** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 التفسير البيولوجي للموت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

التفسير البيولوجي للموت Empty
16072012
مُساهمةالتفسير البيولوجي للموت

التفسير البيولوجي للموت 1989676614مقدمة:
الموت
هو أحد المفاهيم الأساسيّة التي تتحدى الإنسان. ومحاولة تفسير الموت توجد
في كلّ الديانات وحتى الوثنيّة وقد يكون سبب الموت هو السؤال الأول الذي
خطر على بال الإنسان وذلك قبل محاولة فهم بقية الظواهر الكونيّة
والإنسانيّة. فمن المؤكد أن طقوس الموت توجد في كلّ الثقافات مهما كانت بدائيتها،
بل والأمر الأكثر من ذلك أننا كشفنا وجود طقوس للموت عند النياندرتاليين
وهم المجموعة الإنسانيّة التي سبقت ظهور الإنسان العاقل والتي يظن العديد
من الباحثين بعدم وجود مقدرة لغويّة مميزة بين أفرادها. فإذا كان عدم وجود
مقدرة لغويّة مميزة حقيقةً فتكون فعلاً قضية الموت هي القضية الأولى التي
شغلت بال الإنسان وذلك حتى قبل قدرته على التخاطب الدقيق وتبادل المعلومات
وتطوير الأفكار والديانات.
مع تطور العلوم بدأ الإنسان باكتشاف ومعرفة
أسباب العديد من الظواهر الطبيعيّة التي لم يفهمها واخترع قصصاً لها،
فعرفنا سبب الرعد والبرق، وعرفنا سبب الكسوف والخسوف، وعرفنا سبب العديد
من الأمراض والظواهر المرافقة لها (الحمى، الألم، وغيرهما). ولكن مع تطور
العلوم البيولوجيّة واكتشاف نظريات التطور و الوراثة والبيولوجيا
الجزيئيّة بقي الموت عصياُ عن التفسير، وفقط في السنوات العشرة الأخيرة
بدأت تتضح بعض المعالم عن طريقة تطور الموت وأصبح لدينا تفسير مقبول
للموت. وهذا التفسير ينتظره حتماً عدد آخر من الاكتشافات لكي يصبح تاماً
ولكن معالم الصورة العامّة بدأت تتضح وسأشرحها في المقال التالي:

أنماط الموت:

في موت الكائنات متعددة الخلايا هناك مازالت حتى الآن مرحلتين مميزتين هما:
-الموت
السريري: وهو حالة الموت المعروفة، وهي حين توقف العضويّة ككل وبشكل غير
قابل للعكس عن العمل الوظيفي الطبيعي. وقد تباينت معايير هذا الموت مع
تطور الزمن فقد كان يعرف بأنّه يحدث حين توقف القلب عن العمل، أمّا الآن
فقد أصبح التعريف هو الموت الدماغي (متى توقف الدماغ عن العمل).
-الموت
الخلوي: ويحدث بعد دقائق- ساعات (تتباين المدّة حسب العضو) من الموت
السريري، وفيه تبدأ الخلايا بالموت ويتلوها عمل الجراثيم والتحلل.
هذا الفارق بين نمطيّ الموت أصبح حديثاً، وبسبب تطوّر الطب، يشكل
مشكلةً بالنسبة للكثير من أطباء الإنعاش والقلب وحتى أهل المرضى. فمثلاً
بعد حدوث رض رأس شديد وموت الدماغ، أو حدوث نزف دماغي شديد وموت الدماغ،
وحدوث الموت السريري، يمكن دعم استمرار عمل الجسم بالأجهزة وبالتالي يمكن
إيقاف ومنع حدوث الموت الخلوي، ويمكن البقاء لسنوات على هذه الحالة بدون
أيّ أمل لهذا الشخص بأن يعود للحياة.

هناك تقسيم آخر للموت حسب سببه:
-الموت العرضي أو الحدثي : وهو
الموت الناجم عن حدث ما، مثل نقص المواد المغذيّة، أو التعرض لمواد سامّة،
أو الالتهام من كائن آخر أو العدوى بجرثوم أو ... وهو يشاهد في كلّ
الكائنات الحيّة ولا مجال للحديث عنه أو للوقاية منه.
-الموت المبرمج
: أو الموت المترافق مع عمليات الشيخوخة، وهو يعني الموت بآليّات داخليّة
وهو سبب معظم حالات الموت عند الإنسان المعاصر.

أصل الموت:


يرجع أصل الموت إلى بداية تطور الكائنات متعددة الخلايا وقد ساهمت عدة
آليّات في ظهوره، والمقصود بالدارسة هنا هو الموت المبرمج وهنا نلاحظ أيضا
وجود آليتان تفسرّ إحداهما الموت الخلوي والثانية تفسرّ الموت العضوي.
الموت الخلوي المبرمج - دور الجنس:


وهو أمر لوحظ حديثاً، فقد كُشِفت منذ حوالي عشرة سنوات جينات الموت
المبرمج (أو موّرثات الانتحار الخلوي). فمن المعروف وجود موّرثات في كلّ
خلية. هذه المورثات إذا تمّ تشغيلها تموت الخليّة بسرعة. هذه الموّرثات
تطوّرت لتلعب أيضا دوراً هاماً في ضبط الخلايا المفردة للجسم وبالطبع لها
أيضاً دور في مواجهة السرطان.
في تطور هذا النمط من الموت لعب الجنس دوراً هاماً.
المقصود
بالجنس هنا التزاوج الجنسي الذي ينجم عن التحام الخلايا الذكريّة بالخلايا
الأنثويّة وليس مجرد تبادل المعلومات الوراثيّة الذي يلاحظ حتى في
الكائنات أحاديّة الخلايا.
فالكائنات الأولى وفي سياق تغيرات موسميّة
غير مناسبة خضعت لضغوط كثيرة. هذه الكائنات كانت تمتلك القدرة على ابتلاع
غيرها من الكائنات وقد نجح البعض، وفي بعض الأحيان تشكل كائن شاذّ يحوي
خلايا جينات من الفردين. هذه الجينات منحت هذا الكائن صفات إضافيّة مكّنت
بعض هذه الهجن من البقاء. ومع عودة الظروف للطبيعية تم انتخاب (اصطفاء)
بعض من هذه الكائنات للبقاء، والكائنات التي تمّ اصطفائها هي التي تتمتع
بالقدرة على استعادة هويتها الطبيعيّة، أي الكائنات التي تستطيع التخلص من
نصف البقايا الخلويّة. ومن هنا نشأ الموت الخلوي وتطوّرت مورثات الموت
الخلوي المبرمج. هذه الموّرثات قد عزلت الآن، وإضافتها إلى خلايا مستزرعة
في مختبر يؤدي لموت هذه الخلايا خلال ساعات.
وهكذا بقيت واستمرت أسلاف الكائنات التي اندمجت وفي حين زالت الكائنات التي تجنبت الارتباطات الجنسيّة.
ومع
تكرر فصول الجفاف أو فصول البرد فإنّ الأفراد التي انهمكت في الاندماج
الجنسي، ثمّ التخلص من آثار الاندماج - بموت الجينات والخلايا الزائدة - ،
بقيت لتصبح أسلافنا.
وهكذا أصبح الاندماج الناجم عن التهام الكائنات
الحيّة لبنات جنسها، ثمّ إحباطه بالموت المبرمج، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً
بالبقاء الموسمي وبالفرديّة وتطوّر الموت الخلوي.
وحتى الآن فإنّ تشكل الأجنّة يستلزم حركة الخلايا، واندماجها، وتفاعل بعضها مع بعضها البعض، وموت بعضها بشكل مبرمج.
الموت العضوي - دور التعايش أو دور تشكيل الكائن متعدّد الخلايا:

أي
موت العضويّة ككل. وهو يرجع أساساً لوجود الكائنات متعدّدة الخلايا.
فالخلايا قد تجمعت لتشكل كائن يتألف من عدد من الخلايا، ولكن الخلايا كانت
وحدات مستقلّة وهي كانت تستطيع الانفصال لتعيش مستقلّة. كما أنّ تجمع
الخلايا المستقلّة خلق مشكلةً جديدة، فكيف يمكن ضبط هذه الوحدات
المستقلّة، وضبطها ومنعها من التكاثر على حساب بقية الخلايا. وفي الحقيقة
حدث هذه مراراً و أدى هذا في النهاية إلى دمار هذا التجمع الخلوي بشكل
كامل. وهذا الحدث المؤسف مازال يحدث حتى الآن، فالخلايا السرطانيّة هي في
الحقيقة خلايا خرجت عن آليّات ضبط التكاثر الخلوي. هذه الخلايا تستمر
بالتكاثر العشوائي وغير المنضبط حتى تؤدي إلى موت الكائن الحي.
في
ضوء هذا التحدي الكبير، تطوّرت في بعض الخلايا آليّات جديدة لضبط التكاثر
الخلوي، وظهر أهم ضابط لضبط التكاثر الخلوي غير المنضبط وهو ما يسمى
بالنهايات الطرفيّة للصبغيّات. Telomers وهي عبارة عن وحدات جزئيّة
قصيرة متكررة. طول هذه التيلومرات له علاقة أساسيّة بطول العمر للكائن
الحي. وبشكل متوسط يوجد للإنسان 2000 متكررة، وهي توجد في نهاية
الصبغيّات. حين تكاثر الخلايا وتضاعفها يتمّ انقسام كلّ الصبغيّات على
كامل طولها، عدا قسم صغير من هذه النهايات الطرفيّة. وهكذا مع كلّ انقسام
خلوي يقصر طول هذه النهايات الطرفيّة غير الفعالة، ومن ثمّ يبدأ النقص في
الأمكنة الوظيفيّة للدنا، وبالتالي تفقد الخلايا المتكاثرة مواقع صبغيّة
هامة وتموت. ولهذا نلاحظ أنّه بالنسبة للخلايا في الكائنات الحيّة متعددة
الخلايا يوجد عدد محدود من مرّات الانقسام تموت بعده الخلايا. أي أننا إذا
أخذنا خلايا من جسم الإنسان وزرعناها خارج الجسم في مزارع نسيجيّة، نلاحظ
أنّ الخلايا تنقسم عدد محدود من المرّات (حوالي 50 مرة بالنسبة لخلايا
الإنسان)، ثمّ تموت مهما كانت شروط المزرعة النسيجيّة مثاليّة. وهذا الأمر
لا يلاحظ بالنسبة لخلايا الجراثيم والخلايا السرطانيّة للكائنات متعدّدة
الخلايا، ومازال البعض يحتفظ بمزارع نسيجيّة لخلايا سرطانيّة مازالت
تتكاثر منذ 20 سنة (أكثر من 1000 انقسام).
عدد مرّات انقسام الخلايا
الطبيعيّة في المزارع النسيجيّة يعتمد على عمر الكائن الذي أخذت منه
الخلايا، فمن حديث الولادة تتكاثر الخلايا 80-90 مرّة ثمّ تموت، أمّا من
شخص عمره 70 سنة فالخلايا تتكاثر فقط 20-30 مرّة ثمّ تموت. وهكذا فمنذ
ولادة الإنسان يكون لخلاياه عدد محدود من مرّات التكاثر، ومع تقدم العمر
تتكاثر هذه الخلايا وتساهم في عمليّات التجدد والترميم، ومع الزمن تقلّ
القدرة التجديديّة للخلايا وتحدث الشيخوخة .هذا الأمر لا يحدث في كلّ
خلايا الجسم، للخلايا الموّلدة germ cell (المسؤولة عن إنتاج النسل
القادم)، وبعض الخلايا الجذعيّة، وكذلك لمعظم الكائنات وحيدة الخلايا،
وذلك بسبب وجود إنزيم telomerase الذي يسمح بالتكاثر الكامل للصبغيّات مع
النهايات الطرفيّة، مما يسمح لها بالتكاثر المستمر واللانهائي.
مما
يلفت النظر هنا، أنّ الخلايا السرطانيّة جمعيها تكون ذات فعاليّة هامّة
لهذا الأنزيم، مما يسمح لها بالتكاثر اللانهائي حتى موت الكائن، وتستطيع
التكاثر خارج الكائن بشكل مستمر لانهائي، والبعض حالياً يجرّب التعامل مع
هذا الإنزيم لعلاج السرطانات.
الآن نعود للسبب الأساسي لحدوث الشيخوخة ومن ثمّ الموت، وهو العدد
المحدود لعدد مرّات الانقسام لخلايا الكائن متعدد الخلايا. لماذا تطورت
هذه الآليّة، ولماذا لا يبقى هذا الأنزيم فعالاً في كلّ الخلايا فيكسب
الكائن شباباً دائماً.
تكمن المشكلة الأساسيّة في ضبط الخلايا
المستقلّة، فجسم الإنسان يتألف من حوالي مليون مليار خلية (أي 10 للقوّة
15). ومن المعروف أن حدوث الطفرات في الخلايا الحيّة قليل نسبياً، وهو
بحوالي 1/مليون للخلايا الأوليّة وبحوالي 1/مليار في خلايا الكائن متعدد
الخلايا، بسبب تطوّر آليّات تمنع التكاثر العشوائي وتصليح الطفرات في هذه
الخلايا. ولكن حتى بهذا المعدل القليل، فإنّه يتوقع تشكل حوالي ألف طفرة
تؤدي لتشكل الخلايا السرطانيّة يوميّاً، وهذا معناه أنّ الإنسان لم يكن
ليعيش سوى لفترة قليلة ثمّ يموت بالسرطان. ولكن هذا لا يحدث بسبب وجود
آليّات عديدة وأحد أهم هذه الآليّات Telomers، فحتى لو حدثت طفرة في
الموّرثات المسؤولة عن التكاثر وبدأت الخليّة بالتكاثر العشوائي فهي
ستتكاثر لعدد معين من المرّات وتموت قبل أن تسبب أعراضاً، وهكذا ينجو
الإنسان من السرطان.
في الخلايا السرطانيّة (الخلايا التي تستمر
بالنمو وتسبب المرض) تحدث طفرة في أحد المورثات المسؤولة عن التكاثر
(وبالتالي تصبح الخلية سرطانيّة)، ثمّ تحصل في بعض هذه الخلايا طفرة في
الجين المسوؤل عن تنظيم إنزيم telomerase مما يمدّ هذه الخلايا بالقدرة
على الانقسام اللانهائي، وبالتالي يحدث مرض السرطان عند الكائن. احتمال
حدوث هذا الحدث (طفرة في موّرث النمو ثمّ طفرة في موّرث التيلوميراز) أقل
بكثير وبملايين المرّات من احتمال حدوث طفرة وحيدة في موّرث النمو، وهكذا
يقلّ احتمال حدوث السرطان إلى المستوى المعروف حالياً.
هكذا نرى أن
الشيخوخة والموت هو تطوّر للتوازن بين الكائن ككل، وخلاياه المفردة
المستقلّة. فلتقليل إمكانيات خروج الخلايا المفردة عن السيطرة، وبالتالي
حدوث السرطان، تطوّرت آلية الجسيمات الطرفيّة لمنع حدوث هذا الحدث. ولكن
تطوّر هذه الآليّة أدى لتطوّر الهرم والشيخوخة وبالتالي الموت.

هناك
عدد آخر من آليّات ضبط التكاثر الخلوي، والتي ساهمت جميعها في تشكيل
الكائن متعدّد الخلايا بالشكل الذي نعرفه الآن، مثل ظهور التمايز الخلوي:
أي أنّ جزءً من الخلايا أصبح مخصصاً للقيام بوظيفة معينة بفعاليّة عاليّة
مما أدى إلى زوال فرديّة الخلايا (لم تعد الخلايا الفرديّة قادرة على
الحياة خارج الجسم رغم أنها تملك الإمكانيات الوراثيّة لذلك)، كما سمح
بظهور خلايا ذات فعاليّة وظيفيّة عاليّة، كما قلّل جداً من عدد خلايا
الجسم القادرة على التكاثر. ففي الحقيقة فإنّ أي نسيج (مثلاً بشرة الجلد)
يتألف من عدد قليل من الخلايا القادرة على التكاثر (بنسبة أقل من 1/1000
من كلّ الخلايا وحتى 1/1000000 على رأي البعض). هذه الخلايا تسمى الخلايا
الجذعيّة Stem cell ، وهي تتكاثر لتعطي خليّة جذعيّة مماثلة وخليّة أخرى
تسير في طور التمايز الخلوي (تكتسب خصائص تجعلها ذات فعاليّة وظيفيّة
عاليّة). ولكن في سياق هذا التطوّر تفقد هذه الخليّة إمكانياتها
التكاثريّة تماماً، وتقوم بعملها لفترة معينة من الزمن تموت بعدها لتحلّ
مكانها خلايا أخرى (وهكذا فإن أيّ نسيج هو أشبه ما يكون بخليّة النحل،
وليس بمجتمع البشر، فيوجد خلايا قليلة قادرة على التكاثر (ملكة واحدة)
وعدد كبير من الخلايا الوظيفيّة (العاملات)). هذا التنظيم يقلّل بشدّة
أيضاً من احتمال تطوّر السرطان، فمهما كانت الطفرات التي تصيب الخلايا
الوظيفيّة فهي لن تؤدي إلى السرطان لأنّ هذه الخلايا غير قادرة على
التكاثر وستموت حتماً.

عوامل أخرى ساهمت في حدوث الشيخوخة:

غياب آليّات التطور:

الأمر
المهم الآخر هو عدم تطوّر آليّات إيقاف الشيخوخة أو آليّات مساعدة لمنع
الموت، بسبب غياب آليّات التطوّر الطبيعي في أمراض الشيخوخة.
إنّ أهم
آليّة لعمل التطور الطبيعي هي آليّة الانتقاء، فالكائنات غير المناسبة
تموت ولا تستطيع توريث صفاتها للجيل التالي، وبالتالي تزول موّرثاتها من
المجتمع.
هذه الآليّة لا تعمل على الصفات التي تعمل بعد سن الإنجاب،
لأنّ الكائن في هذه الحالة يكون قد أنجب معظم أولاده (الحاملين لهذه
المورثة) ، وبالتالي لن تتأثر هذه الموّرثة بالانتقاء الطبيعي.
من
الأمثلة على هذا هو داء الكلية عديد الكيسات الكهلي، في هذا المرض تتشكل
كيسات في الكلية مما يؤدي إلى فشل كلوي وموت. هذا المرض موّرث والموّرثة
ذات صفة قاهرة، وباختراق كامل، بمعنى أنّ وجود نسخة واحدة فقط من هذه
الموّرثة من أحد الأبوين يؤدي إلى إصابة الشخص وبنسبة 100% بهذا المرض
والوفاة. الأمراض من هذا النمط من التوريث يتمّ انتقائها بسرعة من خلال
الاصطفاء الطبيعي، وكلّ الحالات الجديدة تكون عبارة عن طفرات جديدة. في
هذا المرض تستمر الطفرة بالوجود ويصاب بها الأطفال جيلاً بعد آخر ولا تزول
بعملية الاصطفاء الطبيعي، والسبب بسيط وهو أنّ هذا المرض يظهر بعد 55-60
عاماً حيث يكون الشخص قد أنجب معظم أولاده، وبالتالي فقد توقفت آليّة
التطوّر الطبيعي بالنسبة لهذه الصفة وستستمر بالوجود مهما كانت سيئة.
كلّ
أمراض الشيخوخة تنتسب لهذه الطائفة، فرغم وجود موّرثات لطول العمر،
والكائنات التي تحمل هذه المورثات تمتاز بعمر مديد، والأهم من ذلك أيضا،
وبصحّة جيّدة في الشيخوخة، ورغم أنّ هذه الصفات قد تكون جيّدة جداً (العيش
لفترة طويلة وبصحّة جيّدة)، فإنّه وبسبب أنّ عملها يحدث بعد انتهاء فترة
الإنجاب فإنّه لا يتمّ انتقائها وتبقى قليلة الانتشار في المجتمع.
الحالة
أسوء من هذا إذا كان لجينة ما بعض الفوائد (وحتى البسيطة) في سن الشباب
وضرر شديد للكهول، فهذه الجينة سوف يتم انتقائها رغم كلّ آثارها الضارّة.
من
الأمثلة الجينة التي يفترض أنها تتحكم في استقلاب (أيض) الكالسيوم بحيث إن
العظام تشفى بسرعة، ولكنها تتسبب في الوقت نفسه بتوضع الكالسيوم في جدار
الشرايين. قد يكون انتقاؤها تمّ لهذا الغرض، على الرغم من كونها تقتل بعض
الأشخاص المتقدمين في السن. هذه الجينة أصبحت غير لازمة حالياً ورغم ذلك
تستمر بالانتشار.
ومن المحتمل أيضا أن تكون معظم الجينات التي تسبب
الشيخوخة غير ذات فائدة في أيّ سن إلّا أنّها بكلّ بساطة لا تنقص من
القدرة على التكاثر في البيئة السويّة إلى الدرجة التي تدعو لاستبعادها عن
طريق الانتقاء الطبيعي.
نظريّة الجسم المستهلك:


تعتمد على أساس أنّ إيجاد أنظمة حفظ تتضمن عدم الفناء لم يتطور لأنّه خيار
يبدّد الطاقة ويقلّل من لياقة الكائن الحي في سنوات عمره الأولى والتي
تعتبر الأهم من ناحية آليّات الاصطفاء الطبيعي، وتمّ التركيز هنا عن دور
الميتوكوندريا ودور السكر (الغلوكوز).
دور الميتوكوندريا:


الأمر الآخر المهم، والمساهم في عملية الشيخوخة والأمراض، هو الكائن الهام
جداً والموجود داخل كلّ خلايا الجسم وهو الميتوكوندريا. هذه البنية تحت
الخلويّة، والتي يوجد عدد كبير جداً من الدلائل على كونها كائناً مستقلاً
تعايشت ضمن الخلايا. هذه الميتوكوندريا تستخدم الأكسجين، وبالتالي تعطي
طاقة هائلة للخلايا. وفي الحقيقة كان من المستحيل تصوّر كائن متعدّد
الخلايا دون وجود هذه الطاقة الهائلة. والاقتصار على الأكسدة اللاهوائية
يعني اقتصار سحب الخلايا لحوالي 5% من كامل الطاقة للغذاء، وتشكل العديد
من المواد السامّة (مثل الكحول وحمض الخل) التي ستقضي على الكائن. ولكن
بوجود المتيوكوندريا زادت فعاليّة الخلية حوالي 20 مرّة، كما أنّ المواد
الغذائيّة قد تمّ تفكيكها إلى غاز CO2 والماء، واللذان يسهل طرحهما.
هذه
الميتوكوندريا رغم كلّ مزاياها، توّلد الكثير من الجذور الحرّة Free
radical ، وهي مواد أكسجينيّة شديدة الفعاليّة تخرّب الكثير من البنى
الخلويّة والتي تمّ بنائها في وسط خال من الأكسجين. هذه الجذور الحرّة
تؤكسد الدنا والبروتينات والشحوم وتتلفها.
دور الغلوكوز:

مصدر
أساسي للوقود في الحيوانات، هو عامل رئيسي في الشيخوخة. فهو يغيّر ببطء
البروتينات طويلة الأجل ويجعلها تترابط بوصلات معترضة فيقيّد حركتها
(عملية glycosylation )، مما يؤدي إلى التيبس في النسيج الضام وعضلة القلب
المرافق للشيخوخة.
المراحل الأساسيّة في تطوّر الكائن متعدد الخلايا بالشكل الذي نعرفه اليوم:



  1. ظهور
    عمليّة البلعمة: وهي قدرة الخليّة على الحركة الأميبيّة وعلى تحريك الجدار
    الخلوي لابتلاع خلايا أخرى. ويظن الكثيرون أن هذه الآليّة كانت هي الأساس
    لتطور الخلايا حقيقيّة النواة. وهذه الخاصيّة توجد لدى جميع الخلايا
    حقيقيّة النواة بدون استثناء، وقد أدّت إلى إمكانية ابتلاع الخليّة لخلايا
    أخرى وبالتالي اكتسابها لصفاتها ومنها ظهرت حقيقيّات النواة، كما تطوّرت
    في هذه الخلايا آليّات التكاثر الجنسي الموجودة سابقاً.
  2. ابتلاع
    كائن مستقل طوّر القدرة على استعمال الأكسجين وتنظيم وجوده داخل الخليّة،
    وبالتالي توّفرت للخليّة إمكانية طاقيّة هائلة. وفي جزء من هذه الخلايا
    تمّ ابتلاع الكلوروبلاست وهي ما مكن هذه الخلايا من استخدام طاقة الشمس.
    والجدير بالذكر أن هذه المتعضيّة تشبه جداً تركيب الميتوكوندريا أيضاً.
  3. ظهور
    الانقسام الجنسي الاندماجي بالشكل المعروف، وهو التحام الخلايا الذكريّة
    بالخلايا الأنثويّة، والذي هو في الحقيقة نمط من بلع أحد الخلايا للأخرى،
    مما أدّى لوجود الصيغة ثنائيّة الصبغيّات 2n مما يحمي الكائن من الكثير
    من الطفرات الضارّة ولكن هذا أدى لظهور جينات الموت المبرمج في الخلايا.
  4. ظهور
    الكائنات متعدّدة الخلايا، وبالتالي ظهور وتطوّر آليّات ضبط التكاثر
    الخلوي لحماية الجسم من انفلات الخلايا المفردة (وبالتالي حدوث السرطان)
    ولكن سبب أيضاً ظهور الشيخوخة والموت.
  5. بدء عمليات التمايز في
    هذه الكائنات متعدّدة الخلايا مما سمح بزوال فرديّة الخلايا، كما قلّل
    بشكل هائل عدد الخلايا القادرة على التكاثر وبالتالي الانفلات من ضوابط
    الجسم.

وهكذا وصلنا للكائن متعدد الخلايا الحالي.
مثال عن كائن حالي:


وفي النهاية نصل لمثال هام عن المرحلة بين الكائن وحيد الخلايا والكائنات
متعدّدة الخلايا (هذا الكائن يثبت هذا التطوّر). هذا الكائن هو الخميرة
المسؤولة عن تشكيل ما يسمى بالكفير Kefir في جنوب روسيا. الكفير يبدو كقطع
من خثارة جبن الحلوم وهو يضاف للحليب وذلك لتحويله إلى هذا الشراب.
هذا
الكفير هو عبارة عن تعايش symbiogenesis بين مزيج معين من الجراثيم
والخمائر (هناك أكثر من 30 نوع مختلف من الميكروبات يساهم في تشكيل ها
الكائن). حين وجود شروط ملائمة فإنّ هذا الكائن يتكاثر بالانقسام، وينتج
مستعمرات مماثلة تماماً، ويساعد على تخمر سكريات وبروتينات الحليب. ومع
توقف الأيض النشيط (تغيّر ظروف البيئة) تذوب الخثارة وتموت، ويحدث هذا عن
طريقة أنّ الخلايا الفرديّة تنفصل عن الكائن وتعيش بشكل مستقل وتصبح خليط
عشوائي من الجراثيم والخمائر المتنافسة. والملاحظ هنا أنّه بعد هذا
الانفصال يصبح من المستحيل عودة تجمع الخلايا لتشكيل هذا الكائن من جديد،
ولكن الخلايا المفردة تستمر بالحياة وبشكل مستقل، وبدون أيّ مشاكل، أي
أنّه في مثل هذه الحالة حدث الموت السريري (موت الكائن ككل) ولكن الموت
الخلوي لم يحدث والخلايا استمرت بالوجود بشكل منفصل.
إنّ تشكيل
الكائن الكامل لن يتمّ من هذا التجمع الخلوي أبداً، فهو لا يتشكل إلاّ من
كائن متجمع سابق له. وخلال حياة هذا الكائن وتكاثره نلاحظ استمرار بقاء
علاقة دقيقة وثابتة بين كلّ الخلايا المشكلة له، مما يسمح له بالانقسام
وتشكيل كائن مماثل. أمّا بعد الانفصال لتشكيل خلايا مفردة فإنّ كلّ خلية
تعمل بمفردها ولا يشاهد نسبة ثابتة من الخلايا المختلفة.
وهكذا نرى
أن هذا النمط من المشاكل قد واجه أوائل الكائنات متعدّدة الخلايا، فكان
لابد لها من آليّات لضبط بقاء وعمل الخلايا الفرديّة سويةً، وآليّات أخرى
تمنع الخلايا الفرديّة (القادرة على البلعمة) من التكاثر اللامنضبط وسحب
كلّ موارد الكائن أو حتى ابتلاع الخلايا المجاورة. والكائنات التي نجحت
بتجاوز هذه العقبة طوّرت آليّات لضبط الخلايا المفردة. هذه الآليّات
نفسها هي المسوؤلة عن حدوث الشيخوخة والموت. ولم يحدث تطوّير لهذه الآليّة
لتجاوز هذه العقبة، بسبب عدم عمل آليّات الانتقاء الطبيعي، فبعد أن تتجاوز
مرحلة إنجاب الأطفال تتوقف آليّات الانتقاء الطبيعي عن العمل ولذلك لن
تتطوّر أيّ آليّة لمنع أيّ تدهور لاحق لأنّه لا يوجد طريقة لدعمها
وراثياً.


الملخص:

وبالملخص أدّى
النشوء التعايشي (تشكل الكائنات متعدّدة الخلايا) إلى إيجاد أفراد مركبة
معقدة يمكن أن تموت (مثل الكفير ومعظم الأوليّات)، وأدّى التمايز الجنسي
إلى ظهور كائنات إجباريّة الموت.
وتكون بذلك الشيخوخة والموت هو نتيجة تطوّر توازن بين الجسم ككل، والخلايا الفردية المستقلّة المشكلّة لهذا الجسم.


الفارق بين التفسير الديني (خروج الروح) والتفسير البيولوجي السابق:

التفسير الديني يقول بخروج الروح من الجسم، وهو شيء لا نعرف عنه شيئاً ولن نستطيع معرفة أيّ شيء ولن نستطيع القيام بأيّ شيء.
أمّا التفسير البيولوجي فيساعدنا على فهم آليّات الشيخوخة ومن ثمّ
الموت، وبالتالي يمكنه المساعدة في حلّ العديد من المشاكل الصحيّة. وهناك
حالياً دراسات تجريبيّة تنبع من فهم هذه الآليّات، مثل:


  1. أدوية تضبط أو تثبط التيلوميراز وبالتالي تساعد في الشفاء من السرطانات.
  2. دراسات عن إمكانية استخدام جينات الموت المبرمج أيضا في حالة علاج السرطانات.
  3. إمكانية
    استعمال جينات طول العمر المعروفة وبالتالي ضمن شيخوخة ذات صحّة جيّدة
    للبشر (وقد تمّ ذلك في ذباب الفاكهة). وقد توصل R.M. روز إلى ذباب فاكهة
    له عمر هو ضعف العمر الطبيعي وذو شيخوخة صحيّة.
  4. إمكانية استعمال مركبات هذه الجينات للمساعدة في أمراض الشيخوخة مثل أنزيم superoxide dismutase.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التفسير البيولوجي للموت :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

التفسير البيولوجي للموت

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
انتقل الى: