كلما سمعت مسؤولا في هذه البلاد
يتحدث عن «الأوراش المفتوحة»، أتمنى لو يصفعه أحد على حنكه الأيمن حتى
يدور، كي يغلق فمه -على الأقل- مادام لا أحد يستطيع إغلاق هذه «الأوراش»
البشعة التي حولت حياة المغاربة إلى جحيم. منذ سنوات وهم يحفرون الشوارع،
ويقلبون الطرقات، ويهدمون الإدارات، وينشرون «الرملا والطوب والسيما» في كل
مكان، ويسدون الشوارع بالأسلاك، ويغلقون الطرقات، ويقلبون اتجاهاتها،
ويغيرون علامات المرور... دون أن يبدو لأوراشهم «راس ولا شواطة»، كأننا في
العراق أو هايتي، خرجنا للتو من كارثة. والكارثة الحقيقية أن المباني تصير
أبشع بعد الترميم، أو تتهدم أياما قليلة بعد إعادة فتحها، كما وقع مع شارع
محمد الخامس في قلب الرباط الذي كلف ترميمه الملايير، ولم يمض أسبوع على
إعلان نهاية الأشغال حتى سقطت أعمدة الضوء من تلقاء نفسها، وبمجرد انهمار
قطرات من الأمطار تحولت جنباته إلى ضايات، وكسا الخز نافورته التي صارت
مرتعا للضفادع. وغير بعيد عن النافورة المقززة، مازالت محطة القطار
رابا-فيل، مغلقة في وجه المسافرين، منذ أربع سنوات، دون أن تفكر أي جهة في
فتح تحقيق حول أسباب هذا التأخر الذي لم يعد يثير فضول أحد، إلى درجة أن
إعادة فتح المحطة يمكن أن يؤثر على نفسيات الركاب، بعد أن صار المشي فوق
الجسور الزنكية، التي شيدها لهم لخليع، طقسا يوميا، «كيبردو به الغداديد...
اللهم يشتفو على الزنك ولا يشتفو على حاجة اخرى»! أوراش تصرف عليها
الملايير ويخطب بشأنها الوزراء والمسؤولون، تبدأ دائما ولا تنتهي، دون حسيب
ولا رقيب. الظاهرة أخذت أبعادا خطيرة، تكشف عن عقلية مريضة، ترتكن إلى
الغش و«الخدمة الناقصة»، وتتعايش مع البشاعة والرداءة، بلا مشاكل، ولم
تزدها «المبادرة الملكية للتنمية البشرية» إلا تفاقما، «اللي ماعندو شغل
كيجبد ليك لافتة»، يكتب عليها «في إطار «التنمية البشرية» ويساهم في
«الورشات المفتوحة»: روبيني، أو خصة، أو جردة، أو فو روج... يستغرق بناءها
سنوات كاملة، رغم أن الوقت الطبيعي لإتمامها لا يتعدى بضعة أيام. وكم من
مواطن تكسرت رجله لأنه عثر في طوبية، أو زلق على سيما ماناشفاش، بل إن
كاتبة الدولة في التربية الوطنية، لطيفة العابدة، كادت تؤدي ثمن إحدى هذه
«الورشات» في البرلمان عندما سقطت بقربها «مادرية» كبيرة، نجت منها
بأعجوبة. ماذا تنتظر حين يصل الغش في البناء إلى مرفق سيادي مثل البرلمان؟
بل إن الوقاحة فاقت الحدود، إلى درجة أن بعض المسؤولين صاروا يكذبون على
عاهل البلاد: كم من مدينة دشن فيها الملك نافورة أو رومبوان مرتين، دون أن
يفتح تحقيق في الموضوع؟ ومؤخرا، في طنجة، كان من المفروض أن يبدأ «مركز
الترويض وصناعة وتقويم الأطراف لذوي الإعاقة الحركية»، الذي كلف الخزينة
أكثر من 9 ملايين درهم، في العمل بمجرد تدشينه من طرف الملك، لكن ياسمينة
بادو، وزيرة الصحة، وشركاءها المحليين اكتشفوا أن المركز في نسخته الحالية
آيل للسقوط لا محالة، لأن كل شيء فيه بني بطريقة لا تحترم أدنى شروط
البناء، وقرروا أن يفتح ورش البناء من جديد، دون أي محاسبة. هذه «الورشات
المفتوحة»، إلى ما لانهاية، تعني ببساطة أن المال العام يهدر بـ«العلالي»،
وسط تواطؤ من السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. تأخر إنهاء الأشغال
يعني أن الصفقات تتحول إلى بقرة يحلب منها المسؤول والمقاول والمهندس
والعمالة والجمعية... وتقنيات الاحتيال معروفة: ثمة من يؤخر الأشغال من أجل
تجميد ميزانية المشروع في البنك، كي تلد له الفوائد بالملايين، وهناك من
يستغل فتح ورشات الدولة كي يبني فيلات ومشاريع عقارية موازية، «كاميو كيمشي
للورش العمومي وجوج للفيلا ديال المسؤول»... تقنيات يعرفها الجميع
و«يضربون الطم»، والمواطن يؤدي الثمن، لأن كل ذلك، في النهاية، يخرج من
جيبه، دون الحديث عن ضريبة البشاعة التي لا تقدر بثمن وتجعل الكثيرين
يكرهون العيش في هذه البلاد.
الأربعاء مايو 19, 2010 3:48 am من طرف بن عبد الله