تاريخ التسجيل : 13/09/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
15072012
الإستيلاء على الإرادة
الإستيلاء على الإرادة
نعلم ان بالامكان ان يفقد المرء التحكم بإرادته تماما، ليتصرف وكأن سلوكه نابع عن حريته المطلقة، الامر الذي يجعلنا نتساءل ماهي الارادة وحقيقة الاختيار؟ هل نحن نتصرف الان بإرادتنا ام اننا تحت سيطرة طفيلي خارجي؟
الطبيعة مليئة بالامثلة على طفيليات تقوم بالاستيلاء على إرادة الكائنات والغاء كينونتها المستقلة، بما فيه الانسان، الامر الذي يبرهن على ان الارادة لاتزيد عن تفاعلات كيميائية يمكن اضطناعها والتحكم فيها خارجيا، بل ويمكن اختلالها داخليا، وليس الامر خيالا علميا. بل تدل على إمكانية انشاء الوسائل الصناعية التي تسيطر على الارادة وتتحكم بها. وهنا نماذج مدروسة عن طفيليات قادرة على الاستيلاء على ارادة الاخرين والتحكم بهم حتى درجة الموت.
النملة المسماة Camponotus leonardi, تمارس نشاطاتها اليومية على الارض وهي تبحث عن الطعام وتبني بيتها وتنظفه وتعتني بالصغار وتطعمهم. جميع الممرات التي تسير بها هذه النملة تكون على الارض وتصل بها الى الغابة. وفي الوقت الذي نرى خطوط النمل دهابا وايابا يحدث ، بين الحين والاخر، ان نرى نملة وقد خرجت عن الصف وبدإأت في التسلق على شجرة متخلية عن الجماعة وعن السلوك المعتاد. وعندما تصل الى ارتفاع معين تذهب الى طرف غصن الشجرة وتلص نفسها تحت اسفل احد الاوراق، وتموت.
الامر يبدو وكانه سلوك غير مفهوم او مبرر، ولكنه يملك تفسيرا معقولا. لو انتظرنا نراقب ماذا سيحدث للنملة الميتة سنجد انه بعد بعض الوقت تخرج من راسها مايشبه " النسغ النباتي" وبوقت قصير تنمو لتشبه العودة وفي منتصفها ثمرة غريبة. هذا في حقيقته فطر طفيلي يسمى Ophiocordyceps unilateralis, يقوم بالاستيلاء على ارداة النملة والتحكم بها من دماغها وتحويلها الى العبودية لتخدمه كالروبوت.
الباحثين لايعلمون الميكانيزم الذي يمكن الفطرالطفيلي من الاستيلاء على دماغ النملة، ولكن، انها عملية استيلاء وهدف الطفيلي من عملية الاستيلاء واضحة وجلية. الطفيلي يستخدم النملة لنقله الى مكان معين حيث البيئة مناسبة لنموه. النملات المصابات نجدهم يذهبون الى مكان يقع 25 سم فوق الارض في الجهة السفلى من ورقة الشجر، وتقريبا على الدوام في الطرف الشمال الغربي للشجرة. هذا الموقع يجعل الفطر يشعر نفسه في افضل الاحوال، ويجعل النملة تضحي بحياتها من اجله.
الطفيليات الفطرية تبدو من الوهلة الاولى غير خطرة، فهي عادة صغيرة ورقيقة. في العالم يوجد اكثر من 400 نوع منها، اغلبها في جنوب شرق اسيا. وبين هذه الفطريات توجد اكثر الانواع تخصصا في الاستيلاء على الارادة والتحكم بالتفكير والغاء الحرية التامة. هذه الطفيليات قادرة عل الاطاحة بالعديد من المفصليات من بينها الحشرات والعناكب وعلى الاقل عشرة من مجموعات حيوانية اخرى، ولكن كل نوع من الطفيليات متخصص، تقريبا على الدوام، بنوع واحد من الكائنات.
وعلى الرغم من ان الفطريات الطفيلية هي الاكثر كفائة في استلاب الارادة والتفكير والسيطرة والتحكم بها، الا انهم ليسوا الطفيليات الوحيدة التي تستخدم هذه الاستراتيجية الفائقة الكفائة. عادة تكون دورة حياة هذه الكائنات مقسمة عدة مراحل، كل منها ستتم في مكان يختلف عن الاخر او داخل كائنات مضيفة مختلفة، ولهذا السبب تقف ضرورة الانتشار على اوسع رقعة ممكنة.
دودة الكبد Dicrocoelium dendriticum, تقوم ايضا بالتطفل على ذات النوع من النمل الذي يتطفل عليه الفطر السابق، ولكنها تختلف عنه في كونها تقضي في داحل النمل جزء من دورة حياتها فقط. من اجل ان تصل الى مرحلة النضوج لابد لها من قضاء فترة من الوقت في داخل حيوان من آكلة الاعشاب، مثلا بقرة. لهذا السبب تقوم دودة الكبد ببرمجة دماغ النملة المُضيفة لتجبرها على التسلق على اعلى قمة الاعشاب والالتصاق هناك. بهذا الشكل يرتفع حظ الدودة ان يقوم حيوان باكل العشبة اثناء عملية رعي القطعان في البراري، فتقع في بطنه وتتمكن من الاستمرار بدورتها الحيوية.
وحتى الانسان يقع ضحية للطفيليات التي تستلب التحكم في تفكيره وإرادته وتسخره لها. احد اكثرهم خطورة هو الفيروس الذي يسبب مرض الكَلَب. الفيروس ينتشر بسرعة من خلال لعاب الحيوان المصاب، ولهذا يجعل الفيروس الحيوان المُضيف عدائي بشكل استثنائي، من اجل ان يزيد إحتمال ان يقوم بعٌض الاخرين. في نفس الوقت يزداد انتاج اللعاب الى درجة كبيرة استعدادا للانتقال.
الملاريا هو طفيلي اخر يعمل على تحفيز رغبة المُضيف العدائية لخدمة متطلبات الطفيلي. الابحاث تشير الى ان البعوض المصاب بفيروس الملاريا تقوم بلدغ ضحاياها مرات اكثر من بقية البعوض. بهذا الشكل يضمن الطفيلي ان يصل الى عدد ضحايا اكبر.
بين اصغر الاحياء من وحيدات الخلية في مجموعة protozo, نعثر على طفيليات قادرة على التحكم والسيطرة على إرادة الفقاريات. احدى هذه الكائنات تسمى Toxoplasma gondii, وتؤدي الى نشوء فقاعات مائية في دماغ القوارض مثل الفئران. الطفيلي لابد له من جسم قطة او حيوان مفترس اخر ليتمكن من اتمام دورته الحياتية، لهذا السبب لعمل الطفيلي على تغيير سلوك الفأر بالتأثير على دماغه ليفقد خوفه الطبيعي من رائحة القطط. هذا التحول يؤدي الى ان الفار يصبح ضحية سهلة للقطة وعندها يصبح بالامكان ان يتم، في جهازها الهضمي، النضوج الجنسي للطفيلي، ليحقق الطفيلي غرضه في إتمام دورة حياة الطفيلي/ مستغلا كلا من الفأر والقط على السواء ..
Toxoplasma يمكنه ايضا اصابة الانسان، وحسب بعض الباحثين، قادر ايضا على التأثير على سلوكنا وتغييره. وعلى الرغم من انه واسع الانتشار الا انه ليس على الدوام يسبب مرض ظاهر الاعراض. يعتقد ان نصف البشر على الارض من حاملي هذه الطفيلي في اجسامهم، او انهم كانوا قد حملوه في السابق. الدراسات اظهرت ان الرجال الحاملين لهذا الطفيلي ينحو سلوكهم للمزيد من الغيرة وتشديد الحماية على النساء وزيادة في العدائية تجاه الاخطار المحتملة. على العكس نرى ان النساء الحاملين للطفيلي يتميزون بالانفتاح والثقة اكثر من الاخرين. من المحتمل ان هذا التغيير في السلوك كان له اهمية اكبر في مرحلة زمنية سابقة. مثلا من المحتمل ان تكون مثل هذه التغييرات السلوكية في مرحلة سابقة قد ادت الى ارتفاع مستوى تعرض اجدادنا للموت من قبل حيوان مفترس، بحيث ان الطفيلي كان يحقق هدفاً له.
ومن المثير في هذا السياق ان ثلاثة نساء صينيات تمكنوا عام 1993 من تسجيل ارقام قياسية في بطولة العالم في الجري الحر، ومن بينهم اللاعبة Wang Junxia. وحسب تصريح مدربهم، فإن النتائج الباهرة كانت بفضل تناولهم اليومي لجرعة من الفطر الطفيلي الذي يصيب النمل.
حتى نبات التبغ المسمى Nicotiana attenuata تطور لديه جهاز دفاع قائم على استغلال النمل لقتل اعدائه من يرقات الحشرات التي تحيا عليه. عالماء البيلوجيا النباتية من معهد ماكس بلانك اكتشفوا ان النباتات تقدم عصغرة سكرية تغري بها اليرقات. غير ان هذه العصارة تحتوي على رائحة تخرج مع خروج الفضلات وتجذب اليها النمل على عجل ليعثر على اليرقات وينقلها الى بيته كغذاء. الرائحة في العصارة السكرية تنتجها غدد شعرية في ورقة نبتت التباك. نعلم ان الشبكة الشعرية والافرازات هي جزء من دفاع النبتة ضد اعدائها لتصعيب الانتقال والحركة ويحتويان على مواد سامة مثل النيكوتين الذي يكبح نمو اليرقات.
غير ان العلماء استغربوا ان يرقات الحشرات بما فيهم الحشرة Manduca sexta يعتبر لديهم المحلول السكري اكثر الاطعمة جاذبية عند خروجهم من البيضة ولايشكل لهم اي ضرر مباشر. اجرى العلماء التحاليل لمعرفة التغييرات الكيميائية التي تطرأ على السكر في داخل جسم اليرقات ليتحول الى سلاح ضد اليرقات، ليظهر ان هناك تحولات كارثية تحدث في جسم اليرقات. المقارنة اظهرت ان هذه التغييرات تتشابه مع التغييرات التي تحدث في جسم الانسان بعد اكل نبات السباريس.