آلات اللانهاية(
*)
إن قدرة الآلات على الإجابة السريعة عن أسئلة نعم-أو-لا يمكن أن تؤثر في كل شيء، من الأمن القومي إلى حدود المعرفة البشرية.
<.J پاڤلوس>
باختصار إن «P مقابل NP» هو السؤال عما إذا كانت المسائل الصعبة، التي يمكن التحقق من صحة حلولها سريعا (مثل أحجية الصور المتقطعة)، قابلة للحل بسهولة أيضا. مرت عقود من التحري ولم يتمكن أحد من إثبات أن هذين الصنفين من المسائل مختلفان. وإذا كانا غير مختلفين فإن ذلك سيعطي الآلات قوة هائلة. ولا تؤثر المسألة فقط في كسر الكودات codes وعمليات البحث على الوِب، بل تقترح أيضا حدودا جوهرية على التطور الحيوي والقوانين الفيزيائية وطبيعة المعرفة. |
في يوم ثلجي من الشهر 3/1956،
في پرينستـون بنيـــوجــرسي، كـتـب رجــل قصيـــر بــومي الشـكـل
يســمى <.K گودِل> آخر رسائله إلى صديق على شفير الموت. خاطب
<گودِل> صديقه <.J ڤون نيومان> بأسلوب رسمي، مع أن الرجلين
كانا قد عرفا بعضهما لعقود بصفتهما زميلين في معهد الدراسات المتقدمة
في پرينستون(
1). كان الرجلان عبقريين في الرياضيات، وأديا
دورا مؤثرا في تحقيق التفوق العلمي والعسكري للولايات المتحدة في
السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية. ولكن <ڤون نيومان>
مصاب الآن بالسرطان، ولا يستطيع <گودِل> وإن كان عبقريا أن يفعل
شيئا حيال ذلك، سوى سرد بعض النكات المغرقة في التفاؤل ثم تغيير
الموضوع:
عزيزي السيد <ڤون نيومان>:
بأعمق
الحزن وصلني نبأ مرضك.... وكما سمعت، فقد خضعت في الأشهر الماضية
لعلاج جذري وأنا سعيد لمعرفة أن هذا العلاج قد نجح كما هو منشود، وأن
صحتك أفضل الآن....
ولما كنت الآن، كما
سمعت، تشعر بأنك أقوى، فإنني أسمح لنفسي بالكتابة إليك حول مسألة
رياضياتية، يهمني جدا معرفة رأيك بها....
إن
وصف <گودِل> لهذه المسألة غير مفهوم إطلاقا لغير الرياضياتيين.
(في الحقيقة، ربما كان يحاول ببساطة أن يصرف تفكير <ڤون نيومان>
عن مرضه بعرض نسخة متخصصة جدا من محاضرة قصيرة.) لقد تساءل عن الزمن
الذي ستحتاج إليه آلة افتراضية لتعطي إجابات عن مسألة ما. ويبدو ما
استنتجه وكأنه شيء من الخيال العلمي:
لو
كانت هناك فعلا آلة [كهذه]... لكان لهذا الأمر نتائج بالغة الأهمية.
وتحديدا، سيعني هذا وضوحا... أن العمل الذهني الذي يقوم به الرياضياتي
فيما يتعلق بالأسئلة نعم-أو-لا، سيُستعاض عنه تماما.
لم
يقصد <گودِل> بقوله «عمل ذهني» إجراء حسابات عادية مثل جمع 2
و2. لقد كان يتحدث عن القفزات الحدسية التي يقوم بها الرياضياتيون
لتسليط الضوء على مجالات جديدة تماما من المعرفة. فقبل خمسة وعشرين
عاما، حولت مبرهنات عدم التمام(
2) ل<گودِل>، الشهيرة حاليا، الرياضيات إلى الأبد. وهل يمكن صنع آلة تعطي عند الطلب رؤى مشابهة تغير العالم؟
بعد مرور أسابيع قليلة على إرسال <گودِل> رسالته، أُدخل <ڤون نيومان> إلى مركز وولتر ريد الطبي العسكري(
3)
في واشنطن، حيث توفي بعد أقل من عام، دون أن يجيب صديقه. ولكن
المسألة بقيت إلى ما بعد رحيل الرجلين. وهي تعرف الآن باسم (
4)«P مقابل NP»،
وقد أصبح سؤال <گودِل> مبدأ منظِّما لعلم الحاسوب الحديث. كما
ولَّد مجالا بحثيا جديدا تماما يسمى نظرية التعقيد الحسابي(
5) وهو دمج، للرياضيات والعلوم والهندسة يسعى إلى إثبات تام لما تستطيع، وما لا تستطيع، الحواسيب فعله في شروط واقعية.
ولكن
مسألة «P مقابل NP» هي أكثر بكثير من تلك الآلة الغريبة المكونة من
لدائن وسيليكونات والتي نسميها حواسيب. فللمسألة متضمَّنات عملية في
الفيزياء والبيولوجيا الجزيئية(
6)، وعلم التعمية(
7)،
والأمن القومي، والتطور، وحدود الرياضيات بل وربما أيضا في طبيعة
الواقع. ويضع هذا السؤال وحده الحدود لما يمكننا نظريا حسابه. وفي
القرن الحادي والعشرين تبدو حدود القدرة الحسابية مشابهة أكثر فأكثر
لحدود المعرفة البشرية نفسها.
الرهان(
**)
كان
<.M سيپزر> مجرد طالب دراسات عليا، ولكنه كان يعرف أن أحدا ما
سوف يحل مسألة «P مقابل NP» قريبا. بل إنه اعتقد أنه قد يكون الشخص
الذي سيفعل ذلك. كان هذا في خريف عام 1975، وكان حينها يناقش المسألة
مع <.L آدلمان>، وهو طالب دراسات عليا زميل له في قسم علوم
الحاسوب بجامعة كاليفورنيا، في بــِركــلي. «لقــــد كنـــت
مــأخـــوذا بمسألة «P مقابل NP»، وكان عندي شعور بأنني، على نحو ما،
قادر على فهمها فهما أعمق من الفهم الذي يمكن لأي شخص آخر أن يقاربها
به،» هذا ما قاله <سيپزر>، الذي يرأس الآن قسم الرياضيات في معهد
ماساشوستس للتقانة (MIT). لقد كان واثقا جدا من نفسه إلى درجة أنه في
ذلك اليوم راهن <آدلمان>: ستُحلُّ مسألة «P مقابل NP» مع نهاية
القرن العشرين، هذا إذا لم تحل قبل ذلك. وكان الرهان على أونصة واحدة
من الذهب الخالص.
لقــد
كـــان لرهــان <سيپزر> نــوع مـــن المعـنــى الشاعــــري، لأن
مسألـــــــة «P مقابل NP» هي نفسها مسألة تُعنى بالسرعة التي يمكن
بها حل المسائل الأخرى. وأحيانا، يوصلك اتباع قائمة من الخطوات إلى
النتيجة النهائية بترتيب قصير نسبيا. فكر بتسوق البقالة: تشطب البنود
التي تتسوقها واحدا إثر الآخر حتى تصل إلى نهاية القائمة. يصنف نظريو
التعقيد هذه المسائل تحت الصنف P، حيث تعني p زمنا حدوديا polynomial
time (أي من رتبة كثير حدود)، وهذا أسلوب دقيق رياضياتيا للقول إنه
مهما أصبحت قائمة البقالة طويلة، فإن الزمن اللازم لشطب جميع بنودها لن
يكبر أبدا بمعدل غير متحكم فيه.
وفي
المقابل، هناك مسائل عديدة قد يكون، أو ربما لا يكون، عمليا حلُّها
بأسلوب شطب البنود في قائمة على التتالي، ولكن التحقق من صحة الحل أمر
يسير. وأحجية الصور المقطعة (لعبة تركيب قطع)(
8)
مثال جيد على ذلك: فمع أنها تتطلب جهدا لتجميع قطعها في أماكنها، فإنك
تتعرف الحل الصحيح مباشرة عند النظر إليه. ويسمي نظريو التعقيد هذه
المسائل التي يسهل التحقق من صحة حلولها، والشبيهة بأحجيات الصور
المقطعة من هذه الناحية، باسم «مسائل الصنف NP».
قبل
أربع سنوات من رهان <سيپزر>، أثبت عالم رياضيات اسمه <.S
كوك> أن هذين النوعين من المسائل مرتبطان: فكل مسألة سريعة الحل من
النمط P هي أيضا مسألة يمكن بسرعة التحقق من صحة حــلـولهـا، أي من
النمــط NP. فــالســؤال «P مقابل NP» الــذي انبثق من رؤية
<كوك> - والذي ظل يلقي بظلاله على هذا المجال منذئذ - يسأل:
أيكون العكس صحيحا أيضا: هل جميع المسائل التي يمكن التحقق بسرعة من
صحة حلولها، هي أيضا قابلة للحل بسرعة؟ بداهة يبدو أن الجواب هو لا.
فتعرف أحجية صور مقطوعة أنها محلولة («أحسنت، لقد وجدتها») مختلفا
تماما عن القيام بالعمل اللازم لإيجاد الحل. وبعبارة أخرى، لا يبدو أن P
تساوي NP.
إن
الأمر الذي جذب <سيپزر> هو أنه لم يتمكن أحد أن يبرهن رياضياتيا
هذه الملاحظة التي تبدو واضحة. ومن دون برهان، لا زالت هناك فرصة، مع
عدم معقوليتها أو غرابتها، أن تكون جميع المسائل من الصنف NP هي في
الحقيقة مسائل من الصنف P متخفية. ويمكن أن تكون P مساوية لـNP -
ولأنــه بإمكان الحواسيب أداء العمل القصير المطلوب لحل أي مسألة في P،
فإن المساواة بين P وNP تقتضي أن تكون قدرات الحواسيب على حل المسائل
أكبر بكثير مما كنا نتخيله. ستكون الحواسيب تماما كما وصفها
<گودِل> في رسالته إلى <ڤون نيومان>: عرّافات ميكانيكية(
9) تستطيع الإجابة عن أي سؤال يطرح عليها بفعالية، وذلك بمجرد القدرة على برمجتها للتحقق من صحة الحل.
وكان
<سيپزر> يعرف أن هذه النتيجة غير محتملة إلى حد بعيد. ومع ذلك
يبدو أن إثبات العكس، وهو الأكثر احتمالا - أي إن P لا تساوي NP - قد
يكون اكتشافا مذهلا.
وعلى
غرار مبرهنات عدم التمام ل<گودِل>، التي كشفت عن وجوب احتواء
الرياضيات على قضايا صحيحة ولكنها غير قابلة للإثبات، فبرهان أن P لا
تساوي NP قد يعرض حقيقة موضوعية تتعلق بمحدودية المعرفة. فحل أحجية
الصور المقطعة والإقرار بأن هذه الأحجية قد حُلّت، هما أمران مختلفان
جوهريا، وليست هناك طرق مختصرة للمعرفة، مهما بلغت قدرة حواسيبنا.
إن
إثبات نتيجة سلبية أمر صعب دوما، ولكن <گودِل> فعله. لذلك بدا
ل<سيپزر> عندما راهن <آدلمان> أن مدة خمسة وعشرين عاما،
أكثر من كافية لإنجاز العمل. وإذا لم يتمكن بنفسه من إثبات أن P لا
تساوي NP، فسيتمكن شخص آخر من القيام بذلك. وسيكون هذا الشخص قد أضاف
إلى ثروته أونصة من الذهب الخالص.
كون حسابي أساسيات التعقيد(***) كم من الوقت يلزم لحل مسألة ما؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الباحثون عند تصنيفهم المسائل في صفوف حسابية. تأمل مثلا مهمة ترتيب بسيطة: رتّب لائحة من الأعداد العشوائية ترتيبا تصاعديا من الأصغر إلى الأكبر. مع ازدياد طول اللائحة، يزداد الزمن اللازم لترتيبها ولكن بمعدّل مُتَحَكّم فيه - ربما يتناسب مع مربع طول اللائحة. وهذا يضع مسألة الترتيب في الصف «P» لأنه بالإمكان حلها بزمن حدودي polynomial time. وتتطلب الأسئلة الأصعب، مثل مسألة «البائع المتجول»، لحلها زمنا يتزايد على نحو أسيّ مع ازدياد تعقيدها. وتصبح هذه المسائل المصنفة «NP-تام» بسرعة من الثقل والضخامة بحيث لا تتمكّن بلايين من الـمُعالِجات العاملة لبلايين من السنين من كسرها. |
سريعة التعقيد(
****)
لقد شارك <آدلمان> <سيپزر> انجذابه نحو المسألة، وإن لم يشاركه ثقته، بسبب دليل رياضياتي معمى(
10).
وفي مقالته التي أثبت فيها أن المسائل من الصنف P هي جميعها NP، أثبت
<كوك> أيضا وجود نوع خاص من المسائل التي يمكن بسرعة اختبار حلولها
أسماه -NP تام(
11). وهذه المسائل
تعمل وكأنها مجموعة من المفاتيح السحرية : فإذا وجدت خوارزمية سريعة
لحل واحدة منها، فإن هذه الخوارزمية ستفتح الباب أمام حل أي مسألة من
الصنف NP وستثبت أن P تساوي NP.
ولكن
هناك قيدا واحدا فحسب: فالمسائل من النمط -NP تام هي من أصعب المسائل
التي واجهها أي من العاملين في مجال علوم الحاسوب. وما أن اكتُشِف هذا
الصنف حتى صارت تظهر مسائله في كل مكان. وبعد مدة قصيرة من نشر مقالة
<كوك> [وهو أحد المشرفين على <آدلمان> في بيركلي] نشر
<.M .R كراپ> دراسة اعتبِرت مَعْلما تبين أن واحدة وعشرين من
المسائل الحسابية التقليدية هي جميعها من الصنف -NP تام. وسرعان ما
تبِع ذلك عشرات ومئات من المسائل. يقول <آدلمان> : «لقد كان هذا مثل
فتح ثقب في سد.» فجدولة الرحلات الجوية، وتوضيب صناديق النقل في شاحنة،
وحل أحجية سودوكو Sudoku، وتصميم شيپة chip حاسوبية، وإجلاس الضيوف في
حفل زواج، واللعب بلعبة تتريس Tetris كلها مسائل أُثبِت أنها تنتمي
إلى الصنف -NP تام، إضافة إلى آلاف المسائل العملية الواقعية الأخرى.
كيف
يمكن لهذا المفتاح المحير لحل مسألة «P مقابل NP» أن يبدو في الوقت
نفسه مألوفا جدا وغير قابل للكسر على الإطلاق؟ «لهذا كنت مهتما بدراسة
مسألة P مقابل NP»، هذا ما قاله <آدلمان> الذي أصبح الآن أستاذا
في جامعة ساوث كاليفورنيا(
12)،
ويتابع: «لقد بدت قوة هذه الأسئلة الحسابية واتساعها مثيرة للرهبة.
ولكن كنا بالتأكيد لا نفهمها. ولم يبد أننا سنفهمها في وقت قريب.» (لقد
قاد تشاؤم <آدلمان> حول مسألة «P مقابل NP» إلى اختراع غيّر
العالم: فبعد مرور بضع سنوات على الرهان، استعمل <آدلمان> وزميلاه
<.R رايڤست> و<.A شامير> عدم التكافؤ الظاهري بين P وNP
لاختراع خوارزمية التعمية(
13)
المسماة ب) المسماة بالحروف الأولى من أسمائهم RSA، وهي ماتزال مستعملة
على نطاق واسع في الأعمال المصرفية على الخط online، وتطبيقات
الاتصالات والأمن القومي.)
تعد
المسائل من الصنف -NP تام صعبة لأنها سرعان ما تصبح معقدة. تخيل أنك
رحالة تخطط لرحلة عبر عدد من المدن في أوروبا، وأنك تريد طريقا يمر
بجميع هذه المدن وتكون فيه المسافة الكلية المقطوعة هي الصغرى. فكيف
تجد الطريق الأفضل؟ إن أبسط طريقة هي أن تجرب جميع الإمكانات. في حالة
زيارة خمس مدن عليك فقط أن تفحص اثنتي عشرة إمكانية. وفي حالة عشر مدن،
يتضاعف عدد الطرق الممكنة لما يزيد على 180000 طريق. وفي حالة ستين
مدينة يتجاوز عدد الطرق عدد الذرات في الكون المعروف. يعرف هذا الكابوس
الحسابي باسم مسألة البائع المتجول(lang="en-us">14)، وعلى مدى
أكثر من ثمانين عاما من الدراسة المكثفة، لم يتمكن أحد من إيجاد طريقة
عامة لحل تلك المسألة أفضل من طريقة تجريب جميع الإمكانات.
هذا
هو جوهر الاختلاف بين مسألة -NP تام ومسألة P مقابل NP: ليس فقط أن
جميع المسائل من الصنف -NP تام تمتلك القدر نفسه من الاستحالة على الحل
إلا في الحالات البسيطة - وإن كان حاسوبك مزودا بذاكرة فائقة الكبر
وكان لديه من الوقت ليعمل ما يفوق عمر الكون - بل يبدو أنها تظهر في كل
مكان. في الحقيقة، لا تحبط المسائل من النمط -NP تام علماء الحاسوب
فحسب، بل يبدو أنها تضع حدودا لقدرات الطبيعة نفسها.
كود الطبيعة(
*****)
لقــد
فهـم المبــرمــج الهــولنــدي الـرائــد <.E ديكسترا> أن
للأسئلة الحسابية مُتضمنات أبعد من الرياضيات. وقد لاحظ مرة أن «علم
الحاسوب لا يتعلق بالحواسيب بأكثر مما يتعلق علم الفلك بالتلسكوبات(
15).»
وبكلمات).» وبكلمات أخرى، فإن الحساب هو سلوك تبديه العديد من النظم
بما فيها تلك التي تصنعها شركتا گوگل Google أو إنتل Intel. وفي
الواقع، فإن كل نظام يحول المدْخلات إلى مخْرجات بواسطة مجموعة متقطعة
من القواعد - بما فيها تلك النظم التي يدرسها علماء الأحياء
والفيزيائيون - يمكن أن تسمى حسابا.
فــي
عـــام 1994 أثبـــــت الـريــاضـيــاتي <.P شور> أنه بإمكان
جسيمات دون ذرية subatomic مرتبة بذكاء أن تكسر نظم التعمية الحديثة.
وفي عام 2002 استعمل <آدلمان> جدائل الدنا(
16) لإيجاد حل أمثلي(
17) لمثال من مسألة البائع المتجول. وفي عام 2005 استعمل <.S آرونسون> [الخبير في الحساب الكمومي(
18)
ويعمل حاليا في مختبر علم الحاسوب والذكاء الصنعي في المعهد M.I.T]
فقاعات الصابون، من بين جميع الأشياء، لحساب الحلول الأمثلية لمسألة
معروفة باسم شجرة <شتاينر>(
19).وهذه
هي تماما المسائل من النوع NP التي يجب أن تغص بها لوحات دارات
الحواسيب. أتعرف هذه النظم الطبيعية شيئا لا تعرفه الحواسيب عن مسألة P
مقابل NP؟
يجيب
<آرونسون>: «بالطبع لا». فتجربة فقاعات الصابون التي أجراها
كانت نوعا من الإثبات بنقض الفرْض(lang="en-us">20) للادعاء القائل
إنه بإمكان نظم فيزيائية بسيطة أن تتجاوز بطريقة ما الفروق بين المسائل
من النمط P والنمط NP. فمع أن فقاعات الصابون «حُسِبَت» حلولا كاملة
لشجرة <شتاينر> الأصغرية(
21)
في بضع حالات، إلا أنها سرعان ما فشلت في إيجاد الحلول مع ازدياد حجم
المسألة، تماما كما كان سيفعل الحاسوب. وقد اصطدمت تجربة جديلة الدنا
ل<آدلمان>(
22) بالحائط نفسه. أما خوارزمية <شور> الكمومية(
23) فهي تعمل في جميع الحالات، ولكن من شبه المؤكد أن مسألة تفريق الأعداد إلى عوامل(
24)
التي تحلها ليست من الصنف -NP تام. وعليه، لا توفر هذه الخوارزمية
المفتاح لحل أي مسألة أخرى من النمط NP. ويدعم كل من علم الحياة
والفيزياء التقليدية والنظم الكمومية فكرة أنه لا توجد طرائق مختصرة
لحـــل مسائل الصنف -NP تام. ولن يكون هذا صحيحا إلا في حالة كون الصنف
P لا يساوي NP.
تطبيقات البائع المتجول السويدي(******) إذا كنت تشعر بالطموح في رحلتك القادمة إلى السويد، فكّر في زيارتها كاملة. لقد أثبت الباحثون أن الطريق المرسوم هنا هو أقصر طريق يمر بجميع مدن وبلدات وقرى البلد التي عددها 24978. ولا يتوقع الباحثون أن يقوم أحدهم فعليا بهذه الزيارة، ولكن تقنيات البحث التي طوّرها الباحثون لحل هذه المسألة سوف تساعد في حالات أخرى حيث يحتاج الباحثون إلى إيجاد مسار أمثَلي optimal عبر مشهد معقد - في تصميم الشيپات الميكروية microchips أو سَلْسَلة الجينوم genome sequencing مثلا. |
يقول
<آرونسون>: «بالطبع مازلنا غير قادرين على إثبات ذلك إثباتا
محكما لا شك فيه. ولكن لو كنا فيزيائيين بدلا من كوننا باحثين في نظرية
التعقيد، لكانت المقولة «P لا تساوي NP» قد أعلنت قانونا من قوانين
الطبيعة منذ زمن بعيد - تماما مثل حقيقة ألا شيء يستطيع السير بأسرع من
الضوء.» في الواقع، تقتضي بعض النظريات الفيزيائية حول الطبيعة
الأساسية للكون - مثل المبدأ الهولوغرافي holographic principle،
الــذي اقترحــــه <.S هوكينگ> في بحثه الخاص بالثقوب السوداء -
أن يكون نسيج الواقع بحد ذاته ليس مستمرا بل مكونا من بتات bits
منقطعة، تماما مثل الحاسوب(
25). لذلك، فقد تكون الصعوبة الظاهرية لمسائل NP - وما يضعه هذا من حدود على المعرفة - من أصل بنية الكون في المستوى الأساسي.
آلة الدماغ(
*******)
وهكذا،
إذا كان الكون بحد ذاته مدينا للحدود الحسابية التي تفرضها مسألة P
مقابل NP، فكيف نظن أنه من الممكن أن تجد المسائل من الصنف -NP تام
حلولا في جميع الحالات - حتى في الأمثلة التي يتطلب فيها إيجاد هذه
الحلول تريليونات من السنين أو أكثر؟
فمثلا،
أثناء وجود الجنين البشري في الرحم، يقوم دماغه بربط بلايين العصبونات
المنفردة. إن إيجاد أفضل ترتيب لهذه الخلايا مسألة من النمط -NP تام -
وهي مسألــة يبـــدو أن الارتقاء قد حلها. يقول العالم في تطور
الأعصاب <.M شانگيزي>: «عندما يتطاول عصبون neuron من نقطة ما
ليصل إلى مجموعة كاملة من نقاط التشابك synapse الأخرى، فهذه المسألة
هي أساسا مسألة أمْثلة بيانية(
26)،
وهي من الصنف NP - صعب، ومع ذلك، لا يحل الدماغ فعلا المسألة - بل
يقوم بتقريب حلها تقريبا جيدا. (عمليا، تصل العصبونات على الدوام
بترتيب يبعد أقل من 3% عن الترتيب الأمثل.) وكذلك حال دودة
سينورهابديتيس إلِجانس Caenorhabditis elegans، التي لديها فقط 302
عصبون، ومع ذلك فهي لا تمتلك مخطط تشبيك عصبي أمثليا أمثلة كاملة، على
الرغم من بلايين البلايين من أجيال الانتقاء الطبيعي natural selection
التي عملت على المسألة. يقول <شانگيزي>: «إن التطور مقيد بمسألة
«P مقابل NP»، ولكنه مع ذلك يقوم بدوره كما ينبغي لأن الحياة لا تتطلب
دوما الكمال لتؤدي وظيفتها أداء جيدا.»
ويظهر
أن الحواسيب لا تتطلب ذلك أيضا. وحقيقة قدرة الحواسيب الحديثة على
القيام بأشياء مفيدة - عدا عن إنجاز تلك الأعمال الرائعة التي اعتدنا
على وجودها على شاشات ألعاب الفيديو وهواتفنا الذكية - هي البرهان على
أن المسائل من الصنف P تشمل عددا كبيرا من حاجاتنا الحسابية. أما في
بقية المسائل، فغالبا ما تكون خوارزمية تقريب غير كاملة جيدة بقدر كاف.
وفي الحقيقة، يمكن لهذه الخوارزميات «الجيدة بالقدر الكافي» أن تحل
مسائل بحث ومطابقـــــــة أنماط بالغة التعقيد، وينتمي العديد منها
تقنيا إلى الصنف -NP تام. وليست هذه الحلول دوما أمثلية في جميع
الحالات من الناحية الرياضياتية، ولكن هذا لا يعني أنها غير مفيدة.
تأمل
گوگل، مثلا. إن العديد من الباحثين في مجال التعقيد ينظرون في مسائل
الصنف NP، بالأساس، كمسائل بحثية. ولكــن اســتنادا إلى مــديــر
الأبحـــاث <.P نورڤيج> لدى گوگل، تعاني الشركة كثيرا لتفادي
التعامل مع المسائل من الصنف NP. ويقول: «يهتم مستخدمونا بالسرعة أكثر
من الكمال.» وبدلا من ذلك يسعى الباحثون لدى گوگل إلى أمْثلة
خوارزمياتهم للحصول على صنف ذي تعقيد حسابي أسرع حتى من الصنف P (يشار
إليه بصفة الزمن الخطي linear time) بحيث تظهر نتائج البحث آنيا
تقريبا. وماذا إن ظهرت مسألة لا يمكن حلها بهذا الأسلوب؟ يقول
<نورڤيج>: «إما أن نعيد صياغتها لتصبح أسهل، أو ببساطة، لا
نهتم.»
هذا
هو إرث مسألة «P مقابل NP» وسخريتها. وعندما كتب <گودِل> إلى
<ڤون نيومان> عام 1956، كان يعتقد أن المسألة تبشر بمستقبل مليء
بآلات قادرة على المحاكمة المنطقية، ومعصومة عن الخطأ، تستطيع القيام
مقام «العمل الذهني لعالم الرياضيات» وتولد حقائق جديدة جريئة بضغطة زر
واحدة. وبدلا من ذلــك، ســاعـــدت عقـود من دراسة «P مقابل NP» على
بناء عالم نُوسّع فيه قدرات حل المسائل لآلاتنا بتطويق نقاط قصورها.
فباستعمال تقريب ممثل للحياة بدقة(
27)،
وليس الكمال الرياضياتي، تقود سيارات گوگل الذاتية القيادة نفسها على
طرقات لاس ڤيجاس المزدحمة، ويستطيع الحاسوب واتسون من IBM أن يخمن
طريقَهُ نحو الانتصار في برنامج الخطر Jeopardy.
حمى البحث عن الذهب(
********)
جاء
عام 2000 ومضى، وأرسل <سيپزر> إلى <آدلمان> أونصة الذهب. يقول
<سيپزر>: «أعتقد أنه كان يريدها مغلفة بمكعب من اللوسيت(
28)
Lucite، ليتمكن من وضعها على مكتبه أو شيء من هذا القبيل، ولكنني لم
أفعل ذلك.» في ذلك العام نفسه، أعلن معهد كلاي للرياضيات(
29)
في كامبريدج بماساشوسيتس، عن جائزة جديدة لحل مسألة P مقابل NP: مليون
دولار أمريكي. رفعت الجائزة من قدر المسألة، ولكنها جذبت أيضا انتباه
الهواة والمهووسين؛ وفي أيامنا هذه، يقول <سيپزر>، مثله كمثلِ
العديد من علماء نظرية التعقيد، إنه يتلقى بانتظام رسائل إلكترونية غير
مرغوب بها تطلب إليه مراجعة بعض المحاولات الجديدة لإثبات أن P لا
يساوي NP - أو أسوأ من ذلك، إثبات العكس.
مع
أن مسألة P مقابل NP تبقى غير محلولة، فإن العديد من الباحثين في مجال
التعقيد ما زالوا يعتقدون أنها ستحل يوما ما. ويقول <سيپزر>:
«في الحقيقة إنني لم أكف عن التفكير فيها.» ويدّعي أنه لا يزال من وقت
لآخر يسحب ورقة وقلما ويعمل عليها في الغالب للتسلية، مثل كلب يعلك
عظمته المفضلة. إن مسألة «P مقابل NP» هي نفسها مسألة من الصنف NP: لأن
الطريقة الوحيدة للإجابة عنها هي في استمرار البحث. ومع أن ذلك الجواب
ربما لا يأتي أبدا، فإنه إذا أتى فسنعرف ذلك عندما نراه.
المؤلف
| John Pavlus |
<.J پاڤلوس>كاتب ومخرج أفلام يركز على موضوعات العلوم والتقانة والتصميم. نُشرت أعماله في المجلات Nature و Wired و Technology Review وغيرها من المنابر.
|
|
مراجع للاستزادة
The