** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 من الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سبينوزا
فريق العمـــــل *****
سبينوزا


عدد الرسائل : 1432

الموقع : العقل ولاشئ غير العقل
تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..

من اقوالي
تاريخ التسجيل : 18/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5

من الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد Empty
15062011
مُساهمةمن الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد



من الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد Arton3600
" لم يبدأ الإنسان بعد طالما الله لم ينته"

نيتشه

تعرف الفلسفة المغربية اليوم انتعاشة حيوية بفضل أسماء حملت على عاتقها
مسؤولية إنقاذ الفكر الفلسفيّ من الوقوع في فخّ النكوص والموت. هي أسماء
تضع تواقيعها عن جدارة و استحقاق مكمّلة بذلك مجهودات الفلاسفة الأوائل
كمحمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد عزيز الحبابي، هي أسماء شابة
عملت على إذكاء روح الإبداعية في نفس الفكر الفلسفي المغربي كعبد السلام
بنعبد العالي وعبد الصمد الكباص ومحمد سبيلا وإدريس كثير وعبد العزيز
بومسهولي وآخرين. وبمناسبة هذا الحديث لا يسعنا إلا أن نقدم للقراء واحدا
من هؤلاء المفكرين وهو عبد الصمد الكباص وذلك من خلال كتابه الأخير
"الفرد، الكونية والله الحق في الجسد" الصادر عن منشورات مركز الأبحاث
الفلسفية بالمغرب. وسنحاول أن نجمل لأهمّ الأفكار التي جاءت في هذا الكتاب
الممتع والتي ستساهم بدون شكّ في بلورة نقاش هادئ حولها، وفي تغذية الحقل
الفكري بنظريات وتصورات تميل في عمقها إلى الجدة والابتكار.

يقدم الباحث المغربي عبد الصمد الكباص في كتابه "الفرد، الكونية الحق
في الجسد" الحداثة بوصفها صيرورة التحيين الزماني للحرية في الوجود الخاص
للإنسان، وأنها تقوم على إنصاف الحاضر في امتداده نحو المستقبل وتحرره من
وصاية الماضي باعتبار الحاضر النواة الصلبة التي في عمقها يختبر الإنسان
ذاته. ويعتبر أن مفاهيم الأمل والسعادة والحقيقة لم تعد مفاهيم قابلة
للتأجيل أو الإرجاء، وإنما هي إمكانيات قابلة للتحقق في أرض الحاضر.

وقيمة الحاضر هنا تكمن في قدرة الإنسان على التشبث بكل نوازعه وقوته
بهذا الحاضر و العمل من ثمة بجهد متواصل على تقديم العناية له عن طريق
استثمار كلي للحظة المعاشة. ولا يخفي علينا الباحث مدى أهمية اللحظة التي
على الإنسان أن يعيشها بدفعة حيوية متحررة. على أساس أن الحاضر لا يعاش
باسم مستقبل لا زمني يؤسس نفسه على نهاية الزمان وانفتاح الأبدية، أو باسم
ماض مطلق. في هذا السياق فإنسان الحداثة ينفي نفيا جذريا عمليات الإرجاء
والتأجيل، ويستدعي اللحظة لينجز فيها ذاته، وليحقق نفسه كإشباع لرغبة تمنح
لوجوده جمالية خاصة.

ويشكل المضمون الثيولوجي بالنسبة للباحث عائقا ظاهرا في انفتاح الإنسان
على حاضره، مضمون مشبع بإكراهات تشل قدرات الإنسان ومؤهلاته في فتح نوافذ
على إمكانات الحاضر الشاسعة، مضمون ينطوي في أساسه على ما يسميه بشرعية
الإرجاء الذي يحيل إلى حياة حق مرجأة إلى ما بعد هذه الحياة الدنيوية،
والسعادة ذاتها يمتصها التأجيل إلى ما بعد نهاية الزمان وتحلل العالم.
مقابل هذا التصور يؤكد الكاتب أنّ الحداثة هي ما يحول التأجيل والإرجاء
إلى تحيين، ويجعل الأمل معقودا على اللحظة التي قد تنصفه بأن يكون سعيدا
أو شقيا. فالتصور الحداثي لا يحتمل في جوانيته هذا المضمون الثيولوجي الذي
يكرس للنكوص والتقهقر، بل يدافع عن الإنسان كوجود يبدع نفسه في الحاضر.

