** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 بنية الوعي الحديث في فكر ألكسندر كوجيف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ربيعة
" ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
بنية الوعي الحديث  في فكر ألكسندر كوجيف Biere2
ربيعة


عدد الرسائل : 204

تاريخ التسجيل : 26/10/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

بنية الوعي الحديث  في فكر ألكسندر كوجيف Empty
23102011
مُساهمةبنية الوعي الحديث في فكر ألكسندر كوجيف

تعد نظرية كوجيف (1902-1968)
في الحداثة تحشية على نظرية هيجل (
1770-1831).
فنسبة النظريتين إلى بعضهما البعض، من هذه الجهة، نسبة الحاشية إلى المتن.
ولما كان المطلوب من الحاشية أن توافق المتن من حيث الروح العامة وأن
تفارقه في التفاصيل الحيثية، فإن نظرية كوجيف شابهت أصلها الهيجلي من حيث
جاءت، مثله ثلاثية القوام؛ إذ قامت على ثلاثة أركان -الفردية والحرية
والدنيوية- بينما قامت النظرية الهيجلية على مفاهيم "الذاتية" و"الحرية"
و"العقلانية"؛ لكنها خالفت المتن من حيث أنها صيرت المواضع المشكلة في
نظرية هيجل الحداثية -نعني القول بـ"اكتمال الحداثة" وما يلزم عنه من قول
بـ"نهاية التاريخ" و"نهاية الفلسفة"- مواضع بينة مثبتة.



والمتأمل في حاشية كوجيف الموسومة بـ"المدخل إلى قراءة هيجل"(1).
ليتأدى به النظر إلى أن نظرية الرجل في الحداثة إنما استندت إلى فلسفة هيجل
في تطور الوعي؛ نعني كتاب الفينومينولوجيا. ولذلك انبنت بأكملها على مفهوم
"الوعي"؛ إذ الحداثة عنده وعي متقدم؛ وهي وعي مخالف لوعي القدامة. والحال
أننا لو فتشنا في أنحاء هذا الوعي لوجدناه وعيا بأمور ثلاثة: وعي بفردية
الإنسان وحريته ودنيوية فعبه. إنه وعي عبد أفلح في تحرير نفسه من رهاب
الموت الذي استبد به أول النشء وقهره أوسطه؛ وذلك بعد أن اهتدى العبد إلى
أليتي قهر القهر؛ نعني الشغل بما هو تحرر من الطبيعة وتحرير للذات
والمخاطرة بالحياة بما هي تحرر من الخوف وتحرير لطاقة الإنسان. وإن تحقيق
الوعي لحداثته معناه تحقيقه لفرديته وحريته ودنيويته.




والمتحصل من هذا أن الوعي الحديث إنما قام على ثلاثة أركان
بتوابعها ونوافيها؛ وهي على الترتيب:




أولا: مفهوم "الفردية" بتابعيه "الخصوصية" و"الذاتية"
ونافييه "الكونية المجردة" و"العضوية المتوحدة".




ثانيا: مفهوم "الحرية" وعوالقه من "نفي" و"لسلب" و"فعل"
ونوافيه من "قسر" و"استبعاد" و"خمول".




ثالثا: مفهوم "الدنيوية"(2). وما علق به من "محايثة"
و"إلحاد" و"ناسوت" وما فارقه من "تعالي" و"دينونة" و"لاهوت".




والحق أن هذه المفاهيم لو نظرت لظهر أنها أواسط بينية تقع بين ما
تطرف من المفاهيم؛ فمفهوم "الفردية" يقف وسطا بين "الخصوصية المتطرفة"
و"الكونية المجردة"، ومفهوم "الحرية" ينتصب حكما بين "الحرية المطلقة"
و"الضرورة العمياء"، ومفهوم "الدنيوية" يقوم فيصلا بين "المحايثة الضيقة"
و"التعالي المطلق". مما ينم عن أن الوعي الحديث وعي بيني متعقل كما يشي
بكونه أعلى درجات الوعي التي بلغتها البشرية.




