سوريـــــا وتركيـــــــا حلــــــف استراتيجـــــي بديــــــــل
2009-10-07
تشهد المنطقة في هذه الآونة حالة من عدم الاستقرار السياسي
والاستراتيجي تمخضت عنها تحالفات جديدة ومساعٍ ناجحة؛ وهذا كله ناتج عن
السياسة الدولية العامة اتجاه الشرق العربي والاسلامي.
فعلى مستوى التحالفات هناك شبه فك للحلف الاستراتيجي بين اسرائيل وتركيا
وميلاد تحالف جديد بين سوريا من جهة وتركيا؛ أما على مستوى مساعي الصلح
فهناك عودة للعلاقات الطبيعية بين سوريا والسعودية، لا بل وبداية حلحلة
للأزمة الحكومية في لبنان كنتيجة طبيعية للتقارب السوري – السعودي.
الحلف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل ورث حزب العدالة والتنمية منظومة سياسية واتفاقيات عسكرية بين تركيا
واسرائيل، ازعجت كثيراً قادة الحزب المذكور وجعلته يتململ ويحتج بطرق
مختلفة عليها، تعود اسباب توقيعها للسياسة الدولية العامة وقتها والهيمنة
الأمريكية عليها وتحديداً في ولاية الرئيس الأمريكي بوش الإبن، الذي رفع
شعار الحرب على ما أسماه الإرهاب وحدده بمفهوم " من ليس معنا فهو علينا"
وتقسيمه المنطقة لمحورين: محور الاعتدال، ومحور الشر.
التحالف التركي – الاسرائيلي والغزل بينهما لم يكن عذرياً وانما كان من باب
المصالح القومية ولاسرائيل بالذات، التي أرادت من وراء ذلك:
• تحجيم الدور التركي في المنطقة الشرق أوسطية.
• تحييد موقف أنقره من الصراع مع الفلسطينيين.
• الالتفاف على دول اقليمية كسوريا والعراق وقتها وايران.
• تحقيق مصالح اقتصادية بحتة.
هذا الحلف أخذ أبعاداً مختلفة ومستويات عده، وسارت دالته البيانية بين صعود
وهبوط وفقما تقتضيه السياسة العامة، وقد تمخض عن ذلك مناورات عسكرية
مشتركة، عقد اتفاقيات سياسية وعسكرية وأمنية، إضافة الى زيارات متبادلة
لقادة الطرفين الى أنقرة وتل ابيب؛ وكما ذكرنا فالدالة البيانية للتحالف
هذا لم تكن مستقرة تماماً، فقد تذبذبت كثيراً واهتزت أكثر من مرّة، فلا ينس
الجميع موقف القيادة التركية من غزو العراق ورفضها دخول قوات التحالف عبر
حدودها، وهذا وإن لم يكن يتصل مباشرة بالعلاقات بين البلدين إلا أن القضاء
أو الاطاحة بنظام صدام حسين كان مصلحة إسرائيلية، ثم استاءت العلاقات أكثر
فأكثر ومن محطاتها:
• مجزرة بيت حانون 2006م
• مجزرة الشاطئ
• الاعتداءات والمذابح الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين
غير أن القشة التي قصمت ظهر البعير كان العدوان الأخير على قطاع غزة وجرائم
الحرب التي ارتكبتها اسرائيل في حق المواطنين الفلسطينيين هناك، حيث
تسلسلت مواقف القيادة التركية كالتالي:
• احتجت تركيا بشدة على الحرب لأنها اعتبرتها خدعة لها بعدما أحرزت انقرة تقدماً نحو مصالحة سورية – إسرائيلية.
• احتجت أيضاً على أعمال القتل والإبادة لسكان غزة.
• رفضت إسرائيل مطالب القيادة التركية بوقف إطلاق النار.
• موقف اردوغان من بيرس في مؤتمر داغوس الدولي.
• أثار أردوغان موضوع جرائم إسرائيل في غزة في الجلسة السنوية للأمم المتحدة بقوة الخ.
• ثم جاء رفض تركيا مشاركة إسرائيل في المناورة العسكرية السنوية في تركيا كردة فعل لها على مواقف اسرائيل من قطاع غزة.
اذن العلاقات بين البلدين تشهد وستشهد جموداً قد يؤدي بحَلْ الحلف
الاستراتيجي التركي السوري لقطيعة عامة وسحب الطرفين لسفرائهما من أنقرة
وتل أبيب، وإلغاء ما تم الاتفاق عليه بينهما.