ما نستشفه في هذا العمل الجاد الذي يتعمق في مضامين الحداثة التي
يعطيها الباحث صيغا جديدة وأفكارا يقل تداولها في حقلنا الفلسفي المغربي
وهو أن الوجود إبداع في اللحظة وابتكار في استقلالية تامة وقطيعة خالصة عن
الماضي. ويعمل الباحث في هذا الصدد بتوضيح تفصيلي وتحليلي رصين فكرة أن
الوجود هو إبداع في اللحظة. وهو إبداع ينفصل بشكل قطعي مع ما يحدده بشكل
قبلي. إنه لا يعتمد على كائن متعال يحدد له مساره في الحياة، ويهيئ له
المسالك ويعبدها بقدر ما يمتلك الجرأة العالية في الانفلات من قبضة قوى
مفارقة تملي عليه النمط الحياتي الذي عليه أن يسلكه ويتبناه. إذن، الوجود
هو إبداع في اللحظة وليس محددا من قبل كائن قبلي يجعل من حاضر الإنسان
بنية مقدرة،لأن الحاضر يستحق نفسه بعيدا عن أي ترتيب قبلي. ويستمر الباحث
في ترسيخ فكرة أن الحداثة هي علامة تحيل إلى الانهيار الكلي لتلك الإرادة
التي تحايث الماضي، مؤشرة على نهاية ذلك العصر الذي كان يهيمن عليه منطق
خلاص الحاضر في ماضيه. مفسحا المجال للقول على أن الحاضر هو حق، بمعنى ما
من المعاني أنه أصبح قيمة إيتيقية ينتظم حولها نظام أخلاقي بكامله يسميه
الباحث بأخلاق الحاضر. حيث أن الانخراط والانضواء تحت راية الحق والواجب
الأخلاقيين مبررا باسم الحاضر.

التصور الجديد كلّ الجدة الذي يحمله إلينا عبد الصمد الكباص بعمق فلسفي
سلس هو أن الحداثة هي عصر الحاضر الذي يتشكل لبه الأخلاقي والقيمي
والوجودي كحاضر. والحداثة وفق هذا المنظور ترتكز إلى تصور أنثروبولوجي
يتحدد فيه الإنسان كحرية متعينة في الحاضر، هذه الحرية هي الفرد. ويبرز أن
الإنسان يصير فيها فردا في اللحظة التي ينكشف فيها عصر تكون فيه الفردية
بمثابة مكوّن أساسيّ للإنسان وجوهر أصيل لا يعتريه قناع التنك؛ واستحقاقا
ثابتا بالنسبة إلى حياة الإنسان؛ ولا يتأتى هذا الاعتراف بالفردية
كاستحقاق إلا بالتعين الملموس للحرية في الحاضر كتجربة يخوض غمارها
الإنسان، ويصوغ بفضلها نمطه الخاص في الوجود.

ويعود بنا الباحث إلى التاريخ الإنسانيّ محاولة منه للتنقيب عن ملامح
تشكل الفرد كمفهوم أساسيّ تشكل الحرية بالنسبة إليه هدفا عليه بلوغه.
انطلاقا من مجرى التاريخ يبزغ فجر الفرد كنتيجة مديدة وتجربة مريرة انبثقت
من فوهة صراع حايث هذا التاريخ الإنساني، وهو صراع في ثناياه ليس إلا صراع
الحرية من أجل أن تحظى بصيغة أكثر تعينا في الوجود. وهي حرية تصارع من أجل
الخروج من خندق الفكرة المجردة التي تجد تجسدها في مفهوم الإنسان لتلج
عالمها الخاص في كائن بعينه ألا وهو الفرد.

من خلال هذا التحليل العميق لمفهوم الحرية التي خاضت صراعا مريرا من
أجل أن تتمتع بوجود مجهري متعين في العالم يختبر الحاضر كتجربة خاصة جدا.
يثمن هذا المجهود الفكري بنحته لمفهوم جديد في إطار التفكير الفلسفي
بالمغرب وهو مفهوم يؤكد الباحث على أنه تبلور بمعية رفيقه في درب التفكير
الفلسفي الأستاذ عزيز بومسهولي وهو مفهوم العلة التأسيسية. وهي كما يحددها
ليست سببا أوّل يتيح ما بعده وإنما تدلّ على الإنسان كوجود يستند إلى
ذاته، وهذا الوجود الذي يشكل أساس نفسه هو الحرية. حتى أن مملكة الضرورة
ليست سدا منيعا يقف للحيلولة دون انفتاح الحرية. أي أن الإنسان يحمل حريته
بداخله. ولا يمكن نفي هذه الحقيقة. ويسترسل الباحث في التوضيح بإثارته
لموضوع العبودية التي لم تفارق أرض الوجود الإنساني بكامله حيث أنها هيمنت
في جميع العصور السالفة.

من حيث أن أشكال هذه العبودية الأكثر قسوة ومأساة ومصادرة لتجليات
سيادة الفرد على نفسه وتمكينه من ذاته لا تمتلك القدرة على نفي الحرية في
وجودها الأكثر صميمية . ومردّ ذلك إلى كون الإنسان عينه ليس شيئا آخر غير
هذه الحرية التي تسند نفسها. يطرح الباحث سؤالا في غاية الأهمية هو هل سبق
للإنسان أن كان كائنا غير حر؟ ويجيبنا بالنفي. والسبب يعود من خلال تصور
الكباص إلى كون واقعة الإنسان تتحقق مع هذه الحرية نفسها، بمعنى أن
الإنسان مساوق في وجوده للحرية. لدرجة أن الصراع من أجل نيل وسام الاعتراف
الذي أرسى سيادته عبر التاريخ البشري والذي يحمل في جوفه الآخرية كمبدأ
تأسيسي لإثبات الذات ليس في حقيقته غير صراع الحريات التي تتدافع بقوة
لنيل الاعتراف. ويخرج الباحث بخلاصة مؤداها أن الإنسان حرية تحقق ذاتها في
المشروطية، يعني أن الضرورة الوحيدة التي يمكن الاعتراف بها للإنسان هي
ضرورة الحرية، لهذا السبب هو يشكل في ماهيته علة تأسيسية بمعنى انه حرية
تسند نفسها وتؤسسها.

لحظة الحداثة هي لحظة يتم فيها صون خصوصية الفرد من حيث هو حرية تتعين
في الحاضر. هذه الخصوصية تستدعي مسألة الهوية. ويعتبر الباحث أن هوية
الفرد ليست مطابقته للجماعة وذوبانه الكلي في أغوارها، بل هويته تكمن في
ما يميزه عن كل عناصرها ؛و معطيات اللغة والدين والجنسية واللون لا تشكل
هوية للفرد على الإطلاق، بل هي إمكانيات انتماء ليس إلا، لكن هويته الحقة
تتمثل في انزياحه عن الجماعة ، وسد أية ثغرة ممكنة يمكنها أن تقتحم من
خلالها هويته كخصوصية باعتبارها استحقاقا وجوديا.

يعلي الباحث من شأن الحرية الفردية المؤسسة أصلا على الخصوصية. هذه
الحرية في مضمونها هي التقاطع الكوني الذي يجمع الفرد بباقي الأفراد
الآخرين المتواجدين على ارض البسيطة. ويحدد في هذا الإطار الكونية على
أنها السيادة الشمولية للخصوصية الفردية. على خلاف خصوصية الجماعة التي
تقض مضجع الكونية و تقف حجرة عثرة أمام رسوخ مبدأ الحرية وشموله، لأن
خصوصية الجماعة تعمل على تكريس الانغلاق والتشدد بمختلف توجهاته وألوانه
الاثنية والجنسية والدينية. ففي فتح الباب على مصراعيه أمام جماعة تضع في
مقدمة رهاناتها عدم احترام الحرية الفردية و مصادرتها هو إيذان بشل مبدأ
الحرية الذي يجب أن ينطبق على كل فرد مهما كان انتماؤه.

لن أجانب الحقيقة إذا قلت إن مفهوم الحرية من المفاهيم الجوهرية التي
يحاول مجمل هذا الكتاب تناولها بدقة متناهية. ونحن لا يمكننا أن نولي
ظهرنا إلى هذا المفهوم الذي تقوم عليه المحتمات وتنمو. يشدد الباحث في هذا
السياق على تذكيرنا بان الحرية المتعينة في الحاضر هي الفرد. على إثر ذلك
فهو موضوع ابتكار تتحول حياته إلى اثر استثنائي لوجوده الخاص. أن يعيش
الإنسان الحاضر،هو ما تخوله له الحداثة التي تجيز للفرد إبداع ذاته و
ابتكار إمكانياته لأنه حرية متعينة في الحاضر . وبالتالي فالأخلاق بالنسبة
إليه ليست سوى استيطيقا للوجود. وليست نظاما قهريا مسنود بقواعد زجرية أو
أخلاق تفرض بإملاء من وصاية الماضي، أو الفوز برضا الاه لينال جزاء موعودا
في المستقبل ، بل هي أخلاق تجعل من الحاضر غاية نفسه؛ وتهدف إلى جعل حياة
الفرد كما يعيشها في الحاضر تحفة فنية.