الفردية




من معلوم الأمور عند كوجيف أن الكائن الإنسي يباين الموجود
الحيواني من وجوه عدة. ولعل أحد أبرز وجوه هذه المباينة المتعددة صلة الفرد
بالنوع. ذاك أن نسبة "الفرد" الواحد من الحيوان إلى نوعه نسبة "النسخة
الشبيهة" أو "الصورة المثيلة" إلى النوع الطبيعي المعلوم. فليس بين
"الدجاجات" فوارق تذكر؛ إذ كل "فردياتها" متماثلة الواحدة منها تنوب مناب
الأخرى وتغني عنها. أما الفرد البشري -الذي هو "الفرد" على وجه التحقيق-
فيفترض فيه أن يكون "وحيد نوعه" مخالفا لأفراد بني ذريته. وهو أبدا يسعى
إلى التخالف والتمايز عن أغياره ولا يرضى أن يكون لهم بدلا أو عوضا أو
مثيلا. أكثر من هذا لا أحد من بني البشر يريد أن يكون ذاك "الإنسان العادي"
امرءا غفلا مأخوذا على جملة "أيهذا الإنسان". أو لم يتضايق نابليون أشد
التضايق لما اشتبه حاله على بستانيه فعده أحد غزاة الشرق الأقصى الكثر؟
أولا تحنق المرأة حين ترى صديقتها وقد ارتدت لباسا كان قد بيع لها على أنه
فرد عزيز الاستنساخ؟ الظاهر إذن أن الإنسان إنما يريد، أولا، أن يكون
مخالفا لبقية أغياره. ويحبذ، ثانيا، أن ينظر له بما هو "وحيد نوعه" و"فريد
عالمه". ويطلب، ثالثا، أن يعترف به في خصوصيته وواحديته وفرادته تلك.




والإنسان في مراميه هذه بالاختلاف والتفرد والخصوصية والتميز يفترض
أن تكون له قيمة إيجابية. وهو يريدها قيمة كونية لا بالنظر إلى النوع الذي
ينتمي إليه أو العائلة التي ينحدر منها أو الطبقة التي يشاركها الانتساب أو
الأمة التي يقاسمها بالارتباط وإنما بالنظر له في ذاته بما لا ينتج عنه
إمكان استبداله بغيره أو تعويضه بسواه. فإن تبينا الرغبة في التفرد والطموح
إلى الاعتراف الكوني وطلب تحقيق القيمة المطلقة بما هي ما يميز الإنسان عن
الحيوان تبينا معه مفهوم "الفردية" عند كوجيف بما هو أحد سمات الحداثة.




غير أن هاهنا لبسا لزم رفعه؛ وهو أن "الفردية" هاهنا لا تعني، عند
كوجيف كما عند سلفه هيجل أيضا، الخصوصية المغالية أو الذاتية المتطرفة التي
تؤدي بصاحبها إلى رفض المجال المشترك؛ فهذه إن هي إلا "مرض الفردية
وتعفنها". إنما الفردية الحقة تعني التوليف بين الخصوصي، بما هو رغبة
الفرد، والكوني، بما هو رغبة الجماعة. فالفرد لا يحقق فرديته المثلى على
وجهها الأكمل إلا إن هو رغب في فعل بما بمكنة أي فرد فعله؛ مثل أن يختار
الشغل بما الشغل ما يحقق به إنسيته وينفي به بهيميته؛ أما أن يشاكس فيخالف
فيجنح إلى الخمول؛ فتلك فردية مزاجية منبوذة. والفرد لا يحقق تفرده إلا إن
اعترف بأغياره واعترفوا به؛ فإن عن له أن يتجاهل السوى -بأثر من غضب- فإن
معنى ذلك أنه يتشبث بذاتيته المتطرفة القصية التي سرعان ما تنتقل إلى
الآخرين انتقال العدوى فلا يعترفوا به. وبالجملة، الفردية لا تكون فردية
حقة؛ أي إنسانية وحرة وتاريخية، إلا إذا اعترف بها الأغيار واعترفت بهم؛
ذلك هو "الاعتراف المتبادل".




ولئن كان فيما تقدم من شيء مضمر فهو أن الفرد الإنسي، بما هو يروم
كسب اعتراف الأغيار به من حيث تفرده واختلافه وتميزه، لا يمكنه أن يحيا سوى
ضمن جماعة بشرية معنية؛ أي ضمن مجتمع. لكن الجماعة لا تكون مجتمعا حقا إلا
إذا تفاعل أعضاؤها فأنشأوا دولة. فإذن لا يكون الإنسي "فردا"، على وجه
الحق، ما لم يكن له إمكان التصرف بما هو مواطن معترف به داخل دولة قائمة.
والحال أن هذه الفردية المواطنة الكونية لم تتحقق في تاريخ الإنسان هكذا
فجاءة عن غدارة؛ فبين الفرد وما رامه قرون من التاريخ طوال يتبين فيها
كوجيف، على جهة المبدأ، عهدين: ذاك أن الدولة، في بادئة عهدها، لا ترضي
الفرد ولا تستجيب إلى مطلبه؛ فهي، بدءا، لا تنظر إليه بما هو "هذا" الفرد
أو "ذاك" المواطن المتفرد المخالف المتوحد غير القابل لعوض أو بدل وإنما هي
ترى فيه "نسخة" من نوع إنساني محارب قابل للاستبدال والعوض منتم لأسرة أو
طبقة أو أمة أو عرق. وكأن لسان حالها يقول: "المحارب بالمحارب والأنفع هو
الأفيد لوطنه في ساحة المعركة، ولا فرق بين هذا وذاك". ولئن رام الفرد أن
يحقق تميزه بما هو فرد معترف به كونيا، أي بما هو مواطن كامل الحقوق
السياسية، فإن عليه أن يغير -بفعله وتحرره- الواقع الاجتماعي والسياسي
المعطى وينشئ بدله واقعا آخرا. وإنه لمطلب عزيز إنما تطلب نقل المجتمع من
"مجتمع قدامة" إلى "مجتمع حداثة"؛ وذاك هو عهد تحقق الفردية على وجه
التدقيق.




هذا على جهة النظر والمبدأ أما على جهة التطبيق والتحقيق فنقول:




أول عهود التاريخ كان عهد سيادة الدولة وانتفاء الفردية؛ وبالتعيين
كان عهد الدولة اليونانية. ذاك أن هذه الدولة لم تقم على أساس "إنسي" حتى
تحقق الفردية وإنما قامت على أساس "طبيعي"؛ فلم يكن الشعب عندها وفيها
"مجموعة أفراد" وإنما كان "وحدة عضوية" على شاكلة "وحدة مرجانية" أو "قطعة
ماشية"
!
ولذلك ما كان الفرد اليوناني -بما هو "السيد"- فردا على
التحقيق؛ إذ لم تكن له قيمة في ذاته -بما هو فرد- وإنما كانت قيمته في
سلاحه وعضده. كان مواطنا غفلا نكرة ومحاربا ب اسم يشبه بقية المحاربين ليس
من حقه أن يرغب في التفرد ولا حتى أن يعلن "أناه"؛ إذ كانت الدولة الوثنية
-تنبذ السادة- "تنبذ الأنا الشخصية؛ ومن ثمة تنبذ فكرة "الفردية" بما هذه
تقوم على مبدأ "الأنا" وتعتد به". فإذن كانت الدولة تحتل "المجال العمومي"،
فلا إرادة تتعين إلا إرادة الدولة بما هي الإرادة الكونية المشتركة، ولا
إمكان لبروز الفرد وظهوره وإنما كل الأفراد متساوون أمام الوطن وأمام
الدفاع عنه؛ أي أمام الموت. فلكل مواطن جرعة من الموت يسقاها والكل متساو
أمام كأس المنون.