ميلاد الحلف الاستراتيجي بين سوريا وتركيا... هناك تحوّل في الموقف التركي منذ فترة ولاية البروفيسور نجم الدين أربكان
(معلم ومؤسس حركة الاصلاح التركي وأستاذ أردوغان وغول). هذا التحول كان
تدريجياً وقد فشل في فترة أربكان لصلابة موقف الجيش ودعم الغرب له، غير أنه
استمر في مرحلة غول – أردوغان، أو حكم حزب العدالة والتنمية بصورة بطيئة
وعلى نار هادئة فعلاً، فحقق نجاحات كثيرة كان اولها موقف أنقرة من غزو
العراق...
أما اليوم فالمنطقة تشهد تحولاً في قبلة الأتراك من إسرائيل والغرب الى
عمقهم الإسلامي وهذا ما لمس عملياً من خلال الانفتاح التركي على العالم
العربي وعلى جميع المستويات الدبلوماسية والاقتصادية وحتى العسكرية
والإستراتيجية فتركيا تربطها علاقات اقتصادية قوية بقطر مثلاً وأخرى
دبلوماسية وتجارية بالعراق والسعودية، لكن التحول الملفت للنظر ما حصل خلال
الأيام القليلة الماضية مع سوريا.
فالحدث الأخير بدأت مؤشراته قبل شهور ففي ربيع هذا العام جرت مناورات
مشتركة بين الطرفين التركي والسوري على الحدود التركية – السورية الشمالية
الشرقية، وفي شهر 9 الماضي وقع اتفاق استراتيجي بين البلدين، وبالأمس فتحت
الحدود وألغيت تأشيرة الدخول، لا بل والأهم من ذلك الإعلان عن مناورات
عسكرية واسعة بين تركيا وسوريا قريباً جداً، وهذا ما يزعج إسرائيل وأمريكا
ومن لف لفيفهما.
مدلولات التحالف التركي – السوري: (1)
تركيا: الانفتاح والتمدد نحو العالم العربي، وتحقيق
مكاسب مشروعة لها ومصالح اقتصادية وتجارية كنوع من التعويض عن حالة رفض
انضمامها للسوق الأوروبية المشتركة؛ ثم لعب الدور الطبيعي لها في المنطقة
أمام الهجمة الاسرائيلية والغربية.
(2)
سوريا : التحالف يعد دعماً للموقف السوري في صراعه مع
اسرائيل وحاجزاً منيعاً أمام محاولات أمريكا النيل من سيادتها، وعزلها عن
محيطها العربي وخاصة محور الممانعة، والاتفاق يحمل كما صرحوا بنداً ينص على
موضوع الدفاع المشترك.
(3)
لبنان: فتح جديد للمقاومة اللبنانية وللبنان أمام
التهديدات الاسرائيلية المستمرة وفرص شن اسرائيل حرباً جديدة على لبنان
والمقاومة تحديداً. فمن خلال التقارب السوري – التركي فسيجني حزب الله
والمقاومة اللبنانية والفلسطينية الكثير خاصة وأن هناك حدوداً تربط تركيا
بايران وتواصل حدودي سوري – تركي!! هذا التحالف قد يكون وسيلة ردع لتل ابيب
اذا ما فكرت في شن عدوان على لبنان.
(4)
اسرائيل: الحلف يعد لاسرائيل ضربة في الصميم، فهو
سيقوي الموقف السوري في المنطقة وسيحجم دور اسرائيل، وسيمنع ويعطّل
الاستراتيجية العدوانية لتل ابيب، فهو اذن ضد مصالح اسرائيل وسيغيّر
إستراتيجيتها العسكرية العدوانية وعلى ما يبدو أفشل الحلف الجديد مخطط عزل
سوريا عن محور الممانعة.
(5)
ايران: الحلف الجديد يقوي الموقف الايراني، ويدعم
جهودها الرامية لامتلاك القدرة النووية السلمية، ويعد حجر عثرة أمام عزلها
ومنفذاً جيداً لكسر الحصار أو العقوبات التي ستفرض عليها، وليس بعيداً
توقيع اتفاق كهذا بين أنقرة وطهران فأردوغان سيزور طهران خلال أسابيع وفي
نفس الوقت الذي سيقوم فيه مفتشو الوكالة الدولية بفحص مفاعل قم النووي الخ.
اذن باختصار الاتفاق/ الحلف الاستراتيجي بين تركيا وسوريا له ما بعده وغير
مستبعد في ظل عودة المياه لمجاريها بين دمشق والرياض وبوساطة تركية، غير
مستبعد تشكيل حلف كبير موسع في مواجهة اسرائيل وامريكا قد تكون أطرافه
الرئيسية هي:
تركيا، سوريا، لبنان، السعودية، العراق، ايران
هذا الحلف ان شكّل، أو كتب الله له الميلاد فسيغيّر كثيراً من مجريات
الاحداث في المنطقة، ان سلم من مقالب أمريكا واسرائيل وبعض الدول العربية
وعلى رأسها مصر، التي قد تشعر بخسارة موقفها الرائد والطليع في المنطقة.