** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 رواق سقراط الفكر بما يرجع إليه وحده مطاع الصفدي سؤال العتبات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

رواق سقراط  الفكر بما يرجع إليه وحده مطاع الصفدي سؤال العتبات Empty
27092012
مُساهمةرواق سقراط الفكر بما يرجع إليه وحده مطاع الصفدي سؤال العتبات

رواق سقراط








الفكر بما يرجع إليه وحده


مطاع الصفدي


سؤال العتبات


راهنيه اللحظه السقراطية


في الحديث اليومي السؤالُ هو
انتظار الجواب.وهو عتبة توصل إلى الباب. فينبغي البحث عن السؤال في غير
مادته. إنه منقول إلى الجواب . والسؤال الذي لا يلقى جواباً يفتقد قوامه
وتسقط دلالته . ذلك أن التداول يركن إلى الأجوبة . والخيال العام لا يصبر
على إثارة سؤال يعجز عن تجاوز ذاته . فلا يزال كل سؤال معلقاً بجوابه . ومن
مهمة الجواب إلغاء السؤال الذي سبقه ودعاه إلى التواجد . إن السؤال وميض
موقت لا يلبث أن يحترق ليضيء شمعة قول آخر.والجواب قد يحتمل السلب والإيجاب
,القبول أو الرفض. لكن السؤال وقفة بين الحالين . ودون أن يدفع الجواب إلى
الحسم في إتجاه معين ,فإن له وقفة بين الحالين ,مما يعني أن السؤال قد
يفتح مفترقاً ,من غير أن يكون له جهة ما . وما أن تتحدد الجهة حتى يختفي
المفترق .

والتداول في الأصل يطلق أخبارا,
شائعات, وأقاويل .هنالك ضمير الغائب :ويقال وقالوا, عرفنا أن , وعرفوا,
وليس لهذا الضمير سوى أن يطرح ما في جعبته ويمشي إنه ليس مكلفاً ولا يكلف
أحداً مهمة الشك أو البرهان أو الإنكار . تلك كانت ثوره الآوردوكسا
الإغريقيه , أي الفكره بالمعنى الأفلاطوني ,على الدوكسا,أي الشائعة أو
الرأي العادي . وعقلانية الفلاسفة الثلاثة , سقراط أفلاطون أرسطو ,أنماجاءت بثقافة الأوردوكسا لتضع حداً لشبه العقلانية المخادعة لدى السفسطائيين, والحقيقة فإن سقراط
هو أول من ابتنى ثقافة السؤال مقابل أكوام الجواب . هنالك حركة استقلالية
للسؤال تجعله يجلس منقطعاً عما ينبغي أن ينتهي إليه من حصائل المعرفة
الإيجابية . السؤال السقراطي يتشبث بموقعه الانفصالي ذاك .إنه يؤسس لما سوف
يسمى بفلسفة البدء . فالسؤال بدء لكنه لا ينتهي في كل ما يلحق به من خطوات
مسافوية .

إنه ذلك البدء الذي سيظل يوجد في كل ما يتبعه . والبدء هذا كان له مصطلح الواحد الرياضي
, ثم الواحد الميتافيزيقي . فهو الرقم الموجب الأول بعد الصفر , والذي لا
بد أن يتضمنه كل رقم يتبعه . لكن (البدء)السقراطي اعتصم بالسؤال ورفض أن
يتقدم عليه قيد أنملة . من هنا كان بَدءُ السؤال الفلسفي . ذلك أن كل
الأجوبة التي قد يقدمها تاريخ الفلسفة والإنسان معاً على مائدته لا تسدّ
رمقه . وحده السؤال الفلسفي الذي يجترح بينه وبين الجواب مسافةً لا يمكنها
أن تفضي إلى ..الجواب.. وكل المذاهب التي ابتدعت أجوبة
,وجلَّلَتها باليقين والثبات ,انتهت إلى الأدلجة . والفلسفات النادرة ,
الناجية من جهنم الأدلجه هي تلك التي احترفت المكوث أو التشرد ملء المسافة
بين البدء والنهاية , بين السؤال والجواب . فلم تتورط في جواب يدفن أسئلته
الأولى أو يخفيها إلى الأبد . كما أنها لم تعتصم بالموقع التسآلي إلى الحد
الشاكّ النهائي . وسقراط الشكاك غير النهائي , تلقفته (فكروية )أفلاطون
شبه الدوغمائية ,ثم تجاوزته دوغمائية الأورغانون الأرسطي , المنطقيه
الكاملة . غير أن السقراطية افتتحت تاريخ العقلانية , لكنها فضلت سُكنَى
العتبة فقط . فمهما اعتلت وتَعَملَقت بعدَها قصورُ الدوغمائيات , يبقى أن
الدخول إلى متاهاتها وقلاعها وأقبيتها , إنما يقوم على , ويعبر من
(العتبة)., وبعض الداخلين يفضلون الارتداء سريعا إلى العتبة حيثما يمكنهم
الاحتفاظ بموقع قد يلتقط (الداخل )و (الخارج )معاً بنظره واحدة ,انحرافية
تفرعية دائماً . هنالك لحظه سقراطية في تاريخ كل مذهب أو فلسفة ,لا تشكل
عتبتها فحسب , بل تخوماً حول ذاتييّ مركزيتها , بحيث إن اللحظة السقراطية
لا تؤهل المذهب في عين ذاته فحسب , إلا عندما يمكنها,كما شكّلت عتبته , أن
تشكل مخرجه , وتعود لتخرج منه سالمة كما دخلته . والفليسوف المشروع عند
نفسه ,هو الذي يمكنه أن يربط بين أللحظه السقراطية بين (راهنيتها)وبين
(آنية)أجوبته . بما يؤكد استمرارية تلك اللحضة بعد كل عروضه الخاصة .وأقصى
ما يطمح إليه هو أن يتمكن من إدراج توقيعه في بعض هوامشها , بما يؤكد
استمراريتها ,وإن بطريقة مختلفة . فالأجوبة تمضي ويبقى السؤال . يبقى بعد
أجوبته باحثاً عن الجواب الذي لم يلتقيه بعد . والأصل ليس في الجواب ,عكس
ما هو متداول ,بل يمثّل السؤالُ ذلك الأصل الذي لا ترجع الأجوبة إليه ,بقدر
ما أن الأصل نفسه يلي كل ما يأتي بعده , من أجوبة أو سواها

كل الأجوبة التي كانت تقدم إلى سقراط
في الشارع الأثيني , لم تكن كافية أو وافية إلا لدعم جهل المسؤول ..الجهل
ليس هدف السؤال السقراطي إلا بالقدر الذي يعني :الجهل فيه ليس اللاعلم ولكن
:إقراراً بحالة اللاعلم . فإن الوقوف في منطقة خارج
العلم إنما يتحدد بهذه الجهوية فحسب .وهنا فالجهل لا يتقرر بالنسبة لذاته ,
ولكن بالنسبة لنقضيه العلم . إنه استشعار بالعلم الذي لا يعرفه بعد, كل
معرفة تالية لا بد أن تعبر من هذه العتبة . فالجهل الذي يعرف نفسه إنه كذلك
, يشكل بوابة العلم الوحيدة . وبدونه فالجهل إدعاء مطلق بالمعرفة .

العتبة ليست هي كذلك إلا لأنها
تشعر صاحب الخطو أنه قارب الدخول إلى البيت . فالعتبة , واقعة خارج المدخل ,
لكنها لا يمكن أن تكون كذلك إلا لأنها تحمل شيئا من المدخل وما سوف
يُدْخَلُ إليه . العتبة حافّةُ البراني مع الجواني . فهي امتداد لرحابة
البرية واستعداد لولوج منطقة السر . لكن العتبة كذلك المدخل معاكس. إنها
عتبة البر ملاصقة لمدخل البيت. فالخارج من البيت كالعائد إلى العالم من
جديد.والعالم لا يقف على عتبة البيت فحسب , لكنه يستقبل كل خارج من البيت ,
وداخل إليه _أي إلى العالم إن الدخول إلى العالم يحمل صفة أو فعل الدخول
كذلك . لكن غَلَب فعْلُ الخروج على الذاهب إليه . وصاركلُّ تغلغل في شوارع
المدينه و أمكنتها . من معاني هذا الخروج . وهذا التغلغل عينه له غموضه
الخاص أيضاً . والسائح في غموض العالم ليس كالمُرتكن إلى سُجُوّ البيت . إذ
إن غموض الخارج مرصود كله إلى الخارج . والسائح فيه مظطر أن يتعامل مع
غموضه تحت أنظار البرية كلها . اللاجىء إلى بيته ليس كالمتشرد ملء العالم ,
ومع ذلك يقوم البيت في العالم كحَدّ داخل على برانيته . إنه الطوية الأولى
التي تنقل كهف الجبل إلى مراح الشوارع كلها . البيت اختراعٌ مُأَنْسَن من
البداية . لأنه يُشَخصن إلى حد ما بعض جوانبيته . وأن يمتلكَ المرءُ بيتاً
في العالم , فهذا مؤداه أنه انتزع حيزاً من غموضه وجعله حكراً له_ انه
الطوية الاولى في انسراع العالم .

والبيت ليس تكثيفاً للحميمية
فقط . بل شيء أقرب إلى الصميمية ,. ويصير البيت غلافاً عظمياً , بل صخرياً
لهلامية هذه الصميمية كيما لا تندلق في كل اتجاه . الإنسان حيوان بحري ,
هلامي قوقعي أصلا . وهو يفارق قوقعته حتى يعود إليها لكن عندما تنكسر
القوقعة يفقد العالم حينئذ جهويته , هكذا السؤال , فإنه منسحب إلى العالم .
إلى البرانية بداخلية سره الخاص . وسرّ السؤال أنه الباقي دائماً بعد كل
إجابة . السؤال هو العتبة هو حدّ البرانية موشكة على الانفراط فيما يتعدى
كل حد , وهو حدّ الجوانية , مما لا يغنيه عن سؤال ذاته إن كانت تلك
الجوانية ممتلئة بالشيء أو اللاشيء .السؤال عتبة لأنه لا يتقهقر إلى الخارج
الذي أتى منه , ولا يتقدم نحو الداخل الذي يهدده بالانطواء و الانمحاء .
والسؤال السقراطي هو أساساً بداوة شوارعية مدينية اثينية . والبداوية تلك
لا تحتمل بيتاً ساكناً , ولكن بيتاً يسكن حركة الشوارع كلها , وسقراط في النهاية يكفُّ عن السؤال , لأنه يصير صيرورة لبيت السؤال . سقراط (بيت السؤال) جوّابُ شوارع المدينة . وآفاقها الممزقة . والتقارب بين ملفوظة : جاب , وأجاب
, صدفةٌ لغوية سعيدة , هناك ثمة ارتحال شبقيّ متعشّقُ جَسَدَ كلِّ سؤالٍ
يطمح طموحاً فلسفياً . فالجسدي الراغب بالجسد الأخر يحمل معه إليه كل
جسديته , لا لكي يتخلى عنها أو يتحرّر مهنا , بل لكي يكسب بها , جسديةَ
الآخر , فالسؤال لا يتخلص من نفسه بلقاء ثمة جواب ما , بقدر ما يتضاعفُ في
ذاتيُّ _ التسآل _ نحو جواب يعادل برانية السؤال وتسكُّعه على عتبات
الابواب المغلقة . ذلك أنه ليس ثمة جوانية تعادل برانية السؤال

وليس كل مغلق داخلياً بالضرورة ,
كما أنه ليس كل منفتح أو جوّاب آفاقٍ برانياً بالفعل وليس بين حدي هذه
القطبية أفعال تفضيل , أو اية مقايسة منطقية أو ميتافيزيقية . والجهوية في
هذه المشهدية تكاد تكون معماريةً خالصة . صحيح أن السؤال مَحَلُّه هو
اللسانُ , لكنِّ موضوعَه هو حاملُ هذا اللسان نفسه , والعالمُ كله من حوله
وفيه , والشمولية في السؤال الفلسفي ليست نقصاً فيه . ولا إفقاراً له ,
لكنها تؤلف جسر الاتصال الاستثنائي بالثابت الوحيد في المحايثة كصيرورة
.وهو ثابت التغير الدائم . فلم يسءإلى الشمولية شيء كالتعريف المنطقي
للمفهوم (الذي كلما اتسعت قاعدته الكمية افتقرت خصائصه الكيفية ),في حين أن
الشمولي يعني علاقة طردية بين الكم والكيف في آن , وليس علاقة عكسية لأن
الشمولي يفتح المحدود على المحدود , جاعلاً الحد الذي يفصل ,هو الذي يصل
بينهما , فعلياً وليس تجريدياً أما اللامحدود فهو ثبات هذه العلاقة من كون
أن الحد هو الذي يحدّ وجمع في آن . فلا يضير الحدِّ أن يخسر كَيْفه المحدود
في النقلة إلى المحدود الآخر والآخر .. لهذا فالكم والكيف في صيغة الشمول
مظطردان معاً.

النُقْلَةُ هي الثابت الوحيد في
الصيرورة . وهي العملة أو المفردة النادرة التي تريح اللامحدود من فراغه ,
ومن تبعثره الفالت . المفردة التي تُعَبّرُ عن إمكان الانتقال من محدود
إلى محدود , من جواب إلى آخر , دون أن يظطر هذا الانتقالُ نفسه إلى اتخاذ
شكل ثابت له , ودون أن تفرغ جعبته , في أي وقت , من بروز محدود معين أو
اختفاء سواه . فالسؤال هو انتقال الشمولي نفسه من صيغة الامتلاء بالكم
اللامتناهي والكيف المتناهي إلى صيغة الامتلاء بالمتغير وحده , بالفجائي
والفوري , الذي لا يثبت شيئا أخر غير فجائيته وفوريته .

إن كان السؤال يبحث عن الآصل , فذلك لأن مهمته أن يذكِّر ب(الشيء),
من وراء التصورات والاعتداءات والآراء المتراكمة فوقه , تحجبه وتغيّر منه .
وهنا ينبغي التنبه إلى أن السؤال الفلسفي ليس تذكيراً ,أو بحثاً عن أصل
الشيء . ولكن عن الشيء عينه باعتباره أصل ذاته , أو على الأقل بما هو عليه
واقعاً . ليس البحث عن (الأصول) بهذا المعنى سوى البحث عن الأشياء كأشياء
أو كأصول ذاتها , والمقصود واحد . ليس ثمة اصلٌ للشيء عينه , وأصله هو
متغِّيره الفريد الذي يجعل منه ما هو عليه أو ما هو ليس كذلك . هو أصله
الذي يحمله معه يغيّره ويتغير معه وفيه .

كل ذلك لأن الشيء هو عينُ ظهوره
. لا شيء يختفي او يتخفَّى فيه إلا ظهورُه ذاك . فما يخفيه لا يجيء منه ,
ولن يتساقط عليه مما ليس له أو منه . حتى (مفهوم )الجوهر فإنه لا يؤسس
الظهور ولا يستوعبه ,بل يغدو أضعف منه , لأن الظهور يحتمل في سياقه الجوهرَ
,وكذلك اللا جوهرَ .

كل ما أبدعته فلسفة الظهور ,على يد مؤسسها الحديث هيغل _وطبعاً قبل هوسيرل
الذي اعتمدها منه_ هو استعادة الفكر كظهور ,بما يؤكد ارتجاع السؤال
الفلسفي من سلطة المنطق الآرسطي إلى لحظة التسآل السقراطية .أو بما يعيد
إدراج المعرفي في جوار الميتافيزيقي , وليس (تحت)قبته .فالتقدم حَلَقِيٌ
دائريٌ . بحيث إن كل نقطة تفارقها الحركةُ لا بد ان تعود وتلقي بها ,فإذا
ما نُظر إلى التقدم الدائري من وجهة منطقية أرسطية ,انحلَّ إلى مجرد
(دورفاسد),ويصدق بذلك هذا المصطلح المدرسي كلياً هنا.أما إذا نُظر إليه من
خلال المحايثة , فإن تقدم الدائرة هو تعاظم اتساعها واستيعابها, كالشبكة
التي تتواصل وهي تتفاصل .لكنها تغطي أوسع مساحة ,بالفكر هو الظهور . يولد
فيه ويتنامى معه . ويتماهى فيه . الظاهرُ ليس هو السطحي مقابل العميق .
لكنه هو كل ما يعرضه الشيء عن ذاته وبذاته ,حتى ما يخفَى منه فقد يندرج في
منحنى من مناحي إستراتيجية ظهوره عينه ويمكن أن نتدرج في هذه الاستراتيجية
حول الظهور والخفاء , إلى أن نبلغ كينونة هيدغر التي يغدو كل ظهورها هو من قبيل (انسحابها).

لا يقف الفكر خارج الظهور
ليتأمله . إنه ينبثق في الظهور ويغدو إحدى ظاهراته . ولكنها تلك الظاهرة
التي تتميز بالسؤال . فالظهور يتعامل مع ذاته عبر سؤال الفكر عنه وعن
حادثة ظهوره فيه . إذ إن الظهور ليس معطى أولياً , ولا واقعاً نفسياً .
وحياديته ليست بريئة تماماً والتباسه الأصلي أنه لا يظهر قبل اكتشافه . إنه
ظهور لا يبرأ من مكتشفيه , والمكتشِف ليس خالق الظهور ولا مبدعه , لكنه من
يلتقيه . كل هذا التوصيف يجعل ثمة تخارجاً بين الفكر والظهور , في حين أن
الأساس هو التماهي بينهما . فلا يجيء الفكر عبر السؤال إلا والظهورُ نظيرُه
وظهيره . والسؤال يجعل العلاقة بين الفكر والظهور علاقة إشكالية تُقسم
الذات إلى عينها و_لآخر ههنا تتركز أطروحة دلوز حول ما يعنيه من الواحد _الكل
. وهو على عكس الفلسفة الكلاسيكية , لا يريد أن يتورط من جديد في تحديد
العلاقة بين الواحد والكل . إذ ليس ثمة علاقةٌ إلا لفظيةً فحسب , وقد أُرغم
السؤالُ على الانحصار بين حديها . في حين أن محل السؤال ليس في هذه
العلاقة _لأنه لا علاقة أصلاً _,ولكنه هو السؤالُ _الفكرُ الذي هو عينه
يصير هو آخر ,مع بقائه عينَه باستمرار.

الفكر لا يبحث عن الظهور , لا(
يسأل) عنه. لا يتصور الفكرُ نفسَه أنه يمكنه أن يوجد خارج الصيرورة . حتى
العدم ليس خارج الصيرورة , فلا محل للفكر إلا داخل الصيرورة , ليس هناك
وحدة وجود بين المفارِق _الفكر هنا _ والمحايث ,بل تتضح الحالة الفريدة
التي تدلّ على كيفية الفكر , على طريقة وجود (داخل)الصيرورة , من خلال
استعارة معمارية تسريعية معاً, وهي أن الصيرورة ليست إلاّ تتابعاً من
تقاطعات الفكر مع المحايثة . ليست مهمةُ الفكر ههنا تجسير العلاقات بين
أزواج من المفاهيم . لا يأتي الفكر بالمفارقة إلى تصميم المحايثة , ليس
إلهاً,لا خارجَ العالم _العقلانية الميتافيزيقية_,ولا داخله_عقلانية
الحداثة الكلاسيكية_.فلقد جاء هيدغر بثورةِ أن الاختلاف
الذي يدخل إلى العالم مع الزمان , مع الإنسان , مع اللغة ولكن ما هو هذا
الاختلاف الذي (يدخل)العالم,وأين كان و أين كان وأين محلّه قبل هذا الدخول
. ؟أليس الأصح القول إن العالم هو الواحد _ الكل الذي يلقَى هويته في ثبات
الاختلاف كاختلاف إن العالم هو(حمولتُه)الدائمه من الاختلاف .

ليس هذا التوصيف شعرياً فكروياً
, لكنه كوسمولوجي رياضي , وهو كون الارضيه الافتراضيه للنظرية النسبية
تنتمي إلى الفيزياء الكونية , لكنها في الوقت عينه تولج في الفكر على هيئة
الرياضة النسبية . فالنسبية هي لغة الفكر كونياً, وهي
الجواب (الواحد) مقابل(الكل), الكون, الذي يبقى مع ذلك سؤالاً, أو سؤالَ
نفْسِه على الأقل . فالمسافة بينَ (الواحد) و(الكل)هي حدسية و فورية على
مستوى التجريد , لكنها على المستوى العيني تمتلئ بمتغيرات لا محدودة ,إنها
البريّة الوحشية التي تعدو فيها كل (الاختلافات). وبالتالي فإن الاختلافات
نفسها هي الأشياء. فالاختلاف أقرب المفاهيم إلى الواقع و أبعدها عن
التجريد . ولقد اعتبرت وظيفة العقل أنها موحِّدة. وإنها طريق الإنقاذ
الوحيد من الفوضى التي هي السديم , الكاوس , ونُظر إلى الكاوس وطناً مخفياً
للامعقولية , إنه ما يقع خارج الحدود . والحدود أو التعيينات هي انتصارات
وفتوحات العقل , يسجلها بحق الفوضى وضدها في آن . كأن العقل يطارد الأشياء
(المجهولة)ويعتقلها في مسلسل أسبابها . إن الكشف عن السبب يبطل الشيء
كسؤال. أما إذا ظل السبب مجهولاً فهذا قد يطيح بالشيء كشيء, يخرجه عن ساحة
المعقول .

ومع ذلك يجيء من الفلاسفة من
يعتبر أن “السبب الغائي” يغطي على السبب العلّي . فالشيء ليس في السبب
السابق عليه, و المكوّن له, بل في الغاية التي وجد من اجلها. والغاية كامنة
في الشيء , وليست كالسبب الذي يسبق الشيء ويختلف عنه . فالعلة الغائية
كافية بمعنى أنها تحقق هوية الشيء , تمنحه دلالته , أو وظيفته . إن (لايبنيتز)مسكونٌ
بالهم الميتافيزيقي الذي ينبغي أن يسبغه على الكوسمولوجيا كيما يغدو لها
معنى . فالكون غائيُّ ذاته , لأنه يحقق ما هو كائن عليه , باعتباره يمثل
اتحاد جوهره وأعراضه معاً . السؤال الفلسفي الذي في أصله هو كوني ,إنما
يتقصد في النهايه إدراك الغايات العليا, لكن مثل هذا الطموح الذي يوصف
بالمدرسي , انسحب من دائرة التعقيل التجريدي والمتعالي , حتى يغدو السؤال
الفلسفي أكثر تواضعاً . لم يعد باحثاً عن سبب عِلِّيِّ قبل الشيء , ولا
غاية لاحقة بالشيء . فالسؤال الظاهرة هو ظاهرة , ويحتمل ما تحتمله أية
ظاهرة , من التكوّن والفساد , من البيان والخفاء , هذا لا يعني أن الجواب
ينطوي على سؤال آخر .لكن السؤال, والفلسفي منه خاصة , هو سؤالُ عينه كما هو سؤال غيره. له ظاهرتُه المنتمية إلى الظهور كما هو حال كل الأجوبة المفترضة أو المنتظرة .

الظهور ليس سكونياً . تحركه
الأسئله و الأجوبة . فهو ظهورٌ ليس مرشحاً لأن يظهر كله , ولا أن يغيب كله .
والعلاقة معه علاقةُ كشفٍ وانكشاف , وليست علاقة إبحار في المجهول
(كالعالم )ولا انغمار في المغيوب (الدين والتصوف ).بل هي علاقة انتظار باحث
عما ينتظره . وقد يلقاه ولا يلقاه . فالكاشف هو كشف الانتظار عينه . ولا
يهم هذا الانتظار أن يعرف ما يبحث عنه سلفاً أو لا يعرف . لكن الآتي بعد
ذلك الانتظار لن يحمل كشفاً أو سراً جديداً, لم يكن يحمله انتظارُه عينُه
من قبل , وعلى نحو ما .

الفلسفيُّ :السؤال؟


تاريخ الفلسفة الحقيقية , هو
تاريخ الأسئلة وليس الأجوبة . وبينما تنخرط جميع العلوم الأخرى في تقديم
الأجوبة أو الحلول , أو أشكال اليقين والمعارف , فإن الفلسفة هي أفقر
الفقراء في هذا الميدان . ليس لديها أية معارف , وإن اعتقد الكثيرون أنها
في أصلها هي البحث عن المعرفة .صحيح هي :البحث عن …لكن مسألة الوصول .. إلى _المعرفة
,إلى هذا الحد الثاني و الشاطىء الآخر من العبارة , هي غير المتحققة
بالمعنى المتداول . ليس للفلسفي ما يتطلبه خارج ذاته , رغم أنه يتدخل في كل
ما يعنيه ولا يعنيه , لا يتجاوز البحث نفسه (إلى)المعرفة إلا لكي يرتدَّ
إلى البحث. وقد يحق للآخرين أن يصفوه بالبحث النافل والعقيم . إذ إنه في
حين ينشغل الناس بهمومهم , فإن السؤال الفلسفي لا شاغلَ له حقاً . رغم
تطلُّبه الكلَّ دائماً فإنه ينقصه الواحد. ولهذا لا يسير
السؤال في طريق واضحة , كما أنه لا يتوقف عند التقاطعات الملتبسة . بالأحرى
فإن أرضه بدون دروب أو تقاطعات تشبه الأرض البور التي تسبق العمران .
وتشبه الأرض التي إنهدم فيها العمران . أما العمران نفسه فليس من شأنه .

الثابت الوحيد في الصيرورة هو
كونها التغّيرَ الدائم . وهذا ما يطمح السؤال إلى أن يجعله مكانَه.أي إن
(مكانه)هو الذي (يكون)دائماً.وإن مجاورة التكون أو الإنفجار في تيار (الصائر )يحتمل
معه مغامرة اللا تكون و اللا الصائر . والسؤال ليس وقوفاً على هذا الشفير
بين الصائر وما يصير أو لا يصير إليه .ذلك ما يدعيه على الاقل لكنه سرعان
ما يبدِّدُ نفسه إدعاءاتِه .فإن المقارنة بين ما يكتبه فيلسوفان في ذات
البرهة التاريخية , وفي عين الظروف , تبرز كم هي مساحة الاختلاف عظيمة بين
الكتابتين , بالمصطلح والصياغة , بالهم والقول , بالغة والمنطق. ومع ذلك
فكل كتابة تقيم فلسفةً , وحتى :الفلسفة عينها , أو لا شيء على الاطلاق .

امتياز السؤال الفلسفي إنه كلما
شرع في تناوله فيلسوفٌ , فإنه يكتبه كما لو إنه لم يكتبه أحد من قبله .
حتى عندما يعرض نصُّ لهذا المفكر ,لنص آخر لمفكر آخر, فكأنه يعرض لما لم
يكن قائماً. والسؤال الفلسفي لا ينمو . كل نُمُوّه أنه يحبو .لأنه طفل لا
يكبر أبداً . يظل ساذجاً وجاهلاً ومرتبكاً أمام أبسط حقائق العام وأشيائه
.تتسمر عيون الناس على المناظر . وليس في عيون الفيلسوف أي منظر . ويُقال
إن الدهشة حالته الدائمة . لكن ماذا يرى حتى يُدهش حقاً!

ويقال إن السؤال الفلسفي
مَجْلَبَهٌ للشك ومَهْلَكةٌ لكل يقين. ولقد كان كثير من فلاسفة التبشير
يدعون أنهم يؤسسون قواعد اليقين ,كما ينفدون دعائم الشك . لكن السؤال
الفلسفي أثبت أنه لا يقدم أية ضمانة سواء للسلب أو للإيجاب . وهو في الوقت
الذي يدمر عدته الذاتية باستمرار,كيف يمكنه أن يخترع عُدَّةً للأخرين
السؤال الفلسفي لا شيء لديه يعطيه او لا يعطيه , سوى خوائه . وهو خواء
عنيد ليس تواقاً للامتلاء . بل لعله يكافح كيما يحتفظ بخوائه ذاك ,فيما
تزدحم كل الفراغات بمخزوناتها .السؤال الفلسفي متخفّف سابقاً من كل حمولة
,حتى حمولته اللغوية والدلالية معاً . فلا ترضيه أيه لفظة , أية دلالة ,
تُلقى على كاهله .ويفرح أن يُدْخِل الخلاء إلى الممتلىء واللامعنى إلى
المعنى . وأنه إذا ما تورّط واندرج داخل أية جوانية , فإنه يكافح للاحتفاظ
ببرانيته وهو في الدواخل كلها .ومنذ زمانٍ ,والسؤالُ الفلسفي يرفض ادعاء
الأعماق أو حديث الأعماق .كلما التقى عمقاً قَصَفَهُ ببعض حمولته من الخواء
,فتناثر العمقُ شذراًمذراً وطفحت بقاياه فوق السطوح .العمق هو كل
مايخلّفه وراءه سقراط مشائياً في شوارع المدينة . وهو
عندما عزا إلى نفسه مهمة توليد المعاني على شاكلة زوجته مولدة الأطفال.
فإنه كان في الواقع يخاتل ويمازح , ويسخر حتى من نفسه , لأنه كان يعلم أن
صنعته الحقيقية ليست سوى الإجهاز على المعاني من اجل تلك اللامعاني الأخرى
التي قد يأتي بها فن التكوين أو التوليد ,او لا يأتي .فالتوليد ليس مسؤولاً
عما يولده إن كان إنساناً أو مسخاً , أو مجرد لا شيء .

السؤال الفلسفي هو أصلاً
,وبالتحديد تسآلُه . ولو كان غير ذلك لما كان سؤالاً . إنه أللحظة,والعتبة
التي تمنع على الحسم , بين ما يسبقها وما يلحقها , بين الخارج والداخل
السؤال يولد في (الظهور)ويخشى على نفسه من أن تعتقله أيةُ عتمة . لا يمكنه
أن يفارق حياديته المطلقة أمام مغريات أو إكراهات كل الأجوبة .حياديّتُه
تصونه من التحول إلى مجرد جواب ما .ولذلك فالسؤال الفلسفي معتصم بحال واحدة
. لا حالَ لها , وهي التسال فحسب . حتى أنه لم يعد يعتبر
أن تسآله ذاك هو توقع الإستفهام .ليس دعوةً للفهم ,ولا شحاذاً واقفا على
عتبات الأبواب الموصدة .بل يكاد يشكّ أنه لا يزال هناك عتبة للمعرفة أو
للحقيقة . لم يعد يجرؤ عل مثل هذه الإدعاءات القروسطية مطلقا إنه (فرد)
قانع بجهله غير المؤكد بعد. إنه لا يستفهم من أجل الفهم ,ولكن من أجل وضع
الفهم نفسه موضع تسآل .ولا يقدم معرفة لأنه يحمل صدوع اللامعرفة إلى كل
معرفة قانعة بذاتها على أنها كذلك .مشكلة السؤال الفلسفي أنه مسكون
باللامعنى منذ الأصل . ولذلك لا يمكنه أن يرى من الفهم مصنعا لإنتاج
المعاني ,بل يراه ,بالاحرى مختصا بصناعة البدائل, يستعيض عن المعنى
واللامعنى بأنسجة التصورات .وهي أنسجة قابلة للاتساع
وللتراكم طبقات فوق بعضها ,مما يحجب تحتها هم المعنى واللامعنى . إذ أن
التصور إختصاص (الفاهمة )من العقل , التي وظيفتها اختزال العالم عالم
الظهور كله ,إلى مجرد مفردات لغوية مفهومية .من هنا غُرْبة السؤال الفلسفي
وغرابته في أن معاً. غربته في بحران تلك التصورات \المفردات , وغرابته لأنه
ليس مفردة , بلفردا . ومهمة السؤال الفلسفي باعتباره فردا,عندما ينزل بين
الناس و(الأفراد)الآخرين,ان يأتيهم وكأنه سقراط السفسطائي,قبل الأفلاطوني ,او كأنه زرادشت النيتشوي
,أو (الكائن _الكينونه)الهيدغري .فالسؤال الفلسفي هو (الإنسان الأخير
)كذلك ,دون أن ينتظره اي مستقبل تحقيبي. لانه أشبه بالزمان(الاخر)الذي يتقاطع مع كل الأزمنة التاريخية ,دون أن يغدو تاريخياً أو تاريخانياً:إنه الراهن



وأخيراً لماذا نقول عن
السؤال إنه فلسفي . ولم لا يكون السؤالُ نفسه وهو الفلسفيّ أصلاً فالفلسفي
كصفة لا تنضاف من الخارج السؤال إلى بنيته الفطرية . فأي سؤال لا يكون أصلا
,فلسفياً! وأي فلسفي يمكنه أن يبرح السؤال خطوةً او لحظه ! كلاهما محل
مزدوج لدلالة واحدة , وناقصة, ولا تكتمل أبداً , فالواحد لم يعد اكتمالياً
على طريقة أرسطو , وقد يعود فيثاغورياً في النهاية .لأنه
ذلك الواحد الرياضي الذي يحتاج إلى مالا يتناهى من الوحدات العددية قبله
وبعده , سلباً وإيجاباً . إنه الواحد الذي لن يكون كذلك,ال__واحدا,إلا
إذا شهدت كل الوحداتالعدديةعلى قيامه ,ونقصانه في أن , على قيامه كواحد ,
وهو في انتظار كل ما يليه ويتجاوزه مع الإحتفاظ بنفسه كواحد دائماً على
نقصانه لأنحاجته إلى الكل, لا يحدّها أي كل . فإن نسبية أينشتاين
لا تريد أن تقول أكثر من هذا ولكن ضمن تعابير رياضية ووظيفية علمية . ومنذ
أن قامت نظرية المجاميع les ensembles,فلقد صار ممكناً جَلْبُ اللامتناهى
إلى صلب المعادله الرياضية ليس كقيمة تخييلية أو هامشية , بل واقعية
إمكانية.

وعلى هذا , فإن سؤال الواحد
الكل يبدو أحياناً لغلاة العلمويين , أشبه ببقايا ميتافيزيقية زائلة . قد
إصبح سياقاً محورياً للعلوم الفيزيائية الفضائية .فالكونية أو الكلية ليست
تجريداً ذهنياً , وما تَشَوَّقَ السؤال إلى هذه الكونية ,إلا لأنه كان يلقى
ترميزها شبه الوهمي في فطرته عينها. وكل ما يفعله السؤال أخيراً ,بعد
الرحلة الفلسفية والعلمية الشاقة ,أنه يعمد إلى (تلويث)الواحد ببعض هذا الكل . ومنذ أن اكتشف هيغل
أن تَعَيُّن الشيء بمثابة نفي لكل ما عداه, فإنه حَرَّر السلْبَ من احتكار
المنطق له ضمن وظيفة شكلانية , ودشّن بذلك استثماراً جديداً للسلب كلاعب
رئيسي في تفعيل أقنوم الواحد الكل ,أي في استرجاع السؤال إلى حافة الكونية
,حيثما مكانُه القلق العريق , كأنما السؤال هو الواحد , الذي ما أن تقوم
قائمة حتى يمكن للكل أن يحضر ,إن كان حضوراً منسحباً , لكن الكل لا يمكنه
أن يحضر حقاً إلا وهو منسحب , وإلا لم يعد كلياً .

صحيح أن الانسحاب ليس هو السلب . وهذا هو الفارق الأنطولوجي بين استثمار السلب كحد حاسم وقاطع مع هيغل
ومثالية القرن التاسع عشر ,وبين الصيرورة _السلب ,التي تقدم الحضور حركياً
دائماً لما يأتي ولما يغيب في ان واحد . فدلالة الانسحاب تستوعب السلب
وتتجاوزه . تعطيه بروفيلاً أكثر إلفةً ومدنيةً . وفي الوقت ذاته تسمح
للسؤال الفلسفي ان يستردّ العتبة ,ويحتل الحافة بين كل المساحات,دون ان
يقطع أسيراً لساحة واحدة بعينها ,لحافة واحدة.

إن السؤال يسأل نفسه وموضعه
معاً . ذلك أن السؤال هو طريقة للاتصال بالآخر ولا بدَّ من اختيار الطريقة
,وفحص الطرق المتاحة ,والتقرب من الموضوع فالسؤال يضفي من طبيعته ,من تساله
, على أدواته , وهو قبل الحديث عن إشكالية المنهج , فإن له قَلَقَلُهُ
المشروع حول الوسيلة والجدوى من كل تحققٍ له من كل ما سوف يحدث له . وقبل
أن يصبح المنهج أهم أبحاث الإبستمولوجيا , كانت له
أشكاليته الأنطولوجية من إشكالية السؤال نفسه . ذلك أن منهج السؤال في
إثارته وتشكيله. وأساليب تحققه وتوجهه نحو الهدف , يجعل من السؤال إشكالية
نفسه أولا قبل أن يكون إشكالية الموضوع . وهو لا يمكنه أن يتخلى عن ذاتيّ _
تسآله طيلة ارتحاله عبْرَ تسآل الأغيار فلا يمكن للسؤال
أن يقف خارج مغامرته . لا يترك للاخر أن يعطي , ويكتفي هو بالتلقي . ما
يتلقاه السؤال من الجواب أو الأجوبة لا تملأ فراغه , ولا تسدّ جوعه, ولا
تقطع إلحاحه . لا يرتدّ عليه من الأجوبة ما كان يتوقعه , أو يحدس به
ويصطنعه اصطناعاً أولياً ,إذ يظل السؤال باحثاً عن جواب لا يتوقعه أبداً
.وخروجُه عن نفسه , ومن نطاق نفسه , ليس ذلك إلا طمعاً بالفُجاءة التي لا
يعرفها . اذ عندما تسكت كل الاسئلة يبقى سؤال الجواب وحده قائماً . ذلك أن (ديوجين)يصرّ
على إضاءة مصباحه والتجوّل به في وقت الظهيرة . ليس ذلك إلا لأن السؤال
الفلسفي يطلب تعييناً في اللامتعين بحيث يذكِّر المتعين _المضيء,
باللامتعين_اللامُضاء بعد في كل لحظاته.

فالسلب بعد هيغل وماركس
ليس زمناً موقتاً . ليس ثمة ديالكتيك مثالي أو مادي يمكنه أن يقّربه
ليلغيه . لم يعد السلب استثماراً , بيد العقل استخدامُه متى يشاء وإقصاؤه
متى يريد . اصبح المتعين ليس سوى طريقة تكثيف للامتعين , فالسلب لا يقع
على حوافي المتعين لكنه يؤسس تعينّه كذلك . والسؤال هو الصيغه شبه
العقليةالتي تجسِّر العلاقة بين المتعين واللامتعين , إنه سؤال التكثيف
الذي يحتاج إلى كلِّ من المتعين واللامتعين معاً .هو الجسر الذي لا يوجد
بين الضفتين منفصلتين فحسب , بل متداخلتين , وعرضة للانجراف إلى عمق النهر
بينهما , والذي قد يكوّنهما ويدمّرهما ساعة يشاء .

والسؤال السقراطي عندما ينزل ما
بين الناس لم يكن يهدف إلى تسفيه المسؤول عند نفسه . لم يكن بلوغ حال
الإقراربالجهل ذا مغزى أخلاقي أو اجتماعي . فالجهل هو إستدعاء السلب من
جديد كحافّة واقعيه للمعرفة .هذه الحافّة الحركية التي تغزو كل ما
تَحْتَبِسُه ورائها, والإقرار بالجهل ليس الدرجةَ الأولى في سلَّم المعرفة .
لكنه هو المال الحقيقي لكل معرفة , لأنه يسترد الحافة من كل شيء
مُنْدَلِقٍ صائرٍ وصيروري . سقراط كان أقصى ما لديه من
الإيجابية هو أن يجعل السؤول (يعلّم)أنه جاهل . تلك هي وضعية السلب على
صعيد المعيوش . لأن العلم بالجهل ليس من الضروري أن يدفع إلى التعلم أكثر ,
أو إختار الطريق الأفضل للمعرفة . ليس الأمرُ مسألةً إبستمولوجية أو
تربوية على الإطلاق ,لكنها أشبه ما تكون فوزاً نادراً , يتيح للمحةٍ ,
التقاطَ حافةٍ لكينونة وهي تنسحب . هذا الترميز الكوني اكبر الذي ابتكره هيدغر من أجل ان يعيد إنزراع السؤوال خلف كل باب مُوارَبٍ . إنه اعادة تشغيل الكاوس داخل أبنية الكون , وليس في ضواحيه فحسب , أو فيما يتخطاه .



إن الرحلة الطويلة الشاقة
الغنية التي أنجزها وابتناها الجدل الهيغلي من أجل أن يفسر الكينونة
الفارغة من كل تحديد بما يمكن أن تصنعه وتمتلىء به , ما أن تتحرك مع نقيضها
المفترض , الذي هو منها وهو جوهرها على كل حال , أي الذي هو العدم هذه
الرحله التي صار اسمها التاريخ الكلي للروح ,أو للمطلق الكينوني المتجسم
عبر حركة التاريخ الإنساني , يريد هيدغر أن يقطعها عكسياً
, أي يتراجع هابطاً إنجازاتِ التاريخ نفسها لاسترداد حقبة ذلك اللانظمام
الأول , المتخيل والمرمّز والمفترض ,لكنه هو الكفيل وحده باستعادة العتبة
التي ليست هي البدء , بل قد يجعل البدء ممكناً . لا ممكناً.

أن الكينونة تحتاج إلى الزمان ,
إلى التاريخ كيما ينشء لها لغة ترميزية تساهم في إنشاء موازاة لِلُغْزها,
ولا تجد مثل هذه الحاجة قابلة للتجسّد إلى بفاعلية السلب , وذلك , كما شهدت
عليه اعمال هيغل العملاقة , فإن هيدغر يتعامل مع
الكينونة من خلال وأهملت سؤال الوجود , أو تلك الحالة الإنسانية التي تضع
الكينونة عينها موضع إشكالية ,من خلال اشكالية وجودها_أي الحالة الإنسانيه .
وهو البدء الخاص الذي يكتشفه هيدغر لأول مرة . ويتميز به ليس عن الفلسفة التقليدية ,بل عن التيار الألماني المثالي والنقدي , من كانط وهيغل
, لأن القضية الإشكالية , أو جوهر التسال لم يعد يحفل بالثنائية أصلاً
,ليس مضطراً للإختيار بين (الكل )او (الواحد), لكنه متورط و مُنْهَمٌّ بهذه
العلاقة الإلتباسية مع نفسها أصلاً :الواحد_الكل ,في أن .ذلك أن الإنهمام
بالكل ألغَى السؤال الفلسفي ليحلَّ مكانَه الترميزُ التجريدي فالديني ,
وأخيراً الإيديولوجي كذلك فإن الإنهمام بالوحد قد أدى إلى توزعات العلوم
الإنسانية بين النفسية والإنسانية (الأنثربولوجيه)والحيوية (البيولوجية
).وهكذا لن يتم استرداد السؤوال الفلسفي إلا عندما تحضر إشكالية الواحد الكل
, التي لا تأسر الوجود في خانة الحد الأول ,أي الواحد , ولا تنشر الكينونة
عبر لا نهائية الحد الثاني (الكل). فالوجود أو الموجود ليس شِبْهاً ولا
عَرَضاً . وهو لا ينزل نزولاً ميتافيزيقياً أو إسكاتولوجياً من الكل .كما
أنه عندما يصير الواحدُ هو الكل أو العكس ,فالحدان يفرغان من أي مضمون
مجدداً والأفلاطونية هي التي أسَّست هذا النوع من الإختيار الذي يختصر
العلاقة بين الحدين إلى مجرد محاكاة , ويُسْجَنُ الفكرُ في اختيار عقيم
لأحد الحدين :تارة عن طريق التفريق بينهما على قياس الفرقة بين الأصل
والشبه , بين الواحد والكثرة ,بين الهوية والاخر ,بين المنتِج (بكسر التاء)
والمنتَج(بفتحها), وتارةً كاختيارٍ لآحد الحدين ضد الأخر .وكان جدل
الترابط أو التآخذ ,الكشف والستر , بين الاصل والأشباه , اختصر السؤال إلى
مهمة المحقق الأمني أو الإجتماعي الذي يخترق الأستار ,ويكشف عن الأصول و
الأسباب العميقة ,مقابل الأشباه و الأغراض .وكذلك فإن الإنشغال في البحث عن
(العلة الاولى)أسس تقاليد السؤال الفلسفي , قروسطياً دائماً
. وقد كان أوضح جوابٍ مغلوط اخترعه الأفلاطونية , ثم قدسته الأديان ,
وجسدته الأيديولوجيات الكليانية المعاصرة ,إذ فقد السؤال بذلك موضوعه وهو
سؤال ذاته ,ليغدو سؤالَ الأصل والشبه . والواقع فليس (نسيان الكينونة) إلا
لتواري السؤال,واحتلال الجواب لمكانه ومكان السؤال ,وبنيته الأنطولوجية
الإشكالية , ودوره الفوري والاراهن , في وقت واحد . كان ذلك هو موت السؤال
قبل أن يولد.

والأجوبة المغلوطة ليست مقتصرة
على الافراد ,بل إن الجماعات كأمم وثقافات يمكن ان تنخرط في أفخاخ الخطأ
وتتعامل معه من وراء القدسيات والعادات الجمعية والإسقاطات الوهمية .لكن
المسألة ليست في الجواب الصح أو الجواب الخطأ , مع ذلك .فالأجوبة تتساوى
جميعها من حيث المعيار ,عندما ينعدم السؤال أو يغيب . وقد تنسلّ وتتسلسل
الأجوبة من بعضها ,إلى ما لا نهاية ,ويسمي بعضها البعض الآخر بأسئلة ,وهي
ليست كذلك أبداً. الفوز بالسؤال يتطلب كسر الحلقات المفرغة التي تدور فيها
سلالات الأجوبة المتناسلة عن بعضها .والفكر المعتصم بسؤاله يصير أشبه بذلك
الشاعر الجاهلي الصعلوك المطرود والمطارد من قبل القبائل جميعها . والناس
إما أنهم يركنون إلى دواخل بيوتهم . أو جائلون في الشوارع , لكن احداً لا
يمكث بين بين , على العتبات وحدها فقط . ذلك هو الموقع والموقف الأكثر
خطراً دائماً .رغم أن موقع العتبة , موقف لا معقول لكن اعتباراً منه قد
تشتغل العقلانيات , ومع ذلك فكل عقلانية لا تُكَبِّدُ نفسها عناءَ احتمالها
لعتبتها عند كل بلاطة تبتنيها في قصرها المنيف, ولهذا السبب سرعان ما
تُسقط المذاهبُ حسابَ العتبات من سجلاتها.,فتختنق داخل القصور المنيفة التي
تصبح بدون مداخل ولا مخارج .إلا إن السؤال الموغل في قاعات القصر ودهاليزه
, لا يكفّ عن التلفت وراءه حتى لا يفقد طريق الرجعة , براعته الخاصة هي
انسراعُه اللماح في اجتياحاته البرقيه لمعظم القاعات والدواوين المغلقة ,
وفي انسراعه الأكثر نحو المداخل التي تغدو مخارج , وإطلاق قدميه مع الريح
,اعتباراً من العتبات القائمة هناك, نحو كل إتجاه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

رواق سقراط الفكر بما يرجع إليه وحده مطاع الصفدي سؤال العتبات :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

رواق سقراط الفكر بما يرجع إليه وحده مطاع الصفدي سؤال العتبات

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» مطاع الصفدي فيلسوف التفكيك
» سؤال الحداثة السياسية عن «المدنية الوطنية» التحقيب الحضاري والهُويّ النقدي مطاع صفدي
» : . . رواق الفلسفة سوسيولوجيا ماكس فيبر
» سؤال الفلسـفة.. سؤال الحرية
» حوار مجلة رواق الشباب

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: