مفاهيم مفتاحية طوال عقود استعمل العلماء نُظم الرنين المغنطيسي النووي NMR لاستقصاء التركيب الكيميائي للمواد دون تعريضها للتلف. واستعمل الأطباء التقنية نفسها من حيث المبدأ في آلات التصوير بالرنين المغنطيسي MRI لرؤية داخل جسم الإنسان. إلا أن آلات الرنين NMR وآلات التصوير MRI، كبيرة الحجم. لذا، طوَّر الباحثون نسخا محمولة منها. وخير مثال عليها هو فأرة الرنين(2) (NMR) التي وجدت تطبيقات لها في التحكُّم في عمليات التصنيع، وفي الاختبارات غير الإتلافية للمواد، وعلم الآثار والمحافظة على الفنون. ويمكن للأبحاث الجارية أن تؤدي إلى تطوير نسخ محسَّنة متخصِّصة، منها ماسح دماغ بحجم خوذة لاعب كرة القدم الأمريكية يمكن استخدامه في سيارة إسعاف مسرعة. محررو ساينتفيك أمريكان |
لعلك عانيت، أو تعرفت شخصا عانى، مرضا داخليا وخضع أحدكما أو كلاكما لفحص بجهاز التصوير بالرنين المغنطيسي
(3) (MRI). فالاستلقاء ضمن تجويف الحجرة المغنطيسية الكعكية الضيقة الرهيبة التي تجعل التصوير MRI
ممكنا، قد يكون مروِّعا، غير أن القيمة التشخيصية للصور الناتجة الشديدة
التباين لنُسُج الجسم الرخوة المختلفة يمكن أن تعوِّض عن أي ذعر. ويوفِّر
نوع آخر من هذه التقنية أكثر عمومية، وهو الرنين المغنطيسي النووي
(1) (NMR)،
منافع جمة بتمكينه العلماء من توصيف خصائص التركيب الكيميائي للمواد، فضلا
عن بنى الپروتينات والجزيئات الحيوية المهمة الأخرى، دون الحاجة إلى إدخال
أشياء مادية في الأجسام قيد الدراسة.
إلا أن الأطباء والعلماء انتظروا طويلا أجهزة رنين NMR محمولة يمكن استعمالها خارج المختبر. فقد سبق أن تخيَّلوا، على سبيل المثال، ممرِّضا يستعمل ماسح تصوير MRI
بحجم الخوذة لتحديد مواضع الخثرات الدموية في دماغ مصاب بجلطة دماغية وذلك
أثناء وجوده داخل سيارة إسعاف مسرعة. وتخيَّلوا أيضا مطياف رنين
(4) NMR
يُمسَكُ باليد ويستطيع تمييز بِنى الأصبغة الكيميائية ويمَكِّن خبراء
الفنون من تمييز اللوحات الأصلية المعلقة في المتاحف وصالات العرض من تلك
الحديثة المزيفة.
ليس الباحثون على وشك صنع المسجل العجيب tricorder المتعدِّد الأغراض الذي ظهر في المسلسل التلفزيوني الشهير Star Trek، إلا أنني قمت مع
[وهو طالب دكتوراه سابق لديّ] بالخطوات الصغيرة الأولى نحو صنع جهاز رنين NMR محمول في عام 1993،
عندما كنا معا في معهد ماكس پلانك لأبحاث الپولميرات في مينتز بألمانيا.
وأدت جهودنا في النهاية إلى أداة اختبار صغيرة للمواد توفر نتائج مفيدة
للباحثين في الحقل. ومنذئذ، يقوم عاملون آخرون في مجال «الرنين NMR النقال(5)» باتباع مقاربتنا ومقاربات آخرين لتطوير تقانات متصلة واسعة النطاق تنطوي على قدرات تصوير وتحليل متزايدة الإمكانات.
أبسط أنواع الرنين NMR(**)
قبل خمسة عشر عاما، عندما بدأت مع <بلومر> أول مرة شبه مازحَيْن، بالتفكير في أبسط تركيبة يمكن أن تُنتِج إشارة رنين NMR مفيدة، بدا توجُّهنا برمته سخيفا إلى حد ما. فمعظم الباحثين كان يتحرك بالاتجاه المعاكس، أي باتجاه تصميم بروتوكولات قياس رنين NMR
متزايدة التعقيد لتوفِّر مزيدا من التفاصيل الدقيقة عن بنى الأشياء
والمادة. إلا أن محاولاتنا السابقة لتطوير تقنيات تصوير بالرنين MRI
لمواد الپوليمرات علَّمتنا أن المغانط الضخمة والمكلفة، والحقول المنتظمة
المتجانسة التي تولِّدها، ليست ضرورية دائما للتصوير الناجح .
فقد أدركنا أن الحقول المغنطيسية الضعيفة (لكن الأقوى بـ 20 إلى 50
مرة من حقول المغانط التي تزيِّن الثلاجات) وغير المنتظمة أو المتجانسة
للمغانط الدائمة المغنطة الرخيصة يمكن أيضا أن تنُتج بيانات تميِّز بوضوح
المناطق المختلفة للمادة الرخوة. وبسرعة خرج <بلومر> بتصميم لجهاز
يمكن أن يعطي المعلومات الأساسية الموجودة في عنصورة(6) pixle
واحدة من صورة رنين مغنطيسي عادي. وقدَّرنا أننا نستطيع تحريك ذلك الجهاز
هنا وهناك كفأرة حاسوب لمسح الأشياء الكبيرة نسبيا، ولذا سمَّيناها فأرة
الرنين NMR، مع ملاحظة أن التسمية الإنكليزية المختصرة مكوَّنة من الأحرف الأولى للعبارة nuclear magnetic resonance mobile universal surface explorer، أي المستكشف السطحي المتنقل العام بالرنين NMR.
وكان
أكثر جوانب اختراعنا إثارة أنه ينطوي على إمكان أن يكون بحجم فنجان
القهوة، وهذا ما يجعله سهل التحريك هنا وهناك. وخلافا لنُظُم NMR
النووي المألوفة، التي تتطلَّب أن يكون المَقَاس الأقصى للعينات المختبرة
أصغر من القطر الكبير لتجويف المغانط الحلقية المستعملة، يمكن توضيع
نظامنا على سطح أي جسم مهما كان مقاسه لفحص ما بداخله.
ولكن اللاتجانس الشديد للحقل المغنطيسي في فأرة الرنين NMR
مَثَّل مشكلة. فوفقا لمعلومات الكتب الجامعية حينذاك، سيؤدي ذلك إلى
القضاء على إمكان أن يكون الجهاز قادرا على توفير تحاليل المواد
الكيميائية.
الرنين NMR الشائع(***)
لقد تغلَّبنا على تلك العقبة بالاستفادة من خاصية معينة مستعملة في إجراءات الرنين NMR الشائع تُعرف بالثابت الزمني T2. إن التحليل الطيفي بالرنين NMR
العادي العالي الدقة يُجرى اليوم بوضع عيِّنة داخل مغنطيس ثابت ضخم يولِّد
حقلا مغنطيسيا متجانسا قويا. وهذه التقنية تستغل حقيقة أن نواة الذرة
(مجموعات من الپروتونات الموجبة الشحنة والنيوترونات المحايدة) في ذرات
معينة تُدوِّم spin حول محاورها كما تدور الدوَّامة(7)
الصغيرة حول نفسها، وهذا ما يجعلها تتصرف كمغانط قضبانية صغيرة ذات قطبين:
شمالي وجنوبي [انظر المؤطَّر في الأسفل]. وتلك المغانط القضبانية تحاول
الاصطفاف في الحقل المغنطيسي القوي مسايرة خطوط الحقل المغنطيسي. ولكن
الاصطفاف لا يكون تاما، ولذا تبادِر(8) النوى المتدوِّمة spinning nuclei، أو التدويمات spins، حول خطوط قوة الحقل بطريقة تشبه الحركة الراقصة للدوَّامة عندما تطبَّق عليها قوة جانبية.
|
فحص اللوحات بفأرة الرنين NMR، محلِّلُ موادّ محمول (داخل إطار توضيع)، يُمكِّن <D.E.فدريكو> [من معهد پرات Pratt] من تمييز طبقات التلميع والدهانات والجبس واللوحة القماشية لتحديد حالة اللوحة المحفوظة.. |
وإذا قُذِفت تلك النوى بعدئذ بنبضة ترددات راديوية(9) (RF)،
فإنها سوف تمتص طاقة النبضة وتعيد إصدارها فيما بعد بترددات معينة وفقا
لمعدلات دوران كل منها. وتؤدي هذه الترددات إلى نشوء طيف الرنين NMR
على شكل قمم متميزة متفاوتة الارتفاع يمكن استعمالها، على غرار مجموعة من
بصمات الأصابع، لتحديد المجموعات الكيميائية المكوِّنة للعينة. ويمكن أيضا
معالجة البيانات لتكوين صور تميِّز المواد المختلفة.
[أساسيات] كيفية عمل الرنين NMR(****) تُعرِّض تقانة الرنين NMR الأشياء لحقل مغنطيسي ونبضات ترددات راديوية. ويمكن لتحليل استجابة المواد لتلك المؤثِّرات أن يكشف عن الجزيئات المكونة للمادة وعن خصائص من قبيل قوتها أو قساوتها. تُعتبر أجهزة التصوير بالرنين MRI الضخمة الموجودة في المستشفيات (في الأسفل) شكلا من جهاز الرنين NMR. تكوين المغنطة النووية | | | پروتونات منفصلة (نوى هدروجين) تدوِّم حول محاورها باتجاهات عشوائية. إن حركة الپروتونات الموجبة الشحنة (المعروفة بالتدويمات) تجعلها تتصرف وكأنها مغانط قضبانية صغيرة. | عندما يطبِّق جهاز الرنين NMR حقلا مغنطيسيا قويا على العينة، ينـزع التدويم (وسطيا) إلى محاذاة محاورها مع خطوط الحقل. | إلا أن المحاذاة لا تكون دقيقة، وهذا ما يؤدي إلى المبادَرة، أي إلى دوران المحاور حول خطوط الحقل بتردد فريد لكل نوع من النوى ومجموعة كيميائية في جزيء. | امتصاص وتحرير طاقة الترددات الراديوية | | | | تبادِر التدويمات الممغنطة في اتجاهات عشوائية في الحقل المغنطيسي. وعندما تُرسِل وشيعة في الجهاز NMR نبضة ترددات راديوية إلى المجموعة، لا يستطيع امتصاصَ طاقة النبضة إلا تدويمٌ يبادِر بمعدل وطور يطابقان تردد النبضة. | يؤدي الامتصاص إلى انقلاب التدويم بـ 180 درجة. وجميع النوى التي تتأثَّر بنبضة الترددات الراديوية بالطريقة نفسها تمتص جزءا من طاقة النبضة وتنقلب بـ 180 درجة. وتلتقط وشيعة الجهاز الإشارة المحرَّضة بالمغنطة الناجمة عن تلك التغيُّرات في مبادَرة تدويم وتُرسِلها إلى حاسوب. | تُحرٍّر التدويمات المنقلبة، بفواصل زمنية عشوائية، طاقة الترددات الراديوية (RF) الممتصة وتعود إلى اتجاهاتها الأصلية. | نتائج يسجِّل الحاسوب المدة التي يستغرقها كل نوع من التدويم لتحرير الطاقة الراديوية الممتصة (منحني T1). ويستطيع الجهاز أيضا مراقبة التدويمات المبادِرة حينما تفقد تزامنها عشوائيا (منحني T2). وفي الوقت نفسه، تسجِّل تردد مبادَرة تدويمات المجموعات الكيميائية المختلفة الذي تعبِّر عنه قيمة تسمى الانزياح الكيميائي. يمثِّل الانزياح أساس مخططات أطياف الرنين المغنطيسي النووي التي تحدِّد المجموعات الكيميائية المكوِّنة للعينة، من قبيل تلك الموجودة في جزيء الهيدروكربون توليوين(10) toluene (مخطط التحليل الكيميائي). وتجمع أجهزة التصوير بالرنين NMR جميع تلك البيانات معا لتُنتِج صورا لنُسُج الجسم الداخلية، ومنها صور دماغ الإنسان (أعلى اليمين) . |
وأكثر تحديدا، يعتمد التحليل الطيفي بالرنين(11) NMR
على قياس ترددات مبادَرة النوى المتدوِّمة عندما تستجيب للحقل المغنطيسي
المطبَّق عليها ولنبضات الترددات الراديوية. وحينما تتعرض عينة غير ممغنطة
لحقل مغنطيسي أولا، تصطف التدويمات مسايرة لخطوط الحقل تقريبا. وبعد
تعرُّض العينة لنبضة ترددات راديوية (من وشيعة الترددات الراديوية)،
تبادِر التدويمات متزامنة معا، ثم تفقد التزامن وتعود إلى حالاتها
الأصلية. وتستغرق هذه العودة إلى حالة التوازن الأصلية مدة مميزة T1
تحرِّر التدويمات خلالها الطاقة التي امتصتها من النبضة الراديوية (المدة
المميزة، أو الثابت الزمني، هي مدة تشبه عمر النصف في النظائر المشعة، وهو
المدة التي يستغرقها مستوى إشعاع التخامد النووي من عينة لينخفض إلى
النصف).
رواد جهاز الرنين NMR المحمول(*****) حقَّق حقل تقنية «الرنين NMR المحمول» الناشئ تقدُّمه على أيدي كثير من الباحثين المتميزين في جميع أنحاء العالم، منهم: پول كالاهان PAUL CALLAGHAN جامعة ڤكتوريا، ولينگتون، نيوزيلندا حقَّق ابتكارات في حقل ميكروسكوپية (مجهرية) microscopy الرنين NMR، وطوَّر طرائق رنين NMR لدراسة جزيئات المواد اللينة والمسامية، واخترع أجهزة محمولة جديدة للمطياف (مقياس الطيف) spectrometry بالرنين NMR . (انظر الصورة في الأسفل). آيشى فوكوشيما EIICHI FUKUSHIMA مركز رنين نيومكسيكو New Mexico Resonance ألبوكيرك، نيومكسيكو ابتكر طرائق رنين NMR لتحليل السيرورات التقنية، وطوَّر تقانات رنين NMR متنقل جديدة. ألكساندر پاينـز ALEXANDER PINES جامعة كاليفورنيا، بيركلي أنجز ابتكارات عديدة في منهجيات الرنين NMR، منها: الرنين NMR باستعمال أنصاف النواقل، وتقنيات الرنين NMR التي تقوِّي الإشارات باستعمال مفاعيل الاستقطاب الفائق.
| مجسُّ رنين مغنطيسي نووي(12) متنقل (في اليمين) طوَّره <كالاهان> (الذي يُمسك بالمثقب في اليسار) و وباحثون آخرون. وقد وُضِع المجس في ثقب لتقييم الخصائص الفيزيائية للجليد البحري في القطب الجنوبي. | |
وتُحرِّض المبادَرة المتزامنة للتدويمات المغنطيسية جهدا كهربائيا متناوبا في الوشيعة the coil يتخامد وفقا لثابت زمني T2 مميِّزٍ لكل نوع من التدويم أثناء فقدان التدويمات تزامنها. ولتكوين أطياف الرنين NMR تبيِّن كيمياء المادة وتُنتج صورا، يُحدَّد الثابتان الزمنيان T1 و T2
مع نتائج بيانات المبادرة بواسطة صيغ رياضياتية معقدة مختلفة تَستخلص، على
سبيل المثال، كثافة التدويمات في مقدار من العينة، ومن تلك الكثافة
يُستخلص تباين صورة الجسم.
