الوجود الالهي ومشكلة الشر عند سبينوزا

لوجود الالهي ومشكلة الشر عند سبينوزا

يعتبر سبينوزا بالنسبة للكثيرين فيلسوفا مؤمنا بالله ايمانا شديدا وفيلسوفا عميقا متنورا اما بالنسبة الى البعض الاخر ممن اخطئوا في فهم فلسفته اعتبروه فيلسوف ملحد حلولي غامض وربما يعود هذا الى ان سبينوزا يبدأ فلسفته من الله او الطبيعة وهو يعدهما شئ واحد مما سيؤدي الى سوء فهم فلسفته لدى البعض ممن ارادو لي فلسفة اسبينوزا الى ماديتهم الخاصة بهم يرى سبينوزا ان الترتيب السليم لتفكير الفلسفي يتطلب ان نبدأ بما هو اسس انطولوجيا ومنطقيا اي بالماهية الالهية او الطبيعية ثم نستنتج استنباطا ماتؤدي اليه تلك الماهية الالهية او الطبيعية وبهذا يختلف اسبينوزا اختلافا بينا عن الاسكلائيين وعن رينيه ديكارت فديكارت مثلا يبدأ من الكوجيتو (انا افكر اذا انا موجود) ولا يبدأ من الله كما عند سبينوزا يقسم اسبينوزا كتابه الشهير الاخلاق الى مقاطع خمسة الاول في الله والثانية في النفس وطبيعتها واصلها والثالثة في الانفعالات وفي عبودية الانسان في قوة العقل او في حرية الانسان !!

ان يبدأ بالله بدل الانسان فذلك يعني اذا تصور الله خاطئا فأن صورة الانسان لا يمكن ان تكون صحيحة والله بتحديد سبينوزا له جوهر والجوهر هنا يختلف عن المفهوم التقليدي لدى الميتافزيقا وهو ما لا يحتاج مفهومه الى مفهوم شئ اخر يكون مشتقا منه والجوهر يتكون من المحمولات وهذا يعني من الصفات التي يعتبرها العقل اساسية وحالات الجوهر هي ما يطلق عليه سبينوزا اسم (modi) ام ما هو نهائي فيحدد اسبينوزا بالشئ الذي يحده شئ اخر من الطبيعة نفسها على سبيل المثال ان الجسم يعتبر نهائيا لاننا لا نستطيع باستمرار ان نتصور جسما اخرا اكبر منه في هذه الاثناء لايمكن لاي فكرة ان تحد من الجسم لان الفكرة ليست من الطبيعة نفسها اما الله فهو وجود لا نهائي باطلاق اذ لامجال ان يحوي في ذاته اي نفي وهو يقوم بمحولات كثيرة لامتناهية يستنتج اسبينوزا من ذلك ان الله واجب الوجود وانه الجوهر الاوحد وهو بذلك غير قابل للقسمة ام الاشياء الممتدة والخاضعة للمعرفة فهي بالتالي اما صفات الله او هي حالات لصفات الله حدد اسبينوزا اذا وبالدرجة الاولى من هو الجوهر اللانهائي ومن ثم ما هي الحالات النهائية(العالم والانسان) والفرق يمكن ان يتحدد ايضا بمفاهيم اخرى غير الجوهر والعرض فالطبيعية الطابعة (الخالقة) ليست متماهية مع الطبيعة المطبوعة (المخلوقة) ولكن
كل ما هو موجود موجود في الله فالله هو الوجود الحقيقي ولا يمكن ان يوجد شئ بدونه ولا ان يدرك بدونه ايضا ولقد اجاب سبينوزا عن السؤال السخيف ما اذا كان يعتبر ذلك حلولا بالشكل التالي اذا كان ثمة اناس يعتقدون ان الله والطبيعة سواء فهموا ذلك على سبيل الكثر او المادة المتجسمة واحد وهما الشئ نفسه او ان هذا الوجود هو الله فانهم مخطئون بذلك كليا ان المساواة الله او الطبيعة تعني ان الله هو الطبيعة الخالقة (الطابعة) وكل شئ موجود فيه قد اصبح مطبوعا وهو مدين في وجوده لله تعالى ثم على كل معرفة ان تحيط بصفات الله او باحواله وليس بأي شئ اخر وهذا ما ذهب اليه الفيلسوف الصوفي المسلم محي الدين ابن عربي

مشكلة الشر عند سبينوزا
نجد سبينوزا يقرر ان الشر شانه شان الخير ليست له اية حقيقة ذاتية وانه فقط مجرد تصور عقلي صادق بالنسبة الى الانسان وحده لكنه غير موجود في الواقع يقول سبينوزا ان الخير والشر لا يدلان على شئ ايجابي في الاشياء الواقعية منظورا اليها في ذاتها وليسا الا حالين من احوال الفكر او تصورين نحن نتصورهما حين نقارن بين الاشياء بعضها وبعض والواقع ان هو ان الشئ الواحد لايمكن ان يكون خيرا او شرا في نفس الوقت او لا هذا ولا ذاك ويقول اسبنوزا في موضع اخرنحن نسمي شرا الامر الذي نكره وذلك بحسب ما يشعر به الشخص الذي يحكم على الشئ انه حسن او شئ او احسن او اسوأ هو الاحسن او الاسوا وعلى الحكيم الا ينجز وراء هذه الوجدانات بل عليه ان يبقى ناصعا هادئا بعيدا عن الفرح او الشكوى عليه الا يفعل والا يكره وعليه فقط ان يتعقل ويتأمل ويعرف واذن الشر لا يوجد في ذاته بل هو امر نسبي فقط ونحن الذين ننعت شيئا ما بانه شر ونجد ان هوبز يسير في نفس الاتجاه فهو يعتقد ان كل انسان يسمي خيرا ما هو ملائم له هو ويسمي شرا ما لا يسره فالالم يبدو لنا شرا مطلق ولكن من دون الالم لا يوجد هناك شئ مستحق ان حجم الالم والعذاب هو انعكاس على عدم قدرتنا من التمكن من عناصر السعادة وهو احساس نحسه عندما نشعر باننا لسنا على الشاكلة التي نريدها وكذلك الموت قد يكون نعيما لم يعاني من الاكتئاب العصابي الحاد وقد يكون جحيما حينما ينتزع منا احد افراد عائلتنا و اصدقاءنا وهكذا.....

المراجع
اسبينوزا (الاخلاق) (القسم الثالث)
اسبينوزا (الاخلاق( (القسم الرابع)(المقدمة)
هوبز (الطبيعة الانسانية)
(اسبينوزا في الاتحاد السوفييتي)
موسوعة الفلسفة (عبدالرحمن بدوي)
يوسف كرم (تاريخ الفلسفة الحديثة)

توقيع جهم بن صفوان

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحـــا * وَآفَتُــهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيــــمِ

وَلَكِـــــــنْ تَأْخُـذُ الآذَانُ مِنْــه * عَلَى قَـدَرِالقَرَائِحِ والعُلــومِ

الوجود الالهي ومشكلة الشر عند سبينوزا

الوجود الالهي ومشكلة الشر عند سبينوزا :: تعاليق

الوجود الالهي ومشكلة الشر عند سبينوزا