لم يكن للفرد إذن حتى يحقق ذاتيته سوى الانطواء إلى داخل "المجال
الخصوصي"؛ أي الأسرة. كيف لا ووجوده داخل الأسرة غير وجوده داخل الدولة؛ في
هذه محارب غفل نكرة وفي تلك أب أو زوج أو ابن؟ أكثر من هذا إن وجوده وجود
تعين لا وجود تنكر؛ فهو "هذا" الأب أو الزوج "الفلاني" أو الابن "المعلوم"
"المعروف"... عير أن هاهنا وجها آخر للاختلاف أهم وأحسم؛ نعني أنه داخل
الأسرة، عكس الدولة، "لا يفعل"؛ أي لا يشتغل -بما هو رب البيت أو سيده- ولا
يحارب - وكيف له أن يحارب أهله؟ فوجوده إذن وجود "طبيعي" محض بلا فعل ولا
حراك؛ وتلك مأساته. إنه أشبه بالظل والعدم والموت منه بالوجود الاجتماعي
الفاعل الحق؛ فهو شبح خاو لا روح ممتلئة، وجوده "حضور طبيعي" خمول وخصوصيته
خصوصية حيوانية بهيمية سلبية. ولها كانت الحرب، في هذا المجتمع، أساس تحقيق
الفرد لقيمته؛ أي للاعتراف به، وكان لا حرب داخل الأسرة، تبين أن ما تعترف
به الأسرة للفرد ليس فعله الإنسي ووجوده الفاعل وإنما حضوره البهيمي ووجوده
البيولوجي... والحال أن إعطاء قيمة ما للفرد بما هو "يوجد" و"يحيا" لا بما
هو "يفعل" و"يشتغل" و"يحارب" -وهو المسمى ب"الحب"- أمر لا يقوى إلا
بالغياب، والغياب هنا كناية عن الموت. وبه يتضح أن لا قيمة للفرد عند
اليونان إلا بما هو ميت، أي بما هو سلف
!


وتلك مفارقتهم
!
وبالجملة، لا مجال للحديث عن "الفردية" في الدولة
الوثنية سواء اعتبرنا المواطن في صلته بالدولة -إذ هو مجرد محارب غفل- أو
اعتبرناه في صلته بالأسرة - إذ لا يكرم إلا بعد موته. والواقع أن أمر
المواطن متأرجح بين حالين مأساويين: إن هو رام درك فرديته امتنعت عليه
المشاركة في شأن الدولة، ومن ثمة صار منبوذا من طرف الكوني وافتقد سيادته
وحياته؛ وإن هو أراد الحفاظ على كونيته اضطر إلى التضحية بخصوصيته وفرديته.
وليس وجود المواطن الوثني هنا وجود حيرة وتأرجح فحسب وإنما هو "وجود
تراجيدي"؛ أي وجود في إطار صراع قدري بلا مخرج ولا منفذ. وسواء أقدم الفرد
على الخيار الأول بما هو خيار المحافظة على الفردية أم أتى الفعل الثاني
بما هو خيار مرام الكونية فإنه يجد نفسه خارج القانون. نعني، في حال تحقق
المرام الأول، الخروج عن "قانون الدولة" أو قل "قانون البشر"، كما نعني، في
حال تحقق المرام الثاني، الخروج عن "قانون الأسرة" الفطري أو قل "القانون
الإلهي". وأمر المواطن أمر محير؛ فهو لا يقدر على فعل هذا ولا على فعل ذاك
فأنى ولى وجهه فالتأثيم له بالمرصاد. ولقد شخصت مسرحية أنتيجونا لسوفوكليس
هذه الحياة اليونانية المأساوية التي آلت إلى الدمار لأنها لم تستطع أن تحل
لغز التوفيق بين مطلب الكونية (الدولة) ومطلب الخصوصية (الأسرة) ولأن
الدولة سعت إلى تقويض الأسرة بزعوعة الفردية ودفعها إلى الحرب؛ فكان أن
تحقق انتقام "القانون الإلهي" (الأسرة) من "القانون البشري" (الدولة) بأن
هوى بالمدينة اليونانية أسفل سافلين.




ولم يكن حال الفردية على عهد الدولة الرومانية بأفضل من حالها على
عهد سالفتها؛ فهاهنا أيضا قام التنابذ ين "الكونية" و"الخصوصية" وانعدام
التقاطب فضاع حق "الفردية". هاهنا صارت الدولة وقد أصبحت ملكا عظيما فائقة
التجريد مترامية الأطراف متعددة العرقيات ولم تعد دولة المدينة ولا دولة
الجماعة المنصهرة؛ ومن ثمة لم يعد المواطنون يجدوا فيها أنفسهم كما كان
الشأن عليه في العهد السابق... وما زالت الدولة تتجرد وتتعالى وتتباعد وما
زال الإمبراطور يتعاظم ويتكبر ويتجبر وما زال الفرد يتضاءل ويتهاوى ويضمحل
حتى صارت الدولة قدرا أعمى وصار الإمبراطور ربا أعلى وانقلب الفرد ذرة هباء
خاوية هاوية وخصوصية منغلقة على ذاتها فاقدة للهوية. ذلك أنه لما ذابت
مدينة المواطنين -المدينة اليونانية- في إمبراطورية الرعايا -الدولة
الرومانية- احتيج إلى طلب معونة المرتزقة المتعددة الانتماءات لحماية
الثغور الممتدة؛ فكان أن استعين بالعبيد وكان أن توقف السادة عن خدمة
الدولة (المخاطرة بالحياة) بما صاروا فضلة لا عمدة؛ ففقدوا بذلك قيمتهم
الكونية ولم يعودوا يهتمون بالشأن العام -مع أن الجمهورية تعني أساسا الشأن
العام المشترك-
Res publica
وإنما انكفأوا على شأنهم الذاتي وانكمشوا على قيمهم
الخاصة داخل أسرهم؛ فعدموا بذلك الفعل -الشغل والصراع- وعادوا إلى وجودهم
الطبيعي الحيواني مثل هباء هواء في إمبراطورية ممتدة الأرجاء
imperium romanum.
والحال أنه حين يصير وضع الفردية وضعا صوريا شكليا فإن روابطها بلحمتها
الاجتماعية والسياسية -الدولة- تصير بدورها روابط شكلية؛ وهذا يفسر سيادة
"القانون المجرد" الذي عكس اهتمامات الفرد بحياة الجماعة بما هي اهتمامات
دنيا؛ نعني "حفظ النفس" و"صيانة الملكية الخاصة"؛ كما عكس توقفه عن أن يظل
مواطنا خالصا وفيا وصيرورته مالكا خاصا وبورجوازيا عينيا. ولم يقتصر الأمر
على تحول السادة إلى ملاكين خاصين، وبالتالي تجاهل الدولة لهم وتجاهلهم
لها، وإنما تعدى الأمر ذلك إلى تصيير الدولة نفسها ملكية خاصة للإمبراطور
بصفته كبير الملاك؛ وبه لم تعد الدولة، كما كانت في سالف عهدها، "جماعة
طبيعية" قائمة على أساس عرقي وإنما فقدت الطبيعة وامتزج العرق وأضحت الدولة
وحدة واعية بذاتها في شخص الإمبراطور؛ فإذا بنا نلف أن "الإمبراطورية
الرومانية لم تعد على التحقيق دولة بالمعنى الأصح وإنما صارت ملك
الإمبراطور الخاص" (المدخل. ص.
105)
تلقاء ذلك أضحى كل شخص كائنا واعيا بذاته ومصالحه بما هو فرد خاص مجرد.
وبذلك فقدت الكونية الحقة التي هي أساس الفردية الثابت كما آلت الفردية إلى
خصوصية قانونية نخبة هواء؛ مما جعل "الفردية الحقة تنعدم في روما" (المدخل.
ص.
106).



ولئن كنا بانتقالنا من عالم اليونان إلى عالم الرومان قد انتقلنا
من عالم السيادة إلى عالم العبودية؛ وبالتالي انتقلنا من عالم التصارع إلى
عالم الشغل، فإن الشغل لم يكن يقو هنا على تحرير الفردية. فإذا حق أ الشغل
الذي مارسه العبد كان يشكل -من الناحية المبدئية- أفضل مدخل لإثبات
الخصوصية وضمان الفردية بما الشغل ظهار للجانب الشخصي في الفرد علام على
ذاتيته؛ أي مشكل للخصوصية منشئ للشخصية؛ فإنه تحق الملاحظة -بالرغم من ذلك-
بأن ما اعترفت به الدولة هنا في اعترافها بشغل العبد ليس هو العبد الفرد في
ذاته وإنما حصيلة شغله؛ أي طابعه اللاشخصي بالذات. وهكذا عوض أن يدل الشغل
على فردية العبد دل على اغترابه واستلابه ما دام أن ما هم الدولة ليس شغل
العامل وإنما نتاجه. وطالما قبل العبد بهذا الوضع يشتغل وهو عبد؛ أي لا
يخاطر بحياته ولا يتسيد، فإن قيمته الخاصة تبقى مجرد قيمة ذاتية يعترف بها
وحده لنفسه ولا أحد غيره بها علام. أكثر من هذا يشرع هذا العبد الذي لا
يقوى على تحرير فرديته وحمل السوى على الاعتراف له بها على "تخيل" أدلوجات
تبريرية مخصوصة يعبر بها عن وعيه المسلوب هذا؛ أي عن خصوصيته غير المعترف
بها. وهي أدلوجات تلتقي، على العموم، في الإعلاء من شأن توحده واعتزاله
الشأن العام وتنكر واقع الدولة وأمر العبودية والتبعية. ولذلك ينعتها كوجيف
بأنها "أدلوجات أنا وحدية" أو "أدلوجات توحدية انعزالية" أو "أدلوجات
وجودية"؛ وزهي أدلوجات لا تكون ممكنة ولا تقوم إلا "في مجتمع أو دولة
يعترفان بالخاص بما هو شخص حقوقي صاحب ملكية خاصة" ولا يعترفان به "بما هو
مواطن مندمج"؛ بمعنى أن الدولة والمجتمع هنا "يقصيان الفرد من الحياة
السياسية، فلا يعودان يطلبان منه بدل حياته للدفاع عن الدولة؛ وإنما يجعلان
منه أحد رعايا المستبد ذب السيادة المطلقة" (المدخل. ص.
108)
وباعتناق الفرد لهذه الأدلوجات الفردانية المتطرفة لا يعود العبد -كما
السيد المتشبه به- يأبه للعالم المحيط به؛ أي للكونية (الدولة)؛ فيتقلب في
مراقي "الرواقية"، أو هو ينكر العالم انكارا فيستحيل بذلك "شكيا عدميا"، أو
هو يطفق يبحث عن ملجأ وملاذ للروح في عالم أخروي ينشد فيه خلاص ذاته بما هو
فرد ممزق معذب، فيتدرج أنها في مدارج "المسيحية".




والحال أن أمر هذا التقلب الإيديولوجي من الرواقية إلى الشكية
فالمسيحية أمر مفيد لميلاد وانبثاق الحس بالفردانية؛ ففي المسيحية يكتشف
الفرد لأول مرة فضائل الفردية. ولئن حق أن مفهوم "الفرد" إنما تبلور لأول
مرة في التاريخ الكوني عند تبلور مفهوم "الشخص القانوني" الذي قال به
الرومان، فإن هذا المفهوم ظل مناط الفرد الأجوف الفارغ الهواء الذي ينعم
بالشكل (الملكية) ويعدم المضمون (الحرية). لذلك كله يمكن اعتبار المسيحية
رائدة في مجال تثبيت الفردية؛ أي تشخيص الفرد وتجسيده وملئه مخصوص ومحتوى
متعين. غير أن خطوة المسيحية هذه كانت خطوة خجولة وذلك لسببين اثنين:
أولهما؛ أنه لئن حق أن المسيحي هو أول من اكتشف فضائل الفردية، فإنه يحق
أيضا أنه ولد فردا هشا ضعيفا واهنا لا يقوى على الإقرار بفرديته بعد. وإذا
كانت قيمته الشخصية لم تعد تحدد، مثلما كان الشأن عليه في العالم الوثني،
بدءا من موضعه في "الكوسموس" الطبيعي وكأنه حيوان تابع لنوع، فإنه لا يزال
يبحث لنفسه عن موقع في الكوسموس الإلهي الجديد؛ وهو كوسموس -على أية حال-
منفصل عن إرادته مثله في ذلك كمثل سابقه. ثانيهما؛ أنه لئن كانت المسيحية
قد اعترفت بالفردية فإنها لم تقر بالفردية الحقة إلا للإله، فالإله "يتفرد"
و"يتجسد" و"يمتلئ" في المسيح، وليس كل الناس مسيحا؛ فإذن لا إقرار بالفردية
الحقة للإنسان، إنما الإنسان عبد لرب ومولى لإله.




والحق أن الموقف المسيحي من الفردية موقف منشرح منفصم منقسم:
فالمسيحية تؤكد، من جهة، على الجانب الإيجابي للفردية، بل تدعو إلى تحويل
الشخصية الوثنية الكونية العضوية إلى شخصية مسيحية فردية مقتنعة. إذ أنه
إذا كان الوثني يولد على وثنيته ويبقى وثنيا أبد الدهر؛ مثلما يبقى الصخر
صخرا، أي وجودا حيوانيا مضادا لقيمة الفرد وحقه في الخيار والقناعة؛ فإن
المسيحي لا يقبل العالم -الوثني- الذي انوجد فيه وإنما يتصور لنفسه مثالا
فرديا وجماعيا -دولة الجماعة المؤمنة- يسعى إلى تحقيقه ببذل الجهد ومجاهدة
النفس حتى تتحقق له فرديته الإنسية الحقة ما دام لا فردي حقة إلا فردية
مجاهدة النفس وما دام أن الفرد لا يولد فردا وإنما يصيره. مما يؤكد أن
المسيحية ردة فعل فردية وخصوصية ضد كونية وعمومية الوثنية. بيد أن المسيحية
تخالف وعدها بتحقيق الفردية للفرد عندما تذهب إلى أن الفردية الحقة لا
تتحقق في عالم الدنيوية وإنما في عالم الدينونة؛ بمعنى أنها ترى أن الفردية
الحقة لا تتجسد إلا في عالم الآخرة "هناك" يحقق الفرد "خلاصة" و"حريته"
و"سعادته"، أما الدنيا فهي عالم "بلاء" و"شقوة" و"عبودية". ولئن دل هذا
الأمر على شيء فإنما هو يدل على أن المسيحية، بما هي أدلوجة عبد، لا تسعى
إلى تحقيق "المثال" في الأرض وإنما تهرب إلى السماء؛ بمعنى أنها أدلوجة
إنسان غير قادر على أن يكون إنسانا؛ أي فردية مميزة. وهو لطالما ظل عبدا؛
أي منوطا بسيده الوثني الذي آلت الهيمنة على العالم إليه، فإنه لم يكن يسهم
في تحقيق المواطن لقيمته الكونية؛ ومن ثمة لم يكن يقو على أن يفرض قيمته
الشخصية على أسويائه حتى يعترفوا به. وعلى فرض أنه لم يعد عبدا لسيد واقعي
متجسد، فإنه مع ذلك بقي عبدا في ذاته لذاته؛ أي بقي عبد نفسه بما اعتقده من
أنه عبد ربه الذي سواه بيده وتخيله بمخيلته.




ومناقضة المسيحية لنفسها تبدو أوضح ما تبدو في موقفها من رضى المرء
عن نفسه. فهي تقر، من جهة أولى، أن الرضى عن النفس هو محرك الوجود الإنسي
وأساسه؛ علما أن الرضى عن النفس هنا -المخيلة- هو العبارة عن النزوع نحو
الفرادة والتفرد والفردية؛ إذ لا فردية بلا مخيلة أو خيلاء. لكنها، من جهة
أخرى، تعتبر الرضى عن النفس استكبارا؛ ومن ثمة تدعوه "خطيئة" و"رذيلة"
وتدعو إلى محاربته بما هو غطرسة وطاووسية. ومعنى هذا أن المسيحي يرى في
طموحه إلى تحقيق فرديته خيلاء واستكبارا، وطالما ظل يفهم ذاته من خلال
المسيحية فإنه سيرى في رغبته الخيلائية بأن يهب لخصوصيته الإنسية المستقلة
قيمة مطلقة أو كونية الاعتراف والإقرار، لا مثالا للتحقيق الدنيوي، وإنما
شرا وبلاء يلزم قمعه وكسره ودرؤه لتحقيق الخلاص الأخروي. والمترتب عن هذا
الاعتبار أمران: الأول؛ أن مثال الفردية الذي جاءت به المسيحية ليس مثالا
للتطبيق في عالم الدنيوية؛ إذ لا فردية حقة إلا في عالم الدينونة إلى حيث
رفع المسيح... وكأننا هنا أمام "تصنيم" أو "أقنمة" لفكرة الفرد (المدخل. ص.
257
وهو التصنيم الذي يفسر نزعة المسيحية إلى القول بأن المسيح ضحى بخصوصيته
الإنسية لأجل كونيته الإلهية. وبالجملة، ما يبدله المسيحي بيد (فكرة
الفردية) يستمده بيد أخرى (فكرة الألوهية). الثاني، أن الوعي المسيحي
بتأرجحه في موقفه من الفردية يبين عن أنه وعي مزدوج أو قل وعيا شقيا.
فالمسيحي ممزق بين مثاله وواقعه حتى لأن مثاله، "تحقق الفردية"، لا يتجسد
في عالمه، "عالم العبودية". ولطالما بقي المسيحي ذا دينونة فإنه لن يحقق
مثاله في الحياة الدنيوية أو قل إنه بقدر ما لا يفلح في تحقيق مثاله في
الحياة الدنيا يبقى ديانيا...




تلك مفارقة الأدلوجة المسيحية الفردانية
!
والمسألة هي كيف يمكن تحقيق هذا المثال الفرداني الديني
في الدنيا؟ الحق أن "تاريخ العالم المسيحي ليس على التحقيق شيئا آخر سوى
قصة هذا التحقيق" (المدخل. ص.
192)
غير أن الذي يعيه المسيحي هو أنه "لا يمكن تحقيق المثال الناسوتي المسيحي
إلا بإزالة الفكر اللاهوتي"؛ بمعنى أن الإنسان المسيحي لا يمكنه أن يصبح
فردا على نحو حق وأن تتحقق له الذاتية إلا إن هو كف عن تصور عالم الألوهية؛
أي إلا عندما يصير إنسان نفسه لا إنسان إلهه وفرد ذاته لا فرد ربه؛ أو قل
إلا عندما يعيد من السماء إلى الأرض تلك الكنوز التي نسبها إلى غيره وسلبها
نفسه (المدخل. ص.
192)
وبعبارة أخرى لا يمكن تحقق الفردية إلا بتجاوز المسيحية؛ أي بتحقيق الخيلاء
الإنسية. ولهذا التحقيق رواية خاصة.




إن أول خطوة نحو هذا الاتجاه المحقق للفردية إنما أقدم عليه مثقفو
عصر النهضة؛ فهؤلاء بادروا إلى "إشاحة الأنظار عن العالم الأخروي وإعادة
تسليطها على العالم الدنيوي". هاهنا وضع جديد: فالمثقف البورجوازي النهضوي
إن كان لا يشبه السيد من جهة كونه لا يحارب، فإنه ك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

بنية الوعي الحديث في فكر ألكسندر كوجيف :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

بنية الوعي الحديث في فكر ألكسندر كوجيف

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
انتقل الى: