** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عزيزة
فريق العمـــــل *****
عزيزة


التوقيع : لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) 09072006-161548-3

عدد الرسائل : 1394

تاريخ التسجيل : 13/09/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) Empty
28062015
مُساهمةلماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*)

لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*)

حينما نعمل على حل مسألة ما، فإن ميل الدماغ إلى الالتصاق بالأفكار
المألوفة يمكن أن يعمينا، بالمعنى الحرفي للكلمة، عن حلولٍ أفضل.

-

 

 باختصار
  مفعول المألوف (الموقف المتخذ سابقا) (1) هو ميل الدماغ إلى التمسك بأكثر حلول المسألة المطروحة ألفة، وتجاهل البدائل بإصرار.

  وقد عرف علماء النفس هذه الظاهرة الذهنية منذ أربعينات القرن العشرين، وقد أصبح لديهم الآن، فهم تام لكيفية حدوثها.

  وفي تجارب حديثة لتعقب حركات العينين، تبين أن الأفكار المألوفة أعمت لاعبي الشطرنج عن رؤية مناطق من رقعة الشطرنج يمكن أن توفر لهم فكرة عن حلول أفضل.
 

 

في عام 1942 وفي تجربة كلاسيكية، طلب عالم النفس الأمريكي <A. لاشنس>، إلى عدد من المتطوعين أن يقوموا ببعض العمليات الرياضياتية الأولية من خلال تخيل أوعية ماء في أذهانهم. فبافتراض وجود ثلاثة أوعية فارغة، على سبيل المثال، لها سعات مختلفة تساوي 21 و 127 و 3 وحدات من الماء، كان على المشاركين أن يجدوا طريقة لنقل الماء فيما بين هذه الأوعية الثلاثة للحصول على مقدار 100 وحدة تماما. وسُمح للمشاركين بأن يملؤوا الأوعية ويفرغوها ما شاء لهم من المرات، على أن يملؤوها تماما في كل مرة. وكان الحل ملء الوعاء الثاني أولا حتى سعته الكاملة، وهي 127 وحدة، ثم إفراغه في الأول للتخلص من 21 وحدة، فيبقى فيه 106 وحدات، وأخيرا يملأ الوعاء الثالث منه مرتين لطرح ست وحدات، فتبقى فيه 100 وحدة. بعد ذلك عرض <لاشنس> على متطوعيه عددا آخر من المسائل التي يمكن حلها باتباع الخطوات الثلاث نفسها من حيث المبدأ، وقاموا بما طلب إليهم سريعا. لكن حينما أعطاهم مسألة أسهل وأسرع حلا من المسائل السابقة، أخفقوا في تصور ذلك الحل الأسهل.
 

ففي هذه المرة، طلب <لاشنس> إلى المشاركين قياس عشرين وحدة من الماء باستعمال أوعية سعاتها تساوي 23، و49 و 3 وحدات من الماء. إن الحل واضح، أليس كذلك؟ فهو يتكون من ملء الوعاء الأول ثم إفراغه في الثالث: 23 - 3 = 20. ومع ذلك، أصر كثير ممن شاركوا في التجربة على حل المسألة التي هي أسهل بالطريقة القديمة، وذلك بإفراغ الوعاء الثاني في الأول، ثم إفراغ الماء المتبقي فيه في الثالث مرتين: 49 – 23 – 3 – 3 = 20. وعندما أعطى <لاشنس> المشاركين مسألة يمكن حلها بخطوتين فقط، ولا يمكن حلها بطريقة الخطوات الثلاث التي اعتاد المتطوعون عليها، انسحبوا وقالوا إن الحل مستحيل.
 

تُعتبر تجربة أوعية الماء تلك واحدة من أشهر الأمثلة على مفعول المألوف (1)، أي ميل الدماغ البشري المتأصل إلى الالتصاق بحل مألوف لمشكلة مطروحة، وهو أول حل يخطر على البال، وتجاهل البدائل الأخرى. وغالبا ما يكون هذا النوع من التفكير عاملا مساعدا مفيدا. فبمجرد أن تعثر على طريقة ناجحة، لتقشير الثوم مثلا، تنتفي الحاجة إلى تجريب عدد من الطرق المختلفة في كل مرة تحتاج فيها إلى فص ثوم جديد. إلا أن المشكلة في هذا الاختصار الفكري(2) هي أنها تعمي الناس أحيانا عن حلول أكثر فعالية أو ملاءمة من الحلول التي سبقت لهم معرفتها.
 

لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) 2014_09_10_51

 

وبناء على عمل <لاشنس> السابق، كرر علماء النفس تجارب مفعول المألوف في كثير من الدراسات المخبرية المختلفة، مع أفراد مبتدئين وآخرين متمرسين من ذوي القدرات الذهنية المتنوعة، إلا أنه لم يكن واضحا سبب وكيفية حصول ذلك المفعول تماما. وقد استطعنا مؤخرا حل اللغز بتسجيل حركات عيون لاعبي شطرنج من ذوي المهارات العالية. وقد تبين أن الخاضعين منهم لتأثير هذا الاختصار الفكري يكونون عميانا، بالمعنى الحرفي للكلمة، عن تفاصيل معينة في بيئاتهم يمكن أن توفر لهم حلولا أكثر فعالية. ويوحي بحث جديد أيضا بأن كثيرا من الانحيازات الفكرية المختلفة التي اكتشفها علماء النفس عبر السنين، من مثل تلك التي تلاحظ في قرارات المحاكم والمستشفيات، هي في الواقع أوجه مختلفة لمفعول المألوف.
 

عودة إلى المربع الأول(**)
 

منذ أوائل تسعينات القرن الماضي على الأقل، درس علماء النفس مفعول المألوف بمعاونة لاعبي شطرنج من مستويات مهارة متنوعة، من الهواة حتى كبار الأساتذة. وقدم الباحثون في تلك التجارب إلى اللاعبين تشكيلات معينة من قطع الشطرنج على رقع شطرنج افتراضية وطلبوا إليهم قتل الملك بأقل عدد ممكن من النقلات. وفي دراساتنا، على سبيل المثال، زودنا لاعبي الشطرنج المهرة بخطط يستطيعون بها قتل الملك وذلك بالقيام بسلسلة من الحركات المعروفة تماما، تسمى «خنق الملك(3).» وفي هذه المناورة المكونة من خمس خطوات، يُضحَّى بالوزير بغية جذب إحدى قطع الخصم إلى مربع يسد على الملك طريق الهرب. وكان لدى اللاعبين أيضا خيار قتل الملك بثلاث خطوات فقط وذلك بالقيام بسلسلة نقلات غير مألوفة. وعلى غرار ما حصل في دراسات <لاشنس> لأوعية الماء، أخفق معظم اللاعبين، هنا أيضا في اكتشاف أكثر الحلول كفاءة.
 

وخلال بعض تلك الدراسات، سألنا اللاعبين عما كان يدور في أذهانهم. فقالوا إنهم عثروا على حل خنق الملك، وأصروا على أنهم كانوا يبحثون عن حل أقصر، لكن من دون جدوى. إلا أن هذه الإجابات الشفهية لم تقدم فكرة عن سبب عدم تمكنهم من العثور على حل أسرع. وفي عام 2007 قررنا تجريب شيء أكثر موضوعية بقليل: تعقب حركات العين بآلة تصوير بالأشعة تحت الحمراء. فأجزاء لوحة الشطرنج التي كان اللاعبون ينظرون إليها، ومدد تحديقهم في البقع المختلفة عليها، يمكن أن تُعلمنا من دون لبس عن جوانب المسألة التي كانوا يرونها، وتلك التي كانوا يتجاهلونها.
 

 
[اكتشافات]
ثمة أكثر مما تقع عليه العين(***)
  لقد ثبت أن لعبة الشطرنج التي تتطلب جهدا فكريا فائقا هي طريقة رائعة لعلماء النفس لدراسة مفعول المألوف أي ميل الدماغ إلى الالتصاق بالحلول التي يعرفها، بدلا من البحث عن حلول قد تكون أفضل. وقد بينت التجارب أن هذا الانحياز الفكري يغير، بالمعنى الحرفي للكلمة، كيفية رؤية لاعبي الشطرنج، حتى الخبراء منهم، لرقعة الشطرنج التي أمامهم.
لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) 2014_09_10_53
  التفسير: رؤية نفقية(4)
  كشفت تجهيزات تعقب حركة العينين أنه بمجرد أن يقع لاعبو الشطرنج على حل خنق الملك(3)، فإنهم يصرفون وقتا وهم ينظرون إلى المربعات ذات الصلة بتلك المناورة المألوفة (البرتقالي) أطول منه في حالة المربعات ذات الصلة بسلسلة حركات ثلاثية الخطوات أكثر فاعلية (الأحمر الأرجواني)، ومع ذلك يصرون على أنهم كانوا يبحثون عن بدائل للحل. وفي المقابل، عندما كان خنق الملك غير متاح، انزاح تحديق اللاعبين إلى مناطق أخرى من رقعة الشطرنج مهمة للخطة التي هي أسرع.
لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) 2014_09_10_52_c
  أساتذة الشطرنج يخفقون في رؤية أسرع السبل إلى الفوز
  في سلسلة الحركات الخمس الشهيرة المسماة خنق الملك (الأصفر في الأعلى)، يبدأ اللاعب A بتحريك وزيره من المربع E2 إلى المربع E6، دافعا ملك اللاعب B إلى الزاوية. بعد ذلك يهدد اللاعب A على نحو متكرر ملك اللاعب B بالحصان، مرغما إياه على الابتعاد. وفي حركة من التضحية المقصودة، يقوم اللاعب A بتحريك وزيره إلى جوار ملك اللاعب B، وهذا ما يسمح للأخير بأن يأخذ الوزير بقلعة. بعد ذلك ينهي اللاعب A اللعبة بتحريك حصانه إلى المربع F7 ليحبس ملك اللاعب B ويمنعه من الهرب. وفي تجارب حديثة، قدم علماء نفس إلى أساتذة شطرنج تشكيلة رقعة الشطرنج المبينة في الأعلى ذات الحلين التي يمكن ربحها إما بطريقة خنق الملك أو بطريقة ثلاثية الحركات أسرع كثيرا (الأخضر في الوسط). وطلب إلى اللاعبين قتل الملك بأسرع ما يمكن، لكن عندما لاحظوا أن طريقة الخنق ممكنة، أصبحوا على ما يبدو غير قادرين على رؤية الخطة التي هي أعلى كفاءة. وعندما قدمت إليهم تشكيلة للرقعة مماثلة تقريبا مع انزياح لموقع أحد الفيلين (الأزرق في الأسفل)، وهذا ما ألغى إمكانية الخنق، رأى اللاعبون الحل الأسرع.

 

وتعقبنا في هذه التجربة تحديق خمسة لاعبي شطرنج مهرة وهم يتفحصون تشكيلة على رقعة الشطرنج يمكن أن تحل إما بطريقة خنق الملك التي هي أطول مدة، أو بطريقة الخطوات الثلاث التي هي أقصر. وبعد 37 ثانية وسطيا، أصر جميع اللاعبين على أن طريقة خنق الملك هي أسرع طريقة لمحاصرته. وحينما قدمنا إليهم تشكيلة على الرقعة يمكن حلها بثلاث نقلات فقط، وجدوا الحل من غير صعوبة. وعندما قلنا لهم إن هذه الطريقة السريعة لموت الملك كانت ممكنة في تشكيلات الرقعة السابقة، بدت عليهم علامات الدهشة، وهتف أحدهم: «هذا مستحيل، إن هذه مسألة مختلفة، ولا شك في ذلك. لقد كان من السهل عليَّ اكتشاف ذلك الحل البسيط». فمن الواضح أن مجرد إمكان تنفيذ حركة خنق الملك كان يحجب بدائل الحل الأخرى بقوة. وفي الواقع، كان مفعول المألوف قويا إلى درجة كافية لنزول أساتذة الشطرنج المتمرسين إلى مستوى اللاعبين الضعفاء جدا.
 

وكشفت آلة التصوير بالأشعة تحت الحمراء أن اللاعبين لم يزيحوا أنظارهم في الواقع عن المربعات التي اعتبروها جزءا من حركة خنق الملك، حتى عندما قالوا إنهم كانوا يبحثون عن حل أسرع، وكانوا يعتقدون أنهم يفعلون ذلك حقا. وعلى النقيض من ذلك، حينما عرض على اللاعبين الوضع ذو الحل الوحيد، نظروا في البداية إلى المربعات والقطع المهمة لخنق الملك، وعندما أدركوا أن ذلك غير مجد، وجهوا اهتمامهم إلى مربعات أخرى، وسرعان ما وقعوا على الحل الأقصر.
 

أساس للانحياز(****)
 

في الشهر 10/2013، نشرت <H. شيريدان> [من جامعة ساوثهامبتون في إنگلترا] و<M .E. رينگولد> [من جامعة تورونتو] دراسات تعزز وتكمل تجاربنا بخصوص تعقب حركة العيون. فقد وضعا سبعة عشر لاعب شطرنج مبتدئا وسبعة عشر لاعبا متمرسا أمام حالتين مختلفتين. وفي إحداهما، كانت مناورة مألوفة من مثل خنق الملك مفيدة لإنهاء الملك، لكنها تأتي في المقام الثاني بعد حل متميز أقل وضوحا. وفي الحالة الثانية، تعتبر سلسلة الحركات المألوفة ضربا من الغباء الجلي. وعلى غرار ما حدث في تجاربنا، وعندما انحصر اهتمام الهواة والمتمرسين في مناورة الحل المفيدة المألوفة، نادرا ما انحرفت أعينهم إلى مربعات أخرى قد تهديهم إلى حل أفضل. وعندما تبين أن السلسلة المعروفة كانت خطأ جليا، اكتشف جميع المتمرسين ومعظم المبتدئين البديل.
 

لكن مفعول المألوف لا يقتصر في حال من الأحوال على تجارب متحكم فيها في المختبرات، ولا حتى على الألعاب التي تشحذ الذهن كالشطرنج. بل هو أساس كثير من الانحيازات الفكرية. وقد عبر الفيلسوف والعالم والكاتب الإنكليزي <F. بيكون> على نحو بليغ عن واحدة من أشيع صيغ الانحيازات الفكرية، وذلك في كتابه «جهاز جديد»(5) Novum Organum المنشور في عام 1620، حيث قال: «عندما يتخذ العقل البشري رأيا ما... يجر كل الأشياء الأخرى إلى دعمه والاتفاق معه. ومع إمكان وجود عدد من الأمثلة أكبر وأعظم في الجانب الآخر، فإنه إما أن يهملها أو يستخف بها، أو يضعها جانبا ويرفضها وفقا لمعيار تمييز ما... فالبشر... يرون الأحداث التي تحقق رغباتهم، أما الأحداث التي يفشلون فيها، وهذا ما يحصل غالبا، فإنهم يهملونها ويتجاوزونها. لكن ذلك السلوك الخاطئ يتسلل بخفة كبيرة إلى الفلسفة والعلم حيث يلوّن الاستنتاج الأول كل ما يأتي بعده بلونه ويؤكده.»
 

وفي ستينات القرن الماضي، أطلق عالم النفس الإنكليزي اسما على هذا الانحياز هو: «انحياز التأكيد(6).» ففي تجارب متحكم فيها، بَيَّن أن البشر يميلون إلى البحث عن أدلة تؤكد أفكارهم ويتجاهلون كل ما يمكن أن يتعارض معها، حتى عندما يحاولون اختبار نظرياتهم بطريقة موضوعية.

 

وعلى سبيل المثال، أعاد <J .S. گولد> [من جامعة هارڤرد] في كتابه «الإنسان ليس مقياسا صحيحا»(7)، تحليل بيانات استشهد بها باحثون آخرون يحاولون تقدير مستوى الذكاء النسبي عند مجموعات عرقية وطبقات اجتماعية وفئات جنسية مختلفة، وذلك بقياس أحجام جماجمهم أو أوزان أدمغتهم، مفترضين أن الذكاء مترابط(8) مع حجم الدماغ. واكتشف وجود تشويه كبير في البيانات. ومن ذلك أنه حينما اكتشف عالم الأعصاب الفرنسي أن أدمغة الفرنسيين كانت في المتوسط أصغر حجما من أدمغة الألمان، برر الاختلاف بأنه نتيجة للفرق في متوسط أحجام أجسام مواطني الأمتين، ولم يقبل بفكرة أن الفرنسيين أقل ذكاء من الألمان. لكن عندما وجد أن أدمغة النساء أصغر من أدمغة الرجال، لم يطبق التصويب السابق نفسه معتمدا على حجم الجسم، لأنه لم يجد أي صعوبة في قبول فكرة أن النساء أقل ذكاء من الرجال.
 

لكن المفاجئ إلى حد ما هو أن <گولد> استخلص أن <بروكا> وآخرين من أمثاله لا يستحقون اللوم وفقا لما قد يتراءى لنا. فقد كتب يقول: «في معظم الحالات التي ناقشناها في هذا الكتاب، يمكننا أن نكون على يقين نسبيا بأن الانحيازات... كانت مؤثرة من دون أن نعرف ذلك، وأن العلماء اعتقدوا أنهم إنما كانوا يسعون إلى الحقيقة التي لا تشوبها شائبة». وبعبارة أخرى، فكما لاحظنا في تجاربنا على الشطرنج، أعمت الأفكار المألوفة جدا أعين <بروكا> ومعاصريه عن الأخطاء الموجودة في تعليلاتهم. وهنا يكمن الخطر الحقيقي لمفعول المألوف. فقد نعتقد بأننا نفكر بعقل منفتح، غير مدركين البتة أن دماغنا يوجه انتباهنا انتقائيا بعيدا عن جوانب من بيئتنا يمكن أن توحي إلينا بأفكار جديدة. فأي معلومة لا تتوافق مع الحل أو النظرية المعهودين عمليا يجري تجاهلها واستبعادها.
 

ولطبيعة انحياز التأكيد الخفية عواقب مؤسفة في الحياة اليومية، وذلك وفقا لما جرى توثيقه في دراسات عن اتخاذ القرارات من قبل الأطباء وأعضاء هيئات المحلفين في المحاكم. ففي مراجعة للأخطاء في التفكير الطبي، لاحظ الطبيب <J. گروبمان>، أن ما يحصل في معظم حالات التشخيص الخاطئ هو أن «الأطباء لم يتعثروا بسبب جهلهم بالحقائق الطبية، بل أخطؤوا في التشخيص لأنهم وقعوا في الفخاخ الفكرية» فمثلا، حينما يحول مريض من طبيب إلى طبيب آخر، فإن تشخيص الطبيب الأول يمكن أن يخفي عن عيون الثاني تفاصيل مهمة ومتناقضة عن حالة المريض الصحية يمكن أن تغير التشخيص. إنه لمن السهل أن يقبلوا بالتشخيص، أو بالحل، الموجود أمامهم فعلا، بدلا من إعادة التفكير في الحالة برمتها. وعلى نحو مشابه، فإن مختصي الأشعة الذين يفحصون صورة أشعة سينية للصدر مثلا، غالبا ما يركزون اهتمامهم في أول شذوذ يرونه، وتفوتهم ملاحظة إشارات واضحة أخرى من قبيل انتفاخ قد يدل على سرطان. لكن عندما تعرض عليهم تلك التفاصيل الثانوية بمفردها، فإنهم يرونها على الفور.
 

وكشفت دراسات ذات صلة بالموضوع أن أعضاء هيئات المحلفين في المحاكم يبدؤون باتخاذ القرار عن كون المتهم بريئا أو مذنبا قبل تقديم كل الأدلة بوقت طويل. وفي المقابل، فإن انطباعاتهم الأولية عن المتهم تغير من كيفية تقديرهم للأدلة اللاحقة، وحتى من تذكرهم للأدلة التي رأوها من قبل. وعلى غرار ذلك، إذا وجد عضو في لجنة مقابلات للتوظيف أن أحد المرشحين وسيم وجذاب، فسوف ينظر تلقائيا إلى ذكاء ذلك الشخص وشخصيته بطريقة أكثر إيجابية، والعكس صحيح. إن هذه الانحيازات تنجم أيضا عن مفعول المألوف، لأنه من الأيسر اتخاذ قرار بشأن شخص ما إذا أمكن الحفاظ على رؤية ثابتة له، بدلا من الانخراط في التمييز بين أدلة متناقضة.
 

هل من الممكن أن نتعلم كيف نقاوم مفعول المألوف؟ ربما، ففي تجاربنا حول لعبة الشطرنج والتجارب اللاحقة التي قام بها <شيريدان> و <رينگولد>، وجد بعض اللاعبين المتمرسين من ذوي المهارة الاستثنائية، مثل كبار أساتذة الشطرنج، الحل الأمثلي الأقل وضوحا فعلا، حتى حينما كانت مجموعة من الحركات البطيئة المألوفة ممكنة. وهذا يوحي بأنه كلما كان الشخص أكثر خبرة في مجاله، سواء كان ذلك في الشطرنج أم العلم أم الطب، كان هذا الشخص أكثر مناعة تجاه الانحيازات الفكرية.
 

إلا أنه ليس ثمة من هو ذو مناعة كاملة. فحتى كبار أساتذة الشطرنج فشلوا حينما جعلنا الحالة صعبة بقدر كاف. لكن التذكر المستمر لكونك عرضة لمفعول المألوف هو طريقة جيدة لمواجهته. فمثلا، عند النظر في الدليل على الإسهام النسبي لغازات الاحتباس الحراري(9) في الاحترار العالمي، سواء أكانت تلك الغازات طبيعية أم من صنع البشر، تذكر أنه إذا كنت تظن أنك تعرف الجواب فعلا، فإنك لن تحكم على الدليل بموضوعية، بل سوف ترى الدليل الذي يدعم الرأي الذي تتبناه أنت، وسوف تعتبره أقوى مما هو عليه وتجده أسهل تذكرا من الدليل الذي لا ينسجم مع رؤيتك.
 

إن علينا أن نتعلم الاعتراف بأخطائنا إذا كنا نريد بإخلاص تحسين أفكارنا. وقد أتى عالم الطبيعة الإنكليزي <Ch. داروين> بطريقة شديدة البساطة والفاعلية لتطبيق ذلك. فقد كتب: «لقد اتبعت... خلال سنين كثيرة، قاعدة ذهبية هي أنه حينما أصادف حقيقة منشورة أو ملاحظة أو فكرة جديدة تتعارض مع نتائجي العامة، فإنني أسارع إلى تسجيلها دون تأخير. وذلك لأنني وجدت من تجربتي أن أمثال تلك الحقائق والأفكار كانت أكثر عرضة للنسيان من نظيراتها المفضلة.»

 




المؤلفان

 
     Merim Bilalic - Peter McLeod     
<بيلاليك> أستاذ علم الإدراك في جامعة كلاگنفورت بالنمسا، وباحث رئيسي في جامعة توبنگن بألمانيا. وقد فاز بحثه عن مفعول المألوف (الموقف المتخذ سابقا) بجائزة جمعية علم النفس البريطانية عن الإسهام المتميز لرسالته في الدكتوراه بعلم النفس لعام 2008.
 
 <ماكلويد> زميل فخري في كلية الملكة بجامعة أكسفورد، ورئيس مؤسسة أكسفورد لعلم الأعصاب النظري والذكاء الصنعي.
لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) 2014_09_10_52_b
لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) 2014_09_10_52_a




  مراجع للاستزادة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

لماذا تَحجِب أفكارٌ جيدة أفكارا أفضل(*)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» لماذا أفضل العيش في دولة علمانية الثلاثاء 16 حزيران (يونيو) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حميد زناز
» لماذا أفضل العيش في دولة علمانية الثلاثاء 16 حزيران (يونيو) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حميد زناز
» أفضل من الأرض(*) قد تكون الكواكب المختلفة تماما عن كوكبنا الأرض أفضل مواطن للحياة في الكون.
» أفضل من الأرض(*)
» هل ستتوحد الفيزياء مع حلول عام 2050 ؟(*) من المنتظر أن تتيح لنا التجارب التي تجرى في عدة مراكز أبحاث في العالم أخرى إتمام النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، لكن من المحتمل أن تتطلب نظريةٌ موحَّدة لجميع القوى أفكارا جديدة تماما

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: منبر البحوث المتخصصة والدراسات العلمية يشاهده 23456 زائر-
انتقل الى: