لتيار القومي.. إلى أين؟ الإدارة | نوفمبر 12، 2012 |
التعليقات: 0 د. حسن يوسف الشريفيوجد في عالمنا العربي تياران وطنيان هما أكبر التيارات
الوطنية وهما: التيار القومي والتيار الإسلامي ولكل منهما أولوياته
ومجالاته, ولكن القواسم المشتركه بينهما كبيرة ولم يكن التيار القومي في
أطواره المختلفه معاديًا للإسلام كثقافه وحضارة وهوية، وكان هذا المفهوم
يظهر بقوة في الدولة المصرية لأسباب كثيرة, منها: وجود مؤسسة الأزهر وهي
مؤسسه إسلامية عالمية لها دورها الرائد في حركة التحرر الوطني والحفاظ على
الهوية العربيّة الإسلامية لمصر والعالم العربي ولم تتعارض الهوية
العربيّة للعالم العربي مع هويته الإسلامية، بل إنّ القيادات الوطنية
المسيحيّة للحركة القوميّة مثل ميشال عفلق السوري ومكرم عبيد المصري,
فالأول كان يقول أنّ القوميّة العربيّة ليست ضد الثقافه والحضارة
الإسلامية ومن لا يعرف نبي الإسلام محمد لا يعرف القوميّة العربيّة وكان
الثاني يقول :”أنا مسيحي دينًا ومسلم وطنًا” والذي يراجع كتابات المفكرين
المسيحيين مثل الدكتور رفيق صموئيل حبيب وغيره يلاحظ مثل هذا الاتجاه.
وحينما قوي ساعد التيار القومي وعقد المؤتمر الأول للقومية
العربيّة في باريس عام 1913م لم يكن معاديًا للمرجعية والهوية الإسلامية
للعالم العربي، بل كان يعادي الاستبداد الذي ظهر في أواخر عصر الخلافة
العثمانية وكان هدف الحركة القوميّة يومها الوقوف في وجه (حركة التتريك)
لتحل القوميّة التركية مكان القوميّة العربيّة وكان هناك تياران في العالم
العربي يواجهان الاستبداد التركي: الأول ما كان يسمى “تيار الجامعة
الإسلامية” وهو تيار إسلامي يحارب الاستبداد والتخلف والجهل ولكن في إطار
تقوية الوحدة الإسلامية والحفاظ على دولة الخلافة, وكان هذا التيار
الإسلامي يرى أنّ تشجيع حركة الإنفصال عن دولة الخلافة الإسلامية في تركيا
سيضعف قوتنا أمام الهجوم الاستعماري الغربي على العالم الإسلامي.
وكان التيار الثاني هو تيار “الجامعة العربيّة ولم يكن
معاديًا ولا مناهضًا للمرجعية الإسلامية للعالم العربي وكان يرى أنّ العرب
هم الأحق بمنصب الخلافه من الأتراك. ولم يكن التيار القومي يرى أيّ تعارض
بين الهوية العربيّة والهوية الإسلامية”.
ولقد حاولت بريطانيا يومها استمالة التيّار القومي وتشجيعه
على الانفصال عن دولة الوحدة الإسلامية بقيادة الأتراك وتكوين دولة الوحدة
العربيّة لمقاومة حركة التتريك, وكانت بريطانيا تعرف حب واحترام القوميين
العرب للإسلام فكانت تشجع فكرة أن العرب هم الأولى بالخلافة الإسلامية من
الأتراك حيث كان يقود الحركة يومها الشريف حسين وهو من آل بيت الرسول محمد
– صلى الله عليه وسلم – وكان يتمنى أنْ يكون خليفة المسلمين بدلاً من
الأتراك وهم غير عرب, وتكشف الوثائق البريطانية الشهيرة (مكما هون – حسين)
عن وعد بريطانيا للشريف حسين بحكم دولة عربية كبرى هي الدول العربيّة في
آسيا إذا وقف القوميون العرب بقيادة الشريف حسين مع الجيوش البريطانية في
حربها ضد الجيوش التركية, وتم انفصال هذه الدول عن دولة الخلافة الإسلامية
في تركيا ولكن كانت النهاية كارثة كبرى حيث إنّ بريطانيا قد خانت عهدها مع
القوميين العرب حيث تم تقسيم الدول العربيّة في آسيا (اتفاقية سايكس بيكو)
على كلًّ من بريطانيا وفرنسا والتي احتلت جيوشهما هذه البلاد, وكانت
الكارثة الثانية هي وعد بريطانيا للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود
في فلسطين والذي تحوّل فيما بعد إلى إقامة دولة إسرائيل على دولة فلسطين.
لقد كان تيّار (الجامعة الإسلامية) أكثر وعيًا من تيار
(الجامعة العربيّة) في معرفة المخططات البريطانية والفرنسية المعادية
للأمة العربيّة والإسلاميّة, لأنه كان من المعروف أنه إذا خرج الأتراك من
حكم العالم العربي فسيأتي البريطانيون والفرنسيون ليحكموا بلادنا وهم
يختلفون عنا في الدين واللغة والثقافة وفي كل شئ ويذكر لنا الدكتور طه
حسين هذه المأساة فيقول: “جاء المستعمرون.. ففتحوا واستعمروا, وفتحوا
أبوابًا من الآمال الكاذبة أمام شعوبنا اليائسة, حتى إذا استقرت لهم
الأمور تبيّن اليائسون البائسون أنهم لم يخرجوا من بؤسهم ذاك إلا ليفرض
عليهم بؤس أشد منه وأي بؤس أشد نكراً من أن يتحكم الأجنبي في حياة الناس
وأرزاقهم ومصالحهم، وفي آمالهم ومستقبلهم” (طه حسين كتاب مرآة الاسلام ص
304).
كان هذا هو أكبر إخفاقات الحركة القوميّة حيث قاتلنا جيوش
الأتراك لتحتلنا جيوش بريطانيا وفرنسا وكما يقول طه حسين عن الشعوب
العربيّة “فأصبحوا عبيدًا أو كالعبيد لقوم ليسوا منهم في قليل ولا كثير,
يختلفون عنهم في كل شئ ولا يقاربونهم في شيء” وبعد احتلال العالم العربي
تم فتح باب الهجرة أمام اليهود إلى أرض فلسطين وأصبح العرب في فلسطين
أقلية أمام الجحافل اليهودية الهاربة من اضطهاد النازية في الغرب وأدى هذا
الظلم والخيانة البريطانية إلى قيام دولة غير عربية في قلب العالم العربي.
لقد بلغ التغلغل الغربي مداه في العالم العربي الإسلامي
وكانت الحركات الإسلامية التي تؤمن بأهمية الجامعه الإسلامية هي التي تقوم
بمقاومة التغلغل الغربي في عالمنا الإسلامي وهذا ما يشهد به شيخ
المستشرقين البريطانيين بيرنارد لويس: “منذ بدأ التغلغل الغربي في العالم
الإسلامي, وحتى يومنا هذا, كانت أهم الحركات الفكرية المتميزة المهمة
الأصيلة التي قامت في وجههم حركات إسلامية” (الغرب والشرق الاوسط بيرنارد
لويس ص 34) وبعد نجاح الجهاد الوطني في إخراج الاحتلال الغربي من بلادنا
وصل القوميون العرب إلى الحكم في مصر وسوريا والعراق وغيرها وحكموا عشرات
السنين فماذا فعل التيار القومي ضد أنصار التيار الاسلامي؟.. إنّ من
الواجب علينا جميعًا قوميون وإسلاميون أن نراجع أنفسنا تاريخًا وفكرًا,
وهو المقال التالي, إن شاء الله.