[مجس المواد النقال] أول جهاز رنين NMR مصغر(******) يتكوَّن محلِّل المواد المحمول الذي طوَّره المؤلف، أي فأرة الرنين NMR (مبينة في صورة مجتزأة) من مغنطيس على شكل حرف U يحتوي على وشيعة ترددات راديوية في فجوته. يتحسَّس الجهاز تركيب المادة في منطقة تقاطع خطوط الحقل المغنطيسي ووشيعة الترددات الراديوية. ويضع المشغلون الجهاز على مسافات مختلفة من السطح لتحليل شرائح على أعماق مختلفة. الفوارق بين جهازي الرنين NMR: العادي والنقال يولِّد جهاز الرنين NMR العادي حقلا مغنطيسيا متجانسا، ولذا يمكن أن تُنتِج إشارة ثابت زمني T2 بواسطة نبضة ترددات راديوية واحدة. أما فأرة الرنين NMR فلا تستطيع فعل الشيء نفسه، لأنها تستعمل حقلا مغنطيسيا غير متجانس. إلا أنها تستطيع توليد إشارة T2 بتحريض العينات بواسطة نبضات ترددات راديوية متعاقبة تُعطي إشارات تسمَّى الأصداء. ويمكن بعدئذ تجميع مطالات الأصداء لتكوين إشارة T2 مفيدة. |
ركوب قطار الأصداء(*******)
كان المفتاح لتحقيق أجهزتنا هو إدراكنا أن قياس الثابت الزمني T2 في الحقول المغنطيسية غير المنتظمة ممكن. ففي عام 1949، كان [الفيزيائي الشهير لدى جامعة إلِّينوي] قد بيَّن أنه يمكن كشف الاستجابة للتحريض بالرنين NMR حتى حين استعمال حقول مغنطيسية غير متجانسة، وذلك بسبب ظهور إشارات معينة تسمى الأصداء echoes.
وفي الحقول غير المتجانسة، يتخامد جهد الوشيعة الناجم عن التحريض بالنبضة
الراديوية بسرعة حتى يصبح صفرا، إلا أنه يمكن تكراره بعدئذ بتطبيق نبضات
أخرى. ويولِّد المزيد من النبضات سلسلة من الأصداء التي تكوِّن ما يسميه
العلماء قطار الأصداء [انظر المؤطَّر السابق]. وتتخامد مطالات الأصداء
التي في القطار وفقا للثابت الزمني T2 الذي يختلف من مادة إلى أخرى مميِّزا إياها.
وتُعبِّر قيم الثابت الزمني T2 عن قابلية حركة الجزيئات التي في قيد الاستقصاء. فالمادة اللينة (التي تستطيع جزيئاتها التحرك بسهولة) تتصف بثابت زمني T2 طويل، في حين أن المادة الصلبة (التي تكون فيها حركية الجزيئات أضعف) تتصف بثابت زمني T2 قصير. وكلما حدث تفاعل كيميائي أو تغيُّر في طور المادة، تغيَّرت أيضا الحركية الجزيئية للمكونات. لذا، توفِّر قيم الثابت الزمني T2
المختلفة معلومات عن فيزياء وكيمياء المواد، إضافة إلى بيانات التباين
التي يمكن استعمالها للمساعدة على تمييز مناطق النُّسُج غير المتماثلة في
الصور الطبية.
عندما انتقلتُ مع <بلومر> إلى المجموعة RWTH في جامعة آخن بألمانيا عام 1994، بدأنا ببناء أول نموذج من فأرة الرنين NMR.
وبعد ذلك بعامين لاحظنا أول إشارة من الجهاز، وذُهلنا عندما وجدنا أن
اختراعنا قادر على إنتاج استجابات من جميع المواد التي تحتوي على پروتونات
تقريبا، ومنها الخشب والمطاط والشوكولاته. لقد كان قطار أصداء بعض المواد
طويلا، وكان قصيرا في مواد أخرى. وبدأنا بعدئذ باستقصاء منهجي لكيفية
ترابط قيم الثابت الزمني T2 بخصائص المواد التي سبرناها.
وبعد سنوات عدة من التنقيح، وبالاستفادة من النتائج المفتاحية للباحثَيْن و ، اللذين انضما إلى المجموعة RWTH، انتهى بنا المطاف إلى نموذج بحجم محفظة النقود من فأرة الرنين NMR
التي نستعملها حاليا. يتضمن تصميم النموذج فتحة يخرج منها الحقل المغنطيسي
إلى الخارج، وهو يستهلك طاقة قليلة تقارب ما يستهلكه مصباح كهربائي متوهج.
وثمة الآن نحو 40 إلى 50 وحدة من هذا الجهاز تعمل في جميع أنحاء العالم.
استعمال فأرة الرنين NMR(********)
كانت
مادة المطاط واحدة من أولى المواد التي درسناها، لأنها ذات أهمية تجارية
لمنتجات مثل إطارات السيارات. وهي لينة مثل نُسُج الجسم التي يعمل معها
التصوير بالرنين MRI بنجاح.
يتكوَّن المطاط من جزيئات پوليمر طويلة شبيهة بالمعكرونة (سپاغتي)، ترتبط
معا في شبكة ثلاثية الأبعاد من الوصلات العشوائية التي تُعدُّ كثافتها في
كثير من التطبيقات أهم الخصائص التي تحدِّد المتانة العامة للمادة. ويعتمد
أداء الإطار، الذي يتكوَّن من طبقات متعددة من مركَّبات المطاط ذات
الكيمياء وكثافات الوصلات المتشابكة المختلفة، على المفاعيل المتبادلة
فيما بين هذه المكونات جميعا. ومن ناحية أخرى، ثمة حاجة، عادة، إلى اختبار
الإطارات على الطرق لتحديد مستوى أداء التصاميم الجديدة. ولكن فأرة الرنين
NMR تستطيع تحليل كثافة الوصلات
المتشابكة في كل طبقة من طبقات المنتَج النهائي إفراديا، ومن دون الحاجة
إلى إتلاف الإطارات على الطرق. لذا، ألغت هذه الإمكانية الحاجة إلى بعض
الاختبارات في حلبة السباق.
[تطبيقات الرنين NMR النقال] استخدامات أخرى لفأرة الرنين NMR(*********) إضافة إلى تحليل اللوحات، ثمة تطبيقات علمية وصناعية أخرى لفأرة الرنين NMR. فمصنِّعو إطارات السيارات، على سبيل المثال، يستعملون هذا الجهاز لتصوير وتحديد التراكيب الكيميائية للطبقات الإفرادية العديدة الموجودة في مركبات المطاط المختلفة التي تُصنع منها الإطارات (وفي بعض الحالات، لمنتَج منافِس). لا يصلُح جهاز التصوير المقطعي بالرنين NMR العادي لتصوير الإطار المقوَّى بحزمة من أسلاك الفولاذ، لأن الحقل المغنطيسي القوي الذي تولِّده يجذب الأسلاك الفولاذية التي تشوِّه طبيعتُها الحديدية نتائج التصوير. ويوظِّف آخرون الفأرة في تقييم الضرر البيئي الذي يلحق بمواد پولميرية، من قبيل الپولي إثيلين، مع مرور الوقت. واستعمل العلماء أيضا فأرة الرنين NMR في دراسة الرجل الجليدي أوتزي Ötzi، أي مومياء العصور القديمة الذائبة جزئيا التي اكتشفها متسلقو جبال الألب في عام 1991. وفي عام 2006، رسم الجهاز بنجاح مقطعا عرضانيا لجلد الرجل الجليدي المحفوظ جيدا، ولنسيج عظم ما تحت الجلد والجمجمة، وذلك في متحف الآثار في بولزانو بإيطاليا.
| ليس رجل الجليد وإطار السيارة (في الأعلى) سوى اثنين من المواضيع الكثيرة التي تُدرَس بفأرة الرنين NMR. | |
يمكن لفأرة الرنين NMR النفاذ إلى طبقات في المادة لأعماق مختلفة تصل إلى بضعة سنتيمترات. ويولِّد حقل هذا الجهاز المغنطيسي إشارة الرنين NMR
في منطقة تقع على مسافة معينة من الجهاز فقط، ولذا، إذا أزاح الباحثون
المادة بحيث تنتقل تلك المنطقة الحساسة عبر طبقات الإطار المختلفة، حصلوا
على قيم للثابت الزمني T2 (ومن ثَمَّ على كثافة الوصلات المتشابكة) في كل طبقة. ومن الاستعمالات المشابهة الأخرى لفأرة الرنين NMR:
تحليل درجة التأكُّل البيئي الذي يلحق بالپوليمرات (ومنها المطاط والپولي
إثيلين) والتركيب الكيميائي للواصق طلاءات الرسم في لوحات مشاهير الرسامين
القدماء.
وأحد التطبيقات
المفتاحية الأخرى يهتم بإنتاج أنماط داخلية للمواد تحت سطح جلد الإنسان
مثلا أو تحت طبقات التربة، وبتلميع وتنظيف دهانات اللوحات القديمة. قبل
بضع سنوات، على سبيل المثال، طبقنا تقانتنا السابرة على الرجل الجليدي
أوتزي Ötzi، أي مومياء العصر الحجري الحديث المحفوظة جيدا التي وجدها متسلِّقو الجبال في عام 1991
عندما ذاب الجليد على الحدود بين النمسا وإيطاليا بقدر كان كافيا للكشف عن
الجثة. وأنتج هذا الجهاز بنجاح مقطعا جانبيا للعمق تام الوضوح يُري طبقة
من الجليد، وطبقة تخص جلد أوتزي المتجمد والنسيج الذي تحته، وطبقة تخص
البنية العظمية ذات المادة الإسفنجية الكثيفة. وقد بيَّن هذا التصوير غير
الإتلافي للعظام أنه ذو قيمة عظيمة لعلماء الآثار الذين يبحثون عن جزيئات
دنا DNA سليمة مدفونة منذ حقبة ما قبل التاريخ.
إن استعمالات أجهزة الرنين NMR
المحمولة بدأت بالانتشار في كل مكان بعد أن أصبحت مبادئ هذه التقنية
معروفة على نطاق أوسع. وأحد الأمثلة البارزة على استعمالها هو عمل الشركة Magritek في ولينگتون بنيوزيلندا التي شارك في تأسيسها [الباحث الرائد في الرنين NMR].
وإلى جانب أعمال أخرى، تستعمل الشركة ماگريتك تقانة ذات صلة بتقانتنا
لتحليل كيفية تغيُّر الخواص الميكانيكية لنوى جليد القطب الجنوبي أثناء
تعرُّض الجليد هناك للاحترار العالمي global warming.
التطورات في الرنين NMR النقال(**********)
في
الآونة الأخيرة حسَّن <كازانوڤا> و<پرلو> تجانس الحقل
المغنطيسي الذي يولده مغنطيس الجهاز الدائم بغية تحسين دقته. ونتيجة لذلك
، تستطيع فأرة NMR النووي الآن أن تكشف عن كيمياء محلول في كوب يوضع فوقها. وهذه المقدرة المدهشة فتحت الباب أمام الكيميائيين لاستعمال فأرة الرنين NMR في التحليل الجزيئي. واليوم يدرس الباحثون تشكيلات مختلفة من المغانط لصنع نظم رنين NMR بحجم فنجان القهوة لإجراء الاختبارات الكيميائية .
ونظرا
لأن عتاد الجهاز الحالي هو من حيث المبدأ عتاد هاتف خلوي مع مغنطيس صغير،
فإن تكلفته سوف تنخفض مع ازدياد طلبه. وفي وقت ما من المستقبل، قد تُباع
أجهزة الرنين NMR المحمولة في المتاجر للاستعمال الشخصي. فعلى سبيل المثال، يمكن لشخص يعاني مشكلة جلدية أن يراقب تلك المشكلة بجهاز رنين NMR منزلي، ثم يضع برنامجا للعناية بالبشرة وفقا لنتائج المراقبة. وربّما لا يكون مسجِّل مسلسل Star Trek بالبعيد جدا.
المؤلف
| Bernhard Blümich |
أستاذ الكيمياء الجزيئية في جامعة آخن RWTH بألمانيا، وهو يدْرس منهجية واستعمال التحليل الطيفي NMR والتصوير في علم المواد والهندسة الكيميائية. وفي عام 1981 حصل على الدكتوراه من جامعة برلين التقنية. ولمزيد من المعلومات عن إنجازات <بلوميش> الرئيسية وعن مجسِّ المواد القائم على فأرة NMR النووي النقالة يمكن الحصول عليها في موقع الوِب www.nmr-mouse.de.
| |
مراجع للاستزادة