على حالها تجاه الأسد وسوريا. إنما تعرف أنقرة أنها دون تدخل أميركي لا تملك القدرة على حسم مسار الحرب السورية.
فهل ستضطر للسير مع واشنطن، أم ستعارضها، مثلما فعلت المملكة العربية السعودية في الحالة المصرية وأيضا في سوريا؟
في أي حال، أضاع أوباما فرصة ثمينة، إذ قرر عدم استثمار إعادة التموضع التركي الذي فرضته الثورة السورية لتقوية المحور المضاد لسياسة طهران التوسعية. وإن قررت أنقرة العودة إلى سياستها السابقة مع إيران، فسيكون فشل أوباما مضاعفا.