** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 عرائش الحنظل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عزيزة
فريق العمـــــل *****
عزيزة


التوقيع : عرائش الحنظل 09072006-161548-3

عدد الرسائل : 1394

تاريخ التسجيل : 13/09/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

عرائش الحنظل Empty
06032017
مُساهمةعرائش الحنظل

عرائش الحنظل Masks 
رفعت البصر المنخطف تجوس، في بهت كالبلهِ، تقاسيم المكان تتضوّر فجْعا خلف حجب من غبار محمّل سموما، ونثار هدم، وأدخنة، ورجْع صراخ يتقطّع على شَقَف الصّمت المكسور في كلّ رجا هلِع وناحية ذليلة..
ناس حولها أكوام لحوم وعظام مبعثَرة على الأسطح المروّعة أو تحت أنقاض المباني المتهدّمة وآخرون مكبّون يجمعون قطاف الحرب أجسادا مزقا ظاهرة ومخفيّة، وناس أبعد بحقد يتفجّر في المقل ورغوة سوداء تتفقّع حوافَّ الشّفاه، هناك خلف جدران العزل المتفرّقة والحدود الرّابضة أسلاكَ شائكة وحواجز ناريّة على أطراف المدن المجاورة والدّول الأحبّة، أولاء على غير ما هم عليه كلّ حرب أضحوا: مغاور نمل تحطّمت أكنافها فهم غمر مختلط، وخطو متلافّ وركض متضادّ، وحركات منفوشة.. كأنّما هو الحشر وما هو بحشر. لكنّ أمّ حنظلة لا تأبه لسخام السّواد يرين على الوجوه المرعوبة، ولا ترى أحدا على مقربة أو مبعدة سوى جسد ابنها المتفرّق عند مهوى العين النّاشفة. العالم الذي يبقبق بطنه كبركان يتهيّأ للنّضج يخرج من وعيها ويدخل الذّهل متفسّحا في باحة الحزن الرّحيبة داخل صدرها، فتنفصل رويدا فآخر عمّا يحفّها بشرا وأحداثا وسحائبَ فسفور تتكثّف بالعلا فتقمّط الكون الدّخِن في لفافات القطن ناعمة السّموم..
لكنّ.. ما يحدث غير عاديّ، ولا شبيه له في ما خلا من النّوازل يا أمّ حنظلة.. ! سحنة الأفق تتميّز خضرة دكناء استفحلت بين صبح رجِف وضحى مقرور سمْتا من جريد السّعف مدبّب الهدب، من غصون وريقة للشجر المتنوّع المشتبك، من الأشواك غضّة وشرسة تغرس إبرها في لحم الفضاء المفزوع فتفصّده فيما تلين هناك بالعلا في حنوّ الرّحم على أهله متغلغلة في فراغات ما بين الغصون، متسلّلة خُلل الهمس يسري من الورق نحو أجنّة الثّمر الغافية في أسرّة الأكمام..
لا سحائب ترعى كلأ الزّرقة، لا شمس تسوس مملكتها الصّفراء، ظلمة تُغطش العالم ولا ليلَ.. بنات التّراب يتسامقن، يتعلّقن بأسباب الصّعود ليشتبكن إثرئذ ناسجات بالتحامهنّ سقفا عاتي الهفيف من ظلال الخضرة المستشرية، جذورهنّ النّافرات ينشرن عنفا أخباء الأرض فتنبثّ أجوافها.. الحركة هرج والبشر جميعهم حتى جيرانها والأقربون أعشاش دبابير استنفروا في ذروة العمى.. هُوج، ينتشرون متنادين، متساقطين، يتساءلون مهطعين إلى سماء سُدّت فيها منافذ الرّجاء..
أمّي..
أصاخت.. يتراصّ الحفيف في السّماء، يتكثّف، يهِفّ هبوبا ما ينفكّ يعتو.. ريح صغيرها المختلفة تتحلّل في رشح أنفها الدّامع، وصوته يركض خفيفا مرحا حافي القدمين في فناء السّمع الدّاخليّ..
هشّت.. حنظلة أنت هنا؟..
أتكون الحرب قلبت الكون رأسا على عقب فأرضه سماء وسماؤه مداس..؟ وأرواح الأحبّة..؟ هل يدرجون الآن بيننا..؟ حنظلة يا قلب أمّك أضلّك عنّي الزّحام..؟ أنا هنا حيث تركت جسمك. تعال يا صغيري واحذر عراك الصّبية على حبّات الكجّات التي خسروا أو على درّاجة منسيّة في الطّريق.. اِنتبه أن تدهسك مزنجرة أو ينهشك كلب بشريّ..
كلاّ.. حبيبي هنا، بين يديّ قِددا..
تصدّرت اللّحظة العاقلة مقدّمة الذّهن الفارّ من عقله. اِستدركت منتكسة..السّماء تثقل، تتساقط كسفا من خضرة تحْوى لحظة فأخرى إلى سواد كظيم يجمجم في حلقه الوعيدُ الفائح.. الأرض تميد، تخبط، تهتزّ، تتفتّق، تنشقّ، تتكسّر حوافّها الصّخريّة، تقعقع مقاطعها الحجريّة، تتقلّب جنوبها الغافية، تنسكب مياهها خارج ضفافها، تتعرّى تربتها من أرديتها، تنزح رياضها بزهرها وعشبها وأكسيتها النباتيّة خارج حدودها الطبيعيّة.. تجتاح الخضرة الأمكنة، السّاحات العامّة، الزّناقي الضيّقة.. تطغى على الشوارع، الأنهج، الطرقات المعبّدة، وتنخسف تحت أقدامها الماردة مدن برمّتها.. يسقط جدار العزل الجائر، تتقطّع الأسلاك الشّائكة، وتفرغ الأخرى من شحناتها الكهربائيّة الصّاعقة.. يتدفّق النّاس في الاتجاهات المتعاكسة ولا يتعانقون أو يرمّمون منازل بالحبّ المتصدّعة عقودا من الفصل القهريّ.. الكلّ هؤلاء وأولئك فارّون نحو لا أحد ولا مكان..
ماذا يجري يا أمّ حنظلة..؟ تتساءل في غير اهتمام جدير بما يمور حذاءها وأبعد بما هو أدهى. مركز العالم مرمى حجرها الملتاث دما وأتربة، كلّ الزّمن دقائق حنظلة المطموسة، وكلّ الخريطة الكونيّة جسده الصغير مزقا..
خسفت البصر كرّة أخرى إلى طفلها أمامها. بين دمعة وعي رضيض وضحكة عقل مختبل راحت في أناة شفوق تلمّ إليها شتاته، ترتّب أجزاءه، تتريّث في رفع أمعائه حذر أن تؤذيها.. صرتَ أصغر ممّا كنت يا ولدي، هل أضعتُ منك قطعة ما..؟ تحسب قطعه بتؤدة شلوا شلوا وتعيد الحساب.. هي كاملة، لكنّها فقط غير ملتئمة.. لا تحزن، أمّك معك ولن تدعك نهبا لأحد.. سأعيد جبر كسورك، وخياطة جلدك يا حبيبي.. نعم سألدك من جديد أكمل، أجمل، أشرس ممّا كنت.. شيّعت شهقة أخرى إلى السّماء المعشبة.. حنظلة يا روح أمّك الشّاقية أعدت تلعب في بستان أبي غسّان من جديد..؟ سيقصفونك ثانية يا كبدي فعد، إنّهم يخافون الأسماء يا ولدي، يحاربونها في لافتات الأنهج، وبطاقات الهويّة وحتى في همهمات النّوايا المستترة.. عد أو دعني أوافيك حيث أنت فأردّ عنك مطر الصّواريخ العمياء..
خفضت نحو ركبتيها نشيجا حرشا يجرح أرضيّة الحلق الجافّ.. صارت تخبط فخذيها حينا، تنتش شعرها حينا، وتلطم وجه الإسفلت الضّريج بكفّين جريحين..
أمّاه..
ثانية تناهى إليها النّداء..عادت تتنصّت على مفاصله المصطفّة ملء فؤادها الأثكل.. من أيّها يخرج الصّوت يا ترى..؟ فتحة فمه قد رُدمت و.. أم..؟ شبح هنا..؟ فما من شيء إلاّ ينقلب إلى سوء منقلب من حولها..
اِرتاعت. الحزن يُذهب عقلك يا امرأة، لُمّي طفلك وعودي إلى منزلك..
أمّ حنظلة لا منزل لها. اِقتحمه صاروخ بحثا عن متّهم بالبكاء العمد عند مرور عرس لمستوطنين بالجوار، فدمّره ثمّ أكتشف أنّه أخطأ العنوان.
أمّاه..
هو حقّا يحدّثها..
“لا تفْرقي”، يقول.. “لا تخبطي الأرض ينفلق كفّاك. لم أمت. أنت تشقّين الثّوب الأخير لديك. أيّ فستان تمزّقين غدا إذا سقطت أختي؟ لن يبقى لك بعد غد سوى لحمك تقدّينه حزنا علينا.
غرّدي خلف ضحكتي المسروقة كالحمامة الولهى واخفقي فيّ يشتدّ قلبي الصّغير، أمّي. يحبّ جيراننا جسدي يُهراق ليلتقطوا لأنفسهم صورة إلى جانبه. يحبّ العدوّ دمعك القاني ليتأسّى على ذات فزع شعر به. خبّئي سريّ أمّاه عن الكاميرات، مشهدي الخارق لكلّ أهوال الحروب يغري الدّول والأحزاب والتّيارات فيتقاتلون عليّ حول الولائم الباذخة والكؤوس المترعة وينسوْن جرحك المتعدّد للنّزيف..
لم أمت يا أبي. تريّث أن تجزع. ستوقظ أحلام أختي الصّغرى وأخي القادم على مهل الجنين المطمئنّ. حييت الآن أكثر. تعدّدتُ في جسدي الواحد، تحوّلت من كلٍّ صغير إلى أجزاء أكبر ممّا يظنّون. معادني تحلّلت في دم الأرض الفقير فاغتنى بي.. حبالي العصبيّة اشتدّت ترتق كوفيّة الأمل المتفتّقة، وأظفاري الصغيرة لم تعد هشّة أمّي، صارت محاريث تشقّ جلد التّراب المتيبّس فيخصب.. غدا أصير شجرة تلتفّ على جذعها الممشوق أمعائي كأطفال العلّيق أمّي. لحمي الغضّ لحاء الشّجرة، ونسغها من دمي الدّفيق. وقلبي ثمرة ما، لست أدري ما أكون، قد أَحِلُّ في جسد “البرتقال الحزين”[1]، أو بكوز زيت الزّيتون، و ربّما أنسكب ماء عنب نمير، أو قد أدبغ رؤوس أصابعك بقشرتي الرمّانةِ تفركينها لأخي القادم من بعدي، تغسلينني بعدئذ بحامض اللّيمون فلا أمّحي عنك فتنهرينني كم أنت عنيد يا حنظلة.. فأضحك منك منتصرا عليك.. ربّما..
تفتّشين عن عينيّ بين حبيبات التّراب المدمى أمّاه..؟
اُنظري على التلّة حيث كنت ألعب هذا المساء. هناك أبعد قليلا  على قفا التلّة شجرة توت، رأيتِها..؟
تانك عيناي دشّنتا عهد التّوت اللاّزورديّ كعينيك..
تعالي واجلسي تحت ظلّي الوريف عند الظّهيرة واجمعيني كلّ ربيع. لا تضعيني في سلّة السّعف تلك. جوفها كأقفاص الدّجاج الفارهة. اِملئي بي حجرك هذا كزهر الأرنج الذي تقطفين. اِشربيني عصيرا تَصِحِّي بي أمّاه.  واسندي إليّ ظهر أبي عند رذيل العمر.. اِفترشي التّراب عند جذري إذا سكن أوصالك الوهن، سأوصي مساحة ظلّي فتذلّ لجنبك رحمة، ولا تَخِزك أصابعي النّاشبة في عيونهم. توكّئي على روحي وامضي إليّ.. ولا تنسي أمّاها ما أوصيتك به: لا تفشي سرّي لأحد منهم ومنهنّ سيأتون لالتقاط الصّور عند مساقط أوراقي، فيزايدون بها عند كلّ انتخابات، ويرقشون على لِحَائي أسماءهم ليتظاهروا بصداقتهم لي عند القمم ومآدب الكلام الأمميّ.. أمّي.. دعيني وحيدا ككرمتنا العجوز خلف دارنا. أما تزال دارنا على حالها بعد..؟ ودعيني بسيطا كأنت، عميقا كالبئر التي بحوشنا المنهوب..”
أسفر الشّحوب الدّخن على وجهها، أضاء خافتا كفتيل ينوس. شخصت أعلى، تهيّأ لها وجه ابنها ينام في حضن زنبقة سماويّة، وجه مدوّر، شاحب البياض، بحريّ العينين. اِبتسم لها فومضت على شفتيها المبيضّتين ابتسامة خرقاء تخلّفت عن ركب المواجع المترحّلة من مقبرة إلى مقبرة. عهد الفقد قضى، قال حنظلة. أومأت برأسها أعلى أسفل مرّات متتاليات تزكّي سمعها. مازال  الفتى العنيد يشيح عن النّاس بوجهه ويُوليهم قفاه العبوس لكنّها تصدّقه الآن أكثر. الموتى لا يكذبون. اِطمأنّت والمدن من حولها جزعت، تتقلّب فيها القلوب والأبصار والأفئدة الهلوع..
رأت الأشجار تتقلّع ذاتيّا عن منابتها وتتحدّر عن جنوب الجبال، وظهور الرّبى والتّلال.. تغادر الغابات وأكتاف الأودية، تخترق أسيجة الحقول والبساتين المسوّرة، تكسر الحدود.. تمشي هوينى الغضب المحتدم فتنقلب البسائط بطونا على صدور منذ ستّين عاما من القتل المستمرّ وأزيد بشعب من الأرواح المسمّمة والأجساد المتفحّمة وهي قريرة مطمئنّة.. تتكسّر إذّاك أطواق الحديد والاسمنت، تنخلع الأقفال الصّدئة عن الأرحام المعتقلة فتخرج فتية الأشجار الدّفينة من تحت الأحياء السّكنيّة تخرق الرّخام، تصدّع الجدران، تثلم انسجام السّقوف، تزيح عن أوطانها الطبيعيّة فَطر المباني الغازية، تشقّ الطّرق المعبّدة، صدعا تصدّعها، تفجّر وجهها حقولَ قمح كانت يوما هنا، وعرائسَ ذُرة تتهادي في محافل صفرة أشرقت في غير فصلها، وبساتينَ برتقال وتين وزيتون وكرما وريفا يطمئن العشّاق أنّه ساتر سوءاتهم دائما كما في الزّمن القدسيّ من قبل، فلا يخجلون إذّاك من عري الحبّ في حضرة الحرب..
الأشجار تمشي، الرّواسخ تتخلخل، الثّوابت تتسيّر، البناءات تندكّ، الأسوار تتهتّك، المضاجع تنكشف، السّرائر تتبعثر، ومن كانوا قبل نيف من ساعة يتنافسون حول الجائزة العالميّة الكبرى للسّبق الصّحفي والإعلاميّ والمنبريّ في قنص أبشع صور القتل والهدم والقصف الضالّ، أُبهتوا.. أُسقط في أفئدتهم فهي هواء جافّ، وفلوات تعصف في جنباتها عطور الخضرة الضّروس..
لا يشغل أمّ حنظلة رغم كلّ الذي يهْول بالجوار الدّاني والجوارات المحاذية إلاّ أن تحمي قطع ابنها من التّلف أكثر أو أن تنقص منها مقدار لحمة شاردة. فهذا الصّبيّ هو الأوّل من بين إخوة خمسة سبقوا، تعثر على جثّته لتقيم عليها مأتما يليق بمسكنه في قلبها وشاهدة من رخام تلمّعها بدمعها كلّ جمعة.. لن تفقده ثانية. قدّت جزءا من فستانها الأخير مقدار ما يحوي قطع ابنها، وصرّتها بإحكام ولم تعرف أيّ اتجاه تسلك لتقبره.. العالم انقلب فعلا أرضا على سماء، والأبواب كلّها أشرعت  ملء العيون الآثمة والمأثوم فيها: السّجون، الأنفاق، أقبية التّحقيق، مجاري الحجز الاحتياطيّ، مكاتب الجوسسة، قصور المؤامرات الدّوليّة، خرائط تقسيم الدّول والثروات الطبيعيّة، ملفّات تربية الوحوش البشريّة والجداول الزّمنيّة لنشرها في الأماكن المرصود لها التوتّر والحروب الدّاخلية بأموال شقيقة وصديقة وعدوّة ومحايدة ماكرة.. لكن أين عسى أن تحفر بيتا آمنا لابنها الصّغير.. أين يا رب..؟ لا مكان قرّ على حاله ولا تربة باتت صالحة لحفظ أمانة الرّوح الطّاهرة..
– أهي الحرب من جديد يا أمّ دلال؟
– لست أدري يا خالة جميلة. أرى حربا ولا أسلحة.. قتلى ولا قتلة.. هروب جماعيّ من الدّور والمكاتب ولا أقبية تحمي الفارّين من قصف بلا مدافع أو صواريخ.. المخابئ السّريّة لم تعد سريّة، لم تعد مخابئ حتى.. لست أدري ما يجري هنا وهناك.. يقال إنّ كثيرا من الدّول المجاورة والبعيدة تشهد مثل ما نشهد، لكنّ أوطانهم ليست محتلة كوطننا..؟ ماذا يجري يا خالة جميلة ؟ هل..
لم تقِرّ أم حنظلة حتى تنهي جارتها مراسم حيرتها. ركضت على عواهن التّيه تبحث عن حفرة لائقة. الصرّة إلى حضنها وفي السّمع تترقرق كلمات ابنها..
لكن أين الشّجرة التي ستصير يا ولدي..؟ الأرض لم تعد أرضا لشجر ولا قبر.. غابات ثائرة تخلع قشر الصّمت عن جذوعها، تسحق سكينة الأمن عن منابتها، تجتاح المدن الجارحة، ترجمها بحبّ ثمرها المتبرعم للتوّ يتساقط نابيا كحجارة الأبابيل.. قتلى وجرحى وهلعين منّا ومنهم..
نحن نعود يا أمّي، لا تخافي.. تلك كروم الآلاف المؤلّفة من الأرواح وقد نضجت غلّتها جمرا وشواظ نار ونحاس يحرقان كلّ قتلتنا من الأهل والصّحب والجيرة والأعداء.. اِبحثي لك عن مكان آمن ريثما تنتهي ثورتها.. الغابات تلك أطنان جثثنا التي تحلّلت ثرواتها في تربة البلد. أثمارها التي كالشّهب عيوننا. صفيرها النّحاسيّ القاسي غناؤنا الذي يكرهون، حفيفها النّاريّ خطانا المرحة على بسائط العشب الغضيض..
لم نمت إلاّ في عيونهم يا أمّي، لا أحد مات في هذا الشّرق المبيع في مزاد القتل العلنيّ.. أشجارا صرنا، حقولا زاخرة، ومساكن للقبّرات والخطاطيف العاشقة. وحدهم القتلى يعرفون قتلتهم، فلا تخافي، لن يصيبك أذى من شجرة ولا رجما من ثمرة.. فتوكّئي على روحي وامضي إليّ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

عرائش الحنظل :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

عرائش الحنظل

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: تـــــــــاء التأنيث الـــــمتحركة زائر 745-
انتقل الى: