** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 الارتباك: تحليل أولي للدور التركي في ظل الثورات العربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سبينوزا
فريق العمـــــل *****
سبينوزا


عدد الرسائل : 1432

الموقع : العقل ولاشئ غير العقل
تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..

من اقوالي
تاريخ التسجيل : 18/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5

الارتباك: تحليل أولي للدور التركي في ظل الثورات العربية Empty
21092011
مُساهمةالارتباك: تحليل أولي للدور التركي في ظل الثورات العربية

الارتباك: تحليل أولي للدور التركي في ظل الثورات العربية 2011-634519583359500977-950

تثير موجة الثورات التي تشهدها الدول العربية، منذ بدايات عام 2011،
العديد من التساؤلات حول مستقبل المنطقة وقضاياها وأدوار مختلف الفاعلين
فيها. وتزداد في هذا السياق أهمية تحليل كيفية تعامل تركيا مع هذه التغيرات
والتأثيرات المتوقعة لها في الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط. وفيما
يلي عرض لأهم أبعاد الدور التركي والرؤية الحاكمة له في مرحلة ما قبل
الثورات، ثم تحليل أولي للتأثيرات المباشرة للثورات في هذا الدور، ومحاولة
لاستشراف آفاقه.

أولا- الدور التركي قبل الثورات العربية 2002-2010 :

شهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بالدور التركي في منطقة الشرق
الأوسط وقضاياها، لاسيما بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلي السلطة في
تركيا في نوفمبر 2002، وحرص قيادات الحكومة الجديدة علي تأكيد تبنيهم رؤية
مختلفة نوعيا لسياسة تركيا وعلاقاتها الخارجية في الدوائر المختلفة،
وبخاصة في الدائرة الشرق الأوسطية. وعزز من هذا الاهتمام ما شهدته عناصر
القوة التركية من تطورات إيجابية خلال هذه الفترة، لاسيما في أبعادها
الاقتصادية، حيث نجحت تركيا في احتلال المرتبة الأولي بين اقتصادات المنطقة
(والسادسة عشرة علي المستوي العالمي) من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي.
وصاحب ذلك زيادة حضور الدور التركي ونشاطه في العديد من القضايا المحورية
في المنطقة، سواء فيما يتعلق بالقضية العراقية، أو الصراع العربي -
الإسرائيلي بمساراته المتعددة، أو أزمة البرنامج النووي الإيراني، أو طرح
تركيا كنموذج في قضايا الإصلاح في المنطقة بأبعاده المختلفة، وغيرها من
القضايا(1).

وقد أثار هذا الدور التركي النشط بأبعاده المتعددة الجدل حول طبيعته
وحقيقة الدوافع المحركة له بين اتجاهات تبرز الطابع البراجماتي للسياسة
التركية وتركيزها علي تحقيق المصالح الوطنية، وفقا لحسابات قصيرة الأمد،
وأخري تؤكد تحول السياسة الخارجية نحو الشرق في إطار استعادة تركيا ذاتها
الحضارية الإسلامية تحت قيادة حزب ذي مرجعية إسلامية، وثالثة تؤكد استمرار
التوجه الغربي لتركيا وأدوارها بالوكالة في المنطقة مع ارتباط نشاط تركيا
بمساعيها لزيادة أهميتها الاستراتيجية لتعزيز فرص انضمامها للاتحاد
الأوروبي. وفي مقابل ذلك، تزايدت تدريجيا مساحة أنصار الخطاب التركي الرسمي
لحكومة العدالة من استرشاد السياسة التركية في عهدهم برؤية جديدة متعددة
الأبعاد، تري تكاملا لا تعارضا بين الهويات والتوجهات المتعددة للسياسة
التركية، وتتمثل عناصرها الأساسية في(2):

* ضرورة تنشيط الدور التركي في المنطقة بما يتجاوز حدودها المباشرة.

* تغليب الحوار السياسي والمبادرات الدبلوماسية في معالجة الأزمات، ورفض سياسات الحصار والعزل، وتشجيع سياسات الانخراط الإيجابي.

* الاهتمام بالمدخل الاقتصادي لمعالجة الخلافات، وتعزيز الاعتماد المتبادل بين اقتصادات المنطقة.

* ضرورة الحفاظ علي وحدة الكيانات القائمة وطابعها المتعدد في إطار تعزيز التعايش الثقافي.

* أهمية التنسيق الأمني ورفض سياسات المحاور وتأكيد مفهوم الأمن للجميع،
مع عدم استبعاد إمكانية استخدام القوة العسكرية، لكن في إطار التوظيف
الذكي لعناصر القوة التركية.

وجسدت هذه الرؤية - جنبا إلي جنب مع الأدوار التركية الفعلية تجاه قضايا
المنطقة - محاولة حكومة العدالة الالتزام بنهج توفيقي توازني علي كافة
المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، بين التركيز علي المصالح الوطنية
التركية (الأمنية والاقتصادية والسياسية) من جهة، وإعادة صياغتها وتقديمها
في إطار يوفق بين هذه المصالح ومصالح القوي الإقليمية المتعددة من جهة
أخري، وبين السعي لزيادة استقلالية الرؤية التركية كدولة إقليمية لها
مصالحها المحددة ذاتيا بشكل مستقل عن التبعية لارتباطاتها الغربية من
ناحية، وتجنب الصدام المباشر مع رؤي ومصالح وترتيبات الولايات المتحدة
والقوي الكبري في المنطقة من ناحية أخري.

إلا أن الدور التركي واجهته العديد من الصعوبات، من أهمها: حدود القدرات
الذاتية، وصعوبة الحفاظ علي الصياغات والمعادلات التوازنية علي كافة
المستويات الداخلية والإقليمية والدولية بشكل متزامن، واعتماد العديد من
هذه الصياغات التوفيقية علي تعاون الفاعلين المؤثرين علي المستويات كافة.
ومثلت الثورات العربية مناسبة جديدة لإعادة استحضار هذه الإشكاليات
والجدالات المحيطة بالدور التركي.

ثانيا- تركيا والثورات العربية :

تبنت تركيا مداخل بدت مختلفة نسبيا في التعامل مع الثورات العربية.
فابتداء، التزمت تركيا مدخل المتابعة الحذرة للأوضاع في تونس. ثم كان
الموقف التركي أكثر وضوحا في الحالة المصرية في دعوة النظام القائم إلي
إدخال إصلاحات، والاستجابة لمطالب الشعب، ثم التحول بعد ذلك إلي نقد النظام
علنا ومطالبته بالرحيل، في خطاب أردوغان أمام البرلمان التركي في بداية
فبراير 2011، فيما ع د تحولا نوعيا في السياسة التركية نحو التدخل المباشر
في الشئون الداخلية لدول أخري، غير مرتبطة بشكل مباشر بالأمن الوطني
لتركيا، وسابقة في العلاقات بين القوي الرئيسية في المنطقة(3). لكن السياسة
التركية جاءت أكثر تحفظا بشكل عام إزاء التدخلات الخارجية في ليبيا، حيث
عارضت فرض العقوبات وخطط التدخل العسكري بقيادة فرنسا ثم الناتو، وبدت
تركيا أقرب إلي تبني مدخل الإسهام في جهود الإغاثة الإنسانية، مع الإبقاء
علي قنوات مفتوحة مع طرفي الصراع لأداء دور الوسيط. وجاء الموقف التركي
أكثر حذرا في حالة البحرين. فرغم الجهود الدبلوماسية والاتصالات التركية
بقيادات البحرين والسعودية وإيران، فإن الموقف التركي اكتفي بدعوة الأطراف
كافة إلي ضبط النفس، والدعوة للإصلاح بشكل عام دون انتقاد مباشر للنظام
البحريني، ومطالبة المحتجين بالاستجابة لمبادرات الإصلاح في الآن ذاته، مع
التحذير من مخاطر الانقسام السني - الشيعي في المنطقة. وبالمثل، تراجع بروز
الدور التركي في الحالة اليمنية، حيث تجنبت التدخل المباشر، واكتفت
بمناشدات عامة لتحسين مستقبل اليمن من خلال التحول الديمقراطي، وعبرت عن
دعمها المبادرة الخليجية لانتقال السلطة لمعالجة الأزمة اليمنية. وأخيرا،
تبنت تركيا مدخلا مزدوجا في التعامل مع تطورات الأوضاع في سوريا، يجمع بين
حماية النظام الصديق لتركيا ودعمه من جهة، والتعاطف مع الثوار والتأييد
الضمني لهم ولمطالبهم من جهة أخري، مع تنشيط دور المجتمع المدني التركي في
استضافة أنشطتهم علي الأراضي التركية(4).

وقد تعددت التفسيرات والدلالات المطروحة لهذه المواقف التركية والاختلافات
بينها. فثمة من يراها مؤشرا علي الطابع البراجماتي وتغليب مصالح تركيا
الاقتصادية بالأساس. وهناك من يراها مؤشرا علي ارتباك السياسة الخارجية
التركية، نتيجة وقوعها في إسار سياساتها التوازنية وعدم انحيازها بوضوح
لمطالب الشعوب بالتغيير. ويراها آخرون مؤشرا علي الارتباك والتخلي عن الأسس
التوازنية لرؤية العمق الاستراتيجي بتدخلها في الشئون الداخلية لدول
المنطقة وانحيازها لأطراف دون أخري. ويتلاقي الاتجاه الأخير مع تفسيرات
تركز علي المرجعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، وارتباطه بالإخوان
المسلمين في مصر وسوريا. وهناك اتجاهات أخري تفسر المواقف التركية
باعتبارها تتبع إلي حد كبير مواقف العواصم الغربية، وهو ما يناقض تفسيرات
تبرز رفض التدخل العسكري الخارجي في دول المنطقة كأحد المحددات الأساسية
للموقف التركي، لاسيما أن مثل هذا التدخل قد يتم استدعاؤه لاحقا ضد تركيا
ذاتها(5).

وفي المقابل، يبدو التفسير الرسمي أقل أحادية، وأكثر شمولا ومرونة، إذ
يؤكد اتفاق المواقف التركية مع الرؤية الحاكمة لسياستها الخارجية بشكل
عام، واستمرار مساعيها لتحقيق مصالحها الوطنية ومصالح جميع الأطراف في إطار
إعطاء الأولوية للاستقرار في المنطقة، مع إدراك أن تحقيق الاستقرار في
الظروف الراهنة غير ممكن إلا من خلال دعم الإصلاحات الديمقراطية. ويفسر
الخطاب الرسمي اختلاف الآليات التركية من حالة لأخري، حسب تقديرات تركيا
لطبيعة كل حالة، ومتطلبات الموازنة بين الحرية والأمن/الاستقرار فيها، علي
ضوء طبيعة التكوين الإثني للمجتمعات المختلفة، ودرجة استجابة قيادات النظم
المعنية، ودوافع الأطراف الخارجية من التدخل، وتقدير حدود إمكانيات تركيا
وقدراتها في كل حالة(6).

وبغض النظر عن التفسيرات السابقة، فقد أثرت التطورات التي تشهدها المنطقة في الدور التركي، سياسيا واقتصاديا وعسكريا:

1- من الناحية السياسية، أدت الثورات العربية لإعادة استدعاء الدور
التركي كنموذج، مع تجدد الجدل حول كيفية ومدي الاستفادة من الخبرة التركية.
ويظهر هذا الجدل بشكل خاص فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الديني والسياسي،
حيث يمكن التمييز بين عدة اتجاهات، أولها يركز علي آليات ضبط حركات
الإسلام السياسي وضمان علمانية/مدنية الدولة، من خلال دور الجيش، وترتيبات
دستورية ومؤسسية وحوافز وضغوط الأطراف الخارجية. ويركز ثانيها علي دلالات
نجاح الإسلام السياسي التركي وما تعكسه من تطور في رؤية حزب العدالة ونجاحه
في الوصول لصيغ توافقية داخليا وخارجيا. وثمة اتجاه ثالث يري أن حالات بعض
الدول العربية -مثل مصر- قد أصبحت في وضع أفضل من تركيا، ومتجاوزة لها من
منظور عدم وجود مشكلة العلمانية المتطرفة، وطبيعة العلاقات المدنية -
العسكرية، وتراجع القيود الواردة علي تيارات الإسلام السياسي، وإمكانيات
التعبير عن رؤية هذا التيار وتطبيقها بشكل أكثر وضوحا(7).

وبجانب الدور التركي كنموذج، وفرت الثورات مجالا لنشاط تركيا في طرح
دورها كطرف ثالث ووسيط في معالجة الخلافات العربية الداخلية، ومحاولة الحد
من امتداداتها الإقليمية والتدخلات الدولية فيها، مع التركيز التركي علي
المداخل السياسية والدبلوماسية بشكل أساسي، سواء في صورة الضغط السياسي
بدرجات متفاوتة علي الحكومات، أو باستضافة مؤتمرات لبعض قوي المعارضة (كما
في حالة سوريا وبدرجة أقل ليبيا)، واقتراح مبادرات توازن بين اعتبارات
الحرية والحفاظ علي الأمن والاستقرار، من خلال وقف العنف وبدء عمليات إصلاح
قد تصل إلي ترتيبات لنقل السلطة. وظهر هذا المنهج التركي بوضوح فيما أعلنه
أردوغان في 7 أبريل 2011 عن "خريطة طريق" لمعالجة الوضع في ليبيا من خلال
ثلاثة محاور، هي: وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب القوات الحكومية من المدن
وإعادة إمدادات الإعاشة لها، وتشكيل نطاقات إنسانية آمنة توفر تدفق
المساعدات الإنسانية للجميع، وإطلاق فوري لعملية شاملة للتحول الديمقراطي
تستوعب جميع الأطراف(8). لكن ظهور النشاط السياسي التركي صاحبه جدل حول
دوافعه ومدي توازنه، وكذلك التساؤل حول مدي فاعليته. فتزايد حدة
الاستقطابات بين أطراف الصراعات الدائرة واستخدام السلاح، كلها عوامل تقيد
من فاعلية الدور التركي في تحقيق النتائج المطلوبة وتظهر حدوده، سواء من
منظور القدرة علي المعالجة الناجحة لأزمات المنطقة، أو حتي توظيف النشاط
السياسي والدبلوماسي التركي في تعزيز مكانة تركيا.

2- من الناحية الاقتصادية، تعاني تركيا حاليا خسائر اقتصادية في علاقاتها
مع الدول التي تشهد ثورات، فصادرات تركيا خلال الأشهر الثلاثة الأولي من
عام 2011 تراجعت بنسبة 24% لكل من مصر واليمن، و20% لتونس، و43% لليبيا،
و5% لسوريا، مع توقع تصاعد هذه النسب في الدولتين الأخيرتين مع تدهور
الأوضاع فيهما، فضلا عن خسائر المتعاقدين وشركات البناء التركية في ليبيا،
حيث تشكل السوق الثانية للمتعاقدين الأتراك في الخارج بعد روسيا، مع وجود
أكثر من 120 شركة تركية عاملة في ليبيا، وفق تقديرات عام 9002.

لكن من الضروري عدم المبالغة في التأثيرات السلبية في اقتصاد تركيا. فمن
ناحية، فتحت هذه الأوضاع المجال لاستحضار دور تركي مساهم في إنقاذ اقتصادات
هذه الدول، في إطار الحديث عن مشروعات تعكس سعي تركيا لتنشيط علاقاتها
التجارية والاستثمارية معها. كما نجد أن أغلب الشركاء التجاريين الأساسيين
لتركيا خارج المنطقة، كما أن النسبة التي تشكلها الصادرات التركية لكل من
مصر وليبيا وسوريا لإجمالي حجم الصادرات التركية لا تتعدي من 1 إلي 1.5%
لكل منها. كذلك، فإن انخفاض حجم الصادرات التركية لبعض دول المنطقة عوضته
زيادة الصادرات لدول أخري، مثل إيران والعراق والإمارات. وفي السياق ذاته،
أعلن تجمع المصدرين الأتراك عزمه علي تعزيز الصادرات التركية شرقا نحو
الهند وإندونيسيا والصين لزيادة تنويع وجهات الصادرات التركية. ولعل أحد
المؤشرات اللافتة للنظر أن الصادرات التركية وصلت قيمتها إلي 55.5 مليار
دولار في الأشهر الخمسة الأولي من عام 2011 بزيادة قدرها 20% عن الفترة
نفسها من العام السابق.

لا يمنع ذلك أن ارتفاع أسعار النفط، بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة،
أسهم في ارتفاع الواردات التركية وزيادة عجز الميزان التجاري، خاصة بالنظر
إلي اعتماد تركيا علي الاستيراد للوفاء بأكثر من 90% من احتياجاتها من
النفط والغاز والفحم. وتكشف المقارنة بين حجم الصادرات والواردات التركية
عن تضاعف حجم العجز في ميزان التجارة الخارجية، من 5.5 مليار دولار في
أبريل 2010 إلي 9 مليارات دولار في أبريل 2011(9).

3- من الناحية الأمنية، أدت الأزمات التي تشهدها دول المنطقة إلي بروز
أدوار أمنية عسكرية تركية علي نحو ما ظهر في ليبيا بشكل خاص، في إطار
المشاركة التركية في حملة الناتو لفرض حظر التسلح وإيصال المساعدات
الإنسانية(10). كذلك، أثارت بعض التحليلات وجود خطط تركية للتدخل وإقامة
مناطق آمنة داخل الأراضي السورية، في حالة تدهور الأوضاع فيها، للحد من
امتداد التأثيرات السلبية وتدفق اللاجئين داخل الأراضي التركية. ورغم نفي
الأتراك هذه الأنباء(11)، فإن دلالة إثارتها تظل لافتة، حيث تمثل بشكل أو
آخر إعادة استدعاء للأدوار الأمنية التركية في مرحلة ما قبل العدالة
والتنمية. كما كشفت عن حدود قدرة تركيا علي الحد من التدخلات العسكرية
الأجنبية في المنطقة، والاضطرار للمشاركة في هذه الترتيبات بشكل أو آخر،
وهو ما ظهر في الحالة الليبية، وقد يفرض نفسه في الحالة السورية، حال
تصاعدها.

ثالثا- آفاق الدور التركي :

إذا كانت عملية الاستشراف بطبيعتها محاطة بالعديد من الصعوبات، فإن هذا
التحفظ يبدو أكثر حضورا بالنظر إلي حالة عدم الاستقرار والتغيرات
المتلاحقة والممتدة التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن. ومن ثم، فإن
الأفكار المطروحة حول مستقبل الدور التركي تظل أقرب للاجتهادات الأولية
التي تتطلب المراجعة مع زيادة تبلور آثار هذه التغيرات. ويمكن الحديث بشكل
عام عن ثلاثة تصورات لمستقبل الدور التركي في المنطقة، وذلك علي النحو
التالي:

1- تصور تعزيز حضور الدور التركي وفاعليته: يقوم هذا التصور علي أن
التغيرات الراهنة من شأنها أن تعزز من حضور تركيا في المنطقة، مع زيادة
جاذبية أدوارها، وذلك في إطار مسارين مختلفين نسبيا، هما:

أ- مسار تعزيز الدور التركي مع تراجع القوي العربية: وذلك في إطار توقع
زيادة فاعلية الدورين التركي والإيراني لملء الفراغ الإقليمي المتزايد الذي
سينجم عن انشغال دول المنطقة بقضاياها الداخلية، وعجزها عن النهوض
بأدوارها الخارجية بفاعلية، وهو ما يشكل امتدادا للأوضاع في مرحلة ما قبل
الثورة، حيث كان تراجع الأدوار العربية أحد مصادر بروز أدوار القوي الأخري
في المنطقة. ويمكن تصور ارتباط هذا الصعود في الدور التركي بتزايد التنسيق
التركي - الإيراني، أو التركي - الخليجي، مع استدعاء تحليلات أخري لإمكانية
تأثير التغيرات في المنطقة في تعزيز أهمية تركيا في الفكر الاستراتيجي
الغربي كحليف ديمقراطي أكثر استقرارا، و دفع إسرائيل لمعالجة أسرع
لخلافاتها مع تركيا لتحجيم السيناريوهات السلبية التي قد تنجم عن تغير
البيئة الإقليمية(12).

ب- مسار تعزيز الدور التركي مرتبطا بنجاح الثورات وتفعيل التعاون العربي -
التركي: فمن الناحية الاقتصادية مثلا، يمكن للإصلاحات السياسية
والاقتصادية في المنطقة أن تسهم في تحسين إمكانيات التعاون الاقتصادي بين
تركيا ودول المنطقة، وتفعيل مشروعات التكامل الاقتصادي وتقسيم العمل(13).

وبشكل أكثر شمولا، فإن ديناميات الثورات داخليا وخارجيا يفترض أن تدفع
النظم العربية لمراجعة سياساتها الخارجية، وزيادة استقلاليتها من خلال
بدائل استراتيجية. وتمثل تركيا بديلا استراتيجيا إقليميا مهما، وإن كان
تفعيل التعاون المتوازن معه يتطلب تحقق شروط معينة، من أهمها تطوير القدرات
العربية، ووجود رؤية عربية مشتركة، وزيادة التوافق الوطني داخل تركيا
نفسها، ووضوح أولوياتها مع نجاحها في معالجة مشكلاتها الداخلية(14). وأحد
المسارات المطروحة لتحقيق هذا التعاون العربي مع تركيا (وإيران) هو تحقق
درجة أكبر من التقارب بين أنظمة الحكم فيها، مع السيطرة المتوقعة للقوي ذات
المرجعية الدينية، بحيث تصبح نظم الحكم في المنطقة ذات وعي أكبر بهويتها
الحضارية ومسئولياتها تجاه شعوبها، وأقل تبعية للخارج، وبحيث تزداد
إمكانيات تفعيل المثلث المصري - التركي - الإيراني(15).

2- تصور استمرارية حضور الدور التركي وجاذبيته مع محدودية فاعليته: وهو ما
يمثل استمرارا للوضع القائم بدرجة أو أخري، وامتدادا للسياسة التركية التي
تجلت في التعامل مع الثورات العربية. وبخلاف التصور الإيجابي لتعزيز الدور
التركي، فإن هذا التصور لا يشترط حدوث تحولات أو تغييرات جذرية، داخلية
وإقليمية، بقدر ما يقوم علي افتراض استقرار الداخل التركي، وعدم امتداد
مظاهر عدم الاستقرار إليه. لكن تسارع وتيرة التغيرات الإقليمية قد يكون من
شأنه الكشف بشكل أكبر عن الإشكاليات الكامنة في الدور التركي، ورؤيته
ومحدودية قدرته علي تحقيق نتائج ملموسة بشكل يؤثر سلبا في الاهتمام بهذا
الدور وجاذبيته، بما يدفع إلي تراجعه تدريجيا.

3- تصور تراجع الدور التركي: سواء علي مستوي الحضور أو الجاذبية
والاهتمام، أو الفاعلية والتأثير. وقد ينتج ذلك جزئيا بسبب أسلوب تعامل
تركيا في الشهور الأخيرة مع الثورات العربية، والإدراك السلبي لدلالات هذه
السياسة، سواء من قبل الشعوب، أو النخب الحاكمة العربية "القديمة". فتذبذب
المواقف التركية إزاء الثورات يهدد تركيا بفقدان مصداقيتها لدي الشعوب
العربية كدولة تؤسس سياستها الخارجية علي مبادئ الحرية والعدالة
والإنسانية، وهو ما ظهر أحد مؤشراته في احتجاجات ثوار ليبيا علي السياسة
التركية المنحازة للقذافي في تقديرهم(16). وفي المقابل، فإن حذر النخب
العربية "القديمة" سيتزايد إزاء تركيا بسبب ربط المواقف التركية بالعلاقات
بين حزب العدالة وتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة. وقد دفع ذلك بعض
التحليلات إلي تأكيد "نهاية سياسة العمق الاستراتيجي التركية" مع ظهور عدم
حيادية تركيا في تدخلاتها في المنطقة، بما يؤثر سلبا في السياسة التركية
بشكل عام، و"يعرض علاقاتها وكل استراتيجياتها العميقة للانكسار، وعلي كل
الأصعدة، ليس فقط مع سوريا، بل مع المحور كله من طهران إلي بيروت مرورا
ببغداد"(17).

وإذا كانت السيناريوهات السابقة تفترض في غالبيتها استمرار النظم القائمة،
فإن سيناريوهات نجاح الثورات العربية واكتمالها قد تؤثر بدورها سلبا في
الدور التركي. فعودة الدور المصري خلال الفترة القادمة، حال نجاح مصر في
تجاوز مرحلة عدم الاستقرار الراهنة وتفعيل وجودها في الدوائر التقليدية
للسياسة المصرية، من شأنه تقليل حالة الفراغ الإقليمي التي مثلت أحد مصادر
بروز الدور التركي خلال السنوات الأخيرة. كذلك، قد تتزايد الصعوبات التي قد
تواجه تركيا مستقبلا، حال سعيها لتطوير علاقات اقتصادية غير متكافئة مع
دول المنطقة، مع زيادة ديمقراطية صنع قرارات السياسات الخارجية. كما أن
الطابع الشعبوي لصناعة السياسة الخارجية قد يحمل مخاطر إثارة القضايا
الخلافية في العلاقات العربية - التركية، مثل قضايا المياه والحدود، لاسيما
أن سياسة تصفير المشكلات التركية لم تقدم سوي معالجات جزئية تصب في
غالبيتها لصالح تركيا(18).

أخيرا، قد يتراجع الدور التركي نتيجة انكفاء تركيا علي ذاتها، حال
امتداد تأثيرات التطورات الراهنة في المنطقة في صورة تصدير الثورة، أو عدم
الاستقرار إلي داخل تركيا ذاتها بسبب عوامل الضعف الكامنة في بنية
مجتمعها. ويشير المسئولون الأتراك بوضوح في هذا الصدد إلي المخاوف من تأثير
الأوضاع في سوريا تحديدا في تعزيز قدرات حزب العمال الكردستاني علي
التخطيط والحركة عبر الحدود السورية - التركية، مع تخوف أكبر من انتشار
تأثيرات الأوضاع في المنطقة عامة وسوريا خاصة -لاسيما حال استدعاء الأبعاد
الطائفية والإثنية- علي نحو يؤجج مطالب الأكراد والعلويين في تركيا. وأحد
المؤشرات المقلقة لتركيا في هذا الصدد هو تزامن التوترات في المنطقة مع
تهديدات حزب العمال الكردستاني بتصعيد أعمال العنف، عقب الانتخابات
البرلمانية التركية مباشرة، حال عدم جدية الحكومة في معالجة القضية
الكردية(19).

خاتمة :

وأخيرا، يمكن القول إنه إذا كانت غالبية التصورات تشير إلي إمكانية
استمرار بروز الأدوار التركية في المنطقة (دون زيادة فاعليتها بالضرورة)،
فإن الأكثر أهمية هو ما يكشف عنه العرض السابق من عدم وجود علاقة خطية
بالضرورة بين تعزيز الدور التركي وتعظيم المصالح العربية أو العكس. ومن ثم،
يصبح من الضروري - من المنظور العربي - إدراك حدود التلاقي والاختلاف بين
المصالح التركية والعربية، مع إعطاء الأولوية لتعظيم إيجابيات التغيرات
الراهنة علي القدرات الذاتية العربية، والتقييم الموضوعي لإمكانية
الاستفادة من الأدوار التركية في هذا الصدد، دون تهوين أو مبالغة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الارتباك: تحليل أولي للدور التركي في ظل الثورات العربية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الارتباك: تحليل أولي للدور التركي في ظل الثورات العربية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: تـــــــــاء التأنيث الـــــمتحركة زائر 745-
انتقل الى: