تاريخ التسجيل : 13/09/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
15072012
غرائب الفطر المخاطي
غرائب الفطر المخاطي
جسم غريب، مخاطي ، طري واصفر يزحف ببطء على الارض في الغابات وكانه مخاط ممسوح على السجادة. عندما يلمس طرف ضحية محتملة يطلق خيوط طويلة ودقيقة تنتشر فوق الضحية. وعندما تتم الخيوط انتشارها وتشكل شبكة كاملة تبدأ عملية تحلل فعالة. بعد فترة يختفي جسم الضحية تماما، ليتقلص الجسم الاصفر ويبدء بالزحف من جديد بحثا عن وجبة طعام جديدة. هذا الوصف ليس خيالا علميا وانما وصفا لكائن حقيقي غريب.
من الصعب تحديد حجم الفطر المخاطي، (Myxomycota), إذ غالبا لايزيد عن بضعة سنتيمترات والضحية على الدوام ميتة، إذ انه يعيش فقط على المواد العضوية الميتة. الاستثناء الوحيد هو مجموعة البكتريا التي يتناولها مع الطعام نفسه.
وبسبب الحجم الصغير للفطر المخاطي فإن نمط حياته مخفي لاعيننا الى حد كبير. فقط بواسطة المجهر، وعلى الاخص المجهر الاليكتروني، اصبحت حياته مرئية لنا. القدرة على الحركة ليست من الصفات التي نعتقدها لدى الفطر، غير ان الفطر المخاطي ليس شئ عادي على الاطلاق، بل وليس مؤكد انه فطر اصلا. العلماء واجهوا ولازالوا يواجهوا صعوبة بالغة في تصنيفه بيلوجيا.
على الرغم من اننا نعرف الفطر المخاطي منذ مئات السنوات، غير انه لم يكن لدينا اي فكرة على انه كائن حي لفترة طويلة. اغلب الانواع تبدو للعيان وكأنها بقعة طرية صفراء او خضراء او اورانج او سوداء او حمراء او بنية. في بعض الاحيان يمكن ان تكون شفافة ايضا. الجهل بهذا الفطر نراه في الاساطير التي حبكها سكان الغابات قديما عنه، إذ كانوا يعتقدون انه بقية النجوم التي تقع على الارض ليلا، وانهم يمتلكون قدرات سحرية. وعلى الرغم من انتشار الفطر المخاطي في بقاع عديدة الا ان العلماء لم يواجهوا نجاحا مهما في دراسته.
وكما يبدو من الاسم اعتقد العديد من العلماء انه يجب ان يكون فطر لكونه يتكاثر بواسطة الابواغ كما هو الحال لدى الفطر. بل والبعض وصفهم على انهم نباتات وحيوانات، غير انهم يصنفون اليوم لدى غالبية البيلوجيين على انهم ينتمون الى مجموعة protista, وهي مجموعة يوضع فيها جميع الكائنات التي لايمكن إعتبارها حيوان او نبات او فطر.
والباحثين لم ينجحوا في الاتفاق على عدد الانواع الموجودة من الفطر المخاطي، لعدة اسباب ومن بينها ان الانواع قادرة على تغيير الوانها حسب الحرارة والبيئة. تقديرات البيلوجيين انه يوجد مابين 500 الى 1000 نوع ولكنه رقم غير مؤكد. الفحص الذي جرى في Great Smoky Mountains National Park الامريكي اظهر وجود انواع في المحمية بعدد جميع الانواع المعلومة لنا في العالم. لهذا السبب، على الاغلب، توجد انواع اكثر مما نعتقد. هذا الانتشار يعني بالضرورة انهم يلعبون دورا هاما في الطبيعة اكثر مما نعتقد.
معلوماتهم عن هذه الانواع مؤسسة على بضعة انواع قليلة، وعلى الاخص التي من السهل ابقاءها في المختبرات مثل Physarum polycephalum, والقادرة على الاكتفاء بالشعير المطبوخ مع الحليب. غير انهم قدموا لنا لمحة عن اسرارهم الخاصة فعلا.
الفطر المخاطي يبدء حياته من بوغ صغير ليبدء بالنمو والتحول الى بقعة اميوبيا قادرة على التحرك بنفسها. عند الالتقاء مع اميوبيا اخرى تجري عملية التلاقح ثم يحدث شئ غير عادي: نواة الخلية تبدأ بالانقسام في حين ان الخلية لاتنقسم والخلية تصبح اكبر فأكبر. هذه المرحلة تسمى plasmodium, وهي التي تجعل الفطر المخاطي مختلف عن بقية الكائنات. الكائن في مرحلة البلاسموديوم قادر على التحرك بسرعة سنتمتر واحد في الساعة وهي سرعة عظيمة لكائن ليس حيوان.
وظيفة هذا الكائن في هذه المرحلة ان يتنقل على الدوام بحثا عن الطعام ليأكل قدر الامكان ليتمكن من جمع طاقة كافية لانتاج الابواغ ثم البحث عن مكان مناسب للتكاثر.
عند جمع مايكفي من الطاقة والغذاء يبحث عن مكان جاف ومرتفع ليتجمع حول نفسه ويبدأ بالجفاف في ذات الوقت الذي تنمو فيه ثمرات على راس " اعواد" تبرز من جسده الضامر. عندما تصبح الثمرات ناضجة تنفجر وتنطلق منهم الابواغ الصغير للغاية.
ليس فقط دورة حياة الفطر المخاطي التي يشوبها الخصوصية، بل وطريقة تكاثرهم. لقد ظهر ان للفطر المخاطي ليس جنسين فقط وانما خمسين جنس، الامر الذي يضرب رقما قياسيا بين الاحياء. نوع الجنس لديهم يقرره ثلاثة جينات تسمى A, B, C.
الجينين الاول والثاني لهم 13 نسخة توائمية مختلفة في حين ان الثالث يملك ثلاثة نسخ فقط. كل خلية جنسية لدى الفطر المخاطي (تعادل البيضة والخلية المنوية) تحتوي على جين من كل نسخة من النسخ اعلاه (13*13*3). هذا يعني انه بالامكان الوصول الى 507 احتمال من احتمالات رصف الجينات وبالتالي لدينا 507 جنس ممكن. نوع من الانواع الخلايا الجنسية يمكنه الالتحام فقط مع نوع اخر من الخلايا الجنسية مما له نسخة توائمية مختلفة من الجينات الثلاثة. هذا يعني ان التلقيح ينجح في 288 حالة (12*12*2) من مجموع 5907، وبالتالي اكثر من كل ثاني مرة.
لايعرف البيلوجيين الاسباب التي تجعل الفطر المخاطي يملك هذه العدد من الاشكال الجنسية، غير انهم يتصورون ان ذلك من اجل تحسين فرص التنوع الجيني ولتحسين مقاومة التغيرات في البيئة.
قبل بضعة سنوات اكتشف العلماء اليابانيون امرا غريبا جديدا يخص قدرات الفطر المخاطي، لقد اكتشفوا ان لديه مقدرة على اكتشاف الطريق الى الطعام من خلال متاهة من الممرات. وضع الباحثون الطعام عند مخرج كل نفق من المتاهة ووضعوا الفطر في منتصف المتاهة وتركوه يبحث عن الطعام بنفسه. في البداية ارسل الفطر خيوط استشعارية دقيقة الى كل الاتجاهات حتى امتلئت جميع الممرات بخطيوط الاستشعار. اثنين من الخيوط تمكنوا من لمس الطعام وارسلوا على الفور موجات من التقلصات الى بقية جسم الفطر. هذه الاشارة جعلت بقية الاستشعارات تتقلص وتختفي، في حين ان الخيطين الاستشعاريين الذين وجدوا الطعام اصبحوا اكثر ثخنا. بعد ثمانية ساعات اصبح الفطر المخاطي شريطا واحدا يتصل طرفيه بالطعام.