تسمح لنا قراءة هذا الكتاب باكتشاف تصورات لا يمكن تجاهلها باعتبارها
مدخلا حقيقيا لملامسة عالم الحداثة عن كثب. ومن التصورات التي استأثرت
بانتباهي التصور الذي يفيد أن الفرد هو كائن نادر. ويشكل مفهوم الندرة أحد
الأبعاد المهمة في وضع الأرجل على عتبة الحداثة باطمئنان كبير . وقد سبق
للباحث ان تناول هذا المفهوم في كتابه المشترك مع صديقه الأستاذ عبد
العزيز بومسهولي ’’الزمان و الفكر’’ و حدده على الشكل التالي "مرة
واحدة،مرة واحدة فقط والى الأبد"، هذه هي ندرة الكائن الذي لا تكرار فيه و
لا عودة.مرة واحدة. الندرة هي معطية الزمان للكائن. إنها الأثر الأكثر
عينية للتناهي الذي يتخذ فيه وجود الكائن صيغته كانقطاع دائم عن نفسه و عن
اللامتناهي…"

والفرد هنا ليس مؤسسا بإمكان تكراره وإنما باستحالة هذا الإمكان
مستشهدا الباحث بقولة للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا الذي قال أن التكرار
يفصل القوة عن نفسها، يفصل الحضور و الحياة. هذا الفصل هو الحركة
الاقتصادية و الحاسبة لمن يؤجل نفسه حتى يبقى، ولمن يدخر الإنفاق و يستسلم
للخوف." و يخلص الكباص إلى أن التكرار يقتل الحياة لأنه يجعل الحاضر يتملص
من ذاته. لكن الحداثة قد حسمت كل شيء انطلاقا من اعترافها أن حياة الفرد
اختبار كيفي للحظة ؛اختبار يشكل الجسد قاعدته الأصلية انطلاقا من رغباته.

في القسم الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان في بيان أن التسامح حق
الذات في الآخرية وأن الكونية شمول مبدأ الحرية. يتطرق فيه الباحث لتيمة
التسامح والتي يعطيها معنى مغايرا كل المغايرة عن الدراسات التي استفاضت
في تحليلاتها لهذا المفهوم. ومدلول التسامح هنا هو حق الذات في الآخرية.
فهو يعين وضعا ايطيقيا يحدد الآخرية كحق. لأن السبيل الوحيد لإثبات الذات
لا يتم إلا عبر ضمان آخريتها أي حقها في أن تكون ذاتا أخرى إزاء الآخرين
وإزاء نفسها. على خلفية هذا التحديد الأولي يمكن القول على أن مجتمع
التسامح ليس تجميعا لكائنات تعيش سويا باسم ماض مشترك أو ذاكرة مقدسة أو
عقيدة موحدة أو تجربة تاريخية متقاسمة أو هوية جماعية تعلو التاريخ وتفارق
الزمان. بل هو التتويج التاريخي لإرادة ذوات تستهدف قيمة الحرية. في صلب
هذا المجتمع ، يقوم الاعتراف المتبادل بالحرية باعتبارها استحقاقا وجوديا
وليس هبة.

زماننا المعاصر اتخذ خصوصيته من الاعتراف الاسمي بالآخرية. هذا
الاعتراف الذي لم يأخذ بعد مضمونه المادي كواقعة طالما أن الحروب و
النزاعات التي تجد مسوغاتها في النقاء العقائدي و الأحقية الدينية والصفاء
الإثني والامتياز القيمي موجودة. وطالما أن هناك هيمنة بارزة للجماعات
التي تطرح نفسها كخصوصية محصنة في وجه خصوصيات الجماعات الأخرى. لكن الوجه
المضاد لكل هذه المعطيات يقف الاعتراف بالآخرين منتصبا نافيا أية خصوصية
جماعية. لأن هذه الأخيرة تنطوي على طمس آخرية الفرد في وحدة الجماعة وعدم
الاعتراف بها.

ويتوقف الرجل هنا متسائلا ماذا عساه أن يكون المجتمع وقد تلبس لبوس
الإنسانية؟ وما معنى أن الإنسان قد غدا كونيا؟ وهي أسئلة يتأسس عليها
مجتمع التسامح برمته. ويعمل الباحث على تبيان هذه الفكرة واضعا نصب أعيننا
مفهوم المجتمع ما قبل الإنساني. وهو مجتمع يتحدد افقه في الغاية المفارقة
للوجود الإنساني. بحيث يلاحظ أن الإنسان يوجد من أجل إشباع غاية مفارقة؛
والأهم من ذلك انه كان يعيش باسم الإله وليس باسمه الخاص.وتتجذر في كنه
هذا المجتمع أخلاق لا تؤسس مضامينها كنظام ايطيقي من أجل الإنسان ،وإنما
الغاية منها نيل رضا الله و الفوز بنعمته التي لا تعرف حدودا. لكن المجتمع
الذي يرصد ملامحه الكباص هو المجتمع الإنساني ،فيه تنقلب المعادلة و يقلب
موقع الغاية، إذ تصبح محايثة للوجود الإنساني. فالإنسان في خضم هذا
المجتمع هو غاية نفسه،وليس وسيلة لتحقيق غاية تفارقه. يتأسس المجتمع
الإنساني من حيث هو ما يجعل فكرة الإنسان واقعا عينيا على الاستقلال
الذاتي الذي يشكل مبدا الإرادة الإنسانية التي لا تشرع لنفسها إلا ما
تقرره لذاتها. ويزكي الكباص تصوراته من منبع الفلسفة الكانطية الذي لا
ينضب معينه حول مفاهيمها في الإرادة والتشريع الذاتي.

يواصل الكباص تحليله لمفهوم التسامح الذي غدا في عالمنا المعاصر أكثر
إلحاحا ومطلبا أكيدا للخروج من الورطة التي تعيشها الإنسانية . فأديان
التوحيد ليس بإمكانها أن تعطي للإنسانية الحرية والتسامح والاحترام لأنها
تطرح نفسها كنظام مغلق للاحقية وليس للحقيقة. لأن في مجال الحقيقة تكون
الأشياء قابلة للدحض. وديانة التوحيد تحتفظ بنظامها غير القابل للتشكيك
والتكذيب. والآخرية في عمق نظام الأحقية مستحيلة؛ مرد ذلك إلى أن ذلك
النظام يبني نفسه على أنقاض الآخرية وما يخالفها لأنه ليس من حقه أن يكون.

متى يكون التسامح ممكنا؟ الإجابة التي قدمها الكباص لهذا السؤال أن
التسامح له إمكانية التحقق في الوقت الذي يتم فيه تحويل الدين من نظام
للأحقية إلى نظام للحقيقة. بمعنى إلى نظام تتقبل حقائقه كشيء قابل للدحض
والبطلان ويفلت من التشميل الجماعي. وهذه العملية لا يمكن أن تتم بالنسبة
لديانة تقوم على التوحيد دون إعادة التفكير في موقع الله والبحث عن صياغة
جديدة لمفهومه. والتنوير ذاته حسب عبد الصمد الكباص لا يمكن أن يعثر على
مهمته الأساسية دون نقد فكرة الله مباشرة من غير مراوغة أو تحايل أو نفاق.

ففي نظام الأحقية يتحول الله إلى عاطفة محضة للحقد والضغينة؛ باسمه
يصبح القتل والإبادة جهادا وتعديم الحياة و بخسها شهادة. ولا يمكن للتنوير
أن يكون له مضمون تاريخي إذا لم يدل على العملية التي بموجبها يتعزز
الاستقلال الذاتي للإنسان وتحرره من كل وصاية. ينصحنا الكباص في كتابه
"الفرد الكونية والله الحق في الجسد " القيم المنطوي على منظورات دقيقة
وبليغة بان سؤال من هو الله بالنسبة للإنسان لم يعد ذو شأن اليوم. بل
السؤال البديل والذي من المفروض وضعه هو على أي نحو يمكن الاحتفاظ بالله ؟
ويعطي الكباص ثلاث صيغ للاحتفاظ بالله دون أن يتحول إلى نواة جوهرية لنظام
الأحقية، أي دون أن يغدو تهديدا مباشرا للاستقلال الذاتي للإنسان وتحرره.
الصيغة الأولى يتحدد فيها الله باعتباره الوجه الأكمل للإنسان، انه ليس
الضرورة القاهرة،بل هو الوضع المنشود للإنسان.

الصيغة الثانية يتحدد فيها الله باعتباره السر والغموض الذي يكون
الكيان اللغزي للآخر. إنه شكل للغيرية الخالصة التي يتقاسمها كل الناس
والتي عليهم احترامها كضمانة لتعايشهم.

والصيغة الثالثة يتحدد فيها الله باعتباره قالبا فضفاضا لمعنى لم يتحدد
بعد ولحقيقة لم تتضح معالمها ومع ذلك تباشر تأثيراتها. انه شكل غفل
لإمكانيات يؤول فيها الإنسان نفسه وسط الدلالات التي يصنعها.

يعود بنا المؤلف في نهاية الكتاب إلى معالجة مفهوم الندرة من حيث هو
أساس جمالية الوجود. وقبل أن يكشف على هذا الأساس، يقدم لنا الكاتب الوجه
الآخر الذي كان يظهر عليه مفهوم الندرة وخصوصا في المجال الاقتصادي أو في
اقتصاد الثروات وفي سيرورة العمل والإنتاج والقيمة. باعتبار أن العلاقة
الأساسية في التاريخ البشري هي الندرة. وقد كان مفهوم الحاجة هو النواة
التي يتكاثف فيها مفهوم الندرة ويتعاضد. لأنه في العالم الخارجي للاشباعات
هناك دائما شيء مفقود وناقص. وهي ترجع بالأساس إلى نوع من اللاتلاؤم بين
الحاجة و الموارد اللازمة لإشباعها من العالم الخارجي. لكن مسعى الكباص من
استدعائه للمنظور الاقتصادي الذي عالجه ميشيل فوكو في كتابه العمدة
الكلمات والأشياء أو تحليلات الاقتصادي الانجليزي دافيد ريكاردو للندرة هو
أن دلالة هذا المفهوم في بنيته مغاير للشكل الذي سيقدمه عبد الصمد الكباص
له. في واقع الأمر، إنها ندرة لا تتعلق بتهديد خارجي بانعدام إمكانية
إشباع الحاجة؛ ولكنها هي ندرة في صميم الوجود الإنساني. وبصيغة أخرى، في
الجسد من حيث هو نظام الرغبة، يتكون الحاضر كندرة خالصة، وفي تجربة
الفقدان يتكون ما هو جميل، لأن بالفقدان تحدث الندرة. ومن هذا المنطلق
يمكننا فهم أن الحاضر الذي هو أنفاق هو الإمكان الوحيد المتاح أمام
الإنسان لإبداع وجوده.

الحداثة التي ما انفك المؤلف يدافع عنها هي العصر الذي ينتظم ايطيقيا
حول الحق في الحاضر. وهذا الحق ليس سوى الحق في الجسد؛ فيه تكون الحرية
خبرة حية تمارس نفسها في مكانها الحميم حيث الرغبة تحول الوجود الخاص إلى
تحفة. في صيغة نهائية ومقتضبة يختم الكباص مبحثه في أن الحداثة هي عودة
الجسد إلى الإنسان ليغدو فردا، وعودة الحاضر إلى الوجود ليكون حرية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

من الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد :: تعاليق

زمرودة
رد: من الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد
مُساهمة الإثنين يونيو 27, 2011 4:11 am من طرف زمرودة
اء روح الإبداعية في نفس الفكر الفلسفي المغربي كعبد السلام
بنعبد العالي وعبد الصمد الكباص ومحمد سبيلا وإدريس كثير وعبد العزيز
بومسهولي وآخرين. وبمناسبة هذا الحديث لا يسعنا إلا أن نقدم للقراء واحدا
من هؤلاء المفكرين وهو عبد الصمد الكباص وذلك من خلال كتابه الأخير
"الفرد، الكونية والله الحق في الجسد" الصادر عن منشورات مركز الأبحاث
الفلسفية بالمغرب. وسنحاول أن نجمل لأهمّ الأفكار التي جاءت في هذا الكتاب
الممتع والتي ستساهم بدون شكّ في بلورة نقاش هادئ حولها، وفي تغذية الحقل
الفكري بنظريات وتصورات تميل في عمقها إلى الجدة والابتكار.
 

من الحق في الحاضرإلى الحق في الجسد

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الطرح الإشكالي ] [ الحق بين الطبيعي والثقافي ][ نظريات الحق الطبيعي ] [ نسبية الحق بنسبية مبادئه ] [ الحق بين الإلزام والإلتزام
» الجسد الحرام ثقافة الجسد بين الضرورة والكبت
» العصر العباسي >> الحلاج >> لم يبق بيني و بين الحق تبياني لم يبق بيني و بين الحق تبياني
» واقع أخر - عبد الحق بحما
» الحق عالطليان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
انتقل الى: