** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

  الثورة والعلاقات المدنية العسكرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سوسية
" ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
 الثورة والعلاقات المدنية العسكرية Biere2
avatar


عدد الرسائل : 315

الموقع : ساحة الحرية
تعاليق : احب الحياة لانها حرة ومستعدة ان استشهد من اجلها لانها الحرية
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6

 الثورة والعلاقات المدنية العسكرية Empty
22092012
مُساهمة الثورة والعلاقات المدنية العسكرية

الثورة والعلاقات المدنية العسكرية



د. عبدالفتاح ماضي


مقدمة


من الموضوعات ذات الأهمية في ثورات
الربيع العربي موضوع معالجة العلاقات المدنية العسكرية في مرحلة ما بعد
اسقاط النظام القديم. فنظرا لطبيعة المنطقة العربية الجيواسترتيجية
واستهدافها من قبل الصهيونية وحلفائها الغربيين، فضلا عن ضعف النخب
السياسية المحلية وشخصنة الحياة السياسية والحزبية، فقد شهدث عدة دول عربية
في مرحلة ما بعد الإستعمار عمليات تسييس للمؤسسة العسكرية انتهت إلى تحكم
هذه المؤسسة في مقاليد الأمور بشكل مباشر أو غير مباشر منذ الإستقلال وحتى
يومنا هذا.
ومع اندلاع ثورات الربيع العربي
وتطلع الشعوب العربية إلى نظم حكم ديمقراطية تقوم على حكم القانون
والمؤسسات والمواطنة، وتحترم حريات الإنسان وكرامته، وتضع سياسات تنموية
حقيقية تستفيد منها الطبقات الفقيرة قبل الميسورة، ظهرت إشكالية جديدة
قوامها: كيفية معالجة موقع المؤسسة العسكرية في النظام الديمقراطي المنشود
في ظل تعاظم دور المؤسسة العسكرية، ومعها المؤسسات الأمنية والمخابراتية
الأخرى، لكن دون تعريض البلاد إلى خطر التقسيم في الداخل أو الإستهداف من
الخارج. هذه إشكالية حقيقية بالنظر إلى أن هناك جيوش تسيطر على أجزاء ليست
باليسيرة من الاقتصاد الوطني، كما أن هناك جيوش ذات طبيعة طائفية أو قبلية.
هذا ناهيك عن العلاقات المميزة التي ربطت بعض قيادات هذه الجيوش بالدول
التي تقدم لها السلاح والتدريب والتمويل. وفي ظل التوتر القائم منذ عقود
فيما يخص الصراع العربي الصهيوني ووجود دولتين رئيسيتين على الحدود مع
فلسطين المحتلة من دول الربيع العربي، فإن الأمور تزداد تعقيدا.
تهتم هذه المقالة بمسألة معالجة
العلاقات المدنية العسكرية في الدول التي تشهد تغييرًا جذريًا في أنظمتها
السياسية نحو الديمقراطية، وتحاول، بنظرة مقارنة، تقديم عدة دروس وعبر
مستمدة من حالات التحول الديمقراطي التي تمت في العقود الأربعة الأخيرة.
ولتحقيق هذا الغرض تتضمن المقالة موضوعات ثلاثة رئيسية، هي: التمييز بين
عدد من المفاهيم ذات الصلة بالانتقال إلى الديمقراطية، العلاقات المدنية
العسكرية في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، العلاقات المدنية العسكرية في
مرحلة التحول الديمقراطي وترسيخ نظام الحكم الديمقراطي.





أولا: التمييز بين المفاهيم الرئيسية للتحول إلى الديمقراطية:

في الحالات التي شهدت تحولا سياسيا
نحو الديمقراطية يتم التمييز عادة بين عدد من المفاهيم. أولها الإنتقال
الديمقراطي (democratic transition)، والذي يشير إلى تحويل السلطة من يد
الحكام المطلقين إلى حكومة ديمقراطية منتخبة، أي اجتياز المسافة الفاصلة
(threshold) بين أنظمة الحكم غير الديمقراطي وأنظمة الحكم الديمقراطي.
وعادة ما يتحقق الانتقال بعد انهيار النظام القديم، وتوافق القوى السياسية
على اختيار النظام الديمقراطي الجديد بمؤسساته وإجراءاته وضماناته المتعارف
عليها. في هذه الحالة لا يتخلص النظام الديمقراطي الوليد من كل المشكلات
التي كانت قائمة قبل الانتقال مثل تجاوزات العلمية الانتخابية، أو انخفاض
الوعي السياسي، أو تخلف الوسائل الإعلامية، أو بالطبع نفوذ المؤسسة
العسكرية والأجهزة الأمنية.
يلي ذلك عملية التحول الديمقراطي
(democratic transformation) – وهي عملية ممتدة بمراحل متعددة تختلف
أبعادها من دولة إلى أخرى، وقد تشتمل على عمليات مرتدة تعمل في الإتجاه
المعاكس، وتنتهي (في حالة النجاح) إلى حالة جديدة هي ترسيخ قواعد النظام
الديمقراطي (democratic consolidation)، بمعنى الحالة التي يمكن معها
القول، بقدر كبير من الثقة، أنه لا خطر على النظام الديمقراطي لا من الجيش
ولا من الأحزاب ولا من الجماهير ولا من الخارج. إنها الحالة التي توصف معها
النظم الديمقراطية بأنها نظم راسخة (consolidated or established
democracy). وتتصل هذه الحالة الأخيرة بمؤشرات مختلفة تختلف من حالة إلى
أخرى، أبرزها وجود اجماع معقول بين النخب والجماهير على الديمقراطية وقواعد
اللعبة الديمقراطية كمبدأ وليس كإجراء، وكذا مشاركة واسعة للناخبين في
الانتخابات، واقتناع كل القوى السياسية الرئيسية بأنه لا بديل عن العملية
الديمقراطية لتسوية الصراعات السياسية، وعدم وجود مؤسسة ما أو جهة قادرة
على أن تتدعي لنفسها حق الإعتراض على قرارت وسياسات صناع القرار المنتخبين
كالمؤسسة العسكرية أو الدينية، وشيوع الثقافة الديمقراطية وسط الشعب وغير
ذلك.
وتختلف عملية ترسيخ الديمقراطية عن
إستقرار النظام. فقد يستقر النظام دون أن يتم ترسيخ الديمقراطية كما في
روسيا وأكرانيا وفنزويلا، وقد لا يقترن ترسيخ الديمقراطية بالإستقرار، فقد
يقوم نظام ديمقراطي من نوع ما لكن مع استبعاد الأقليات كما في جنوب أفريقيا
تحت الحكم العنصري والكيان الإسرائيلي منذ نشأته وحتى اليوم.


ثانيا: العلاقات المدنية – العسكرية في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية:


تشير حالات الانتقال الديمقراطي إلى
أن المهمة الأساسية في هذه مرحلة الانتقال، فيما يتصل بالعلاقات المدنية –
العسكرية، هي التركيز على إخراج الفئة الحاكمة (الجيش أو الحزب الشمولي
الأوحد) من السياسة وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة. حدث الأمر مرة
واحدة وسريعا في اليونان 1974، لكنه استغرق عدة سنوات في البرتغال
والأرجنتين وغيرها.
وفي واقع الأمر لا يوجد هناك طريق
واحد لإنجاز هذه المهمة، فمن الطرق المتبعة تحالف القوى المدنية وقيامها
بعملية تعبئة وحشد لإخراج الفئة الحاكمة (الجيش أو الحزب الأوحد) مع تقديم
ضمانات للمؤسسة العسكرية أو النخبة الحاكمة سابقا وعفو عام عن مرتكبي
انتهاكات حقوق الإنسان. وهناك طريق آخر هو تحالف القوى المدنية الديمقراطية
وقيامها بعقد اتفاق (pact) مع الجناح المعتدل داخل الفئة الحاكمة كما حدث
في أرجواي وتشيلي في الثمانينيات.
وفي معظم الحالات الناجحة للانتقال
كان دعم الجيش للمتظاهرين ودعاة الديمقراطية، أو عدم ممانعته فعلا في
انتقال السلطة إليهم، عاملا حاسما، كما في إسبانيا والفلبين وبيرو ورومانيا
والأرجنتين واليونان وكما حدث مؤخرا في تونس. وفي حالات أخرى انقسم الجيش
بين مؤيد ومعارض للانتقال للحكم المدني، كما في البرازيل وأورجواي وتشيلي
وجنوب كوريا واندونيسيا.
لكن في جُل حالات الانتقال
الديمقراطي الناجحة، ظهرت تحالفات مدنية قوية ولم ينفرد فصيل واحد بمعالجة
الأمر. أي أن وجود معارضة ديمقراطية حقيقية وتوافقها وتشكيلها لتحالف وطني
واسع من القوى الرئيسة في البلاد كان أمرًا محوريًا، تحالف يستطيع أن (1)
يتفاوض على انتقال السلطة بإجماع وطني واسع، و(2) يكون قادرًا على تولي
السلطة دون التصادم مع قوى رئيسة أو مع المؤسسة العسكرية أو مع الخارج. حدث
هذا الأمر بأشكال متفاوتة في جنوب افريقيا والفلبين والمكسيك وبولندا
وجنوب كوريا وتشيلي والمجر وغيرها.
وفي الحالات التي فشل فيها الانتقال
واستمر الجيش في التأثير، كان السبب الرئيسي هو إنقسام النخب والقوى
السياسية وعدم وجود اجماع وطني على إخراج الجيش وعدم وجود بديل وطني يعتمد
عليه للجيش. فالجيش لا ينسحب إذا كان متأكدا أن البديل ضعيف وغير قادر على
السيطرة في ظل نظام حزبي منقسم وحياة سياسية تسودها الانقسامات السياسية
والايديولوجية (حالات بنغلاديش، باكستان، فيجي، بورما، تايلند). كما فشلت
حالات انتقال أخرى نظرا لتسييس بعض القوى السياسية للجيش أو عقد اتفاقيات
غير معلنة معه على حساب منافسيها. حدث هذا في باكستان وبنغلاديش وتركيا
وغيرهما.
ولا يمكن هنا اغفال دور العامل
الخارجي، ففي معظم الحالات الناجحة إما أن يؤيد الخارج الانتقال ويدعمه كما
حدث مع دول شرق أوروبا وأكرانيا وجورجيا وجنوب افريقيا، وإما أنه لم يمانع
في الانتقال، برغم أنه كان مؤيدا للنظام القديم. وقد اعتمد هذا، في جزء
كبير منه، على وجود قوى وطنية ديمقراطية استطاعت بتوافقها وتحالفها في معظم
الأحيان، أن تقدم خطابًا سياسيًا توافقيًا ومنفتحًا وغير متصادم مع الخارج
من جهة، وأن تكون قادرة من جهة أخرى على تسلم السلطة كتحالف وطني واسع في
ظل نظام ديمقراطي حقيقي من جهة أخرى. والنتيجة كانت اضطرار الخارج إلى دعم
الانتقال والتخلي عن دعم الأنظمة التسلطية، كما حدث مع الفلبين وجنوب كوريا
وغيرهما.
ومجمل القول هنا أن التركيز في مرحلة
الانتقال يكون منصبًا على وجود بديل وطني ديمقراطي يتسلم السلطة من
العسكريين. ولا يتم في هذه المرحلة المبكرة فتح الملفات المتصلة بالعلاقات
المدنية العسكرية. بل إن بعض الدول شهدت عمليات عفو عام ومصالحة وطنية ضمن
ما عرف في بعض الدول بإجراءات العدالة الانتقالية، فبناء المستقبل ووضع
ضمانات قانونية ومؤسسية لضمان عدم عودة النظام القمعي المستبد كان أهم من
فتح ملفات الماضي وتهديد مسار الانتقال ذاته.




ثالثا: معالجة العلاقات المدنية – العسكرية في مرحلة التحول الديمقراطي:


تشير تجارب الانتقال الناجحة إلى أنه
بمجرد انتقال السلطة إلى حكومة ديمقراطية منتخبة تبدأ مرحلة التحول
الديمقراطي، التي يكون على الحكومة (الحكومات) الديمقراطية المنتخبة القيام
بعدد من المهام للوصول إلى مرحلة ترسيخ دعائم الديمقراطية الوليدة. وتتضمن
هذه المهام بشكل عام كل ما من شأنه دعم المؤسسات والثقافة والممارسات
الديمقراطية كتعديل القوانين وإنشاء هيئات جديدة ودعم المجتمع المدني ودعم
التعليم المدني وتوعية الجماهير ودعم الاقتصاد الوطني ومعالجة كافة المطالب
الاجتماعية والاقتصادية المشروعة. ومن أبرز المهام في هذه المرحلة حسم
العلاقات المدنية – العسكرية في الدول التي شهدت دورًا محوريًا للجيش.
لا ينجح قادة التحول الديمقراطي في
معالجة هذه المسائل في كل الحالات. ففي دراسة لباحثة أمريكية جاء أن من بين
85 حالة انتقال بين عامي 1974 و1999 فإن هناك 30 حالة أدت إلى ديمقراطية
حقيقية مقابل 34 حالة عادت فيها البلاد إلى الحكم المطلق، و21 حالة انتقلت
فيها البلاد إلى ديمقراطية شكلية. ومن هنا تأتي أهمية الإدارة الصحيحة
والمحسوبة لهذه المرحلة.
ومعالجة العلاقات المدنية – العسكرية
تتطلب وقتًا قد يمتد لسنوات، ففي إسبانيا استغرق الأمر نحو سبع سنوات، وفي
حالات أخرى احتاجت البلاد لأكثر من عقد من الزمان كما في حالتي الأرجنتين
والبرتغال. وهذه المعالجة تعتد على عوامل كثيرة. فمن ناحية، يؤثر دور الجيش
في مرحلة الانتقال وعلاقته بالقوى السياسية في مرحلة ما قبل الانتقال على
شكل العلاقات المدنية-العسكرية بعد الانتقال. كما أن التنازلات (الرسمية
وغير الرسمية) التي تقدمها القوى السياسية للجيش قبل الانتقال تؤثر بالسلب
على قدرتها على التفاوض بعد الانتقال. ففي البرتغال كانت عملية الانتقال في
مجملها في يد الجيش ولهذا استغرق الأمر سنوات ولا يزال للجيش بعض المميزات
حتى الآن. أما في اليونان وفنزويلا فقد كانت عملية الانتقال في يد
المدنيين. ولم يلعب الجيش دورًا كبيرًا في الانتقال في اسبانيا ولهذا انتهى
الأمر لصالح المدنيين. وفي دول أخرى لعب الجيش دورًا محوريًا في جميع
المراحل كما في تايلند ونيجيريا.
ومن الملاحظ في الحالات العربية تعدد
النماذج. ففي الحالة المصرية استلم الجيش السلطة بعد الإطاحة بالنظام
القديم وانفرد بتقرير مسار المرحلة الانتقالية ما أدى إلى إرتباك هذا
المسار. وذلك على عكس الحالة التونسية التي لم يرغب الجيش فيها بالقيام بأي
دور في مرحلة ما بعد سقوط النظام. وفي ليبيا انقسم الجيش وتشكلت كتائب
خاضت حربًا ضد رأس النظام والكتائب التابعة لها انتهت بإسقاط النظام
وانتشار السلاح بين أطراف مختلفة. وفي الحالة السورية استخدم النظام الجيش
في قمع الثورة، وبمرور الوقت ظهرت انشقاقات داخل الجيش قد توصل الحالة
السورية إلى الحالة الليبية. في جميع هذه الحالات تختلف المهام التي على
القوى الديمقراطية القيام بها، ففي مصر تتمثل الأولوية في تسليم السلطة
لرئيس مدني منتخب وظهور حكومة وحدة وطنية موسعة تقود مرحلة التحول
الديمقراطي، أما في ليبيا، وربما سوريا، فجمع السلاح وتشكيل جيش وطني هي
المهمة الأولى التي بدونها لا يمكن تصور استكمال بقية خطوات التحول.
وعادة
ما تتأثر عملية معالجة العلاقات المدنية العسكرية بعدد من العوامل، أولها
شرعية وقوة الحكومة المدنية المنتخبة وحجم الدعم الشعبي الذي تمتلكه: هل هي
حكومة تتمتع بأغلبية بسيطة أم أنها تتمتع بأغلبية واسعة بالبرلمان؟ وهل
تقوم الحكومة بالضغط على الجيش في القضايا المصيرية ذات العلاقة بالجيش أم
لا؟ وما درجة التوافق والتحالف بين القوى المدنية حول مسألة إزاحة النفوذ
العسكري؟ احتاج الأمر، في الأساس، إلى نوع من الشراكة السياسية بين القوى
السياسية لمعالجة المسألة والتفاوض مع الجيش حول مستقبل العلاقات المدنية
العسكرية. هذا بجانب الطريقة التي تمت بها عملية التفاوض مع الجيش: هل قدمت
كل الطلبات مرة واحدة (في الأرجنتين قدم كل شيء مرة واحدة فكانت النتيجة
التعثر لفترة طويلة)، أم تم الأمر بشكل تدريجي (كما في حالة اسبانيا
والبرازيل)؟ وللعامل الخارجي أثره أيضا: هل هناك تهديد خطير للأمن القومي
من الخارج؟ هل يرتبط الجيش بعلاقات قوية مع دول أو دول قوية؟
كما إن الرغبة في تحقيق السيطرة
المدنية لابد أن تقترن بوجود متخصصين وخبراء مدنيين في الشؤون العسكرية
والأمنية. وتؤثر حالة الجيش من الداخل في معالجة المسألة: هل هو موحد أم
منقسم؟ في بعض الحالات خضع الجيش لعملية تحول ديمقراطي من الداخل، أي غرس
القيم الديمقراطية داخل المؤسسة ذاتها. هذا ما تم في اسبانيا على مدى فترة
زمنية ممتدة وانتهى إلى حسم العلاقة نهائيا.
وتتأثر المهمة بالسلب أيضا إذا لم
يتم فتح قنوات للحوار والتفاوض بين المدنيين والعسكريين، وينتشر بالتبعية
سوء فهم وعدم ثقة متبادلة. ولهذا ففي معظم الحالات الناجحة كان من الأهمية
خلق آليات للتفاعل بين الطرفين ووسائل يتمكن من خلالها المدنيون من معرفة
مطالب العسكريين وأبعاد القضايا الإستراتيجية من جهة، ووسائل يمكن
للعسكريين من خلالها معرفة أبجديات النظام الديمقراطية ومتطلبات بناء دولة
ديمقراطية حديثة ووضع الجيش داخلها وغير ذلك من الأمور ذات الصلة.
ويرتبط بما سبق ضرورة بذل كل الجهود
الممكنة لبناء جسور من الثقة بين المدنيين والعسكريين لتقوية الديمقراطية.
وهنا ظهرت آليات مختلفة منها اشراك العسكريين في مناقشة التشريعات ذات
الصلة بالشؤون الأمنية والإستراتيجية، ووضع نظام تدريب وتثقيف ديمقراطي
داخل الجيش، والاعتماد على خريجي العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية
في تجنيد ضباط الاحتياط، ومعاملة العسكريين قضائيًا بنفس معاملة المدنيين،
والاهتمام بنظام معاشات العسكريين، وغير ذلك.
وفي حالات أخرى، فشلت عملية حسم دور
الجيش وبقى الجيش في السلطة بشكل مباشر أو غير مباشر (كما حدث في نيوغينيا،
باكستان، بورما، اندونيسيا، تركيا)، لأسباب مختلفة أهمها أن الجيش كان على
درجة عالية من التنظيم والانسجام مقارنة بالأحزاب القائمة، ووجود درجة
عالية من الإنقسام في النظام الحزبي ودرجة عالية من عدم الاستقرار في
الحكومات. بجانب خوف الجيش من نقص الميزانية وتقليص حجمه، أو وجود طموحات
شخصية لبعض القادة. وشهدت بعض الحالات قيام الجيش بفرض سيطرته على الحياة
السياسية من خلال إنشاء أحزاب تابعة له، أو مد سيطرته على المؤسسات المدنية
أو على القطاع الاقتصادي.
وفيما يتصل بالقضايا المختلفة التي
تطرح عند معالجة العلاقات المدنية العسكرية، فيمكن القول أن هذه القضايا
تختلف باختلاف الأوضاع الخاصة بكل دولة، ومنها: من له الكلمة النهائية في
تحديد الأولويات والمصلحة القومية، ميزانية الجيش، ولاية المحاكم العسكرية
على العسكريين، شفافية الحصول على المعلومات مع ترتيبات للحفاظ على أسرار
الجيش لكن مع سيطرة الحكومة على المدى الزمني للسرية، وضع النشاطات الأخرى
للمؤسسة العسكرية تحت سيطرة المدنيين، عدم تسييس القادة العسكريين، الرقابة
المدنية عبر البرلمان على المؤسسة العسكرية، التوازن بين الأمن الداخلي
والخارجي ووضع ضوابط لتدخل الجيش في التأمين الداخلي، إسناد قرار الحرب
للبرلمان، تصديق البرلمان على تعيين كبار قادة الجيش، شؤون الترقية
والتعيين والعلاقات الخارجية للجيش في شؤون التدريب والتسليح. كما قد تقتضي
المعالجة النهائية للعلاقات المدنية-العسكرية أيضا دمقرطة الجيش ذاته، أي
نشر ثقافة الديمقراطية داخله وإعادة هيكلة المؤسسة والقيام بعملية إصلاح
مؤسسي شاملة.
وفيما يتصل بدور الجيش في حماية
الدستور على وجه الخصوص، تشير حالات الانتقال المختلفة إلى أنه كلما ارتفعت
شرعية الحكومات المنتخبة كلما تضاءلت حاجتها وحاجة البلاد إلى استدعاء
الجيوش للحفاظ على الشرعية. ومن هنا فتقوية المؤسسات والثقافة الديمقراطية
كانت في غاية الأهمية، ولم يتم بشكل عام منح الجيش مكانة مميزة في دساتير
الدول التي شهدت انتقالا ناجحا نحو الديمقراطية. لكن يجب القول أيضا أنه
عادة لا تكون الجيوش غير مسيسة بنسبة 100 بالمائة، وإنما حتى في الدول
الديمقراطية هناك مساحة سياسية للجيوش، ولذلك يكون التحدي المطلوب علاجه هو
تحريك الجيش نحو استخدام القنوات العادية الشرعية للتأثير على عملية صنع
القرار في الشؤون ذات الصلة بالجيش بدلا من القنوات غير الشرعية
كالانقلابات العسكرية أو التأثير على السلطة المدنية المنتخبة.

الحالة المصرية:


وفي الحالة المصرية كان بإمكان
المجلس العسكري أن يقود المرحلة الانتقالية لو توفرت له إرادة حقيقية
ومهارات الإدارة والقيادة أو وجد أمامه تحالف مدني قوي يقود مطالب الثورة.
ولو اطلع المجلس العسكري على حالات الانتقال الأخرى واستمع للخبراء الثقاة
لكان قد عرف أنه كان بإمكانه منفردا تحقيق مطالب الثورة وبالتوافق مع قوى
الثورة كما حدث من الجيش بالبرازيل وكوريا الجنوبية. وكان بإمكانه أيضا أن
يُشرك كافة القوى الرئيسة في وضع ملامح المرحلة الانتقالية بحيث لا يصدر
قرار أو قانون إلا بتوافق حقيقي بين هذه القوى (كما حدث بشكل أو بآخر في
بولندا وجنوب أفريقيا وبنين والسنغال وغيرها).
وبرغم تأكيد المجلس مرارا أنه سيسلم
السلطة إلى حكومة ديمقراطية منتخبة، إلا أن الأخطاء السياسية المتكررة
للمجلس أثر سلبًا على ثقة الشعب بالمؤسسة العسكرية. ومن المهم الإشارة هنا
إلى أن تجارب الدول الأخرى في شأن وعود المؤسسة العسكرية تشير إلى أن
الحالات التي يعلن فيها الجيش عن رغبته في ترك السلطة ويترك فعلا حالات
نادرة، وفي الحالات التي لا يعلن فيها الجيش عن رغبته في ترك السلطة لكنه
يبدي رغبته علانية في إقامة وضع دائم للجيش هي حالات شائعة، لكن غالبا ما
تفشل في النهاية.
ومن الأمور الإيجابية أنه ليس للجيش
تراث في انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الحريات، عدا مسألة المحاكمات
العسكرية، كما يتمتع الجيش بسمعة وطنية عالية في شؤون الأمن القومي
والمخابرات. لكن في المقابل هناك عدد من المصالح للجيش، أهمها الدور
الاقتصادي الواسع، ومسألة الخوف من الملاحقة القضائية، وموقع المؤسسة
العسكرية في الدستور الجديد من ناحية التشريعات ولا سيما المتصلة بها
بالشؤون الأمنية ومن ناحية الميزانية ومن ناحية حماية الشرعية الدستورية.
وفيما يتصل بالعامل الخارجي، في
الحالة المصرية، وعلى عكس الحالة التونسية إلى حد كبير، ثمة اهتمام خارجي
أكبر بدور مصر المستقبلي، ولاسيما توجهات السياسة الخارجية المصرية ودور
الجيش في وضع أولويات هذه السياسة، ومستقبل العلاقة مع الكيان الإسرائيلي.
ولعل المشكلة الأهم أمام معالجة
العلاقات المدنية العسكرية هي وجود قوى سياسية منقسمة سياسيًا
وايديولوجيًا، ولا ترى خطورة من التفرغ لمشاريعها الخاصة قبل الانتقال، أو
تصور بعضها أنها قادرة بمفردها على حسم هذه العلاقات.
بالإستناد إلى تجارب الدول الأخرى
وبأوضاع مصر، يمكن القول أن معالجة تحديات مرحلة الانتقال تتطلب بذل كل
الجهد للوصول إلى أكبر قدر ممكن من التوافق بين الأحزاب السياسية الممثلة
بالبرلمان والقوى الوطنية الأخرى المؤثرة خارج البرلمان، وصولا إلى تشكيل
تحالف وطني واسع أو مظلة وطنية واسعة، وربما يعتمد هذا التحالف صيغة حكومة
الوحدة الوطنية. فهذه الصيغة مجربة تاريخيًا في الدول التي شهدت انقسامًا
من نوع ما، بل تم تقنينها والتوافق عليها بين الفرقاء السياسيين في أول
حكومة بعد أول انتخابات ديمقراطية في جنوب افريقيا عام 1994.
هذه الحكومة الوطنية الموسعة ستحقق
عدة وظائف في التعامل مع التحديات المختلفة، إذ سيساهم الجميع في معالجة
الإرث الثقيل للنظام البائد وبناء الإنسان المصري الجديد ومصر الجديدة،
وتشرف الحكومة على الاستحقاقات السياسية (انتخابات الرئاسة ووضع الدستور ثم
الانتخابات المحلية وربما انتخابات برلمانية جديدة). هذه مهام لا يمكن
تصور أن يقوم بها فصيل واحد، وهي أيضا لا تحتمل تنافس الأحزاب المختلفة
بشأنها في البرلمان.
وهذه الحكومة الوطنية الموسعة ستوفر
بديلا وطنيًا يُعتمد عليه في قيادة البلاد، ويتسم بأنه غير اقصائي وغير
منفرد بحسم المسائل الجوهرية، ويمكن الإطمئنان له وتسليمه السلطة في ظل
نظام حزبي توافقي إلى حد ما وغير منقسم على نفسه.
وعند
وضع الدستور لا يجب تقديم تنازلات تقنن سيطرة الجيش، وكبديل يجب التمسك
بما كان موجودا في دستور 1971. وهذا أمر محوري فأي تنازلات الآن ستصعب
كثيرا معالجة الأمر في المرحلة التالية بعد الانتقال. والتمسك بهذا الأمر
يمكن حدوثه على يد تحالف وطني واسع وليس من قبل فصيل واحد أو بعقد اتفاقات
غير معلنة. ويجب هنا إدراك أنه لا يمكن حسم كافة أبعاد العلاقات المدنية
العسكرية ووضع الجيش في النظام الجديد مرة واحدة، ففتح كل الملفات سيوتر
العلاقة وقد يدفع الجيش إلى عرقلة الانتقال بأكمله.
ومجمل القول، في مرحلة التحول
الديمقراطي وفي ظل حكومة وطنية موسعة تقوم على قدر كبير من التوافق وتحظى
بدعم قوي في البرلمان وبتأييد شعبي واسع، يمكن إرساء القواعد التي تحدثنا
عنها سابقا بشأن وجود مؤسسة عسكرية محترفة ويمكن معالجة مسألة العلاقات
المدنية العسكرية بقدر كبير من الحكمة وعلى وضع يحافظ على وحدة وإستقلالية
المؤسسة العسكرية وعلى ميزانياتها وعلى كل ما من شأنه رفع جاهزيتها للقيام
بدورها المقدس في الدفاع عن الوطن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الثورة والعلاقات المدنية العسكرية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الثورة والعلاقات المدنية العسكرية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» بعد أن أسقطت الثورة الشعبية نظام " بن علي " في تونس . وبعد أن أسقطت الثورة الشعبية نظام " مبارك " في مصر . طرح السؤال ، وماذا عن الثورة الشعبية في سوريا ؟ . وبعد أن اندلعت وتأججت الثورة الشعبية في اليمن والبحرين وليبيا ، وبرزت نذرها في العراق والجزائر وال
» العولمة العسكرية
» الثورة ضد الثورة والشارع ضد الشعب، والثورة المضادة
»  حتمية الحسم العسكري في الثورة الشعبية في سورية معالم في سياسة الثورة للحسم العسكري
» الثورة هي الثورة عبد الحليم قنديل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: استـــراجيــات متحـــــــــــــــولة يشاهده 478زائر-
انتقل الى: